الفصل الرابع
فـقدان الحالة الإكليريكية (ق. 394- 398)
للأب د. يوأنس لحظي جيد
سبق وأن أشرنا إلى أن سر الرسامة المقدسة، هو كسر المعمودية والميرون، سر لا يمحى ابدا، أي أن الرسامة المقدسة، عندما تُقبل بطريقة صحيحة، لا يمكن لأي سلطة بشرية أن تمحوها أو تلغيها، ولكن القانون يحدد بعض الحالات التي يمكن فيها للسلطة الكنسية أن تُرجع إكليريكيا إلى الحالة العلمانيّة، هذه الحالات هي:
1- بحكم قضائي أو بقرار إداري يُعلَن به عدم صحّة الرسامة المقدّسة؛ والأسباب التي تجعل الرسامة غير صحيحة هي على سبيل المثال: وجود عيب قانوني مبطل، نقص شديد في الحرية الشخصية، عدم وجود وضع للأيدي، عدم تلاوة صلاة التقديس الخاصة بطقس الرسامة المقدسة، “السيّمونيّة” أي شراء السر المقدس…
2- بعقوبة الحطّ المُنـزَلة على وجه شرعي؛ والتعبير القانوني “على وجه شرعي” يعني أن العقوبة جائت نتيجة لمحاكمة قانونية[1]. والحكم نفسه قد صدر عن محكمة جماعية (ق. 1084 بند 1، 3).
3- بمرسوم من الكرسي الرسولي أو من البطريرك؛ على أن هذا المرسوم لا يجوز للبطريرك أن يمنحه والكرسي الرسولي لا يمنحه للشمامسة الإنجيليين إلاّ لأسباب هامّّة، وللكهنة إلاّ لأسباب بالغة الأهمية (ق. 394). وهنا يمنح القانون البطريرك و رئيس الأساقفة حق اصدار هذا المرسوم داخل حدود كنيستهم.
وينتج عن فقدان الحالة الإكليريكية فقدان كل الحقوق الخاصّة بالحالة الإكليريكية، فلا يعود مُلزَما بواجبات الحالة الإكليريكية، وبالتالي يُمنع من ممارسة سلطان الدرجة، ويُحرَم من كل الوظائف والخدمات والمهامّ وأي سلطان كان مفوَّضا إليه (ق. 395). وهذا الفقدان يتضمن أيضاً الحرمان من” المعاشات الكنسيّة ومن أيّ سلطان مفوَّض؛ ويُصبح غير أهل لها؛ و ُيمنع من ممارسة سلطان الدرجة؛ ولا يمكن أن يُرقـّى إلى الدرجات المقدّسة الأعلى، ويُساوَى بالعلمانيّين في ما يتعلّق بالآثار القانونية” (ق. 1433 بند 2). ، مع سريان القانونين 396 و725.
وهنا تجدر الاشارة إلى:
أولاً: هو أن هذا الحرمان من كل الوظائف والخدمات والمهام الإكليريكيّة، ما عدا في حالة عدم صحة الرسامة المقدسة، لا ينطوي بحال من الأحوال على التفسيح في واجب التبتّل، هذا التفسيح الذي يمنحه فقط الحبر الروماني (ق. 396). فالتفسيح من واجب العفة يأتي بعض رفع القضية إلى مجمع الأسرار والعبادة الإلهيّة، الذي بدوره يدرس القضية ويرفعها الى الحبر الروماني، الذي يعود له فقط حق اعطاء هذا التفسيح
ثانياً: الفقدان الكامل للحالة الإكليريكية، والنابع من عقوبة كنسية ينقسم إلى:
1- “الحرمان الكبير”، ومن ثمَّ العودة للحالة العلمانية، يَمنع قبول الأسرارالأخرى، وخدمة الأسرار وشبه الأسرار، وشغل الوظائف والخدمات وأيّ مهمّة، والقيام بأعمال الحكم، وإذا قام بها فهي باطلة بحكم الشرع. كما يَمنع قبول الأسرار الأخرى، وخدمة الأسرار وشبه الأسرار، وشغل الوظائف والخدمات وأيّ مهمّة، والقيام بأعمال الحكم، وإذا قام بها فهي باطلة بحكم الشرع (ق. 1535).
