حوار مع الدكتور علي السمان

 

رئيس لجنة حوار الاديان بالمجلس الاعلى للشؤون الاسلامية بمصر :

 

ذكريات زيارة سعيد الذكر البابا يوحنا بولس لمصر تمثل غذاء روحي بالنسبة لي .

نعم الحوار تاخر في عهد البابا بندكتوس بسبب اهتمامه بترتيب البيت الكاثوليكي الداخلي اولا .

الهجومات التي يتعرض لها البابا حاليا غير اخلاقية وقد يكون هدفها اضعاف نفوذ الكنيسة الكاثوليكية .

فكرة تكوين لجنة حوار كاثوليكي ازهري على الصعيد المحلي تخدم الاستقرار والتعاون المشترك في مصر .

اكثر ما يخيف الاقباط هو الجهل الذي ينتقص من فكرة المواطنة بالنسبة لمسيحيي مصر .

 

أجرى الحوار في القاهرة : إميل أمين

مسئول بقسم الأخبار بالموقع

 

** تمر هذه السنة الذكرى العاشرة لزيارة البابا يوحنا بولس الثاني  الى مصر … بوصفك احد الذين نسقوا لهذه الزيارة  كيف تتذكرها اليوم  ؟

 

استطيع ان اقول  ان احلى ذكريات عشتها في تاريخ الحوار الاسلامي المسيحي  وبين الازهر والفاتكيان خاصة  هي تلك  الايام  التي زار فيها البابا يوحنا بولس الازهر  ومصر فقد كانت بمثابة  تتويج لما تم الاتفاق عليه في عام 1998 بين الازهر والفاتيكان ولا استطيع ان انسى تواضع البابا الكبير وهو يعبر لي عن امتنانه عن زيارة الازهر وسعادته بروح اللقاء مع علماء المسلمين ، هذه الزيارة تبقى  بالنسب لي نوع من غذاء الروح الفكري ان صح التعبير .

 

** لماذا قدمت استقالتك من لجنة الحوار في الازهر الشريف وانت احد اعمدتها ومؤسسيها ؟

حوار الاديان يخضع لقانون العصر ،  وهو  نشاط يحتاج لامكانيات  وهو ليس فقط صلوات ، لكن مؤتمرات وسفر ونشر واتصالات وتوظيف عناصر تجيد لغات اجنبية  والامام الاكبر الشيخ محمد سيد طنطاوي رحمه الله كان يعتقد ان الازهر يجب ان لا يتحمل  مصاريف لجنة الحوار  وان تذهب تلك التكاليف  لتوجهات اخرى ،  وقد قت له  في خطاب الاستقالة " الاشكالية هي ان احتياجات الحوار غير محودة وامكانياتي الشخصية التي انفقت منها من قبل محدودة بطبيعة الحال  .

 

** كيف ترى حال حالة  الحوار الراهن بين الازهر  والفاتيكان ؟

 

رغم انني لست اطلاقا من النوع الذي يقول في عهدنا جرى كذا ، وبعد عهدنا تدهور الامر اقول ان الحوار لابد له من ممارسة مستمرة وهو جزء من تحرك دولي ويجب ان تكون ايضا انت جزء منه ،ان تتفاعل معه ويتفاعل معك استطيع ان اقول دون ظلم لاحد من لا يتقدم يتاخر وتقليدية العمل لا تخدمه فلا يكفي اجتماعين في العام واحد في الفاتيكان والاخر في الازهر ، هذا اسلوب تقليدي ولابد ان ياخذ التعاون والنشاط ابعادا اكثر طموحا بمراحل .

كما ان وفاة البابا يوحنا بولس الثاني وكل سوء الفهم او سوء التفسير واحيانا يجب ان نكون صرحاء التعبيرات التي ادت الى بعض الجروح لدى الطرف الاسلامي ، كل هذا كان له دور على الاقل معطل بنسبة او اخرى لمسيرة الحوار .

 

**ما الذي تراه اختلف في ابجديات الحوار في زمن البابا بندكتوس عما كان سائدا في عهد البابا يوحنا بولس الثاني ؟

 

لا شك  ان هناك اختلاف واضح فالبابا الراحل نجح في ان تكون له شعبية وقبول واحترام على جميع المستويات والاديان ، وقد حضرت بنفسي مؤتمر اسيزي حيث اجتمع رجال الدين من العالم كله ومن كل الاديان وكان لهذا أثارة النفسية الايجابية في احساس الناس بالاقتراب والتفاهم معه .

وعندما جاء البابا بندكتوس ولانه شخصية عامة مستهدفة اعلاميا فقد تم التركيز على بعض التعبيرات التي صدرت عنه واسميها بكل ادب " تعبيرات سيئة الحظ " ولم تختر بحذر لذا فان الامر كان يحتاج الى وقت حتى تعود المياه الى مجاريها .

وانا اعتقد ان اهتمامات البابا بندكتوس الاولى هي اعادة ترتيب بيت الكنيسة الكاثوليكية من الداخل باكثر من الانفتاح على العالم الخارجي بعكس استراتيجية البابا يوحنا بولس الثاني الذي فتح الابواب كاهتمام اولي على العالم الخارجي .

ولهذا اعتقد ان مسيرة الحوار تاخرت لكن هذا لا يمنع ان عجلة التاريخ تتحرك والحوار يبقى دائرا.

 

 

**تشغل  حاليا رئيس لجنة حوار الاديان في المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية … ماذا عن هذا المجلس وهل عمله يتضاد مع عمل الازهر ؟

 

المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية يتبع الدولة ويراس وزير الاوقاف تقليديا اي وزير الشؤون الدينية ،وهو حاليا الدكتور محمود حمدي زقزوق وهو رجل منفتح بحكم تعليمه الاوروبي في  المانيا ،  وانفتاحه على الثقافة الغربية الامر الذي يتجلى دائما في كتاباته وكتبه واراءه .

وعمل هذه اللجنة يكمل عمل الازهر فلجنة الحوار في الازهر مع الفاتيكان هي تهتم بجانب واحد بينما لجنة المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية تتعاطى مع كافة الاطراف الدينية في كل دول العالم وبمنظور اوسع واشمل .

 

**ماذا عن اهم اعمال تلك اللجنة ؟

طرح ومناقشة اهم القضايا الحوارية بل والخلافية التي تموج بها الساحة الفكرية في مصر وحول العالم،  وتتماس مع الاديان واتباعها وهي لجنة مع ذلك تخلو من رجال الدين فكل اعضاءها مدنيين مهتمين بالشان الاسلامي الحواري مع الاخر،  وما نناقشه نستعمله على مستويين الاول مؤتمرات نتحرك من خلالها والثاني عقد مائدة مستديرة بصفة شبه دورية ندعو فيها غير المسلمين من خارج مصر وداخلها ثم نصدر توصات في شكل كتيبات عملية مفيدة للعامة عما جرى في تلك اللقاءات لتنتشر الفائدة .

 

**الدكتور احمد الطيب شيخ الازهر الحالي صرح عندما كان عميدا لجامعة الازهر بان حوار الاديان بات مناسبات  بروتوكولية غير ذات نفع لكنه عدل عن رايه واشار الى اهمية هذا الحوار بعد منصبه الجديد … هل هناك تضاد في المشهد ؟

 

الدكتور الطيب كان من قبل يتكلم عن واقع حال فعلي،  وهو نفس الواقع الذي تكلمت عنه ،  اي اننا وصلنا الى حالة من الاجتماعات البروتوكولية لان ما هو اكثر من ذلك في احتياج الى امكانيات، الى تعاون، هذا لم يكن قائم. اذن الرجل كان على حق .

وحينما جاء الى الازهر اصبح لديه القرار والسلطة وشعرت القيادات الاسلامية المحلية والعالمية ان نظرة الدكتور الطيب تغيرت لانه اصبح صانع قرار وهذا معناه انه هو شخصا يريد للامر ان يمضي كما وضح تاليا ولا ننسى ان دراسته في السوربون كان لها اثر في جعله انسان منفتح على الاخر .

 

**مؤخرا زار البطريرك انطونيوس نجيب بطريرك الاسكندرية للاقباط الكاثوليك الدكتور الطيب وجرى حديث عن تكوين لجنة حوار كاثوليكية محلية مع الازهر .. كيف تقيم هذه الفكرة ؟

 

الحوار على المستوى المحلي امر مهم وقائم ولا يتعارض مع الحوار الاوسع المباشر مع الفاتيكان وانت كشيخ للازهر في قلب عالمية الاسلام لكن انت ايضا في مصر والحوار على ارض مصر يخدم الاستقرار والأمان والطائفة الكاثوليكية القبطية في مصر هي حضور هام وفكرة هذه اللجنة تعطي رسالة عن استعداد الدكتور الطيب والازهرللانفتاح على كافة الطوائف المسيحية وليس على الاقباط الارثوذكس فقط بوصفهم اكثرية عددية بين مسيحي مصر فهو منفتح كذلك على الانجيليين وعلى الانجليكان وهناك تعاون كبير مع الجميع .

 

**يبقى حوار الاديان حتى الساعة قاصرا على النخبة لماذا فشل في الوصول الى قاع المجتمع ولم يشعر به بعد رجل الشارع ؟

 

اصارحك القول ان الحوار منذ البداية لم ينجح في ان يذهب الى القاعدة العريضة من الجماهير هذا واقع،  ووصول الحوار الى قاعدة عريضة من الجماهير لم يكن ليحدث بدون دعم اعلامي واستراتيجية اعلامية عالية لان السبيل الاسرع والاضمن لايصال رسالة الحوار هي هذه الشاشة السحرية للتلفزيون التي اصبحت في عصرنا  هي المدرسة التي اكاد اقول الاصلية والاهم في تشكيل عقلية الاجيال القادمة،  الاعلام لم يقم بالدور الكافي في ايصال فكرة حوار الاديان بين العامة .

 

**هل العبء والخطا يقعان على رجال الاعلام ام على رجال الحوار الذين قصروا في ايصال رسالتهم للاعلام على نحو او   اخر ؟

 

الاعلام لم يقم بدوره لانه افتقد التنسيق الواجب مع رجال الحوار الذين لم يكونوا معدين هم انفسهم اعلاميا ، انت لاتستطيع ان تلقي لمحطة تلفزيونية بورقة عمل من خمسين صفحة لمؤتمر حواري وتنتظر تغطية اعلامية حوارية مبدعة ومؤثرة في الناس ،  انت تحتاج لرجل حوار اعلامي يعرف جيدا كيف يختار الفقرة والجملة والمشهد والعبارة والعنوان،  باختصار يمتلك قدرة واضحة على التعاطي الاعلامي مع وسائل الميديا المختلفة .

.

**بوصفك رجل اعلام عالمي ايضا بجانب الحوار كيف تقرا الهجومات التي تتعرض لها الكنيسة الكاثوليكية والبابا بندكتوس على نحو خاص مؤخرا ومن يقف وراءها ولماذا ؟

 

بلاشك هناك وقائع يصعب انكارها، اما الحجم الذي يعطي لهذه الاحداث فهذه قضية اخرى، هنا تتدخل جماعات الضغط وهذا احتمال، والحجم الاعلامي الذي يلقي على قضية ما ونوعية الاضواء تكشف عما وراء تلك الهجمات ،وربما يكون المقصود بما يجري تقليل نفوذ الكنيسة الكاثوليكية حول العالم، وهنا اشير الى اشكالية كبرى في هذا الهجوم وهي اشكالية التعميم في الاحكام وهو امر يجب الا يذهب اليه اي انسان لديه مستوى اخلاقي، فالذي جرى من بعض الاطراف المخطئة لا يجب ان يعتبر جزء من سلوكيات الكنيسة عامة ، هذا خط احمر، البعض تخطئ هذا الخط الاحمر وكأن تلك الاخطاء هي من اساس  سلوكيات الكنيسة وهذا امر مرفوض ومدان اخلاقيا  .

 

 

**بعض من وسائل الاعلام المصرية زايدت على المزايدين وشاركت في تشويه الصورة .. ماهو تقييمك لهذا الدور غير  الاخلاقي ؟

 

حينما يصبح الاعلام سلعة فانني افهمما يجري من تجاوزات واخطاء ،  سلعة معنها  تنتظر ان تاتي بعائد من وراءها ،  ولذلك تكون الاثارة هي الطريق الاقرب لتحقيق اكبر مردود مادي ، ثم تتساءل كيف تعلي من نسبة مشاهديك او تزيد من اعداد توزيعك ، اليك عشرة عناوين براقة ولو لم تكن صادقة سيعي اليها السذج والجهلة ومن لديهم فضول وحب استطلاع غير موضوعي وهذا هو طريق الصحافة الصفراء حيث في مرات  كثيرة لا علاقة للعنوان بالمضمون ولا علاقة له بالاعلام الصادق واظن ان هذا ما جرى مؤخرا .

 

 

**كيف تنظر الى الجدل الدائر في مصر الان حول تنقية المناهج التعليمية لاسيما الدينية من كل ما له علاقة بالعنف او التطرف ؟

 

اتفق معك انها ظاهرة ايجابية فالتطوير والتنقية يجنباننا  ان يخرج اولادنا من المدارس بسوء فهم متبادل او صورة مشوهة لكل منا عن الاخر ، واقول لك ان نجاح مشروعات هذا التطوير متوقف بالكامل على استبعاد شبهه اي تدخل اجنبي، اما اذا كان شانا مصريا 100% فسوف تسير العجلة بلاشك في طريق العقل سيما وان بعض الكتب الدينية على الطرفين بها الكثير الذي يستحق وقفة موضوعية وتغيير حقيقي

.

**كثير من الاقباط يشتكون ان مواطنتهم في مصر منقوصة لاسيما في ضوء احداث العنف الاخيرة مثل حادث نجع حمادي … هل ذلك كذلك بالفعل ؟

 

هناك فارق بين  الاوضاع العامة والاحداث ، نجع حمادي حدث والقاعدة في الاوضاع العامة هي انه عندما تكون هناك اغلبية مسلمة واقلية قبطية ستشعر الاقلية ان ما بين ايديها غير كاف والاغلبية ستعتقد ان ما بين ايدي الاقلية كاف وهي لغة الارقام التي تحكم العلاقة دائما بين الاغلبية والاقلية غير انني اود ان اقول كلمة حق فهناك مواقع بالغة الحساسية حصل فيها تطور في راي ايجابي وهي مواقع نوعية كالتي حول النائب العام وبات يشغلها مسيحيون مثل رؤساء محاكم استئناف وهذه مواقع ذات اهمية سيادية .

 

***لماذا اذن لا يشعر الاقباط مع ذلك بالامان الكامل في مصر اليوم ؟

 

لكي يشعر المسيحيون بالامان لابد من الاخذ بعين الاعتبار مسالة اخرى اخطر وهي الجهل على المستوى العام ، الجهل هو الذي يخيف وهو الذي يشعرك انك الاخر، والاخر يعني انك لست جزءا مني على مستوى المواطنة والاخر احيانا يتعاطى مع المواطنة كشعار وليس مضمون وهذا ما يخيف فعلا .

 

**هل ترى ان هناك تقصير من الدولة تجاه الاقباط ؟

 

بامانة ودون انحياز اقول ان الرئيس مبارك اخذ في هذا السياق خطوات بالغة الاهمية منها اعتبار 7 يناير يوم عطلة رسمي وهذا قرار لم يستطيع الرئيس السادات رغم ليبراليته اتخاذه ، ومبارك كشخص وضع لنفسه قواعد واسلوب في التعامل جعل منه هو شخصيا ضمانة ، اما ما  يقلق الاقباط اكثر هو تعاطي الاعلام  مع الاحداث حينما يدلي بدلوه .

 

**ما الذي اقلقك بنوع خاص في حادث نجع حمادي حيث قتل شباب اقباط ليلة عيد الميلاد ؟

 

بصراحة شديدة اخطر ما في الامر انه اضيف الى الصدام والقتل الاجرامي عنصر جديد في حياتنا وهو البلطجة وحينما تدخل البلطجة في هذه الاحداث فهذا امر بالغ الخطورة وحينما تفرض البلطجة اتاواتها يضحى المشهد اشد وعورة والخطر الاول في هذا المجال هو الجهل لانه بين الجهل والتطرف لا توجد مسافة كبيرة .

 

**الا تخشى على مصر من حدوث  صراع اهلي طائفي ؟

 

لا ، لايمكن ان تصل الاحداث الى هذه الدرجة لاني واثق انه في نهاية المطاف ورغم الاحداث سيتغلب صوت العقل على الديماجوجية وعلى الاعلام الا ينفخ في النار لتاجيج الصراع بين ابناء الوطن الواحد .

 

**كيف لدور مصر ان يتعزز على الصعيد العالمي تجاه تقديم نموذج تعايش مشترك اسلامي مسيحي ؟

 

املي كبير في ان يقوم شيخ الازهر الجديد الدكتور احمد الطيب بالاهتمام بتصحيح الصورة من خلال مبادراته التي يفكر فيها وروحه الوثابة وعقلة المنفتح وعبر اعلام مصري يعرف كيف يساعد في خلق راي عام يدفع ناحية العمل المشترك .

 

**ماذا عن احلامك للحوار الديني والثقافي بين شباب مصر وكيف لمصر ان توجد عدد من نماذج الدكتور على السمان ؟

 

صدقني اكثر ما يحزنني هو ان يقال انت وحدك في هذا المجال او غيره ، انا العب دور المنسق على مستوى الحوار،  ابذل جهد غير عادي نعم ، اقفز على المستقبل يجوز،  وحاليا نتعامل مع مؤسسة نيكسوس للحوار من اجل خلق مكتب اقليمي لتحالف الحضارات يكون مقره القاهرة واهتمامه الاول جمع الشباب في لقاءات دورية وتدريبه على العيش المشترك وان انقل اليه ما افكر فيه وينقل لنا احاسيسه ومشاريعه وافكاره ومع الصبر سنرى ولاشك ثمارا يانعة ومن هؤلاء سيخرج حتما الف على السمان وانا واثق من وجودهم ولكن لا نعرفهم فقط يتوجب علينا اكتشافهم .

 

**كيف تتجرا يوميا على امل وعبر هذه الرحلة الطويلة من العمل العام ؟

 

الربط بين الايمانية وجزء كبير من الواقعية يدفع الانسان للامل واجدادنا قالوا لاحياة بلا امل ، ومن يختار الحياة يختار معها الامل الى ان يختار الله غير ذلك ، والى ان يختار الله تعالى، ابقي على نظرتي الايجابية للحياة وللعمل المتصل بالامل .

 

               *****************************