اخلع نعليك مقال للاب د. هانى باخوم الوكيل البطريركى

اخلع نعليك مقال للاب د. هانى باخوم الوكيل البطريركى

 كلمة نعل تظهر كثيرا في الكتاب المقدس. عندما يجد موسى العليقة المشتعلة ويحاول الاقتراب، يجد صوت يقول له: “لا تدنِ إلى ههنا. اخلع نعليك من رجليك، فإن المكان الذي أنت قائم فيه أرض مقدسة ” (خر 3: 5).
صوت الرب يدعوه أن لا يقترب. موسى يعتقد، انه كي يفهم ويتعرف على سر هذه العليقة، التي تشتعل ولا تحترق، يجب ان يقترب منها ويلمسها، ويراها فيفحصها. ولكن الصوت يدعوه أن يتوقف مكانه، ويقول: أخلع نعليك، لان هذه الارض هي مقدسة. بالتأكيد كما يرى الكثيرين، ان هذه العلامة هي للاحترام، والخشوع. موسى واقف في جبل الرب، فعليه ان يخلع نعليه. لكن ما هو هذا الاحترام؟ لماذا يجب على موسى ان يخلع نعليه في جبل الرب؟
على موسى ان يخلع نعليه، لان الارض التي هو واقف عليها مقدسة. ان تكون الارض مقدسة، معناه ان تكون مكرسة، ملك للرب، مخصصة للرب. القداسة لا تأتي بمعنى بلا عيب او بلا خطيئة، بلا ضعف او بلا زلات. القداسة هي ان يكون الشيء مكرساً كليا للرب، موجه له. فإننا نعرف العديد عن خطايا الآباء والرسل وتوبتهم وهم قديسون. هم قديسون لان حياتهم كان لها اتجاه اساسي: الرب والعمل بمشيئته. في هذا الطريق، قد يقع الانسان ويخطيء، فيقوم، كداود، كبطرس، كموسى نفسه. نعم الارض مقدسة ليس لانها بلا خطيئة، لكن لانها ملك للرب. مكرسة له. وعلى موسى اذا ان يخلع نعليه. لماذا؟
ارتداء النعل عل ارض معينة، يعني في التقاليد العبرية الامتلاك. الضيف عندما يدخل في بيت احد ما، اول شيء يصنعه هو خلع نعليه، ليس فقط كي لا يتسخ البيت من تراب الطريق، بل كعلامة انه ضيف سلام، ولا يريد ان يمتلك هذا البيت.
هكذا فعل قريبُ راعوت، عندما تراجع عن شراء حقل ابيمالك ورفض الزواج من راعوت. فقال لبوعز: إني أتنازل لك عن الحقل وعن حقي في الزواج براعوت، وهذا هو العهد: “فخلع القريب نعله من رجله وأعطاه لبوعز”.(راعوت 4: 1 – 8)
وهنا نستطيع فهم كلمات يوحنا المعمدان عندما سأله الشعب: اذا كان هو المسيح؟ يقول انا صديق العريس، وسيأتي بعدي المسيح، الذي لا يحق لي أن افك رباط نعليه. اي لا يحق لي ان اخلع عنه نعليه. فالشعب يسأل يوحنا: هل انت المسيح، كي نتبعك، ونصير تلاميذك؟ يقول لا. انتم لستم لي، انتم العروس التي هي للعريس، وانا لا استحق ان اخذ هذه الملكية منه، لا استطيع ان اخلع نعليه من قدميه، اي ان اجعل نفسي عريسا لكم، انتم لستم لي، لستم ملكي، انتم للعريس. فمن انا كي افك رباط نعليه، اي ان انزع منه ملكيته.
الرب يدعو موسى ان يخلع نعليه، لان هذه الارض، هذه الرسالة الجديدة، هي للرب، وليست لموسى. الرب قبل ان يبدأ في الحوار مع موسى يشترط عليه ان يخلع نعليه. اي ان يقبل ان السيد هنا هو الرب، هو الذي يضع مجرى الامور ويسيرها، وليس موسى وافكاره، الرب هو صاحب الارض وقبطان السفينة وموسى هو شراعها الذي يستجيب.
ما أجمل، وأحلى أن نحيا الحياة بهذا البعد: الدعوة او الزواج وكل ما لنا، علاقتنا مع الآخرين، أن لا شيء ملك لنا، ان نخلع نعلينا حتى عن حياتنا ونجعلها ملكا لأخر.
هذا ليس تأمل كتابي او عظة، بل دعوة لكل من هو متمسك بنعليه، فليسترح لان هناك من له القدرة وهو حي.
أيام مباركة.