كانت صوفي مجتهدة بلا ملل في قراءة مؤلفات أباء الكنيسة وكبار الكتاب الروحيين، أما أخوها الذي أراد أن يصعدها إلى أعلى مستوى من الكمال والقداسة فعزم أن يروضها على الاحتمال، فكان يعاكسها كثيراً، وما كانت تقبل كل الاهانات الا بصبر وإناة. وكانت فطنتها تكشف لها عن نيات أخيها فتقبلت منه كل شيء بوجه بشوش وقلب فرح.
تأسيس رهبنة القلب الأقدس:
دخل أخوها سنة 1800 في رهبنة اسم أعضائها ” أباء الإيمان ” ورئيسها الأب فارا الذي اقترح على مادلين أن تنشئ رهبنة نسائية مكرسة للقلب الأقدس ومخصصة لتهذيب الفتيات فقبلت. وانضمت إليها رفيقاتها الثلاث. فرسم لهن نظاماً رهبانيا يقسم وقتهن بين الصلاة والعمل
وفي 1801 فتحت الرهبنة الجديدة مدرستها الأولى بمدينة أميان بفرنسا. وعينت صوفي فيها معلمة الصف الأول وبعد مضي سنتين نذرت نذورها الأولى
ثم قام الأب فارا بجمع الراهبات وأخذ رأي كل واحدة منهن لاختيار الرئيسة، فأخذ يطرح عليهن بعض الأسئلة الدينية. ثم سأل الأخت مادلين: لماذا خلقنا الله ؟ فأجابته : لنعرفه ونحبه ونخدمه
فقال : وما هي خدمة الله ؟ أجابت: هي إتمام إرادته فقال لها إن إرادة الله هي أن تكوني رئيسة المدرسة. فخرت على قدميه باكية طالبة أن يعفيها من ذلك الحمل الثقيل فلم يستجب إلى تضرعها، وكانت إذ وهي في الثالثة والعشرين من عمرها ورغم كثرة أوجاعها دائمة الاستعداد لخدمة مرؤوسيها وعنايتها الوالدية بالمريضات منهن وفي سنة 1804 أصيبت بالسرطان وكانت مسرورة رغم شدة الآلام حتى شفاها المولى.
وحين تشرفت مدينة ليون بزيارة قداسة البابا بيوس السابع حظيت مادلين بمقابلته وبسطت بين يديه غاية رهبنتها وقوانينها ومشروعاتها، ففرح قلبه الأبوي كل الفرح وباركها.
وفي 1806 انتخبتها الراهبات الناذرات رئيسة عامة، وكانت لم تتجاوز السادسة والعشرين وقد أراد الله أن تنهض بهذا الحمل إلى آخر حياتها أي على مدى ستين عاماً.
من أول مآثرها في الرئاسة إنشاء دير إبتداء أثمر جمهورا من خير الراهبات، لكن كانت عرضة لاضطهادات شديدة كادت تقضي عليها مرتين، وفي تلك المواقف الحرجة هتفت القديسة : ما حياتنا إلا صلبان كما كان مهد رهبتنا الصليب. كذلك يجب أن نعيش ونموت على الصليب.
وفي 1826 صدرت براءة استحسان البابا لاون الثاني عشر لقوانين الرهبنة التي قدمتها لقداسته ففاض قلبها وقلوب بناتها بالفرح وكان عدد الأديرة ستة وبعد ثلاثة عشر عاماً أي في عام 1839 صاروا أربعين ديراً.
عندما شبت الثورة الفرنسية عام 1830 تحتم على القديسة أن تنقل دير الابتداء من باريس إلى سويسرا، لكن ثورة 1848 ألغت هذا الانتقال. وإثر قيام الثورة في إيطاليا طردت راهبات القلب الأقدس من أديارهن في ست مدن، وبعد أن هدأت الزوبعة تجددت في 1859 فطردت الراهبات من خمس مدن
وشبت الحرب في الولايات المتحدة وكان للرهبنة هناك عدة أديرة في مركز القتال فانقطعت أخبارها عنها، وفوق ذلك أصابتها أمراض تعرضت فيها لخطر الموت وقد شفيت من بعضها بأعجوبة.
وفي 1829 صعدت الأخت صوفي على منضدة لتفتح ناتفذة فسقطت وجرحت رجلها، وأصبحت لا تقوى على المشي لأكثر من سنة، وكمال جرح قلبها الرقيق حين سلبها المولى والديها وأخاها الكاهن وكذا الأب فارا.
في 1818 دخلت الرهبنة أمريكا ثم إيطاليا والمانيا والنمسا وبولندا وإنجلترا وإيرلندا وبلجيكا وأسبانيا وأخيراً إلى أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا.