خاص بالموقع – إعداد ناجى كامل – مراسل الموقع من القاهرة
هو احد الآباء الكبادوكيين ، يعنى ذلك الآباء الذين تولوا رعاية منطقة قيصرية كبادوكية ونقصد بهؤلاء الآباء ثلاثة مشهورين جدا كان لهم أثرهم في التاريخ في حياة القداسة والخدمة أولهم القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية كبادوكية والثاني صديقه القديس إغريغوريوس النيازينزي( أو أغريغوريوس الثيئولوغوس أو أغريغوريوس الناطق بالإلهيات ، كلها ألقاب لواحد لشخص واحد) والثالث القديس إغريغوريوس أسقف نيصص وهو أخو القديس باسيليوس الكبير .
+ تدعوه الكتب الليتورجية البيزنطية “نور التقوى” و”منارة الكنيسة.
+ القديس باسيليوس الكبير يعتبر أقوى شخصية لاهوتية ورعوية بعد القديس أثناسيوس الرسول في بلاد الشرق، ولد في قيصرية كبادوكية سنة 330 م في قيصرية بالقسطنطينية في أثينا ، أثينا عاصمة اليونان ، بعد إنعقاد مجمع نيقية بخمس سنوات حينما كانت المشكلة الأريوسية في عمقها وفي عنفها ولد بعد تولي القديس أثناسيوس الرسول رئاسة كنيسة الأسكندرية بعامين.
وهو واحد من أشهر أعلام الكنيسة الجامعة، ومنظم الحياة الرهبانية الكبير. لقب بالكبير لأنه كان كبيراً في إيمانه و أعماله و في تواضعه وأخلاقه . عمل فأتقن، وفكر فأبدع، آمن فصار قديساً. أصبح كبيراً في عصره، وبقي كبيراً على مدى العصور المتتالية. يصفه صديقه المقرب القديس غريغوريوس النزينزي فيقول: كان رجلاً طويل القامة، نحيل الجسم، ناشف القسمات، أصفر اللون، عنده نظرات تأمل وتفكير، أصلع الرأس تقريباً، ذا لحية طويلة، خجولاً يتحاشى الجدال العلني، بطيئاً في الكلام، جريئاً وشجاعاً، محباً للعزلة والصمت. إنما الصفة الأساسية عنده هي القدرة على السيطرة على النفس وتحكيم العقل قبل القلب.
لعل أهم ما قام به القديس باسيليوس هو أنه قد استطاع صياغة نمطٍ جديدٍ للحياة الرهبانية، آلف فيه بين الطبيعة البشرية للإنسان وبين النعمة الإلهية ، بين قوى الإنسان الجسدية وقواه الروحية، في هذا التجديد طبق القديس الأفكار الفلسفية اليونانية.
حياته
ولد القديس باسيليوس في قيصرية الكبادوك في حوالي العام 330، أنعم الله عليه بعائلة تقية ورعة، من أب كتب عنه المؤرخون أنه كان خطيباً ساحراً وعالماً بارعاً، مُحِباً للآداب والعلوم. ومن أم تقية ورعة كانت تدعى اميليا، وهي كانت ابنة أحد الشهداء الذين قدموا حياتهم شهادة لإيمانهم، رزق الله هذه العائلة عشرة أولاد: خمسة صبيان من بينهم القديس غريغوريوس أسقف مدينة نيصيص، وخمسة بنات من بينهم راهبة تدعى ماكرينا.
“من هذه الأسرة ظهر بعض من كبار رجال الكهنوت ، القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية كبادوكية وأخوه القديس أغريغوريوس أسقف نيصص وأخوه القديس بطرس أسقف سبسطية وأخته القديسة ماكرينا راهبة ومرشدة روحية وكانت هي المرشدة الروحية لأخوتها الصغار”
ورث القديس باسيليوس حب العلم على ما يبدو من أبيه. وكان بيته أول مدرسة له، بدأ باسيليوس الصغير يتردّد على المدرسة الموجودة في المدينة، كانت واحدة من أقوى المدارس وأشهرها. نجح في الدراسة والعلوم الفلسفية، وعرف عنه التفوق بالدروس و الأخلاق، فصار نموذجا لكل الطلاب. ثم التحق بمدرسة أخرى في مدينة القسطنطينية، وهناك أكمل درس الفلسفة ، وتعمق في علم التاريخ وبرع في اللغة اليونانية وآدابها وفلسفتها.
