ديمومة الزواج المسيحي الكاثوليكي الواحد

ديمومة الزواج المسيحي الكاثوليكي الواحد

 

 غير  القابل للانحلال إلا بالموت

 

تزعزت بعض الأسر المسيحية في الأيام الأخيرة بشأن الزواج الثاني والطلاق وبعض القرارات التي صدرت من المسئولين الكنسيين بشأن ذلك، لا بل قد تابعت الأمور الأخيرة بدقة على صفحات التواصل الاجتماعي والميديا المرئية والإعلام الورقي وهذا جعل الكثير يتساءل حول الزواج الكاثوليكي وإننا نقدم لك أيها القارئ العزيز أن الزواج الكاثوليكي واحد غير قابل للانحلال إلا بالموت. يطلعنا الوحي الإلهي «إِنَّ هذا السِّرَّ لَعَظيم، وإِنِّي أَقولُ هذا في أَمرِ المسيحِ والكَنيسة. فكذلك أَنتُم أَيضًا فلْيُحِبّْ كُلٌّ مِنْكُمُ امرَأَتَه حُبَّه لِنَفْسِه، ولْتُوَقِّرْ المَرأَةُ زَوجَها» (أفسس 5/32 و33). إن ديمومة الزواج المسيحي الكاثوليكي والتي لا تحلّ إلا بالموت وإننا نتعجب من الكنيسة الكاثوليكية في وحدة سر الزواج، وفي هذه الأيام نعيش في جو متوتر على سر الزواج، والزواج الثاني، فهناك المؤيد والمعترض، ونسمع أن هناك كنائس تطلّق وتزوج، ونتساءل لماذا الكنيسة الكاثوليكية ترفض الطلاق وتحافظ على وحدة الزواج؟. نندهش من ذلك… وحين نشاهد أفلام أو مسلسلات تسرد لنا مثلاً الاحتلال الإنجليزي لمصر نجد الإنجليز يقولون على الاحتلال الإنجليزي لمصر نتزوج مصر زواج كاثوليكي.

والذين يطلّقون يعتمدون على الآية الواردة في إنجيل القديس متى: «أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: مَن طَلَّقَ امرَأَتَه، إِلاَّ لِفَحْشاء، وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى» (19/9).

الأمر الأول: الغريب في ذلك أن هؤلاء اكتفوا بذلك أنهم لم يقدروا ويثبتوا أو يأتوا إلينا ببرهان كتابي واحد يثبت الزيجة الثانية بعد الانفصال أما نحن فنقول إنّ هذه الآية لا تعارض أبدًا ما ورد في إنجيل القديس لوقا «كُلُّ مَن طَلَّقَ امرَأَتَه وتَزَوَّجَ غَيرَها فقَد زَنى، ومَن تَزَوَّجَ الَّتي طَلَّقَها زَوجُها فقَد زَنى» (16/18).والأمر الثاني: لم يذكر الإنجيليان مرقس ولوقا القيد الذي قوله من غير زنى على أن القديس بولس الرسول قد شرح وفسّر هذه الآيات مطابقًا إياها على بعضها بأجلى بيان فقال: «وأَمَّا المُتزَوِّجونَ فأُوصيهم، ولَستُ أَنا المُوصي، بلِ الرَّبّ، بِأَن لا تُفارِقَ المَرأَةُ زَوجَها، وإِن فارَقَتْه فلْتَبقَ غَيرَ مُتَزَوِّجة أَو فلْتُصالِحْ زَوجَها وبِأَلاَّ يَتَخَلَّى الزَّوجُ عنِ امرَأَتِه. فالمرأةُ المُتَزوِّجَةُ تَربِطُها الشَّريعةُ بِالرَّجُلِ ما دامَ حَيًّا، فإذا ماتَ حُلَّت مِنَ الشرَّيعةِ الَّتي تَربِطُها بِزَوجِها» (1 كو 7/10 -11).

وقال أيضًا في الرسالة لرومية: «وإِن صارَت إِلى رَجُلٍ آخَر وزَوجُها حَيّ، عُدَّت زانِية. وإِذا ماتَ الزَّوجُ تَحرَّرَت مِنَ الشَّريعة، فلا تَكونُ زانِيةً إِذا صارَت إِلى رَجُلٍ آخَر» (رو7/2-3)

فثبت بهذا القيد:

أولاً: أن المقصود بقول يسوع المسيح بكلمة طلاق: عائد إلى الهجر لا إلى التزوج مرة ثانية وذلك لا يجوز إلا لعلة الزنى.