2- “الحرمان الصغير”، أي الحرم من قبـول القربان الأقدس؛ كما يمكن استبعادهم عن الاشتراك بالقدّاس الإلهي، لا بل عن دخول الكنيسة أيضا، لدى الاحتفال فيها بالعبادة الالهيّة العلنيّة (ق. 1431 بند 1).
3- “الحرمان المؤقت”، أي الإقاف المؤقت، لمداها يحدّده الحكم نفسه أو القرار الذي به أُنزِلت هذه العقوبة، عن ممارسة إمّا جميع أو بعض أعمال سلطان الدرجة أو الحكم، وإمّا جميع أو بعض الأعمال أو الحقوق المرتبطة بوظيفة أو خدمة أو مهمّة (1432 بند1).
4- “الإنزال إلى درجة أدنى”، وبالتالي الرحرمان من ممارسة أعمال سلطان الدرجة التي حُطَّ عنها (ق. 1433).
ثالثاً: في حالة خطر الموت سواء بالنسبة للإكليريكي الواقع عليه الحكم فأن المنع الخاص بقبول الأسرار أو شبه الأسرار يتم وقفه (ق. 1435 بند1). أما في حالة ضرورة العناية بؤمنيين في خطر الموت فإن القانون يسمح للإكليريكي الممنوع من خدمة الأسرار أو شبة الأسرار بممارسته، غير أن الممارسة في هذه الحالات لا تعني الإلغاء النهائي للعقوبة (ق. بند 2).
ومن الأسباب التي يضعها القانون لإنزال العقوبة،على وجه صحيح:
1- إنكار الايمان أو الهرطقة: أن يكون الإكليريكي قد “أنكر إحدى الحقائق التي يجب الإيمان بها كإلهية وكاثوليكية، أو شكّك فيها، أو جحد الإيمان المسيحي برمّته، وأُنذِر على وجه شرعي ولم يرتدع، يُعاقب بالحرم الكبير كهرطوقي أو جاحد، والإكليريكي يمكن أن تُنزل به فضلا عن ذلك عقوبات أخرى بما في ذلك عقوبة الحطّ” (ق. 1436 بند 1).
2- إنتهاك سر الاعتراف: المعـرّف الذي ينتهـك سـرّية الاعتراف بـطريـقة مباشرة، يُعاقب بالحرم الكبير. وكذلك من سعى كيفما كان إلى الحصول على معلومات من سرّ الاعتراف، أو نقل إلى غيره ما حصل عليه منها، يُعاقب بالحرم الصغير أو بالوقف (ق. 1456).
3- حلّ الشريك: ويعاقب بالحرم الكبير الكاهـن الذي يـحلّ الشريـك في خـطيئة ضد العفة (ق. 1457).
4- إغراء تائب: يُعاقب الكاهن بعقوبة مناسبة، بما في ذلك الحطّ، إذا ما حاول أن يُغري التائب بخطيئة ضدّ العفّة في أثـناء أو بمناسبة أو بذريعة الاعتراف (ق. 1458).
5- إدانة السلطة: أن يكون قد أيّد تعليمًا أدانه كخاطئ الحبر الروماني أو هيئة الاساقفة لدى ممارستهم سلطان التعليم الرسمي، وأُنذِر على وجه شرعي ولم يرتدع (بند 2).
6- – التعدي على السلطة: من لجأ إلى الإكراه البدني على الأسقف أو أساء إليه إساءة جسيمة أخرى، يُعاقب بعقوبة مناسبة ،بما في ذلك الحطّ إن كان من الإكليروس؛ أمّا إذا اقتـُرفت هذه الجريمة في حقّ المتروبوليت أو البطريرك، بل الحبر الروماني، فيُعاقب المتّهم بالحرم الكبير، وفي هذه الحالة الاخيرة يُحفظ الحلّ منه للحبرالروماني نفسه (ق. 1445 بند 1). أو أن يكون قد “ازدرى الخضوع لسلطة الكنيسة العليا، أو الشركة مع المؤمنين الخاضعين لها، وأُنذِر على وجه شرعي ولم يؤدِّ الطاعة، وهنا يُعاقب بالحرم الكبير كمُنشَقّ (ق. 1437). أو من يهمل عمدا ذِكر الرئيس الكنسي، في القدّاس الإلهي وفي الصلوات الطقسيّة، وفقًا لما يقرّره الشرع، إذا أُنذِر على وجه شرعي ولم يرتدع، تُنزل به عقوبة مناسبة، بما في ذلك الحرم الكبير. (ق.1438).
7- – التسري العلني: الإكليريكي المتسرّي، أو المتمادي بطريقة أخرى على خطيئة علنيّة ضد العفّة مع عثرة، يُعاقَب بالوقف، وإذا أصرّ على الجريمة، يمكن إضافة عقوبات أخرى تدريجيّا حتّى الحطّ. وكذلك يُعاقب بالحطّ الإكليريكي الذي يحاول زواجا ممنوعا. (1453).
8- الاستهانة بالمقدسات: كل من يستخدم الأشياء المقدّسة استخداما دنيويّا أو لغرض سيّء، يُوقف أو يُمنع من تناول القربان الأقدس، وكذلك مَنْ يرم ِالقربان الأقدس أو يأخذه أو يحتفظ به تدنيسًا للقدسيّات، يُعاقب بالحرم الكبير، وإن كان من الإكليروس، بعقوبات أخرى أيضا، بما في ذلك الحطّ (ق. 1441- 1442).
9- الشهادة الزور: من حنث بيمينه أمام السلطة الكنسيّة، أو أدلى عن معرفة بالزور، حتّى من غير حلف اليمين، أمام القاضي الذي يستجوبه على وجه مشروع، أو أخفى الحقيقة، أو من حرّض الآخرين على هذه الجرائم، يُعاقب بعقوبة مناسبة (ق. 1443).
10- إثارة الفتنة: من أثار الفتن أو الكراهية ضدّ أيّ رئيس كنسي، أو حرّض الخاضعين له على عصيانه، يُعاقب بعقوبة مناسبة، بما في ذلك الحرم الكبير، لا سيّما إذا اقتـُرفت هذه الجريمة في حقّ البطريرك بل في حقّ الحبر الروماني (ق. 1447).
11- التآمر على الكنيسة: من سجّل اسمه في جمعيّة تتآمر على الكنيسة يُعاقب بعقوبة مناسبة (بند 1448 بند 2)
12- استغلال أموال الكنيسة: من ملّك الأموال الكنسيّة بدون الرضى أو الترخيص المقرّر، يعاقب بعقوبة مناسبة (ق. 1449).
13- القتل أو الاجهاض: من اقترف جريمة القتل، أو دبر أو مارس الإجهاض، يُعاقب بالحرم الكبير؛ ويُعاقب الإكليروس بالإضافة إلى ذلك بعقوبات أخرى، بما في ذلك الحطّ (ق. 1450).
14- التزوير: من دوّن وثيقة كنسية مزوّرة، أو أدلى فيها بالباطل، أو من استخدم – عن معرفة – في الشؤون الكنسية، أيّ وثيقة مزوّرة أو محرّفة، أو حرّف أو أتلف أو أخفى وثيقة صحيحة، يُعاقب بعقوبة مناسبة (ق. 1455).
15- الخطف والتعذيب: من خطف أحدا أو احتجزه ظلما، أو أصابه أو شوّهه على وجه جسيم، أو عذّبه عذابا جسديّا أو نفسيّا، يُعاقب بعقوبة مناسبة، من غير استتثناء الحرم الكبير (ق. 1451).
16- غياب الانتداب: كما يعاقب الاساقفة الذين منحوا الرسامـة الأسقـفية بـدون انتداب من السلطة المختصّة، و مَن قبِل الرسامة منهم بهذه الطريقة، يُعاقبون بالحرم الكبير (ق. 1459).
17- اللجؤ للسلطة المدنية: كل من يلجأ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى السلطة المدنيّة، ليحصل بتدخّلها على سيامة مقدّسة أو وظيفة أو خدمة أو مُهمّة أخرى في الكنيسة، يُعاقب بعقوبة مناسبة، من غير استبعاد الحرم الكبير، واذا تعلّق الأمر بالإكليروس، فبعقوبة الحطّ ايضا (ق. 1460).
18- السيمونية: من منح الرسامة المقدسة أو قبلها عن طريق السيمونيّة، يُعاقب بعقوبة الحطّ؛ امّا من منح الأسرار الأخرى أو قبِلها عن طريق السيمونيّة فيُعاقب بعقوبة مناسبة، بما في ذلك الحرم الكبير. وكذلك مَنْ عن طريق السيمونيّة نال أو منح، أو اغتصب كيفما كان، أو احتفظ على وجه غير شرعي، أو نقل إلى غيره أو باشر وظيفة أو خدمة أو مهمّة أخرى في الكنيسة، يُعاقب بعقوبة مناسبة، بما في ذلك الحرم الكبير (ق.1461- 1462).
رفع العقوبة:
يتمّ رفع عقوبة الحطّ إذا كانت نتيجة “عدم صحة الرسامة” باعادة الرسامة مرة أخرى.
أما في الحالات الأخرى فيتم رفع الحرمان فقط عن طريق رفع العقوبة، أي بإنتهاء الفترة الزمنية للعقوبة إذا كانت مؤقته، أو إذا كان الشخص قد تاب توبة صادقة وأعطى برهانا أكيدا على توبته. مع التأكيد بأن العقوبة المنزلة بمرسوم من الكرسي الرسولي لا يرفعها إلا مرسوم جديد الكرسي الرسولي، والعقوبة المنزلة من البطريرك أو رئيس الأساقفة فيمكن لهما أن يرفعها.
مراجع
– مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، منشورات المركز الفرنسيسكاني، القاهر 1995.
– المجمع الفاتيكاني الثاني، الطبعة اللبنانيّة.
– التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية.
– يوحنا بولس الثاني، رسالة في يوم خميس الأسرار(AAS 79, 10, 1987)، 13/ 4/ 1987. وكذلك يوحنا بولس الثاني، خطاب في كاتدارئية كيتو؛ إلى الأساقفة والكهنة والرهبان والطلاب الإكليريكيين “Insegnamenti VIII/1(1985)”، 29/1/ 1985.
– يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي ملحق بمجمع الأساقفة، أعطيكم رعاة “PASTORES DABO VOBIS”
– مجمع تبشير الشعوب، ليل راعوي (1/10/1989).
– مجمع العقيدة والايمان، رسالة الكنيسةCommunionis notio (28 mai 1992) 10: AAS 85 (1993),
– كرسنزيو سيبه، وثيقة صادرة عن مجمع الإكليروس “DIRECTOIRE POUR LE MINISTÈRE ET LA VIE DES PRÊTRES”، دليل في خدمة الكهنة وحياتهم، 1994.
– Can. 13 Trullano.
– Decr. Cum data fuerit, 1 mar. 1929.
– Pio XI, Litt. Enc. Ad catholici sacerdotii, 20 dic. 1935, AAS 28 (1936) 28.
– PO 16. CLERO UXORATO
– Paolo VI, Litt. Enc. Sacerdotalis caelibatus, 24 giu. 1967, AAS 59 (1967) 672-673.
– Sinodo dei Vescovi, 9 dic. 1971, AAS 63 (1971) 916.
– Nuntia 24-25, 71.
– C. VOGEL, “La femme du prêtre’’, Revue des Sciences Religieuses 57 (1983) 57-63.
– R. CHOLIJ, Clerical Celibacy in East and West, 1989 Leominster Hereford England.
– G. LAGOMARSINO, Il celibato del clero secolare: per uno studio comparativo dei due Codici di diritto canonico alla luce della tradizione giuridica della Chiesa in Occidente, Apollinaris 66 (1993) 339-370.
– I preti sposati nelle Chiese cattoliche orientali, Proche Orient Chrétien, tome 44, 1994, fasc. 1-4, pp. 352.
– R. DUMONT, “Les prêtres mariés dans les Eglises orientales catholiques’’, Mélanges de Science Religieuse 58 (2001) 21-45.
– B. PETRA’, ‘’Il celibato ecclesiastico. Una riflessione cattolica su una norma della tradizione latina’’, Rivista di teologia morale (2001)132, 567-577.
– G. NEDUNGATT, “Celibate and Married Clergy in CCEO Canon 373”, Studia Canonica 36 (2002) 129-167.
– Canoni del CIC che non hanno la controparte nel CCEO 235 §2, 247 §1, 249, 252 §3, 253 §§2-3, 254, 257 §2, 261, 274 §1, 276 §2, 1°, 277 §2, 278 §§2-3, 288
[1] فالقانون يقول: ان “العقـوبة القانونية يجـب أن تُـنزَل عـن طـريق المحاكمة الجزائية” (ق. 1402 بند 1 راجع أيضا بند 2)