استطاع أن يبني في القسطنطينية صداقات عدة مع عديد من الناس و رفاق الدراسة، ولكن تبقى صداقته للاهوتي الكبير القديس غريغوريوس النزينزي أعمقها وأصفاها، وكانا على معرفة مسبقة من أيام الدراسة في مدينة قيصرية الكبادوك. قال القديس غريغوريوس عن هذه الصداقة فيما بعد: ( لمّا حصل التعارف بيننا، واتضحت رغبتنا المشتركة في درس الفلسفة والوصول إلى حقيقة الأشياء، أصبح كل واحد منا للآخر كل شيء، كان لنا سقف بيت واحد ومائدة طعام واحدة ندرس عليها. إن أعيننا كانت تحلق نحو هدف واحد، وعاطفتنا لم تكن إلا لتزيد وتترسخ يوماً بعد يوم ). بعد انتهاء فترة الدراسة في القسطنطينية افترق الصديقان وبقي اتصالهما في المناسبات ومصادفة لكن أحدهم لم ينسَ الآخر على الإطلاق. لم يكتفِ القديس باسيليوس من العلم وأكمل نهله منه في أثينا حيث تابع دراسة الفلسفة والفصاحة، ودرس الفلك والعلوم الطبيعية والطب، وهناك اشتهر كثيراً حتى بلغت شهرته أماكنَ ومدناً بعيدة جداً.
بعد كد وجهد مريرين في العلم والمعرفة أنهى القديس علومه وقرر العودةَ إلى البيت، ذلك البيت الحنون الذي طالما اشتاق إليه، ولما عاد خاب أمله إذ وجد تصدعاً في المنزل لم يكن يتصوره، فجدّته كانت قد توفيت ووالده باسيليوس أيضاً، وبقيت أمه المسكينة تتحمل أعباء تسعة أولاد ومسؤولية أملاك واسعة. فحزم باسيليوس أمره وعزم على لملمة الأمور وإراحة أمه التي بدا على وجهها التعب و الإرهاق، وساعدته في ذلك أخته الشجاعة ماكرينا، أهتم باسيليوس بأسرته أشد الاهتمام وكان بمنزلة الأخ والأب في الأسرة، وبقي بعيداً عن الفلسفة التي أحبها وعن العلم الذي جمعه حتى كبر إخوتُه وأخواته وتزوجوا ما عدا غريغوريوس الذي ترهّب وأخ له كان قد مات فى رحلة لصيد، وآخر دخل في سلك الكهنوت.
بعد أن تفرغ لنفسه واطمئن على إخوته وأخواته، عاد إلى العلم والبحث، فأسرع الأساتذة في المدينة إلى ضمّه إلى صفوفهم، ورتبوا له تعليم البلاغة والفصاحة، فأبدع فيها وأحسن. ولكن في الوقت نفسه أدركه الغرور ونال منه، وأخذ يستعلي ويستكبر ويحتقر الناس، وابتعد عن الصلاة والإيمان، ولم يكن لأحد أن يتجرأ ليقف في طريقه هذا، أو أن يعترض على أسلوبه غير اللائق في التعامل مع الناس، وكيف يمكن إقناع فيلسوف بغير ما هو مقتنع به. إلا أن أخته ماكرينا التي يلقبها المؤرخون بأخت الرجال، وهي امرأة قوية وذكية، ساعدته كثيراً على العودة إلى حياته الطبيعية والمثل والقيم التي نما عليها، فقد كانت تراقبه عن كثب وتنصحه دائماً حتى يبتعد عن الاسترسال في التهوّر والغرور والتجبّر، وضلت تذكره بالتربية التي تلقاها في بيت والده.
لكن الارتداد الأكبر كان عندما بدأ يشعر بميل غريب نحو مطالعة الكتاب المقدس من جديد والتعمق في معرفة الله حتى أحبه حباً جماً. يقول في قصة ارتداده إلى الله: ( بعد أن أمضيت زمناً طويلاً في الأباطيل وصرفت عهد شبابي في الكدّ والجدّ في تحصيل العلوم وبلوغ حكمة تنكرها الحكمة الإلهية، صحوت يوماً كما يصحو النائم من رقاد عميق، ولمحت النور المشرق من تعليم الإنجيل. فعرفت بطلان الحكمة التي تعلمتها وأدركت فراغها وزوالها وأسفت أسفاً شديداً على ما مرّ من عمري حتى الآن… فتّشت عن صديق يدلني على طريق التقوى… وأصبح كلَّ اهتمامي أن أعمل على إصلاح أخلاقي بعد أن أفسدها طول اختلاطي برفقاء الشرّ، ثم قرأت الإنجيل ورأيت أن لا سبيل إلى بلوغ الكمال إلا بأن يبيع المرء ماله ويعطي للفقراء نصيبهم ويتخلّى عن مطامع الحياة جميعها حتى لا يبقى للنفس ما يعكر صفوها من كل ما في الدنيا من أشياء…). وعند هذا الارتداد اقتبل القديس باسيليوس سرّ المعمودية المقدس، كما كانت العادة في ذلك الزمن.
+ بدأ حياة النسك ما بين سنتى 357 ، 358 يعنى له من العمر 27 أو 28 سنة يذهب قديسنا إلى براري مصر وصحرائها، تلك الصحراء التي توصف بأنها ملهمة النساك ومعقل الزاهدين. ثم قام بزيارة الأراضي المقدسة وسوريا والعراق وساح في أرجائها يتعقب أثار النساك وكهوف الزاهدين، وتعرف على قمم النسك والزهد في تلك المناطق،ثم عاش هو نفسه متزهداً متوحداً، وعكف على الإماتة. فانفتحت له أفاق واسعة وباتت له الحياة الرهبانية على حقيقتها وجوهرها. اختار القديس باسيليوس مكاناً قريباً من مدينته، وانعزل فيه عن بقية العالم، لم يكن المكان صحراء قاحلة وإنما منطقة جبلية مشجرة خضراء، يصف القديس باسيليوس هذه العزلة فيقول: ( أرشدني الله إلى مكان يتوافق تماماً مع رغبتي الشديدة في النسك والعزلة. فقد كان هناك جبال عالية تكسوها الأشجار المختلفة وتشق سفوحها وأعماقها وديان متعرجة، وتنبسط عند أقدامها سهول خصبة، وتتفجر منها أنهار وجداول حتى لتبين تلك البقعة للناظر مثل جزيرة لا يضاهيها جمالاً وروعة حتى جزيرة كالِبسو التي تغنّى بها هوميروس. وعلى مرتفع وسط هذه البقعة تقوم صومعتي التي تشرف على كل تلك الأرجاء. يا له من منظر خلاّب إذ ترى السهل منبسطاً أمام عينيك والنهر يجري هادراً وتنظر الأزهار المتنوعة وتسمع تغريد الطيور الممتزج مع خرير المياه. لكن المهم ليس ما ذكرت، بل هو تلك العزلة التي أتمتع بها. إن هذه الخلوة هي بعيدة عن ضجيج العالم، لا يأتيها الزوار إلا نادراً، يقصدها بعض الأشخاص طلباً لصيد الوحوش البرية مثل الغزلان والماعز البرية والأرانب وغيرها ). ويتابع وصف عزلته بقوله: ( إني أخجل من ذكر ما أقوم به في الليل والنهار. صحيح أني تركتُ كل هموم العالم لأنها سبب شرور كثيرة، لكني لم أقدر أن أتجرد تماماً عن ذاتي وعن الهموم العائلية والخاصة… وهذا ما أقوم به باختصار: الاختلاء، الصلاة الممتزجة مع الترنيم والتسبيح، وأخيراً قراءة الكتب المقدسة، والتأمل).
لم يصر راهباً فقط إنما شهرته جذبت إليه الكثيرين فأسس رهبنة وأسس أديرة ووضع قوانين للرهبنة وعاش القديس باسيليوس حياة النسك والوحدة وأحبها ، فهو رجل ذو علم كثير وفلسفة عميقة تمكنه من تقييم الأمور و الحكم فيها. فقد وجد الكثير من الخلل والنواقص، التي قد تتعارض في كثير من المجالات مع تعاليم الإنجيل نفسها، خاصة مع تعاليم القديس بولس الرسول، ورأى في قمع النفس، وإماتة الجسد وأكد قول المسيح: ( إن العامل يستحق أجره ). وبيّن أن كلام المسيح هذا يبقى دعوة للعمل وتفعيل طبيعة الإنسان، واستثمار مواهبه وقدراته التي منحه إياها الله.