ثانيًا: بغير هذه العلّة لا يجوز الطلاق أبدًا إذ بذلك يخطئ الرجل ضد حق الزواج الذي أثبت يسوع المسيح أنّه غير قابل الحل من ذات الطبيعة بل ويجعل الرجل امرأته تزني.

ثالثًا: لو كانت الزيجة تحل بالزنى لما كان زانيا من يتزوج مطلقة إذ يكون قد انحل عقد الزواج ولم يقل هنا يسوع المسيح: «ومن يتزوج مطلقة من غير زنى» وإلا فيكون حظ المطلقة الزانية أفضل من حظ المطلقة دون زنى لأن تلك قد انحل عقد زواجها فيمكنها والحالة هذه على زعم المعترضين أن تتزوج بآخر حالة كون المهجورة دون ذنب لا تستطيع مطلقًا.

رابعًا: إن هذا هو حكم الكنيسة وتعليم آبائها وهذا هو التقليد الثابت بها ومتأصل في الوحي الإلهي.

خامسًا: ينتج من ذلك أن يسوع المسيح نطق بهذه الآيات جوابًا سديدًا مفحمًا الفريسيين بقولهم: «فَدنا إِليهِ بعضُ الفِرِّيسيِّين وقالوا له لِيُحرِجوه: أَيَحِلُّ لأَحَدٍ أَن يُطَلِّقَ امرَأَتَه لأَيَّةِ عِلَّةٍ كانت؟ فأَجاب: أَما قَرأتُم أَنَّ الخالِقَ مُنذُ البَدءِ جَعلَهما ذَكَراً وَأُنثى. وقال: لِذَلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه ويصيرُ الاثْنانِ جسَداً واحداً. فلا يكونانِ اثنَينِ بعدَ ذلكَ، بل جَسَدٌ واحد. فما جمَعَه الله فلا يُفرِّقنَّه الإِنسان. فقالوا له: فلِماذا أَمَرَ موسى أَن تُعْطى كِتابَ طَلاقٍ وتُسَرَّح؟ قالَ لهم: مِن أَجْلِ قساوَةِ قُلوبِكم رَخَّصَ لَكم موسى في طَلاقِ نِسائكم، ولَم يَكُنِ الأَمرُ مُنذُ البَدءِ هكذا. أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: مَن طَلَّقَ امرَأَتَه، إِلاَّ لِفَحْشاء، وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى» (متى 19/3-9)

إذا يسوع المسيح يفهم هؤلاء الأول: بأن لا يجوز الطلاق لأجل كل علّة لا بسبب الزنى أو بسبب آخر.

والثاني: وقوله في القسم من الآية: «مَن طَلَّقَ امرَأَتَه، إِلاَّ لِفَحْشاء، وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى». يلاحظ منه أمر يسوع المسيح بعدم انحلال الزيجة لأن مسألة الفريسيين ذات معنيين وهما هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لأجل كلّ علّة. وهل يحل الزواج بعد الطلاق بامرأة أخرى؟ فالمسيح يجيب على المعنى الأول أن الطلاق لا يحل دون الزنا ويجيب على المعنى الثاني: «وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى» إن الزواج لا يحل إلا بالموت فأما الطلاق هنا يفيد إلا الهجر نظرًا إلى الفراش والسكنى.

إذًا التقيد برباط الزواج لا يحله إلا الموت وأن الرجل ليس له أن يتزوج بأخرى طالما امرأته على قيد الحياة لأن جسده ليس له بل لامرأته التي لها السلطان عليه. ذلك هو الشرع الإلهي الذي لا يمكن أن يمس جانبه ولا تنقض أحكامه، ويلزم من الآن فصاعدًا كلّ زوج سواء كان من جنس النساء أم من صنف الرجال.

فالسيد المسيح وضع شرع الزواج وله ركنان يقوم بهما، فالركن الأول (الوحدة) يقضي على الرجل ألا يتخذ سوى امرأة واحدة. وأن الركن الثاني (الديمومة) يطلب أن يرتبط بها ارتباطًا أبديًا فلا يستطيع شيء ما أن يفك رباطهما فما من علّة توجب فسخ الزواج وتجيزه. لن تسمح علّة الزنى بافتراق الزوج البريء من قرينه المذنب وتصرح له بمهاجرته وعدم السكنى معه إلا أن الرباط الزواجي لا يزال قائمًا بينهما. فلا يستطيع أحدهما أن يُقدم على الزواج مع آخر. فإن الشرع يعد هذا الفعل إقداما على الزنى.

زواج كاثوليكي واحد غير قابل للإنحلال: إن موضوع وحدانية الزواج وعدم فسخه كما جاء في الصفحات الأولى من الكتاب المقدس لا يحتاج إلى نقاش. فهو أمرٌ مسَلَّم به. ويكفي إعادة التأمل بالآيات السالف ذكرها: “ذكراً وأنثى خلقهم… لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران جسداً واحداً” (تك 1: 2).

وتسيطر على فكرة الزواج في العهد الجديد، واقع حياة السيد المسيح الذي ولد من امرأة (راجع غلا 4: 4؛ ولوقا 11: 27) وقدّس الأسرة في حياته في الناصرة (لوقا 2: 51-52). وهو المولود من أم عذراء، قد عاش هو نفسه في البتولية، ويشهد لقيمة الزواج السامية.

أ- المسيح في عرس قانا الجليل (يو 2: 1-11). في بداية حياته العلنية أراد يسوع أن يشترك في أفراح عرس قانا الجليل وبحضوره قدَّس الزواج وبيَّن أنه أمر مقدّس شريف. كتب أحد مفسّري الكتاب المقدس شارحاً معنى حضور السيد المسيح لهذا العُرْس: في حضوره لعرس قانا الجليل فقد قدَّس السيد المسيح سرّ الزواج. والقديس يوحنا يضع هذه الأعجوبة في اطارها الحقيقي. فبعد أن دعا يسوع تلاميذه طالبتً منهم أن يتبعوه، وبالتالي أن يتقدّسوا وأن يكونوا قدّيسين في خدمته، أراد أن يضمّ الزواج إلى ملكوته. وبهذا أراد أن يبيّن الأهمية الكبرى للأسرة في الحياة وفي الكنيسة. فكما أن حفلة العُرس تعرّضت إلى صعوبة نقص الخمر، فهكذا أيضاً يمكن أن تتعرض الحياة الزوجية إلى بعض الصعوبات، وهذا التدخل السريع من العذراء ومن المسيح يدلّ على سهر المسيح على السعادة الزوجية، والمبادرة في مساعدتهم ومدّ يدّ العون اليهم. الخمرة الجيّدة التي صنعها يسوع المسيح بأعجوبة هي علامة على تجديد معنى الزواج المقدس الذي أصبح له معنى جديد ومذاق طيّب مع المسيح الذي ولد في عائلة بشرية. فالسيد المسيح يُضفي على الزواج حباً الهياً، أجْوَد من الحبّ البشري، وإنَّ هذا الحب الجديد الذي يدعم اتحاد الزوجين يبرر أيضاً مبدأ عدم الانحلال.

ب- رأي يسوع في الزنى: دعي السيد المسيح رُسله وأتباعه أن يتساموا في نظرتهم للجنس الآخر. فتكفي نظرة سوء بنيّة سيّئة حتى يتحقق الزنى: «أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: مَن نظَرَ إِلى امرأَةٍ بِشَهْوَة، زَنى بِها في قَلبِه. فإِذا كانت عينُكَ اليُمنى حَجَرَ عَثْرَةٍ لَكَ، فاقلَعْها وأَلْقِها عنك، فَلأَنْ يَهلِكَ عُضْوٌ مِن أَعضائِكَ خَيْرٌ لَكَ مِن أَن يُلقى جَسَدُكَ كُلُّه في جَهنَّم. وإِذا كانت يَدُكَ اليُمنى حَجَرَ عَثْرَةٍ لَكَ، فاقطَعْها وأَلْقِها عنك، فَلأَنْ يَهلِكَ عُضوٌ مِن أَعضائِكَ خَيرٌ لكَ مِن أَن يَذهَبَ جسدُكَ كُلُّه إِلى جَهنَّم.»(مت5: 28-30).

