اليوم السابع:
حذر الرئيس حسنى مبارك بصفته رئيسا للجمهورية ورئيسا لكل المصريين من مخاطر المساس بوحدة الشعب والوقيعة بين مسلميه وأقباطه، مؤكدا عدم تهاونه مع من يحاول النيل منها أو الإساءة إليها.
ودعا الرئيس مبارك- فى خطابه الشامل فى الاحتفال بالعيد الثامن والخمسين ليوم الشرطة إلى ضرورة توجيه خطاب دينى مستنير من رجال الأزهر والكنيسة يدعمه نطام تعليمى والإعلام والكتاب والمثقفون ليؤكد قيم المواطنة وأن الدين لله والوطن للجميع.
وأكد الرئيس أن التصدى للإرهاب والتطرف والتحريض الطائفى يمثل تحديا رئيسيا لأمن مصر القومى، لكنه ليس التحدى الوحيد الذى نواجهه فى منطقتنا والعالم من حولنا.
وأشار الرئيس مبارك إلى أنه رغم جهود مصر المتواصلة لاحياء عملية السلام ولتحقيق الوفاق الفلسطينى تتعرض مصر لحملات مكشوفة من قوى عربية واقليمية لم تقدم يوما ما قدمته مصر لفلسطين وشعبها وتكتفى بالمزايدة بالقضية الفلسطينية والمتاجرة بمعاناة الفلسطينيين.
وجدد الرئيس مبارك رفض مصر للضغوط والابتزاز وعدم السماح بالفوضى على حدودها أو بالارهاب والتخريب على أرضها ، مشيرا إلى أن لدى مصر من المعلومات الموثقة الكثير والذين يقومون بهذه الحملات وينظمون مهرجانات الخطابة للهجوم على مصر فى دولة شقيقة ولو شئنا لرددنا لهم الصاع صاعين لكننا نترفع عن الصغائر.
وأكد الرئيس مبارك أن الانشاءات والتحصينات على حدودنا الشرقية عمل من أعمال
السيادة المصرية لانقبل ان ندخل فيه فى جدل مع أحد أيا كان أو ينازعنا فيه كائنا
من كان.
نص كلمة الرئيس مبارك خلال الاحتفال بعيد الشرطة
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة والأبناء.. ضباط وجنود الشرطة..السيدات والسادة يسعدنى أن أشاركم الاحتفال السنوى بعيد الشرطة نحتفل معا بالشرطة ورجالها نؤكد تقدير الشعب لاعطائهم من أجل الوطن ونشد على أيديهم نستذكر تضحياتهم ونخلد ذكرى شهدائهم.. تمر بنا اليوم الذكرى الثامنة والخمسون لبطولات رجال الشرطة فى الإسماعيلية وصمودهم وبسالتهم فى مواجهة قوات الاحتلال دفاعا عن كرامة الوطن وكبريائه سيبقى هذا اليوم فى دائرة مصر وأجيال أبنائها رمزا لتمسك شعبنا بعزته وسيادته على أرضه ورمزا لوطنية أبنائه من رجال الشرطة.
"إننا إذ نحتفل بهذه المؤسسة الوطنية العريقة نستدعى سجلا ناصعا لرجالها فهم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب ساندوا مسيرته فى أوقات الحرب والسلام، خاضوا، ولا يزالون، مواجهة ضارية مع الإرهاب والتطرف ويواصلون تضحياتهم وجهودهم ساهرين على أمن الوطن والمواطنين ، مدافعين عن استقرار مصر وسلامة أبنائها.
أيها الإخوة والأخوات.. إن أمن مصر القومى بمفهومه الشامل هو مسئوليتى الأولى لا أسمح حياله بأى تهاون أو تفريط ولا أقبل فيما يتعلق به أنصاف الحلول، إننا نعيش فى عالم مضطرب ومنطقة صعبة ويخطئ من يتجاهل الاتساع المتزايد ويفوق وعدم الاستقرار الراهن من أفغانستان إلى باكستان إيران والعراق واليمن وفى الصومال والسودان يخطئ من يتغافل عن المخاطر المستمرة للإرهاب والتطرف واتساع دائرة الفكر السلفى وجماعاته والدعاوى المغلوطة لتكفير المجتمعات والمحاولات المستمرة لترويع الآمنين والإخلال بالسلام الاجتماعى وزعزعة الاستقرار.
يخطئ من يتغاضى عن تصاعد النوازع الطائفية من حولنا فى المنطقة العربية وأفريقيا والعالم ما بين محاولات لإشعال الفتن بين أبناء الشعب الواحد ودعوات للمحاصصة وأحداث للعنف والاقتتال وإراقة الدماء وأمثلة نشهدها للاستقواء بالخارج وأخرى للتدخل الخارجى تصب الزيت على النار وتعمل وفق مصالحها وأجنداتها.
لقد هز الاعتداء الإجرامى فى نجع حمادى ضمير الوطن، صدم مشاعرنا وأوجع قلوب المصريين مسلميهم وأقباطهم وبرغم تنفيذ تعليماتى بسرعة القبض على الجناة وإحالتهم لمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ فإن هذا الحادث البشع على الأقباط فى ليلة أعياد الميلاد يدعونا جميعا- مسلمين وأقباطا- لوقفة جادة وصريحة مع النفس.
لقد تلقيت تقارير عديدة من أجهزة الدولة ولجان تقصى حقائق تستعرض فى مجملها ملابسات هذا الاعتداء الآثم بمقدماته ووقائعه وما قيل عن دوافعه وإننى كرئيس للجمهورية ورئيس لكل المصريين أحذر من مخاطر المساس بوحدة هذا الشعب والوقيعة بين مسلميه وأقباطه.
وإننى كرئيس للجمهورية.. ورئيس لكل المصريين .. أحذر من مخاطر المساس بوحدة هذا الشعب .. والوقيعة بين مسلميه وأقباطه. وأقول بعبارات واضحة.. إننى لن أتهاون مع من يحاول النيل منها أو الإساءة إليها .. من الجانبين.
لقد كنت قائدا للكلية الجوية عام 1968.. عندما قصفت طائرات إسرائيل (نجع حمادى) ودمرت كوبرى (قنا) . لم يكن هناك فرق آنذاك بين دماء المسلم والمسيحى من ضحايا العدوان . وعندما خضنا حرب أكتوبر .. ضحى أبناء مصر من الجانبين بأرواحهم ودمائهم .. ورفعوا معا علم مصر فوق سيناء. إننا نواجه أحداثا وظواهر غريبة على مجتمعنا.. ويدفعها الجهل والتعصب..
ويغذيها غياب الخطاب الدينى المستنير.. من رجال الأزهر والكنسية خطاب دينى.. يدعمه نظامنا التعليمى وإعلامنا وكتابنا ومثقفونا.. يؤكد قيم المواطنة.. وأن الدين لله والوطن للجميع. ينشر الوعى بأن الدين هو أمر بين الإنسان وربه .. وأن المصريين بمسلميهم وأقباطهم شركاء وطن واحد .. تواجههم ذات المشكلات.. ويحدوهم ذات الطموح للمستقبل الأفضل.. لهم .. وللأبناء والأحفاد.
لقد ضاعت عشرة أشهر حتى الآن منذ توقف مفاوضات السلام .. تواصلت خلالها ممارسات إسرائيل ومستوطناتها.. وإجراءاتها لتهويد القدس.. واجتياحها للضفة مثلما حدث فى (نابلس).. وحصارها لقطاع (غزة).. بل وتلويحها بمعاودة عدوانها على القطاع.
وبرغم جهود مصر المتواصلة لإحياء عملية السلام.. ولتحقيق الوفاق الفلسطينى.. فإننا نتعرض لحملات مكشوفة من قوى عربية وإقليمية.. لم تقدم يوما ما قدمته مصر لفلسطين وشعبها.. وتكتفى بالمزايدة بالقضية الفلسطينية.. والمتاجرة بمعاناة الفلسطينيين.
إن مصر لا تقبل الضغوط أو الابتزاز.. ولا تسمح بالفوضى على حدودها.. أو بالإرهاب والتخريب على أرضها.. لدينا من المعلومات الموثقة الكثير.. والذين يقومون بهذه الحملات.. وينظمون مهرجانات الخطابة للهجوم على مصر فى دولة شقيقة.. بيوتهم من زجاج.. ولو شئنا لرددنا لهم الصاع صاعين.. لكننا نترفع عن
الصغائر.
إننا قد نصبر على حملات التشهير والتطاول.. ولكن ما لا نقبله- ولن نقبله- هو الإستهانة بحدودنا .. أو إستباحة أرضنا.. أو استهداف جنودنا ومنشآتنا.
إن الإنشاءات والتحصينات على حدودنا الشرقية..عمل من أعمال السيادة المصرية .. لا نقبل أن ندخل فيه فى جدل مع أحد أيا كان.. أو أن ينازعنا فيه أحد كائنا من كان.. إنه حق مصر الدولة.. بل وواجبها.. ومسئوليتها.. وهو الحق المكفول لكل الدول فى السيطرة على حدودها.. وتأمينها.. وممارسة حقوق سيادتها
تجاه العدو والصديق والشقيق.. على حد سواء.
يقولون إن ماحدث فى (العريش) وفى (رفح).. سحابة صيف… وأقول لهم.. ما أكثر سحابات الصيف فى تعاملكم معنا.. وما أكثر ما نلاقيه منكم من مراوغة ومماطلات.. وأقوال لاتصدقها الأفعال.. وتصريحات ومواقف متضاربة.. ترفع شعارات المقاومة وتعارض السلام.. فلا هم قاوموا.. ولاسلاما صنعوا.
لقد رفضت أن تنضم مصر للاتفاق الأمنى بين إسرائيل والولايات المتحدة.. فى عهد الإدارة الأمريكية السابقة.. وبعد العدوان على (غزة) العام الماضى… ونحن ماضون فى استكمال الإنشاءات والتحصينات على حدودنا.. ليس إرضاء لأحد.. وإنما حماية لأمننا القومى من اختراقات نعلمها.. وأعمال إرهابية كالتى وقعت فى (طابا)
و( شرم الشيخ) و(دهب ) و(القاهرة).. واستهدفت مصر فى أمنها وأرواح وأرزاق
أبنائها.
إننا لن نضيق ذرعا بما تحملناه- ونتحمله- من أجل القضية الفلسطينية وقضايا أمتنا.. لكننى أقول أن أولويتنا ستظل لمصر أولا.. وقبل أى شىء وكل شىء آخر.. فى حدودها.. وأرضها وسيادتها.. وأمنها.. ومصالح ومقدرات شعبها.
الإخوة المواطنون .. إننا إذ نحتفل اليوم بعيد الشرطة.. لابد أن نعى ما يواجهه أمن مصر القومى من تحديات.. فى أبعاده الداخلية والخارجية.
إن جهودنا من أجل مصر وشعبها .. تستشرف حاضرا ومستقبلا أفضل.. تسعى للمزيد من الإصلاح والتحديث والنمو الاقتصادى والتنمية.. للمزيد من الاستثمارات والمشروعات وفرص العمل.. للمزيد من الإنتاج والصادرات والسياحة.. والمزيد من تطوير مايقدم للمواطنين من خدمات.
إن جهاز الشرطة ورجال مؤسساتنا الأمنية.. يتحملون مسئولية كبرى.. ويبذلون جهودا مضنية هى محل تقدير الشعب واعتزازه.. فلا نمو ولا تنمية أو تقدم فى بلد غير مستقر أو آمن.
إن أبناء شعبنا يأتمنون رجال الشرطة.. على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، ولايزال هؤلاء الرجال مضطلعين بدورهم فى حماية أمن الوطن والمواطن.. يتصدون لمكافحة الجريمة بكافة صورها وأشكالها.. ويسهرون على إنفاذ القانون .سنمضى بمجتمعنا نحو الغد الأفضل.. بعزم ويقين.. واثقين فى أنفسنا.. مدركين لما يحيط بنا وبمنطقتنا من مخاطر وتهديدات.. نحمى وحدة مسلمينا وأقباطنا.
ولانفرط فى أمن مصر القومى واستقرارها وأمان شعبها… أدعو الله أن يحفظ هذا البلد آمنا.. وأن يهيىء لأبنائه من أمرهم رشدا.. كل عام وأنتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته