رسالة رعوية في عيد الميلاد المجيد 2010

 

 

****************************************

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين

" كونوا على فكر المسيح يسوع " ( في 2 : 5 )

" وتجددوا روحاً وعقلاً، والبسوا الإنسان الجديد الذي خلقه الله

على صورته في البر وقداسة الحق " ( أف 4: 23-24 )

 

إلى الأحباء الكهنة والرهبان والراهبات وجميع أبناء الكنيسة الكاثوليكية في إيبارشية المنيا، فرح وسلام طفل المغارة يملأ قلوبكم ويشع حولكم ,

 

مثل كل عام نحتفل بعيد ميلاد يسوع المسيح، كلمة الله الذي صار بشراً وعاش بيننا ليرفع طبيعتنا ويشركنا في حياته الإلهية. وفيما نحتفل بميلاد المسيح يدعونا هذا العيد إلى إعادة التفكير والنظر على حياتنا في نور المسيح، وادعوكم إلى التأمل في النقاط التالية :

 

 أولاً: كونوا على فكر المسيح وتجددوا روحاً وعقلاً

 ثانياً : أعد اكتشاف قيمتك كابن لله، وساهم في جعل الآخرين يشعرون بقيمتهم

 

أولاً : كونوا على فكر المسيح وتجددوا روحاً وعقلاً

 

الله لا يتغير ولكن نظرتنا نحن إليه تتغير، وقد تغيرت بالفعل بعد ما تعرّفنا إلى يسوع المسيح. ففي يسوع عرفنا الله المحبة، وعرفنا أننا أبناؤه.

 

فبقى علينا أن نعيش طبقاً لهذه النظرة الجديدة وطبقاً لهذا الإيمان، وليس هذا بالأمر الهين، إنما هو عمل الحياة كلها. لقد تعودنا ومازلنا نتصور الله في صورة سيد يسكن في الأعالي ويقود كل شيء عن طريق التحكم عن بعد. فجاء المسيح ليكشف لنا أن الله لا يملك من الخارج بأوامر خارجية، وإنما يملك في قلب الوجود وملكه داخلي ويقود من الداخل بإرشاد داخلي بالوحي والروح.

 

أعلن أن مملكته ليست من هذا العالم، في الوقت الذي كان الناس ينتظرون منه ملكاً سياسياً، فملكوته روحي مبني على الإقناع والاقتناع، على الحرية والاختيار.

وحين أراد الله أن يتجسد قرر أن يولد في هيئة طفل طريد غريب في مغارة بقرية صغيرة في بيت لحم. واختار أن يكون عاملاً بسيطاً في ورشة نجارة، ووقف في طابور الخطأة ورفض عمل معجزات لكي يظهر قوته. لم يظهر ذاته بالقوة بل أخلى ذاته بالتواضع، واتخذ لغة وحيدة وهى الحب ليكسب قلب الإنسان، فالقلب لا ينفتح بوسيلة أخرى غير الحب.

أين فكرنا وأين نظرتنا من فكر ونظرة المسيح ؟

 

إن تجربة القوة والعنف والسيطرة رابضة دوماً على باب حياتنا. وأحكامنا السريعة السطحية جاهزة، وقياسنا للأمور بالكم وليس بالنوعية، وتقييمنا للإنسان بما يملك وليس بما هو، كل ذلك يسيطر على فكرنا ورؤيتنا للأمور وبالتالي على أسلوب حياتنا.

 

كان الرعاة محكوماً عليهم بأنهم نجسون لأنهم يلمسون الحيوانات، بينما الله الذي لا يحكم على الإنسان اختار الفقراء والضعفاء ليخزي الأغنياء والأقوياء، فكانوا أول من شارك في فرحة الميلاد.

 

 

 ثانياً : أعد اكتشاف قيمتك كابن لله،

 وساهم في جعل الآخرين يشعرون بقيمتهم… تقول الأم تريزا : "إن شعور الإنسان انه غير محبوب وغير مرغوب فيه ولا احد يهتم به، لهو جوع وفقر أعظم بكثير ممن لا يجد شيئاً ليأكله".

 

كثيرون يعانون بعدم الشعور بقيمتهم غير المحدودة، والأغلبية تسارع إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين وبهذا يفشلون في رؤية قدراتهم وقيمتهم الخاصة. لقد بذلت الأم تريزا حياتها لكي تجعل المنبوذين والمنسيين يشعرون بالمحبة والتقدير. وكانت الأشياء التي تفعلها بسيطة و صغيرة ولكنها في الوقت ذاته كانت عظيمة وذات أثر كبير على العالم.

 أن الله يهتم ويتبنى من يشعرون بالوحدة والإهمال ويرفعهم ويمنحهم القيمة، من خلال أشخاص ملتزمين وخاضعين مستنيرين بنور المسيح يرون في كل من يقابلونه شخص " يسوع متخفياً ".

تخيّل كم ستختلف معاملتنا للآخرين إذا نظرنا إليهم بالطريقة ذاتها. ارفع نظرك إلى فوق واعد اكتشاف غناك وقدراتك الايجابية، واعد اكتشاف شريك حياتك من جديد، أولادك، إخوتك، جيرانك، أهل وطنك، زملائك … أكد على ما هو ايجابي

 

كم نحن في حاجة لذلك في وقت كثر فيه الكلام عن الفساد وعن كل ما هو محبط. عندما نبرز نقاط قوة الناس وما يفعلونه بشكل صحيح يشعرون بالدفعة للتغلب على ضعفاتهم وأخطائهم. عندما نوضح ما هو ايجابي ونركز عليه سوف نشعر بسعادة كبيرة، فلن تكون معطياً فقط بل ستنال فائدة في الوقت ذاته.

وعلى كل من يريد السير في هذا الطريق أن يعرف جيداً الأمور الآتية : أن الله يحب الجميع دون تفرقة ودون شروط، وان الأشياء البسيطة هي بداية الأشياء العظيمة، وان اى شخص يشجع شخصاً آخر، يؤثر بذلك على الكثير من الناس بالطبع لن نستطيع بقوتنا الذاتية أن نحقق ذلك، لكننا في حاجة إلى نور الرب ونعمته ليقودنا في مسيرتنا هذه، كما كان النجم يقود المجوس في مسيرة بحثهم عن المسيح.

هيّا .. لتكن ضمن القلة المقتنعة المستنيرة بنور الرب التي تكرس من وقتها وجهدها في سبيل تخفف وطأة الحياة واعادة الشعور لكل انسان انه محبوب وذو قيمة في عينى الرب.

هيّا .. معاً نبدأ بطلب نعمة الميلاد، ولنؤمن أن اللامبالاة تختلق الاعذار. أما المحبة الحقيقية فتجد دائماً طريقاً، فالمحبة مبتكرة.

 

هيّا ..نؤمن أيضاً أنّ من كان في المسيح فهو خليقة جديدة تعيش في العالم ولكن لها فكر المسيح ولغته الوحيدة التي هي المحبة. فيصبح حضور المسيحي سبب فرح وسلام ورجاء على الأرض ومجداً لله في الأعالي.

 يا طفل المغارة، هبنا نوراً لقلوبنا وأفكارنا حتى نرى في الكون والخليقة هدية نصونها ونستثمرها، ونرى في الإنسان ابناً لك وأخاً لنا. آمين أيها الكلمة المتجسد كن معنا وقدنا وامنحنا نعمتك

 + الأنبا إبراهيم اسحق

 مطران الأقباط الكاثوليك بالمنيا

قام بإرسالة للموقع الأب فادي فاروق – مراسل الموقع – المنيا