جـ-مفهوم الزواج والطلاق: نقرأ في الانجيل المقدس حواراً بين يسوع والفريسيين يكشف لنا مفهوم السيد المسيح حول الزواج: «فدَنا بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ وسأَلوه لِيُحرِجوه هَل يحِلُّ لِلزَّوجِ أَن يُطَلِّقَ امَرأَتَه. فأَجابَهم: «بِماذا أَوصاكم مُوسى؟» قالوا: «إِنَّ مُوسى رَخَّصَ أَن يُكتَبَ لَها كِتابُ طَلاقٍ وتُسَرَّح». فقالَ لَهم يسوع: «مِن أَجْلِ قَساوَةِ قُلوبِكم كَتَبَ لَكُم هذهِ الوَصِيَّة. فمُنذُ بَدْءِ الخَليقَة «جعَلَهما اللهُ ذَكَراً وأُنْثى. ولِذلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ امرأَتَه.8ويَصيرُ الاثنانِ جسَداً واحداً». «فلا يكونانِ اثنَيْنِ بَعدَ ذلك، بل جسَدٌ واحِد. فما جَمَعَه الله فَلا يُفَرِّقَنَّه الإِنسان». وسأَلَه التَّلاميذُ في البَيتِ أَيضاً عن ذلك، فقالَ لَهم: «مَن طَلَّقَ امرَأَتَه وتَزَوَّجَ غَيرَها فقَد زَنى علَيها. وإِنْ طَلَّقَتِ المَرأَةُ زَوجَها وتَزَوَّجَت غَيرَهُ فقَد زَنَت» (مر 10: 2-12).

 إن السيد المسيح في هذه المناسبة الوحيدة التي تكلّم فيها عن الزواج لم يصنع سوى أنه ألغى شريعة موسى متخطّياً اياها ومُعيداً للزواج حُرمته الأولى التي كانت له منذ البدء مُشدِّداً على وحدته واستمراريته. وذلك الطلاق الذي سمح به موسى لقساوة قلوبهم لن يسمح به المسيح بعد اليوم لأتباعه: «ويصير الاثنان جسداً واحداً» (مر 10: 8).

 لا شك أن السيد المسيح يهمّه الإنسان ويهمّه المخطط الالهي حول هذا الإنسان. ولكون الطلاق هو تفشيل لهذا المخطط وهو افساد للعهد القائم بين شخصين قد أصبحاً “جسداً واحداً” لذا فإن السيد المسيح لن يسمح به.

 ولكن ما معنى الاستثناء “إلا في حالة الزنى”؟ هل يعني ذلك “فِعْل” الزنى، كما يفتكر البعض، أم شيئاً آخر؟

 نلاحظ أولاً أن هذا الاستثناء لم يَرِدْ إلا في انجيل متى. سوف نرى لماذا. أما الآن فلنتسائل عن “حالة الزنى” هذه التي تُجيز الطلاق. هل هي خطيئة الزنى، الخيانة الزوجية؟

 ينبغي الرجوع إلى الأصل اليوناني: لمَ يستعمل القدّيس متى كلمة “مُويْكآيا” التي تعني فعل الزنى، بل كلمة “بورنآيا” التي تعني فيما تعنيه الزواج غير الشرعي لمانع ما، عن حُسْن نيّة أو سوء نيّة، كما ورد في الرسالة الأولى إلى أهل كورنتوس، وفي مواضع أخرى من الكتاب المقدس. فمثلُ هذا الزواج يكون باطلاً بالأساس، وهو يضع الزوجين في “حالة زنى” أدركوا ذلك أم لم يدركوه. وعندئذ ينبغي الطلاق، أو تصحيح الزواج إن كان الزوجين مدركين الأمر وعندهما رغبة في ذلك. وتعليم بولس الرسول واضحاً في هذا الصدد: (1 كور 7: 10، 11، 27).

ويسوع المسيح يعلمنا بوجه أوضح بأن الله كان يريد في وضعه الزواج منذ البدء ألا يقترن الرجل إلا بواحدة وأن يرتبط ها إلى الممات وهل كان من الممكن أن يعلن لنا أن ذلك هو الشرع الإنجيلي القاطع الذي لا يقبل تأويلا وإن الطلاق حرّم تحريمًا قطعيا ولم يبق للزوجين سواء الانفصال جسما لا روحًا مع بقاء الزوجية على حالها؟ هل كان من الممكن أن يبين لنا بلفظ أكثر صراحة بأن عصر التساهل قد مضي وأن سلطة التفسيحات قد بطلت؟ كلا: والمرأة في السكني ليس لها أن تفك الرباط الذي تقيدا به حين تزوجا. وإن المرأة التي أطلق سراحها واستبعدت عن فراش ومنزل زوجها لسبب خيانة صدرت منها لا يمكن أن تستعاض بغيرها بدون إثم كبير أي بدون سقوط في خطية الزني بدليل قول يسوع المسيح: «وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى» إننا لا ننكر أن هذا التعليم صعب سماعه على الإنسان الحيواني وإنه شاق ومؤلم للشهوة البشرية ولكن ذلك هو شرع الكنيسة الجديدة الذي أسسها الفادي يسوع المسيح. والقديس بولس الرسول أعلن للعالم بأسره في كنائس رومية وكورنتوس يقول لأهلهما: «أَوَتَجهَلونَ، أَيُّها الإِخوَة، وإِنِّي أُكَلِّمُ قَومًا يَعرِفُونَ الشَّريعة، أَن لا سُلطَةَ لِلشَّريعةِ على الإِنسانِ إِلاَّ وهو حَيّ؟ فالمرأةُ المُتَزوِّجَةُ تَربِطُها الشَّريعةُ بِالرَّجُلِ ما دامَ حَيًّا، فإذا ماتَ حُلَّت مِنَ الشرَّيعةِ الَّتي تَربِطُها بِزَوجِها. وإِن صارَت إِلى رَجُلٍ آخَر وزَوجُها حَيّ، عُدَّت زانِية. و إِذا ماتَ الزَّوجُ تَحرَّرَت مِنَ الشَّريعة، فلا تَكونُ زانِيةً إِذا صارَت إِلى رَجُلٍ آخَر» (رو7: 1-3)، وأيضًا «لا سُلطَةَ لِلمَرأَةِ على جَسَدِها فإِنَّما السُّلطَةُ لِزَوجِها، وكذلِك الزَّوجُ لا سُلطَةَ لَه على جسَدِه فإِنَّما السُّلطَةُ لامرَأَتِه» (1كو7: 4)، وفي موضع آخر يكتب: «وأَمَّا المُتزَوِّجونَ فأُوصيهم، ولَستُ أَنا المُوصي، بلِ الرَّبّ، بِأَن لا تُفارِقَ المَرأَةُ زَوجَها، وإِن فارَقَتْه فلْتَبقَ غَيرَ مُتَزَوِّجة أَو فلْتُصالِحْ زَوجَها وبِأَلاَّ يَتَخَلَّى الزَّوجُ عنِ امرَأَتِه» (1كو7: 10و11)

 وقصاري الكلام أن التقيد برباط الزواج لا يحله إلا الموت وأن الرجل ليس له أن يتزوج بأخرى طالما امرأته على قيد الحياة لأن جسده ليس له بل لامرأته التي لها السلطان عليه. ذلك هو الشرع الإلهي الذي لا يمكن أن يمس جانبه ولا تنقض أحكامه ويلزم من الآن فصاعدًا كل زوج سواء كان من جنس النساء أم صنف الرجال. أتى المسيح إلى العالم ليجدّده. فكان أول مظاهر التجديد إعادة الزواج إلى أصالته، أي الاحادية وعدم الانفصام. فما يهم يسوع هو المشروع الإلهي بخصوص الإنسان، فالطلاق تفشيل للمشروع الإلهي، وإفساد للعهد القائم بين شخصين قد أصبحا جسداً واحداً. ولكن ما معنى الاستثناء إلا في حالة الزنى؟ هل يعني ذلك فعل الزنى؟ أم شيئاً آخر؟ نلاحظ أولاً أن هذا الاستثناء لم يرد إلا في إنجيل متى. وذلك لأن القضية – في البيئة اليهودية – كانت قضية الساعة عند العلماء، وكانت تثير الكثير من النقاش والجدل، في معرفة ما إذا كان مثل هذا الزواج صحيحاً أم لا. فجزم المسيح، مشيراً إلى أنه زواج باطل ينبغي إما فسخه وإما تصحيحه. ما هي إذاً “حالة الزنى” هذه التي تجيز الطلاق؟ هل هي خطيئة الزنى؟ الخيانة الزوجية؟ إن الكلمة التي استعملها القديس متى في إنجيله تعني فيما تعنيه “الزواج غير الشرعي لمانع ما “، عن حسن نية أو سوء نية. فمثل هذا الزواج يكون باطلاً بالأساس، وهو يضع الزوجين في “حالة زنى”، أأدركوا ذلك أم لم يدركوه، وعندئذ ينبغي الطلاق أو تصحيح الزواج إن كان الزوجان مدركين للأمر وعندهما رغبة في ذلك  

فلا فسخ للزواج، بل هجر إذا اقتضى الأمر … لذلك فالزواج السر لا ينفصم: فهو بالنسبة إلى الأزواج المسيحيين، اتحاد المسيح بكنيسته. لا يسمح للرجل بأن ينفصل عن زوجته تماماً كما لا يسمح للمسيح بأن يتحرر من تجسده فينفصل عن البشرية ويخون العهد، عهد الحب الذي يربطه بكنيسته، والحال أن المسيح لن يترك كنيسته أبداً. كل زواج مسيحي معمّد ومطعّم إلهياً على هذا الحب المتين، حب المسيح وكنيسته، لا خليقة أخرى يمكنها أن تحل رباط الحب هذا الذي يربط بين المسيح وكنيسته. جاء المسيح ليعيد الخليقة إلى نظامها الأوّل الذي بلبلته الخطيئة، وهو يؤتينا من القّوة والنِعمة ما يُمكّننا من أن نعيش الزواج في بُعده الجديد. فالأزواج لن يُدركوا (متى19/11) معنى الزواج، في معناه الأصلي ولن يتمكّنوا من أن يعيشوه بمعونة المسيح، إلاّ إذا اتّبعوا المسيح وزهِدوا في أنفسهم، وحملوا صليبهم (مر8/34). نعمة الزواج هذه إنّما هي ثمرة صليب المسيح ومصدر كلّ حياة مسيحيّة (أف 5/25-26).

وإننا نختم بما أعلنه المجمع المسكوني الترندنتيني في الجلسة 24، المنعقدة في 11 تشرين الثاني 1563 برئاسة الطيب الذكر قداسة البابا بيوس الرابع(1559-1565):

أ-تعليم وقوانين في سر الزواج:

1- بوحى من الروح القدس أعلن أبو الجنس البشرى الأول رباط الزواج الدائم والذى لا يقبل الحلّ، عندما قال: هوذا هه المرَّة عظم من عظامي ولحم من لحمى. ولذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران جسدًا واحدًا (تك 2: 23..، متى 19: 5، أف 5: 31).

2- أن يجمع هذا الرباط كائنين فقط، المسيح ربنا علّمه بوضوح كافٍ عندما ذكر هذا الكلام على أنه صادر عن الله، وقال: فليسا هما اثنين بعد، بل جسد واحد” (متى 19: 6) وقد أتبع كلامه هذا حالاً بما يثبت هذا الرباط الذى أعلنه آدم من زمن بعيد، فقال: “ما جمعه الله فلا يُفرقه إنسان” (متى 19: 6، مر 10:9).

3- النعمة التي تقود هذا الحب الطبيعي إلى كماله تُثبت هذه الوحدة التي لا تقبل الحل، وتُقدّس الزوجين. والمسيح نفسه الذى أنشأ الأسرار الجليلة وسما بها إلى كمالها استحق لنا هذه النعمة بآلامه. هذا ما أشار إليه الرسول بولس عندما قال: «أَيَّها الرِّجال، أَحِبُّوا نِساءَكم كما أَحَبَّ المسيحُ الكَنيسة وجادَ بِنَفسِه مِن أَجْلِها» (أف5: 15)، وقد أضاف إلى ذلك حالاً: « إِنَّ هذا السِّرَّ لَعَظيم، وإِنِّي أَقولُ هذا في أَمرِ المسيحِ والكَنيسة»(أف5: 32).

4- بما أن الزواج في العهد الإنجيلي يتفوّق في النعمة، بالمسيح، على زواجات الناموس القديم، فبحقّ علَّم أبدًا الآباء القديسون، والمجامع، وتقليد الكنيسة الجامعة، أنّ من الواجب عدَّه من أسرار العهد الجديد. وقد خالف هذا التقليد أناس من منافقي هذا العصر، ولم يكتفوا باتخاذ مواقف منحرفة بالنسبة إلى هذا السر الجليل، ولن انقادوا في هواهم إلى الانجراف في حرية الجسد تحت ستار الإنجيل، وذلك بالقلم واللسان، فأشاعوا عددًا كبيرًا من العناصر الغريبة عن شعور الكنيسة الكاثوليكية وعن العادات المتّبعة منذ عهد الرسل فحصل من ذلك ضرر كبيير وأذى للمؤمنين.

5- فرغبةً من المجمع المقدّس في حد لتهُّور هؤلاء الناس، رأى أنه لابُدَّ من استئصال الهرطقات والضلالات الجسيمة التي انجرفوا فيها، حتى لا تُضلَّ عَدواهم كثيرين، وهو لذلك رشق هؤلاء الهراطقة وآراءهم الضالّة بالحرمانات التالية.

ب-قوانين في شأن سر الزواج:

ق1. إذا قال أحدٌ بأن الزواج ليس في الحقيقة أحد أسرار الناموس الإنجيلي السبعة التي أنشأها المسيح ربنا، ولكنه أمرٌ اختلقه البشر في الكنيسة، وأنه لا يمنح النعمة: فليكن محرومًا.

ق2. إذا قال أحدٌ بأنه يحقّ للمسيحيّين أن يتخذوا عدّة زوجات معًا، وأن ذلك لم يمنعه أي شرع إلهىّ (متى 19: 9): فليكن محرومًا.

ق3. إذا قال أحدٌ إن درجات القرابة الدموية والمصاهرة السبع المذكورة في سفر الأحبار (أم 18: 6-8) وحدها يمكنها أن تمنع القِران وتُبطل المعقود منه، وأن الكنيسة لا تستطيع أن تُعفى من أيّ منها، ولا تُقِرّ عددًا أكبر من موانع الزواج وإبطاله: فليكن محرومًا.

ق4. إذا قال أحدٌ بأن الكنيسة لم تستطع وضع موانع تبطل الزواج، أو أنها اخطأت في وضعها: فليكن محرومًا.

ق5. اذا قال أحد بأنّ رابط الزواج يمكن أن يُحلَّ بسبب الهرطقة، أو بسبب حياةٍ مشتركة لا تُطاق، أو بسبب غيابٍ متعمَّد لأحد الزوجين: فليكن محرومًا.

ق6. إذا قال أحد بأن الزواج المعقود وغير المكتمل لا تبطله النذور الرهبانية لأحد الفريقين: فليكن محرومًا.

ق7. اذا قال أحد بأن الكنيسة على خطأ عندما علَّمت وتُعلّم: وفق تعليم الإنجيل والرسول (رَ متى 5: 32، 19: 9، مر10: 11- 12، لو16: 18، 1كو7: 11) أن رباط الزواج لا يمكن أن يحلّه زنى أحد الزوجين، وان لا هذا ولا ذاك، حتى البريء الذى لم يقدّم سببًا للزنى، لا يستطيع، ما دام الآخر حيًّا أن يعقد قرانًا آخر، وأنه يُعدّ زانيًا من يتزوَّج امرأة أخرى بعد فصل الزَّانية، وتُعدّ زانيةً من تتزوّج رجلاً آخر بعد فصل الزَّاني: فليكن محرومًا.

ق8. إذا قال أحدٌ بأن الكنيسة تخطأ عندما تُقرّ أنه، لأسباب متعدِّدة، يستطيع الزوجان أن يعيشا منفصلين، بدون حياة زوجية أو بدون حياة مشتركة، لزمن محدود أو غير محدود: فليكن محرومًا.