هكذا كانت وجهة نظر القديس باسيليوس في شأن التنسك والعيش المنفرد في الصوامع والكهوف، وهذا ما دفعه إلى إيجاد الحل المناسب لكي يتمم هذه الحياة الخاصة ويوصلها إلى الكمال التي تستحقه. في الحقيقة لقد نهج قديسنا أسلوب الفلسفة اليونانية التي تدعو إلى استفادة الإنسان من قدراته الطبيعية وتلك الفائقة الطبيعية أيضاً ووضعها في خدمة المجتمع والإنسانية، ولكن إذا كان القديس باسيليوس يرى أن الحياة النسكية جيدة وجديرة بأن تعاش، ولكنها ناقصة لكونها تهمل عطايا الله الطبيعية للإنسان، فإنها تبقى دعوة خاصة، يخص بها الله بعض النفوس. لم يتنكر القديس للحياة النسكية، لكنه كان يريدها متآلفة مع نمو الإنسان الطبيعي، وفرصة لاستثمار مواهبه من خلالها، لكنه لم يقبل أي هدنة أو هوادة في الجهد الشخصي والسعي الحثيث نحو الكمال. قارن القديس باسيليوس بين الحياة النسكية المتوحدة وحياة الرهبانية الرسولية ففضل الثانية على الأولى من دون أن ينكر أهميتها، لأنه يدرك أن لكل واحدة منهما حسناتها. فالحياة النسكية المتوحّدة ، هي هادئة وادعة ثابتة تساعد النفس كثيراً على الاتحاد بالله، لكنها لاتعصم عن الكبرياء، لأن الناسك لا يتعرض فيها للاحتكاك مع الآخرين والدخول في عراك حياة الجماعة، ويقلل من الخبرات والتجارب له. أما الحياة الرهبانية الرسولية والجماعية فهي أكثر حركة ونشاطاً وأكثر منفعة للآخرين. لكنها لا تخلو من الانشغال الباطل والانفعالات. ولذلك عزم القديس باسيليوس على مزج الحياتين معاً، والاستفادة من خصائصهما الإيجابية وخلق حياة نسكية رهبانية جديدة تكون أكثر نضوجاً وفاعلية، ولا ننسى أن الهدف الأساسي أو الفكرة الأساسية التي كانت تدور في فكر القديس هي خلاص البشر وتمجيد الله. ورأى أن في دمج وتطوير الحياة النسكية المتوحدة والحياة الرهبانية الرسولية خير وسيلة للوصول إلى خلاص النفوس وتمجيد الله.
كتب القديس باسيليوس القوانين الطويلة وهي مختصر لخمسة وخمسين حديثاً عن الحياة الرهبانية، و القوانين المختصرة تحوي على 313 سؤالاً وجواباً، وفيها يشرح قديسنا كل معاني و مشاكل الحياة الرهبانية. من بنود هذه القوانين أن الرهبان يلتزمون بأن يقوموا بكل الأعمال بأنفسهم، فهم الذين يحرثون الأرض، ويغرسون الأشجار، ويحصدون القمح، ويبنون الصوامع والأديرة. كل راهب يملك ثوباً واحداً وعباءة واحدة، وينام على الأرض وفي العراء. تبع نظام القديس باسيليوس فيما بعد رهبان بالآلاف، حتى بلغت شهرة قوانينه إلى الغرب، واستوحى منها القديس بنديكتوس مؤسس الحياة الرهبانية في الغرب.
+ صار قارئاً في حدود العام 359 م، وشمّاساً سنة 360 م
+ سيمَ باسيليوس كاهناً في العام 362 ، وتفرغ لخدمة النفوس، فصارع الأريوسية، ونظم العبادة والتعليم الديني، واهتم بالأمور الاجتماعية، وأسس مؤسسة للعمل الاجتماعى .
من الأعمال المُلفتة التي أطلقها القديس باسيليوس، المدينة الباسيليّة التي أقامها عند مدخل مدينة قيصريّة في منتصف السبعينات من القرن الرابع الميلادي. المشروع كان مُجمَّعاً ضخماً ضمَّ مستشفى ومدارس مهنية ودوراً للأيتام وملاجئ للبرص وفنادق وكنائس وبيوت للأطباء والعاملين. كانت ” الباسيلية ” : مدينة للفقراء والمرضى والمحتاجين.
