جذور أوروبا المسيحية لم تذبل، بل ما زالت فاعلة ومثمرة

بقلم روبير شعيب

براغ، الأحد 27 سبتمبر 2009 (Zenit.org).

 "بما أن الإنجيل ليس إيديولوجية، فهو لا يهدف إلى إغلاق الوقائع السياسية والاجتماعية في أطر متصلبة. لا بل يتسامى الإنجيل على قضايا العالم ويلقي ضوءًا جديدًا على كرامة الشخص البشري في كل عصر"، بهذه الكلمات شرح الأب الأقدس بندكتس السادس عشر الدور الآني الذي يستطيع أن يلعبه إنجيل المسيح في المجتمع المعاصر الذي يعاني من بعض التيارات العلمانية التي تريد أن تنفي المسيحية من الإطار العام معتبرة رسالتها كعائق أمام تقدم المجتمع، وأمام رفاهية الإنسان.

جاءت كلماته خلال لقائه بعض ظهر الأحد 27 سبتمبر بممثلي الطوائف المسيحية المختلفة، الذين اجتمعوا للقاء الحبر الأعظم في مقر رئاسة أسقفية براغ، عاصمة الجمهورية التشيكية.

انطلق البابا في حديثه من الإشارة إلى التحولات التي شهدتها منطقة أوروبا الشرقية، وبشكل خاص الانتقال من الحكم التوتاليتاري إلى حكم ديموقراطي. وذكر أنه خلال هذه الفترة "اتحد المسيحيون سوية مع ذوي الإرادة الصالحة لبناء نظام سياسي عادل، وما زالوا يلتزمون في الحوار اليوم لكي يمهدوا الطريق نحو سبل جديدة من التفاهم المتبادل، والتعاون من أجل السلام والتقدم نحو الخير المشترك".

إلا أنه بالرغم من هذا الدور الفاعل والإيجابي الذي لعبه المسيحيون، "هناك محاولات جديدة لتهميش تأثير المسيحية في الحياة العامة، بحجة أن تعاليمها تضر برفاهية المجتمع".

 

الحداثة والمسيحية: ضرورة نقد ذاتي بنّاء

ودعا البابا في هذا الإطار إلى موقف نقدي مزدوج: "نقد ذاتي للحداثة"، و"نقد ذاتي للمسيحية الحديثة".

وشرح أن على الحداثة والمسيحية على حد سواء أن تقوما بفحص ضمير في ما يتعلق بالرجاء الذي يقدمه كل منهما للبشرية وتساءل البابا في هذا الإطار: "ما عساه الإنجيل يقول الآن للجمهورية التشيكية ولأوروبا بأسرها  في فترة تزدهر فيها النظريات العالمية؟"

وشدد البابا على أن المسيحية ما زالت "تستطيع أن تقدم الكثير على الصعيدين العملي والأدبي، لأن الإنجيل ما زال يلهم الرجال والنساء لكي يضعوا أنفسهم في خدمة الإخوة والأخوات".

وشرح أن "من يثبّت نظره على يسوع الناصري بعيون الإيمان يعرف أن الله يقدم واقعًا أعمق لا ينفصل عن "تدبير" المحبة الفاعلة في العالم: هو يقدم الخلاص.

 

الخلاص: تجذر في السماء من أجل تجلي الأرض

وانطلاقًا من جوهر الإعلان المسيحي، الخلاص، توقف البابا على معنى هذا الأفهوم فقال: "هذا التعبير غني بالمعاني، ولكنه يعبر عن أمر أساسي وجامع في ما يتعلق بالتوق البشري إلى السعادة والاكتمال. إنه يلمح إلى التوق المتقد للمصالحة والشركة الذي يفتجر عفويًا من أعماق الروح البشري".

وأضاف: "نتشجع لمعرفتنا أن إعلان الكنيسة للخلاص في يسوع المسيح هو قديم دومًا ومتجدد دومًا، يغرف من حكمة الماضي ويفيض رجاءً للمستقبل. بينا تصغي أوروبا لتاريخ المسيحية، تسمع ذاتها".

ولفت الأب الأقدس إلى أن مفاهيم العدالة، والحرية، والمسؤولية الاجتماعية، مع المؤسسات الثقافية والقانونية التي نشأت لكي تحافظ على هذه الأفكار ولكي تحملها إلى أجيال المستقبل، إنما هي "مطبوعة بتراثها المسيحي". وأردف: "إن ذاكرة الماضي في أوروبا تحرك مطامحها المستقبلية".

وفي هذا المفهوم العملي للخلاص شرح الأب الأقدس أم "من واجب المسيحيين ألا يتقوقعوا على ذواتهم خوفًا من العالم، بل أن يشاركوا بثقة كنوز الحقيقة الموكلة إليهم. بالشكل عينه، على المسيحيين اليوم، في انفتاحهم على الوقائع الحاضرة وإقرارهم لخير المجتمع، أن يتحلوا بالشجاعة في دعوة الرجال والنساء إلى ارتداد جذري ينسبك في لقاء حي مع المسيح وينخرط في إطار حياة النعمة الإلهية".

وتابع: "من هذا المنطلق، نفهم بشكل أوضح لِمَ يتوجب على المسيحيين أن يتعاضدوا سوية في تذكير أوروبا بجذورها. ليس لأن هذه الجذور قد ذبلت منذ زمن. على العكس! لأن هذه الجذور تستمر – بشكل خفي ولكن مثمر – بمنح القارة الأوروبية السند الروحي والأخلاقي الذي يسمح لها بالدخول في حوار ذي معنى مع شعوب الثقافات والأديان الأخرى".

ثم أضاف: "وبما أن الإنجيل ليس إيديولوجية، فهو لا يهدف إلى إغلاق الوقائع السياسية والاجتماعية في أطر متصلبة. لا بل يتسامى الإنجيل على قضايا العالم ويلقي ضوءًا جديدًا على كرامة الشخص البشري في كل عصر".