ق9. إذا قال أحدُ بأن الإكليريكيين الذين نالوا الرُّتبة الكهنوتية المقدّسة أو الرهبان الذين نذور العقّة يستطيعون عقد زواج، وان مثل هذا الزواج صحيح، برُغم قانون الكنيسة أو نذرهم، والقول بغير ذلك ليس سوى شجبٍ للزواج، وإنه بإمكان جميع الذين لا يشعرون بأنهم يملكون موهبة العفّة (حتّى ولو نذورا العفّة)، أن يعقدوا زواجًا: فليكن محرومًا، إذ إن الله لا يرفض هذه الموهبة للذين يطلبونها كما ينبغي، ولا يُسمح بأن نُجرَّب فوق طاقتنا (1كو 10: 13)

ق10. إذا قال أحدٌ أنه يجب جعلُ حال الزواج فوق حال البتولية أو العُزوبة، وأن البقاء في حال البتولية أو في حال العزوبة ليس أفضل ولا أهنأ من عقد الزواج (متى 19: 11…، 1كو7: 25…، 38، 40): فليكن محرومًا.

ق11. إذا قال أحدٌ أن منع الاحتفال بالأعراس في أوقات محددة من السنة هو من قبيل الخُرافة الظالمة المتحدِّرة من خرافة الوثنيين، أو إذا شجب التبريكات والاحتفالات الأخرى التي تقوم بها الكنيسة: فليكن محرومًا.

ق12. إذا قال أحدٌ أن القضايا الزواجية ليست من صلاحيّة القُضاةِ الكنسييّن: فليكن محرومًا.

 

المراجع والمصادر:

    1. «التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكية»، عرّبه عن الطبعة اللاتينيّة الأصليّة الميروبوليت حبيب باشا وآخرون، المكتبة البولسية، لبنان، 1997.
    2. «الخلاصة اللاهوتية للقديس توما الإكويني(1227−1274)الأستاذ الملكيّ»، المجلد الأول، ترجمة من اللاتينية إلى العربية الخوري بولس عواد، طبع بالمطبعة الأدبية في بيروت، 1882، والمجلد الثاني1889، والمجلد الثالث1891، والمجلد الرابع1898، والمجلد الخامس1908. وتمّ إعادة طبع هذه الخلاصة اللاهوتية طبعة ثانية في سنة 1925.
    3. «دليل عربي يوناني إلى ألفاظ العهد الجديد»، صنّفه الأب صبحي حموي اليسوعي، دار المشرق، بيروت،1993.
    4. «مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية», منشورات المركز الفرنسيسكاني للدراسات الشرقية المسيحية, القاهرة, سنة 1995
  • إغناطيوس برزي(الأنبا)، « قيام أبناء الملكوت على سري الزيجة والكهنوت»، القسم الثاني في سر الزيجة، القاهرة، د.ت.

 

  1. جرفيه دُميج اليسوعي(الأب)، «الإيمان الكاثوليكي نصوص تعليمية صادرة من السلطة الكنسية»، دار المشرق، بيروت، 1999.
  2. دنتسنغر – هونرمان، «الكنيسة الكاثوليكية في وثائقها»، الجزء الثاني، ترجمة، الفكر المسيحي بين الأمس واليوم=28، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، لبنان، 2001.
  3. صبحي حموي اليسوعي (الأب)، «معجم الإيمان المسيحي»، دار المشرق، بيروت،1994.
  4. فرنسيس قزمان(المونسنيور)، نشرة أولى: «رد الثلاثة وأربعين سهم في نحر البرموس العليل بالجدال والوهم»، د.ت.
  5. فرنسيس قزمان(المونسنيور)، نشرة ثانية: «رد الثلاثة وأربعين سهم في نحر البرموس العليل بالجدال والوهم». د.ت.
  6. فرنسيس قزمان(المونسنيور)، نشرة رابعة: «رد الثلاثة وأربعين سهم في نحر البرموس العليل بالجدال والوهم». د.ت.
  7. فرنسيس قزمان(المونسنيور)، نشرة ثالثة: «رد الثلاثة وأربعين سهم في نحر البرموس العليل بالجدال والوهم». د.ت.
  8. فرنسيس قزمان(المونسنيور)، نشرة خامسة: «رد الثلاثة وأربعين سهم في نحر البرموس العليل بالجدال والوهم». د.ت.
  9. مجموعة من المؤلفين، «معجم اللاهوت الكتابي»، دار المشرق، بيروت، الطبعة الرابعة، 1999.
  10. هربرت ڤورغريملر، «معجم اللاهوت الكاثوليكي»، نقله إلى العربية المطران عبده خليفة، دار المشرق، بيروت، 1986.

 

 

الأب إسطفانوس دانيال جرجس

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما