مريم العذراء : رمز المرأة المقدسة

مريم العذراء : رمز المرأة المقدسة

بقلم أ.فؤاد يوسف قزانجي

بغداد, 7 نوفمبر 2013 (زينيت) –

لعله لا توجد امرأة يكن لها المسيحيون و وربما غير المسيحيين كذلك، عظيم التقدير و القداسة مثل  القديسة مريم العذراء ام السيد المسيح ، و قد ذكرت في العهد القديم ، كما ذكرت في العهد الجديد (الانجيل) وهي تقول : (فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني -لوقا48/1) ،وقال لها الملاك جبرائيل: لاتخافي،فستحبلين وتلدين ابنا تسميه يسوع (يشوع)،سيكون عظيما،وابن العلي يدعى ويوليه الرب الاله عرش داود ابيه. وكذلك في القرآن الكريم خاصة في سورة مريم ، التي اشارت الى صفاتها في القداسة و العفة و التقرب الى الله . ولمريم مكانة عند المسلمين فهي من خير نساء العالمين .

وتعتبر اشهر امرأة  في العالم ،إما المسيحيون فقد أحبوها بشكل لا يوصف حتى غدت شفيعتهم الدائمة :  تجد الناس يصلون لها ولذلك تشاهد صورها او ما شابهها معلقة في معظم البيوت المؤمنة.

ان تأثيرها كبير على الكنائس المسيحية كافة وخاصة الكاثوليكية والارثذوكسية و الكنيسة القبطية بالذات .وصارت موضوعا محببا في الفن والموسيقى والادب وخاصة في العصور الوسطى. وابرز من كتب سيرتها ،كان القديس ماكسيموس وذلك في القرن السابع.

 ظهرت مريم العذراء للمتشفعين بها في مدن اوربية عديدة اشهرها مدينة تولوز عام 1555باسم سيدة الوردية ، و في (لورد) عام  1862 باسم سيدة لورد في فرنسا، وبلدة (فاتيما ) في البرتغال باسم مادونا في عام 1917،وسيدة نوك (بلدة) في ايرلندا عام 1879، كما ظهرت في المكسيك عام  1531  باسم كوادلوبي ،وربما في مصر ولبنان ايضا. قال عنها مارتن لوثر ، اشهر شخصية بروتستانتية : انها اعظم امرأة ،لانها مقدسة وبتولية. ولهذا فهي شخصية فريدة ، ولدت ابنا من روح الله لذلك لها مكانة عظيمة في قلوب الناس جميعا .

كانت مريم او بالاحرى مريام ، قد ولدت في بلدة نزاريث  (فيما بعد سميت الناصرة) ،من أب كاهن يدعى يوهاقيم وام تسمى حنة، ودعيت مريام وهو اسم ارامي بمعنى السيدة . ومن اسمائها في المشرق : مريم ومريام وميري وعذراء وفيرجين وبتول وطاهرة وسيدة وماريا وماريان ، كما تلقب حواء الثانية او البتول الابدية او الام المقدسة او سيدة الوردية . تذكر بعض التقاليد ان مريم خدمت قبل لقائها بيوسف في الهيكل.(1)

قالت عنها القديسة تريزا: لكي يأتي تأملنا بالعذراء مريم مثمرا ،ينبغي ان نظهر امثلة من حياتها مع يسوع كما نستشف من الانجيل ومن حياتها الواقعية : ففي بيتها في نزاريثا، كانت مريم مدرسة الايمان الاولى، وقد اخذ عنها يسوع ليس مجمل الصفات الانسانية وحسب، بلالايمان ايضا وما امثال ،ان الملكوت كالخميرة في العجين، والدرهم الضائع، والملح في الطعام سوى اشارات واضحة على دور تربية الايمان المنزلية التي اثرت في يسوع طيلة مدة كرازته.(الاب سالم ساكا،الفكر المسيحي،عدد481)

ويوضح البطريرك الدكتور لويس ساكو مكانتها قائلا : تحتل مريم شريكة الخلاص ،مكانة كبيرة في كتابات آباء كنيسة المشرق على الرغم من ان بعظهم مثل الفقيه الشاعر افرام سويرس، كان يترنم بالقابها وصفاتها، الا انهم معتدلون عموما. كما هو الحال بالنسبة الى اللاهوت المريمي الغربي ، وبدون تهميش اللاهوت البروتستانتي ،اذ ان دورها لايتخطى الدور الذي يعكسه الانجيل،لان المركز هو المسيح . ويوجز اللاهوت المريمي في ثلاث نقاط ،هي (بتوليتها) بالمفهوم الروحي العميق، وانها ممتلأة نعمة ،ثم انها تمثل الأمومة الشاملة اي ام البشرية الجديدة التي جاءت بعد المسيح.(2)

وفي رأيي ان اهتمام المسيحية في مريم العذراء بالاضافة الى القيم التي تعكسها مكانتها، هو تعزيز لدور المرأة في الحياة بعد ان اهمل دورها في حياة اليهود السابقة للمسيحية .

كان بعض تلاميذ يسوع مجتمعين حولها يوم وفاتها في اورشليم عام 41 تقريبا،حيث صعدت  روحها الى السماء،وقد دفنت في موضع يهوشافاط في جبل الزيتون ، اذ ان التلاميذ، لم يتفرقوا تاركين اورشليم ايام اضطهاد الحاكم هيرودتس اغريبا. وقد شيد بعد ذلك على مرقدها كنيسة (الانتقال الى السماء) على جبل الزيتون. وتحتفل الكنيسة بيوم انتقالها الى السماء في  15 من شهرآب (اغسطس).

 لكن المؤرخ يوسابيوس القيصري يشير الى ان القديسة مريم كانت قد غادرت بيت-المقدس  قبيل وفاتها مع الرسول يوحنا بعد ازدياد الاضطهاد ضد المسيحيين. وعلى هذا الاساس، برزت  في تركيا حديثا رواية تشير الى وجود قبراً أخر لها في مدينة أفيسوس ( أزمير ) ؟(3)  

وهناك رواية اخرى عن مرقد مريم العذراء جرت في العراق ، على الرغم من صعوبة الجزم في صحتها ، فإننا سنرى ان وجود المشهد في قرية بغداد او سوق بغداد له إبعاد تاريخية و مسيحية مهمة .

 بحسب تقرير المؤسسة العامة لللاثار والتراث في العراق الذي يتحدث عن قبر باسم مريم العذراء كما ياتي : “يقع مرقد ( مريم العذراء )  في جانب الكرخ ببغداد و قد باشرت هيئة تمثل المؤسسة العامة للآثار و التراث في 2/5 / 1984 في التنقيب و التأكد من حقيقته . ”و انه عند الحفر وجدت الهيئة رخامة و عند قلبها ظهر عليها صورة أسد منحوت بنحت بارز في رقبته سلسلة و في ظهره طائر بهيئة نسر او صقر و ان مقدمة لوح الرخام كان بهيئة نصف عقد مدبب . و تبين ان القبر مشيد بشكل صندوق من الآجر ، و تم النزول بالحفر الى عمق مترين و نصف المتر عن مستوى صبة الأسمنت ، فظهرت طبقة من التراب النظيف ثم ظهرت الجمجمة و تحتها آجرة و باقي عظام الصدر و المنكبين ، و بعدئذ تم تصوير الهيكل العظمي . و قد عمل صندوق من الخشب للمحافظة على بقايا الرفاة ، و عند الحفر لإنزال الصندوق عثر على قطعة من الرخام الأسود مطعمة بالرخام الأبيض عليها زخارف هندسية ، و هي قطعة فنية يعود تاريخها الى القرن  الثالث الميلادي.”(4)

و هذا الاكتشاف يدلل على حقيقتين الأولى : ان قرية بغداد او سوق بغداد كانت موجودة و مأهولة على الأقل منذ القرن الثالث الميلادي، قبل ان يوعز ببناء بغداد ، ابو جعفر المنصور،في منتصف القرن الثامن للميلاد تقريبا.و الحقيقة الثانية تؤكد ان المسيحية وصلت في وقت مبكرا الى العراق و ذلك على يد مار ماري تلميذ حواري المسيح مار ادي و ذلك في نهاية القرن الاول للميلاد و الذي  عاش في قرية كوخي  قرب قطيسفون (المدائن) التي تبعد عن قرية سوق بغداد زهاء 20 كم ، ودفن في بلدة دور-قنى المسيحية المشهورة قرب العزيزية .

المصادر

1- قاشا ، ( الخوري ) بيوس . حياة مريم العذراء . بغداد : مطبعة الديوان ، 2004 ( ص 108 _ 109 )

2- ساكو ،البطريرك د. لويس ساكو .آباؤنا السريان: حياتهم وتآليفهم. بغداد : مطبعة الطيف،1999 ص 33-34

(3)- مجلة الفكر المسيحي .” أزمير تحتضن بيت العذراء ” العدد 319 / 320(ت/1996)( ص 176 _177)

(4)- صالح ، قحطان رشيد . الكشاف الأثري في العراق . بغداد :      المؤسسة العامة للآثار و التراث ، 1987 ( ص 180 )