كلمة البابا قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي

روما، الثلاثاء 24 نوفمبر 2009 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها بندكتس السادس عشر قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي يوم الأحد 22 نوفمبر من نافذة القصر الرسولي المطلة على ساحة القديس بطرس.

***

إخوتي وأخواتي الأعزاء!

في هذا الأحد الأخير من السنة الليتورجية، نحتفل بعيد يسوع المسيح ملك الكون، عيد حدد بطريقة جديدة نسبياً وإنما يتمتع بجذور بيبلية ولاهوتية عميقة. إن لقب "الملك" الذي أعطي ليسوع مهم جداً في الأناجيل ويسمح بإعطاء قراءة كاملة لشخصه ورسالته الخلاصية. في هذا السياق نلاحظ تقدماً: تم الانطلاق من عبارة "ملك اليهود"، والوصول إلى عبارة ملك الكون، سيد الكون والتاريخ، أي إلى ما يتخطى توقعات الشعب اليهودي عينه. ووسط مسار تجلي ملكية يسوع المسيح، يظهر مجدداً سر موته وقيامته. عندما صلب المسيح، سخر منه الكهنة والكتبة والشيوخ قائلين: "أهو ملك إسرائيل؟ فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به! (مت 27، 42). ففي الواقع أن يسوع تألم تحديداً لأنه ابن الله، وأن الصليب هو الرمز المفارق لملكيته القائمة على انتصار مشيئة محبة الله الآب على عصيان الخطيئة. من خلال تقديم ذاته ذبيحة تكفير، أصبح يسوع ملك العالم، كما أعلن بنفسه خلال ظهوره للتلاميذ بعد القيامة: "دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض" (مت 28، 18).

ولكن، علامَ يرتكز "سلطان" الملك يسوع المسيح؟ هو ليس سلطان الملوك والعظماء في العالم؛ إنها القدرة الإلهية على منح الحياة الأبدية، والتحرير من الشر، وهزم سلطان الموت. إنها قدرة المحبة التي تغرف الخير من الشر، وتلين القلوب المتحجرة، وتحمل السلام في أقسى النزاعات، وتضرم الرجاء في أحلك الظلمات. إن ملكوت النعمة لا يفرض أبداً، بل يراعي دوماً حريتنا. لقد جاء المسيح لـ "يشهد للحق" (يو 18، 37) – كما قال أمام بيلاطس –، ومن يقبل شهادته، ينضوي تحت "رايته" بحسب الصورة العزيزة على القديس اغناطيوس دي لويولا. هذا الخيار – هذا القبول – ضروري إذاً لكل ضمير: من أتبع؟ الله أو الشرير؟ الحقيقة أو الكذب؟ إن اختيار المسيح لا يضمن النجاح وفقاً لمعايير العالم بل يضمن السلام والفرح اللذين لا يوفرهما أحد غيره. هذا ما تظهره دوماً تجربة الرجال والنساء الذين قاوموا باسم المسيح وباسم الحق والعدالة رياء السلطة الأرضية ومختلف أقنعتها، وختموا هذه الأمانة بالشهادة.

أيها الإخوة والأخوات الأحباء، عندما حمل الملاك جبرائيل البشارة إلى مريم، قال لها أن ابنها سيرث عرش داود، فيملك إلى الأبد (لو 1: 32، 33). وآمنت العذراء مريم بذلك قبل تقديمه إلى العالم. وبالطبع أنها تساءلت عن هذا النوع الجديد من ملكية يسوع، وفهمته من خلال الإصغاء لكلامه والمشاركة في سر موته على الصليب وقيامته. فلنطلب من مريم أن تساعدنا نحن أيضاً على اتباع يسوع ملكنا كما فعلت بنفسها، وعلى الشهادة له بكل وجودنا.

ترجمة وكالة زينيت العالمية