الطفولة والشباب:
ولد القديس يوحنا للصليب في اسبانيا سنة 1542م من والدين تقيين فقيرين وبعد أن تعلّم مبادئ القراءة والكتابة وبعض المهن اليدوية، وعمل ممرضاً في أحد المستشفيات، أخذ يتعمق بدراسة الآداب الاسبانية.
يوحنا راهب كرملي:
في سنة 1563 دخل دير الآباء الكرمليين في بلدة ميدنيا دل كامبو وبعد أن أبرز نذوره الرهبانية سنة 1564 انتقل إلى مدينة سلمنقة لدراسة الفلسفة واللاهوت.
يوحنا مصلح الرهبنة:
في سنة 1567 بينما كان القديس يوحنا يحتفل بقداسه الأول، التقى صدفة بالقديسة تيريزيا ليسوع التي كانت تقوم بتأسيس دير جديد في بلدة ميدنيا دل كامبو فأخبرها أنه يفضّل الانتقال إلى دير الآباء الكورتوزيين حيث السكوت والخلوة والعمل. ولكن تريزيا أقنعته بضرورة إصلاح نظام الرهبان الكرمليين بدل تركهم، على غرار ما فعلت هي في أديرة الراهبات. فانتقل، بعد ذلك، يوحنا إلى مكان يسمى دورويلو للمباشرة بتأسيس أول دير يتبع للنظام الرهباني الجديد.
يوحنا السجين:
في كانون الأول من سنة 1577، بعد تسع سنوات من الحياة الرهبانية الصادقة والعمل الرسولي الشاق، نرى جماعة من الرهبان الذين يرفضون نهج يوحنا يهاجمون مقره في مدينة أبلة ويخطفونه بعد أن أعصبوا عينيه، ثم ينقلونه إلى دير سجن مدينة طليطلة كي يُحاكم ويعاقب كمتمرد على السلطة.
نشاطات يوحنا:
بعد تسعة أشهر من الصلاة المتواصلة ومن الاتحاد بالله، قرّر يوحنا الهرب من السجن فصنع حبلاً من غطائه وردائه وتدلى بواسطته من نافذة صغيرة وبعد أن أمضى بعض الوقت عند راهبات المدينة مختبئاً، توجّه شطر الأندلس، حيث عمد إلى بناء الأدياير وإلى الخدمات الرعوية وإلى الإرشاد الروحي وإلى الكتابة الشعرية والنثرية. أهم كتبه “النشيد الروحي” ، “صعود جبل الكرمل” ، “الليل المظلم” ، “الشعلة”…. في سنة 1588 انتقل إلى مدينة شقوبية حيث قام بتأسيس دير جديد. بعدها عُين رئيساً إقليمياً للمكسيك، ولكن المرض العضال الذي ألم به منعه من السفر ووافته المنية في 14كانون الأول سنة 1591.
يوحنا قديس وشفيع:
تمّ دفن يوحنا في مدينة أبدة ونُقل جثمانه سنة 1593 إلى مدينة شقوبية وفي سنة 1594 عُقد مجمع رهباني عام أعلن فيه أن يوحنا للصليب هو أول راهب كرملي حافٍ. تمّ تطويبه 1675 من قبل البابا كليمنص العاشر وأُعلنت قداسته في 27كتنون الأول 1726 من قبل البابا بندكتس الثالث عشر. وفي 14آب 1926 أعلنه البابا بيوس الحادي عشر معلماً للكنيسة جمعاء. وفي 21آذار 1952 أعلنه الشعراء الاسبان مجتمعين شفيعاً خاصاً بهم.
كتاباته:
أهم كتابات يوحنا للصليب أربع:
1- الصعود إلى جبل الكرمل: وفيه يعالج يوحنا كيفية بلوغ النفس إلى الاتحاد الالهي بعد أن تتخلى عن ذاتها وعن كل شيء آخر وتبقى في التجرّد الكامل وحرية الروح.
2- الليلة الظلماء: وفيه يتطرّق إلى جميع التطهيرات الحسيّة والروحية اللازمة للنفس للبلوغ إلى النور الحقيقي.
3- النشيد الروحي: وهو بمثابة مناجاة بين النفس وعريسها المسيح وكلها تنضح بالشوق إلى اللقاء وبالعذوبة في البحث عن هذا اللقاء دون توقف.
4- لهيب المحبة المضطرم: وهو الاتحاد الأخير الذي تبلغه النفس في هذه الحياة بنعمة الله.
هذا بالإضافة إلى رسائله العديدة وقصائده الشعرية الرائعة ومقالاته البديعة وحكمه السامية ونصائحه السديدة. كل ذلك جعله بين كبار الشعراء في اسبانيا في ذلك العصر. بل قيل إنه أشعرهم قاطبة.
تأثيره:
وقد غذّت هذه الكتابات العيد من معاصريه وساعدتهم على الارتقاء إلى الله في صلاة صامتة تغدو مصدر حيوية شخصية ورسولية. إنها خبرة عاشتها النفوس طيلة أربعة قرون وأصبحت تراثاً روحياً للعالم أجمع، وبلغت أصداؤها إلى الشعوب قاطبة واتصلت بالخبرة التي عاشها الإنسان – وإن بصورة ناقصة – في الشرق الأقصى. وأجيال من التطلعيين جعلوها منهاجاً لحياتهم ولعلاقاتهم مع الله.
إن يوحنا للصليب يواصل الآن بكتاباته الرسالة التي مارسها في حياته كلها: مساعدة النفوس في مسيرتها إلى الله وتدريبها على التخلي عن كل شيء في سبيل الوصول إلى الضروري الأوحد. إن تعاليمه صعبة جداً في هذا العصر الذي يميل الناس فيه إلى الرخاء والحياة السهلة.
وما أحوجنا إلى تعاليم يوحنا لتقودنا إلى تذوّق اختبار سر الله الحي، والتمتع بفرح حضوره.
“هكذا كان القديس يوحنا للصليب قصيراً في قامته، عملاقاً في ذكائه، لطيفاً ومحبّاً لجميع الناس. كان مصلحاً ومرشداً، قديساً ومعلماً وشاعراً. قدماه اللتان لم تدوسا إلاّ الأشواك أزهرتا الطريق وراءه وشفتاه اللتان رشفتا علقماً كثيراً، لم تنشرا إلاّ الشعر”.
من أقوال القديس يوحنا للصليب:
– انظر إلى المسيح فقط فتجد فيه كل ما تفتش عنه بل أكثر من ذلك.
– الذي لا يحب قريبه فقد حذف الله.
– من أراد الحصول على كل شيء من الله فليسلّم لله كل شيء.
– الأفضل أن نتألم من أجل الله من أن نصنع العجائب.
– “ربي وإلهي، لست أنت الغريب عن الإنسان طالما الإنسان ليس بغريب عنك، فكيف يجرؤ بعضهم على الزعيم إنك أنت الذي تتغرّب عنه؟”.
– “فكر واحد من أفكار الإنسان، يوازي أكثر من الكون بأسره قيمة. ولذلك فلا يستحقه إلاّ الله وحده”.
– “ماذا يجديك نفعاً أن تعطي الله أمراً في حين يطلب منك آخراً؟ تحقّق أولاً العمل الذي يريده تعالى منك، وإياه أعمل، وبذلك ينعم قلبك بسرور أوفر مما لو عملت ما أنت تميل إليه”.
– “كلمة واحدة قالها الآب وهي ابنة، وهذه يقولها بصمت أبدي، وبالصمت أيضاً يجب على النفس أن تسمعها”.
– “عند المغيب سوف تمتحن على الحب، فتعلّم أن تحب الله على النحو الذي يرضيه، وتخلّى عن ذاتك”.
– حيث لا محبة ضع المحبة فتنال المحبة.