خاص بالموقع
– من إعداد ناجى كامل – مراسل الموقع من القاهرة
+ وُلدت القديسة كاترين من أبوين مسيحيين غنيين بالإسكندرية في نهاية القرن الثالث الميلادي. كانت تتحلى من صغرها بالحكمة والعقل الراجح والحياء، ويبدو أنها كانت من فئة النبلاء جميلة المنظر وذكية جداً ،التحقت كاترين بالمدارس وتثقفت بعلوم زمانها، وكانت مثابرة على الاطلاع والتأمل في الكتاب المقدس. ولما بلغت الثامنة عشر كانت قد درست اللاهوت والفلسفة على أيدي أكبر العلماء المسيحيين حينذاك، فعرفت بُطلان عبادة الأوثان وروعة المسيحية ولكنها لم تكن قد تعمّدت بعد، كما درست الفلسفة والبلاغة والشعر والعلوم الطبيعية واللغات، كل ذلك ولم يتجاوز عمرها العشرين سنة، وتقدم كثيرون يطلبون ودها فلم ترض بأحد منهم، ولما نفذ صبر أمها وكانت مسيحية واحتارت في أمر ابنتها، استعانت بناسك قديس كان يقيم خارج المدينة، فقال لها الناسك انه يعرف رجلاً أنبل من كل أهل الأرض بما لا يقاس وله سلطان على الكون برمته وقد خلق العالم بقدرته الذاتية، وهو أيضاً يلتمس عروساً له ، ولا يرض عن النفس البتول بديلاً، قال لها الناسك ذلك وصرفها وعادت كاترينا إلى بيتها متحيرة متأملة في قلبها وفي نفسها شوق للقاء ذلك العريس كما وصفه لها الناسك.
وفي الليلة نفسها رأت كاترينا والدة الإله وابنها يسوع، لكن الرب يسوع أبى أن ينظر إليها لأنها كما قال كانت بشعة طالما أنها تحت وطأة الموت والخطيئة، اضطربت كاترينا لهذا الحلم وعادت إلى الناسك فعلمها وعمدها ورأت ليلتها يسوع يقول لها: “ها هي كاترينا الآن مشرقة وجميلة، غنية ومزدانة بالحكمة والحق، الآن اقبلها عروسة نقية”. ولكي تختم والدة الإله خطبة كاترينا السماوية أخذت خاتماً ووضعته في إصبعها، واوصتها بألا تقبل عريساً آخر لنفسها غير الرب يسوع.
في عام 307م حضر القيصر مكسيميانوس الثاني إلى الإسكندرية، وكان مستبدًا متكبّرًا يكره المسيحيين، يجد مسرّته في تعذيبهم والفتك بهم، فأمر بتجديد الشعائر الوثنية بعد أن اهتزّت تمامًا بسبب انتشار المسيحية . أصدر مكسيميانوس منشورًا بوجوب الذهاب إلى المعابد الوثنية وتقديم القرابين لها ، وإلا تعرّض الرافضون للعذابات والموت، فوجد الوثنيون فرصتهم لإحياء العبادة الوثنية، وإشعال روح التعصب ضد المسيحيين. انطلقوا إلى المعابد يحملون معهم الضحايا للذبح. وإذ أراد مكسيميانوس مكافأتهم أقام لهم حفلاً كبيرًا قدم فيه للآلهة عشرين عجلاً، وأصدر أمرًا مشددًا بأن يتقدم المسيحيون بذبائحهم وقرابينهم للأصنام في هذا الحفل وإلا لحق بهم الموت،فسخر المؤمنون بهذا الأمر، كما لم تخف القديسة كاترين بل كانت تشدّد المؤمنين وتقوّيهم. أدركت بأن الاضطهاد سيحل على المؤمنين فاتخذت قرارًا أن تتقدم لمكسيميانوس مندّدة بأصنامه وأوثانه.
وفي يوم الاحتفال دُهش كل الحاضرين إذ لاحظوا فتاة جميلة في الثامنة عشر من عمرها تخترق بكل جرأة وشجاعة الصفوف وتتلّمس المثول لدى الإمبراطور، الذي كان جالسًا بين رجال الدولة وكهنة الأوثان بحللِهم الأرجوانية المذهّبة ، و بكل جرأة وقفت الفتاة أمام الإمبراطور تقول له:
“يسرّني يا سيدي الإمبراطور أن أترجّاك أن توقف منشورك لأن نتائجه خطيرة”. ثم بدأت تتحدث باتزان وهدوء وبغير اضطراب، وكان الإمبراطور يصغي إليها في ذهول وغضب
و ذهل القيصر من جمالها وشجاعتها واستدعاها إلى قصره وأخذ يعدها بزواجه منها، ولكنها رفضت. و بدأت تتحدث عن الإله الحي خالق السماء والأرض وتُهاجم العبادة الوثنية،أجابها الإمبراطور أنه ليس ملمًا بعلوم الفلسفة ليرد على كلامها، وأنه سيرسل لها علماء المملكة وفلاسفتها ليسمعوا لها ويردّوا عليها ويهدموا عقيدتها وأفكارها، بالفعل أرسل الإمبراطور إلى عمداء الكلام والفلاسفة الوثنيين ليحضروا اجتماعًا غير عادي لمناقضة هذه الشابة المغرورة، كما دعا كبار رجال البلاط والدولة للحضور. وفي الموعد المحدد دخل مكسيميانوس يُحيط به كبار رجاله في عظمة وعجرفة، ثم اُستدعيت الفتاة ودخلت في هدوء بغير اضطراب. استعدّت القديسة بالصلاة والصوم وتشدّدت بروح اللَّه القدوس، ثم بدأت المناقشة بينها وبين الفلاسفة الوثنيين، ثم تحدّثت عن السيد المسيح وشخصه وعمله الخلاصي والحياة الأبدية والنبوات التي تحقّقت بمجيئه. كانت تتحدّث بكل قلبها، تحمل سلطانًا كما من السماء. تحدّثت بكل قوة عن محبة اللَّه المُعلنة خلال الخلاص بالصليب.
اقتنصت القديسة كاترين قلوب الكثيرين؛ وكانت المفاجأة أن الفلاسفة طلبوا من الإمبراطور أن تواصل الفتاة حديثها، وأنهم يشعرون بأنها تُعلن عن الحق وأن عبادة الأصنام باطلة فانقلب الإمبراطور إلى وحشٍ كاسرٍ، وأصرّ على إيقاد أتون نارٍ يُلقى فيه العلماء والفلاسفة الذين خذلوه. فكانت القديسة تشجّعهم وهي تُعلن لهم بأن أبواب السماء مفتوحة وأن السمائيين بفرحٍ يستقبلونهم، و تقدم الحراس وألقوا بالعلماء والفلاسفة في أتون النار في ليلة 17 نوفمبر عام 307م
في اليوم التالي أفاق الإمبراطور من سكرته، وبدأ يفكر في استمالة قلب الفتاة إليه، أما هي فقالت له: “كُف أيها الإمبراطور عن التملق في كلامك، فلقد صممت أن أخسر حياتي الأرضية ولا أُنكر يسوع المسيح إلهي ،هدّدها الإمبراطور بتعذيبها، أما هي فاستخفّت بتهديداته معلنة أن الرب يسوع ينظر إلى ضعفها ويُعينها وسط آلامها.
ثار الإمبراطور جدًا وأمر بجلد القديسة بكل عنف وتمزيق كل جسدها. جُلدت لمدة ساعتين حتى تمزق جسمها وسالت دماؤها الطاهرة لتغطي المكان ، و أُرسلت إلى السجن فكانت تشكر اللَّه وتسبحه على هذه النعمة أنها تأهلت أن تتألم لأجله ، ظلّت في السجن اثني عشر يومًا متتالية وقد ضمّد الرب جراحاتها .
وسمعت الإمبراطورة بأمر كاترينا فتحرك قلبها، وقامت بزيارتها برفقة ضابط اسمه برفيريوس، فلما تعرفت بها وبانت لها نعمة الله عليها، آمنت بالمسيح وآمن الضابط أيضاً والجنود الذين كانوا في إمرته، ولما عاد الإمبراطور إلى المدينة بعد سفر قصير ليكتشف أن امرأته قد وقعت في المسيحية، فأمر بقطع رأسها مع الضابط والجنود الذين معه، وقد فعل ذلك لكي يفلت من زمام زوجته السابقة ويصفو له الجو مع كاترينا.
وهنا تدخل الحارس الخاص بالإمبراطور وأخبره بأن لديه فكرة بها يُلزم الفتاة أن تتعبد للأصنام وأن تتزوجه ، وهي أن تُربط الفتاة بحبال قوية يرفعوها على آلة بها عجلات تدور بحركة عكسية مزودة بأسنان حديدية حادة ، فعندما تبدأ العجلات تتحرك تحدث فرقعة مخيفة جدًا فتضطر الفتاة إلى الاستسلام وإلا تموت.
راقت الفكرة للإمبراطور وأراد تنفيذها وأمر بالقبض على كاترين فتقدّمت الفتاة بشجاعة دون اضطراب، وسلّمت جسدها لربطها بالحبال ورفعها لينزلوها على الأسنان الحديدية الحادة. لكن ما أن رفعوها حتى امتدّت يد خفية قطعت الحبال ودحرجت القديسة على الأرض بعيدًا عن الآلة. وإذ تقدم الجلادون محاولين رفعها ثانية خارت قواهم فسارت الآلة عليهم بأسنانها الحديدية فتقطّعت أجسامهم وماتوا.
فآمن كثيرون عندما شاهدوا ما حدث، أما فوستينا فتقدّمت نحو زوجها ووبّخته في حضرة الجماهير على وحشيته، وأعلنت إيمانها بالرب يسوع المسيح أمام الجميع، فقد الإمبراطور صوابه عندما عرف أن زوجته وبورفيروس حارس السجن قد آمنا بالسيد المسيح، فأمر بتعذيبها وقطع رأسيهما ومعهما مائتين من الجنود كانوا قد آمنوا بالمسيح
شعر الإمبراطور بفشله في تعذيب كاترين فأمر بنفيها ومصادرة ممتلكاتها. تأسّفت القديسة أنها لم تحظَ بشرف الاستشهاد. ولم يستطع الإمبراطور نسيان ما فعلته معه تلك الفتاة ، وفي نوبة جنونية أمر بقطع رأسها بدلاً من نفيها، وقد تم ذلك في 25 نوفمبر سنة 307م
استشهدت القديسة كاترين في الإسكندرية. وبعد استشهادها بخمسة قرون رأى راهب في سيناء جماعة من الملائكة يحملون جثمانها الطاهر، ويطيرون به ويضعونه بحنان على قمة جبل في سيناء. انطلق الراهب إلى قمة الجبل فوجد الجسد الطاهر كما نظره في الرؤيا، وكان يشع منه النور. حمله الراهب إلى كنيسة موسى النبي. ثم نُقل الجثمان المقدس بعد ذلك إلى كنيسة التجلي في الدير الذي بناه الإمبراطور جوستنيان في القرن السادس، وعُرف الدير باسم دير سانت كاترين
يقع دير سانت كاترين في جنوب سيناء بمصر أسفل جبل كاترين أعلى الجبال في مصر، بالقرب من جبل موسى. ويقال عنه أنه أقدم دير في العالم، يعد مزارا سياحيا كبيرا، حيث تقصده أفواج سياحية من جميع بقاع العالم، وهو معتزل، يديره رئيس الدير وهو أسقف سيناء، على الرغم من أن الوصاية على الدير كانت لفترات طويلة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ورهبان وكهنة الدير من ، شأنهم شأن أساقفة كنيسة الروم الأرثوذكس في القدس التي يسيطر عليها اليونانيين من عهود طويلة. وأسقف سيناء يدير إلى جانب الدير الكنائس والمزارات المقدسة الموجودة في جنوب سيناء في منطقة الطور وواحة فيران وطرفة.
العكس ما كان ذلك فقد اعتنق هؤلاء المسيحيه. وبعد مرور حوالى ثلاث قرون من وفاة كاترينا ظهرت رفاتها المقدسه قي حلم احد رهبان لدير الذي كان قد اقامه جستنيان فنقلت هذه الرفات ووضعت قي هيكل الكنيسة بصندوق رخمى بجانب الهيكل الرئيسي وما زال الطيب المنساب من رفات القديسه يشكل أعجوبة دائمه وأصبح الدير يعرف باسمها من القرن الحادى عشر. وتوجد كنيسة بالاسكندريه باسمها.
+ يقال ان نقل الرهبان جثة القديسة الشهيدة من الجبل الذى يحمل اسمها وظل هناك – كما يقال – حوالى 500 سنة حتى نقل إلى الكنيسة التى بناها الإمبراطور جوستنيان فى نهاية القرن السادس. وفى النصف الأول من القرن الحادى عشر أقام أحد النبلاء كنيسة بجوار قصره أسماها كاترين، وقد أصبحت القديسة شفيعة العلماء ورجال الدين والفلاسفة، وقيل فى تاريخ «جان دارك» بطلة المقاومة فى التاريخ الفرنسى أن القديسة كاترين ظهرت لها وشجعتها على تحمل الموت فاستمرت فى المقاومة حتى حكم عليها بالموت حرقا فى 30 مايو سنة 1431 ميلادية وانتشرت ذكرى القديسة كاترين فى كل أنحاء أوروبا بعد ذلك حتى جرت العادة فى مدينة «روان» بفرنسا على أن يحتفل قسسها بإحياء ذكراها على نفس الطريق المتبعة إذ ذاك بواسطة الرهبان فى سيناء
+ يحتوي الدير على كنيسة تاريخية بها هدايا قديمة من ملوك وأمراء منها ثريات من الفضة وبه بئر يقولون عنه أنه بئر موسى، كما أنه قد بني حول شجرة يقال أنها شجرة موسى التي اشتعلت بها النيران فاهتدى إليها موسى ليكلم ربه وتعد “العليقة ” من أشهر المزارات داخل الدير ، ومن المعجزات أن أوراق هذه الشجرة خضراء طول العام ولا ينبت مثلها، وقد حاول بعض العلماء زرع جزء منها فى أماكن أخرى وباءت المحاولة كلها بالفشل، ، الدير يمثل قطعة من الفن التاريخي المتعدد، فهناك الفسيفساء العربية والأيقونات الروسية واليونانية واللوحات الجدارية الزيتية والنقش على الشمع وغيره
كما يحتوي الدير على مكتبة للمخطوطات يقال أنها ثاني أكبر مكتبات المخطوطات بعد الفاتيكان، وفندق للزوار وبرج أثري. ويقوم على خدمة الدير بعض أفراد من البدوإضافة لرفات القديسة كاترين، توجد بالدير (معضمة) تحوي رفات جميع الرهبان الذين عاشوا في الدومن بين مقتنيات المكتبة فرمانات توصى برهبان الدير، من أهمها وأشهرها المخطوط الموجود بالدير وهو الوثيقة الإسلامية الموقعة من كبار الصحابة وهم: أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وغيرهم، ومكتوب بها «إلى الرهبان المسيحيين عامة.. لا نغير أسقفا من أساقفته ولا راهبا من رهبانه، ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل من مال كنائسهم فى بناء مسجد، وأن تحفظ ذمتهم وبيعهم أينما كانوا من بر وبحر فى المشرق والمغرب، وفى الشمال والجنوب، وهم فى ذمتنا وميثاقنا وأمانتنا من كل مكروه . وقد صممت الكنيسة فى دير سانت كاترين على شكل البازيليكا الرومانية وأجمل ما فيها الهيكل المبنى على شكل نصف قبة رسمت عليها صورة المسيح وصور الأنبياء والرسل ومؤسس الكنيسة، وهناك صورة لموسى يتناول الوصايا العشر من يد مدت إليه من أعلى. وعلى يمين المذبح صندوق جميل من الرخام تحفظ فيه يد القديسة كاترين وجمجمتها، أما اليد فمحلاة بالخواتم النفيسة المقدمة كتبرعات وهدايا من زوار الدير، وفى قبو الممر الأوسط توجد فتحات تمثل الشمس وأشعتها والقمر فى تربيعه الأول، وهى موجهة ومائلة بشكل يجعل الشمس والقمر يخترقانها فى 25 مارس من التقويم البوليانى، وبذلك يضاء المذبح.. وهناك كميات من اللمبات الفضية والأيقونات البيزنطية وكذلك صورة الإمبراطور وزوجته ولمبات أخرى روسية الصنع من الذهب والفضة