+ نال باسيليوس الدرجة الأسقفية في العام 370 بعد موت الأسقف أوسابيوس. وكان الناس يحبون باسيليوس كل الحب فرشحوه لكى يكون بطريركاً لكى يكون رئيساً لأساقفة قيصرية كبادوكية ، كانت الناس فى حيرة مَن تختار للأسقفية باسيليوس أم يوحنا الذهبي الفم، ويقال أيضاً أنه عندما حان وقت الانتخاب، هرب القديس يوحنا من المدينة واختفى عن الأنظار، فمالت الناس إلى القديس باسيليوس و تم انتخابه أسقفاً على مدينة قيصرية، فهو رجل عالم وثابت في عقيدته، فصيح اللسان، شجاع وإداري من الدرجة الأولى. الأسقفية بالنسبة له كانت حافلة بالهموم والصعاب. فالطمع والحسد دفع الكثيرين من الأساقفة الخاضعين له إلى مقاومته و محاربة مشاريعه ورفض التعاون معه، لكن حكمة القديس باسيليوس وطول صبره ووداعته و عدله لم تُمكن أعداءه منه حتى تمكن أحدهم من القول: (إن من يقاوم باسيليوس يقاوم الله ). ولكنه على الرغم من هذه المصاعب و المحن لم ينسَ واجباته الاجتماعية والرعوية. فهو الذي سعى إلى الإصلاح في الطقوس، وقد رأى بفكره العملي أن يختصر الصلوات الطويلة وليتورجية القديس يعقوب، وأن يحدد أوقات الصلاة ليستطيع جميع الناس التردّد إليها.
+ القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة كبادوكية لم يقضي في رئاسة الكهنوت أكثر من 8 سنين وأيام لأنه توفي في 1 / 1 / 379 وهو تولى حبريته سنة 70 يعنى 9 سنين بالكتير .
عظيم كان أيضاً قلب هذا القديس الذي لا تخفى عليه حاجة بائس. فقد توسط لدى المسؤولين لأجل تخفيف الضرائب عن الناس أو الإعفاء منها، وقرّع بعض المسؤولين الذين غاب عنهم الضمير أو الشعور بحاجة الفقراء. كما بنى مدينة كاملة من أجل الفقراء و اليتامى والمنبوذين الضعفاء، فقد كانت تضم مدارس لتعليم المهن وملاجئ للبرص، وفنادق وكنائس، عدا بيوت الأطباء والعاملين في هذه المدينة. وقد اشتهرت مدن المحبة هذه حتى ظن الحكام أن القديس باسيليوس يقوم بها لأجل تقويض سلطان الامبراطور ودكّ أسس الحكم.
لقد أحب قديسنا الكنيسة بغيرة وشغف، وبذل ما بوسعه لكي يحافظ على وحدتها، وقاوم الهرطقات والبدع، خاصة الأريوسية، قال في صاحب البدعة: ( هو يشهر السلاح على الكنيسة، هو يحارب الترتيب الذي وضعه الله. هو عدو للهيكل ومتمرد على ذبيحة المسيح، لأنه يتجاسر على بناء هيكل آخر وعلى التلفظ بصلاة أخرى غير شرعية، وعلى تدنيس الذبيحة الإلهية الحقيقية بذبائح كاذبة). ودعا إلى أن تكون الكنيسة واحدة في إيمانها كما أرادها المسيح أن تكون، وناضل كثيراً من أجل هذا الهدف. من ناحية أخرى سعى إلى إبراز حقيقة وجوهر الديانة المسيحية، فدرس عقيدتها بعمق، وأراد أن تكون هذه العقيدة واضحة لا لُبس فيها، وناضل ليحفظَ لصيغة مجمع نيقية الإيمانية نقاءها، حيث قال عبارته الشهيرة: إن المسيح واحد في الجوهر مع الله الأب وأن الروح القدس أحد الثالوث الأقدس، الذي هو من طبيعة اللاهوت المقدس نفسها. قال في هذا الخصوص: ( لماذا أراد السيد المسيح أن يعلم السامرية التي كانت تعتقد أن العبادة لله تتم في مكان معين، أنها غير مُحِقة؟ إذ قال لها: إن الله هو روح. ولأنه روح فهو لا يُحصر في مكان. وعليه، لا يستطيع أحدٌ عند ذكر الروح أن يتصور طبيعةً محدودة، خاضعة للتغيرات والتقلبات، وشبيهة في كل شيء بالخليقة. لكن عليه، أن يرتقي بعقله إلى العلى، فيفكر حتماً بطبيعة عاقلة، لا حد لقوتها ولا قياس لعظمتها، تتخطى حدود الزمان والمكان، تابع القديس باسيليوس حياته على هذا النمط في محاربة البدع وأصحابها، وخدمة الشعب والأصدقاء و الفقراء والمحتاجين، وأظهر دائماً غيرة شديدة على إيمان الكنيسة وعقيدتها و الحفاظ على وحدتها وثباتها. تأثره بمرض الكبد الذي لازمه في قسوة ، في سنة 373 يعنى السنة الثالثة له في رئاسة الكهنوت تنيح القديس أثناسيوس الرسول سنة 373 وكانت نياحته صدمة كبيرة للقديس باسيليوس الكبير وفى سنة 374 توفي الشيخ أغريغوريوس الكبير أسقف نيازينزا وكان سندا له أيضا ، في سنة 376 دبرت مؤامرات لأخيه أغريغوريوس أسقف نيصص وكانت الأحزان تضغط عليه من كل جانب والمرض يشتد عليه أيضا وسنة 378 ساءت صحته جدا وقارب الموت .
وعلى الرغم من تدهور صحته وأمراض جسمه الكثيرة والمتنوعة، عاش قديسنا حياة رهبانية رسولية نسكية صارمة، وهو أسقف عاش على مساعدات الآخرين ولم يكن يملك شيئاً لنفسه، عاش الفقر بعينه بينما كان هو من يساعد الفقراء والمِعوزين. كتب هو نفسه في إحدى رسائله: ( إني ما زلت، حتى الوقت الحاضر أعيش على نفقة الأقارب والأصحاب ، لا أملك شيئاً يخصني لكني أنعم بثروات أصدقاء كثيرين محبين).
توفي القديس باسيليوس في الأول يناير من العام 379 وهو لم يزل في التاسعة والأربعين من العمر، وكان موته انتصاراً له، فقد زحف الشعب كله لوداعه وامتلأت الشوارع حتى داس بعضهم بعضاً ومات كثيرون، واشترك في هذا المأتم اليهود والوثنيون وكل شعب قيصرية وإقليم الكبادوك وترأس صلاة التأبين شقيقه الأسقف غريغوريوس أسقف نيصيص. وقد أُعلِن رسمياً معلماً وأباً للكنيسة الجامعة، بعد اثنتين وسبعين سنة لوفاته في مجمع خلقدونية سنة 451 ، إذ أجمع الآباء على اعتبار ” القديس باسيليوس الكبير مدبراً للنعمة ومفسراً بإحكام كلمة الحق لكل العالم”.
+ قيل عنه ” باسيليوس هو النموذج الأوّل للأسقف القدّيس في كنيسة المسيح. معلِّماً للمسكونة وقمراً للإيمان وأباً للرهبان ومشرِّعاً، معيلاً للفقراء ومعزياً للحزانى وسنداً للضعفاء ومؤدِّباً للملوك ” .
اعماله وفكره
يمكن تلخيص أعماله فيما يلي:
1- كتابات عقائدية. وكتب عن المساواة بين الأقانيم الثلاثة
2- ثلاث كتب ضد الأريوسية.
3- كتابات نسكية، القوانين الطويلة، القوانين المختصرة، عن المعمودية.
4- كتابات تعليمية،
5 – عظات،
6 – الرسائل، وعددها 365 رسالة كتبها بين عامي 357 و 379 سنة وفاته، وهي توضح صوراً كثيرة وتحتوي على مواضيع عديدة مختلفة حول الحياة النسكية و الرهبانية و الصداقة والمحبة،
7 – وقد ترك لنا أيضا كتب طقسية عن القداس اليومى ، القداس المشهور”بالقداس الباسيلى ” الذي نستعمله في الكنيسة القبطية (الكاثوليكية والارثوذكسية ) .
– بعض تعاليمه : يقول في رسالته إلى نكتاريوس الذي فقد ولده: “إن حزن العالم كله، لا يقدر أن يعبر عن عميق مشاعر المؤاساة التي نحس بها. لا، وحتى مياه الأنهار، لو صارت دموعاً لا تكفي للتعبير عن الحزن العميق الذي سببه هذا الحادث المفجع. إننا لم نحرم من ولد، بل أرجعناه إلى الذي وهبنا إياه، إن حياة الفقيد لم تتوقف، بل تغيّرت وتحوّلت إلى الأحسن، إن الأرض لا تخفي الشخص الذي نحب، بل السماء تستقبله. إن وقت الإنفصال لن يطول. فما دمنا في هذه الحياة، فنحن مسافرون على الطريق، إلى مكان الراحة نفسه، فالبعض لا يزال يسير، والبعض الآخر قد وصل، وآخرون لا يزالون يسرعون. لكن مكان الاستقبال هو واحد.”
– ويقول في رسالة كتبها إلى النبيلة سيزاريا سنة 372 عن سر القربان المقدس:
” إنه لجميل ومفيد لنا تناول القربان المقدس كل يوم، فقد قال يسوع في الإنجيل: من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الأبدية. إننا نحن في كنيسة قيصرية نتناول أربع مرات في الأسبوع، في يوم الرب-الأحد- وفي أيام الأربعاء والجمعة والسبت، وفي كل يوم يكون فيه ذكر لقديس. ولا ضرورة لأن أشرح بأن المسيحي، في وقت الإضطهاد يمكنه أن يأخذ المناولة بنفسه، من دون حضور كاهن. فهذا ليس إهانة للقربان المقدس، ولا مخالفة لأوامر الكنيسة، فقد أقرّ التقليد العام هذه الممارسة. فنرى أن المتوحدين، الذين يعيشون في البراري يتناولون القربان المقدس بأيديهم، ويحتفظون بالقربان المقدس في صوامعهم ومناسكهم، وفي الإسكندرية، وفي مصر أيضاً كان بعض الأتقياء يحفظون القربان المقدس في بيوتهم ثم يتناولونه عند الحاجة، أو يوزعونه على من يطلبه لسبب شرعي. ولا عبرة لقول البعض أن الموزع يختلف عن مُقدّم الذبيحة، فهذا ليس بأمر مهم، لأن القربانة تحتفظ بقوتها الروحية، وبنعمها الكثيرة حتى حين لا يوزعها الكاهن نفسه الذي قدّم الذبيحة)….
– كما جاء في عظة له عن الصوم ما يلي: بدأ الصوم في الفردوس عندما قال الرب لآدم: ” لا تأكل من شجرة الخير والشر “. وقد طُرد أبوانا الأولان من الفردوس بسبب عدم الصوم. فالصوم إذاً هو الذي به ندخل إلى الملكوت.
تعترض على الصوم فتقول: إن صحتي لا تقوى على القيام به، وأنا لا أستطيع الانقطاع تماماً عن الأكل والشرب, لكن أسألك، قل لي بحقك، ما هو الدواء الذي يصفه بعض الأطباء للمرضى؟ أليس الانقطاع عن الأكل والشرب أو تناول الطعام الخفيف البسيط؟ إحذر أن تصوم فقط عن اللحم وتظن أن هذا ما يُطلب منك، إن الصوم الحقيقي هو الامتناع عن كل رذيلة… إنك ربما لا تأكل لحماً لكنك تنهش لحم أخيك، إنك تمتنع عن شرب الخمر ولكنك لا تلجم الشهوات الحمراء التي تلتهب في نفسك… ولست أعني بالصوم ترك المأكل الضروري لأن هذا يؤدي إلى الموت، ولكني أعني ترك المأكل الذي يجلب لنا اللذة ويسبب تمرد الجسد).
– كتب عن الصلاة : للصلاة شروط حتى تستجاب، منها أن يكون طلبنا موافقاً لإرادة الله. يقول يسوع ” إن أمكن يا أبي، أبعد عني هذه الكأس. ولكن لا كما أنا أريد، بل كما أنت تريد “. ومنها الثبات واللجاجة، ومنها إرادة الله أن نصلح سيرتنا قبل الإستجابة، ومنها عدم استحقاقنا لما نطلب أو عدم استحقاق من نطلب له، ومنها كون عدم الاستجابة أفضل من الإستجابة، أما إذا تحققت كل الشروط فلا شك أنه تعالى يستجيب صلاتنا.