حوار مع الأنبا يوحنا قلته

 

النائب ألبطريركي للأقباط الكاثوليك في مصر :

 

التعايش الإسلامي المسيحي

وعلاقات كاثوليك المشرق مع الكنائس الأرثوذكسية

يجب ان تكون أولويات السينودس القادم

 

 

أجرى الحوار في القاهرة : إميل أمين-مسئول بقسم الأخبار بالموقع

 

تلقى دعوة الحبر الأعظم البابا بندكتوس السادس عشر لانعقاد سينودس خاص بمسيحي الشرق الأوسط زخما شديدا في الأوساط المصرية القبطية الكاثوليكية التي رحبت كثيرا بهذه الدعوة سيما وان أقباط مصر هم الأكثر عددا بين مسيحي الشرق الأوسط كافة.

 في هذا السياق وعشية عيد العنصرة كان لنا هذا اللقاء مع نيافة الأنبا يوحنا قلته  النائب ألبطريركي لطائفة الأقباط الكاثوليك في مصر، الطائفة الأكبر عددا والأعمق جذورا للكنيسة الكاثوليكية في ارض مصر المحروسة وذلك بكاتدرائية سيدة مصر للأقباط الكاثوليك بمدينة نصر على أطراف القاهرة :

 

**بداية كيف نظرتم  في مصر كأقباط الى دعوة الحبر الأعظم  البابا بندكتوس  لانعقاد هذا السينودس؟

 

 

عندما تجيء الدعوة  من  قداسة البابا شخصيا فعلنيا ان نأخذها بالجد كل الجد  وكأنها من السيد المسيح أو من الروح القدس، وهي في حقيقة الأمر  دعوة ملهمة  لان قداسة البابا بخبرته وقداسته وعلمه يعرف ان الشرق الأوسط يمر بمرحلة انعطاف تاريخي  وكما قال شكسبير فان الوقت الحالي لمسيحي مصر هو " نكون أو لا نكون " هذه هي القضية المستمرة في الشر ق الأوسط  وهو أمر يمثل هاجس للجالس سعيدا على كرسي مار بطرس.

 

**في تقدير نيافتك ما هي أهم العقبات الحقيقية التي يواجهها مسيحيو الشر ق الأوسط في أوقاتنا  هذه؟

 

هناك قضيتان ملحتان في واقع الأمر، العلاقة مع أخواننا المسلمين في الأوطان الشرق أوسطية،  العلاقة الثنائية بين  الكنائس الكاثوليكية المشرقية وبعضها البعض أولا،  وتاليا العلاقة مع الكنائس الأرثوذكسية المشرقية  وكيف لمسيحي الشرق الأوسط  التعامل سويا بروح معاصرة حديثة، روح المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني وليس بروح العصور الوسطى  وخلافات المجامع السابقة.

 

** كيف ترى بادئ بدء حال ومآل أقباط مصر على نحو خاص قبل انعقاد هذا السينودس غير العادي؟

 

يجب ان نشير هنا بصراحة الى حقيقة واقعية وهي ان أقباط مصر الأرثوذكس  هم  المسيحيون الأكثر عددا  على مستوى الشرق الأوسط، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية لها  التأثير الأعلى على مسيحي مصر والعالم العربي فإذا تقدمت هذه الكنيسة تتقدم جميع الكنائس وإذا ظلت تدور في إطار العصور الوسطى  والتقاليد  وعدم الانفتاح، اعتقد ان هذا سيزيد من الصعوبات  التي سيواجهها مسيحيو المنطقة  ولا اقصد بالانفتاح أو العصرنة ان تتنازل عن تاريخها  أو عقيدتها أو طقوسها وإنما ان تجد علومها وثقافتها  في تعاملها مع بقايا الطوائف المسيحية.

 

** ماذا عن وضع كاثوليك مصر بين الغالبية الأرثوذكسية الغالبة.. والى أين تمضي لجان الحوار المسكوني الكاثوليكي الأرثوذكسي المشترك؟

 

 هناك في مصر نحو سبع طوائف كاثوليكية روم، أرمن، موارنة، كلدان، سريان، لاتين، الأقباط هم الأغلبية الغالبة نحو ثلاثمائة ألف  نسمة، وبقية الطوائف لا تعدو أكثر من 20 ألف، ومع ذلك فللكنيسة الكاثوليكية في مصر  ثقل وقوة مستمد  من ثقافتها الحيوية  الداخلية  وعالميتها وإنسانيتها  وقداسة رهبانها وراهباتها وعائلاتها.

 أما عن قضية الحوار المسكوني  فقد كانت هناك خطوات نحو التفاهم والوحدة  والحوار  حتى أربع أو خمس سنوات خلت وتوقف الحوار  لأسباب كثيرة  منها ما هو غير موضوعي  ويتعلق بأشخاص بعينهم في الكنائس الأخرى ومنها ما يتعلق بالرئاسات الدينية وهناك وربما هذا هو الأهم ان انفتاح الكنيسة الكاثوليكية في العالم لا يلقى إعجابا من مفكري الكنائس القبطية الأرثوذكسية.

 

** هناك شكاوى عديدة من أبناء الكنيسة الكاثوليكية  تجاه بعض الممارسات من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.. ماذا عن    ذلك؟

 

 الكنيسة القبطية الأرثوذكسية  تجد دائما حساسية   بالنسبة للأقباط الكاثوليك  وكأنهم عقبة في طريق العلاقة مع روما، وتود الكنيسة الأرثوذكسية  ان تقيم حوارا مباشرا مع روما بدون الأقباط الكاثوليك.

وهذا الأمر ينطبق  كذلك على بقية الطوائف الشرقية الكاثوليكية فالكنائس  البيزنطية والسريانية الأرثوذكسية تنظر للكاثوليك البيزنطيين أو السريان نفس النظرة  وتعتبرهم عقبة في سبيل الاتحاد بروما.

 ورغم ذلك نأمل ان يتجدد الحوار على يد قداسة البابا بندكتوس لاحقا.

 

** ما هي المنجزات أو المدركات التي تتطلع ان يقوم عليها سينودس الشرق الأوسط المقبل؟

 

 أولا وقبل كل شيء  أتطلع لانجاز واحد فقط وهو ان يكتشف الكهنة والأساقفة  انه بدون حياة روحية نقية  تقية، وبدون معنى فائق الطبيعة داخل الكنيسة   فان تعبنا باطل   وعملنا أيضا باطل،   نتطلع للتجديد الروحي  في أعماق الكنيسة قبل كل شيء، نحن لسنا  كهنة آمون، لسنا موظفين ولا مرتزقة ولسنا أصحاب مهنة، نحن أصحاب رسالة،  ولذلك الانجاز الوحيد الذي أتمنى ان يتحقق هو ان يدرك جميع أعضاء السينودس ان الحاجة الى تعميق الحياة الروحية،  وتعميق فهم سر التجسد والفداء  والسعي في طريق فهم أسرار  تجسد الله الكلمة  في حياتنا كبشر.

 

**  ما بين ضغوطات الراديكاليين وهجرة الأقليات المسيحية من العالم العربي الى أين يمضي مستقبل المسيحية    المشرقية؟

 

 هناك إيضاح في هذا السياق لابد منه وهو ان التيارات  المتطرفة لا تضغط على  المسيحيين فقط، هذه نظرة خاطئة وضيقة  وغير صحيحة، التطرف والتعصب يضغط على المسلمين في العالم العربي والإسلامي قبل المسيحيين أحيانا  وغالبية ضحاياه من المعتدلين الإسلاميين.

الحكومات العربية بدورها باتت تخشى التطرف والمتطرفين   والمفكرين العرب  يخشون التطرف أكثر من أي نفر أخر، ولهذا فالإبداع يكاد  يكون منعدم  في العالم العربي  بسبب الخوف، هل يصدق احد ان نجيب محفوظ بعظمته يطعن بسكين في عنقه  أو  الدكتور فرج فودة يقتل بالرص  وان الدكتور المفكر نصر حامد أبو زيد يجبر على تطليق امرأته ويهاجر الى هولندا ؟

 إذن  هناك خطا في القول  بان التطرف  والأصولية   يضغطان على المسيحيين  فقط، بل على المسلمين أيضا  ويجب ان نفهم نحن المسيحيين ان مصيرنا ليس منفصل  عن مصير أخوتنا المسلمين، نحن في مركب واحد وعلينا ان  نتحد مع المعتدلين المسلمين  وان ننشي جبهة وطنية واحدة في مصر، الأردن،  العراق،  في كل العالم العربي  لمواجهة إعصار التطرف والتعصب حتى يزول.

 أما عن الهجرة فرغم خطورتها على واقع مسيحي الشر ق الأوسط فهي كذلك  عند مسلمي المنطقة عشرة أضعاف الهجرة عند المسيحيين  بحكم النسبة العددية وفي كل الأحوال أقول ان التطرف والأصولية كابوس ثقيل على المنطقة برمتها.

 

 **  كيف نطالب سينودس الشرق الأوسط بالاهتمام بأحوال مسيحي المنطقة وهم في الأساس مختلفون بشكل بين بينهم وبعضهم البعض ومثال ذلك  ما جرى مؤخرا في مجلس كنائس الشر ق الأوسط؟

 

كنت رئيسا  المجلس عن العائلة الكاثوليكية لمدة أربع سنوات ولا أزال رئيس شرف، وحقيقة اخجل ان أقول ان  الكنائس نفسها  الأعضاء  غير مقتنعة بدور مجلس  كنائس الشر ق الأوسط وتسألني لماذا إذن الاستمرارية؟

 أقول ان هناك مصالح متواضعة أخرى تخدم بعض أبنائنا كالعمالة والموظفين واشتراك الشباب سويا في لقاءات متبادلة وربما هذه أهم منجزات هذا المجلس، بجانب بعض مشروعات التنمية الصغيرة، عبر ست عشرة سنة شعرت   وكثيرون غيري وجدتهم غير مقتنعين بالمجلس رغم عضويتهم فيه ولهذا فانه مع أول خلاف جدي انهار المجلس؟

 

** ما أسباب الخلاف الجذري  الذي حدث مؤخرا  وهل من طريق لإصلاحه؟

 

  انهار المجلس عندما اصطدم  الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وممثلها مع   بطريرك القدس  للروم الأرثوذكس  اليوناني  وأنا لست ادري هنا  هل يعيش هذا البطريرك  في القرن الواحد والعشرين ام لا وهل لا يزال بيزنطي الطبع والتفكير ويفضل  قبعة التركي على  برنيطة اللاتيني ان جاز التعبير؟  أنا استنكر روح الهجوم التي أظهرها  تجاه كنيسة مصر وأقباط مصر، والحقيقة حاولنا عمل لجنة للصلح وذهب غبطة البطريرك الأنبا انطونيوس نجيب للقاء الأنبا شنودة الثالث وامتثلنا  بسيادة المطران بولس مطر في لبنان وحصلت مشاورات كثيرة لكن أخر الأخبار  عندي تقول بان بطريرك الروم الأرثوذكس  يرفض ان يوجه حتى كلمة اعتذرا   في مقابل الاهانات التي وجهها  للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ولهذا يصمم الأنبا شنودة الثالث على الانسحاب من  مجلس كنائس الشر ق الأوسط.

 

** ألا يتوجب على القائمين على أمر السينودس القادم ان يدعوا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية  ولو بصفة مراقبة لمثل هذا السينودس؟

 

 اعتقد ان  الدعوة لبعض الكنائس في هذا الإطار  ستكون مفيدة جدا ولو بصفة مراقبين  لأنه ليس هناك عمل  كاثوليكي منفرد ولا عمل أرثوذكسي منفرد، نحن نقوم برسالة واحدة، اختلاف المذاهب والعقائد لا يجب ان  يعقد العمل المشترك  سيما وان الإيمان واحد على أرضية  سري التجسد والفداء، هناك مساحة كبيرة جدا مشتركة بيننا وعلى ذلك سأكون سعيدا  جدا لو  اشترك مندوبون من الكنائس الأرثوذكسية في أعمال السينودس القادم كمراقبين أو متابعين لما يدور.

 

** البعض يرى  ان هناك ربما حاجة الى دعوة مفكرين مسلمين أو يهود من الذين يساندون فكرة الحضور المسيحي في الشر ق الأوسط.. هل توافق هذا الرأي؟

 

 أخشى هنا أن يتحول السينودس الى مؤتمر عام، وان تصبح القضية ومعالجتها قضية سطحية، ولهذا أفضل ان يكون الحضور  محدودا جدا  وفي جلسات معينة وليس كل الجلسات، سيما وانه لابد من جلسات خاصة بالوفود الكاثوليكية حتى نعبر عن أنفسنا بأريحية وحرية وصراحة.

 

** ماذا عن التجاوب الكاثوليكي المصري على دعوة السينودس سيما من خلال الأسئلة الأولية  التي وزعت لمعرفة آراء الرهبانيات والكهنة الايبارشيين والعلمانيين تجاه السينودس؟

 

 اشتركنا جميعا ومن كل فئات كاثوليك مصر، غبطة البطريرك الأنبا انطونيوس نجيب  دعا الى تكوين لجنة  من أساقفة  وكهنة ووزع  الأسئلة على الاكليروس  والعلمانيين  وجمعنا الأجوبة وحللناها  وبلورنا وجهة نظر واحدة سنستخدمها في المناقشات الرئيسية  القادمة  وهذا ما نستعد له بعد ان يسلم قداسة الحبر  الأعظم في قبرص غبطة البطريرك النص الرئيس الذي ستقوم عليه أعمال السنودس  في أوائل شهر يونيو القادم.

 

 

** هل هناك اهتمام واضح سواء من الإعلام الكنسي الكاثوليك أو المسيحي المصري بشكل خاص أو من  إعلام الدولة بشكل عام بشان لأعمال السينودس  المرتقب؟

 

  الإعلام الكاثوليكي في مصر محدود جدا، والإعلام الأرثوذكسي المصري أرثوذكسي جدا بما تحمله الكلمة من معاني ودلالات،   ولهذا استطيع ان أقول وأنا عضو نقابة الصحفيين المصريين  وأستاذ سابق في الجامعة  إننا  لا نمتلك في مصر منظومة إعلامية كاثوليكية أو أرثوذكسية حقيقية، ربما نمتلك  بعضا من وسائل  الصحافة الخفيفة والسطحية، لكن إعلام جدي  يناقش القضايا المصيرية بجدية تامة  ذلك يتطلب قيام مؤسسة صحفية مسيحية قوية وهو ما لا أراه  متواجدا الآن.

 أما عن الأعلام العام الرسمي  للدولة فلم  يدرك بعد ما وراء هذا السينودس   والعرب دائما يعرفون بعد فوات الأوان.

 

** في تقدير نيافتك من هوالخاسر الأكبر  حال تفريغ الشرق الأوسط من مسيحييه؟

 

 الأوطان العربية ستخسر ولا شك، وعندما أتحدث عن مصر بشكل خاص أقول  ان من أجمل سمات مصر  التعددية والتنوع، المسيحيين لهم دور كبير مع المسلمين  في بناء مصر عبر الزمان والمكان،  هناك تفاعل عقلي وفكري وحضاري، تحاول  الجماعات المتطرفة  ان  تطمس الجانب المسحي  وان تظهر جوانب بعينها وتمحي المشاركة الحضارية  المسيحية، منذ أيام قليلة كنت على شاشة إحدى  الفضائيات المصرية وكان الحديث عن  القدس، وقد شاركني الحوار مفكر معروف بآرائه الأصولية والذي صمم على ان القدس قضية إسلامية فقط  وحاولت كثيرا ان الفت انتباهه  الى أنها قضية مسيحية كذلك لكنه رفض الاعتراف بذلك هذا نوع من الآراء المتطرفة التي يمكن ان تسود المجتمعات العربية حال إفراغها  من مواطنيها المسيحيين.

 

 

** تبقى مصر في كل الأوقات صاحبة دعوة إيمانية متنورة قبل ظهور الأديان التوحيدية  فهل يعني ذلك انه لا خوف على التعايش الديني المصري المختلف في مصر؟

 

 لازال نص أخناتون على  جدران معبده  في تل العمارنة  في مدينة ملوي بمحافظة  المنيا، ولا تزال  صلاته هناك قائمة تقول "   يا الله الخالق الواحد الأحد "،  كان ذلك قبل ظهور موسى النبي بألفي عام، هذا الحديث أكده سفر أعمال الرسل  عندما  ذكر بولس الرسول  ان موسى تعلم وتهذب بكل حكمة المصريين، وقد قمت ببحث مؤخرا قدمته لمكتبة الإسكندرية   عن مصر قبل ثلاثة قرون من  ظهور المسيحية واثبت فيه أنها كانت دولة توحيد  في عمقها  وان العبادات الوثنية كانت قد انحسرت الى أقصى حد ود، وضرب المصرين أعظم مثال للتسامح فكهنة أمون لم يقتلوا لاحقا كهنة آتون وإنما أعطوهم فرصة للحياة  والاحتواء، هذا هو نمط الثقافة المصرية التي كانت سائدة ولا عجب إذن ان يقول فرويد  في كتابه " الدين والجنس"، ان مصر اخترعت الأديان فرد عليه احد المفكرين المصريين " الدكتور حين مؤنس "ب القول ان مصر لم تخترع الإلوهية  وبل اكتشفت حقيقة الله ولهذا لا أخشى أبدا على التعايش الإيماني المصري الديني بين أتباع الأديان الآن وكل أوان.

 

** ما هي أمنيتك الاخيرة للسينودس القادم؟

 

 ان نعود ممتلئين من عنصرة جديدة  روحيا  وبشكل عميق وليس بصورة مظهرية وبلاغية فقط.