“الإيمان هو شعلة تزداد اتقادًا إذا ما تقاسمناها ونقلناها”

“الإيمان هو شعلة تزداد اتقادًا إذا ما تقاسمناها ونقلناها”

عظة البابا فرنسيس في القداس الختامي ليوم الشبيبة العالمي في ريو دي جانيرو.
ريو دي جانيرو, 28 يوليو 2013 (زينيت) –

ننشر في ما يلي النص الكامل لعظة البابا في القداس الختامي ليوم الشبيبة العالمي على شاطئ كوباكابانا. شارك في القداس 3 ملايين شخص.

* * *

الإخوة والأخوات الأعزاء،

الشباب الأعزاء،

“اذهبوا وتلمذوا كل الأمم”. بهذه الكلمات، يتوجه يسوع إلى كل منكم قائلاً: “كانت جميلة المشاركة في يوم الشبيبة العالمي، عيش الإيمان مع شباب قادمين من أربع أصقاع الأرض، ولكن الآن يجب عليك أن تمضي وتنقل هذه الخبرة إلى الآخرين”. يسوع يدعوك لكي تكون تلميذًا مرسلاً! اليوم، على ضوء كلمة الله التي سمعناها، ماذا يقول لنا الرب؟ ثلاثة أشياء: اذهبوا، دون خوف، لكي تخدموا!

اذهبوا. في هذه الأيام، هنا في ريو، اختبرتم جمال اللقاء بيسوع واللقاء به سوية، أحسستم بفرح الإيمان. ولكن خبرة هذا اللقاء لا يمكن أن تبقى مغلقة في حياتكم وفي صِغر مجموعتكم الرعوية، حركتكم، جماعتكم. فذلك يشبه حرمان شعلة نار من الأوكسيجين. الإيمان هو شعلة تزداد اتقادًا إذا ما تقاسمناها ونقلناها، لكي يستطيع الجميع أن يعرفوا، يحبوا ويعلنوا إيمانهم بيسوع المسيح الذي هو رب الحياة والتاريخ (راجع روم 10، 9).

ولكن احترزوا! لم يقل يسوع: إذا شئتم، أو إذا كان لديكم وقت، بل “اذهبوا وتلمذوا كل الشعوب”. مشاركة خبرة الإيمان، الشهادة للإيمان، إعلان الإنجيل هو المهمة التي يوكلها الرب لكل الكنيسة، ولك أيضًا؛ إنه وصية، ولكنه لا ينبع من إرادة السيطرة أو السلطة، بل من قوة الحب، من أن يسوع أولاً جاء في وسطنا وأعطانا لا جزءًا من ذات، بل كل ذاته، وهبنا حياته لكي يخلصنا ويبين حب الله ورحمته.

يسوع لا يعاملنا كعبيد، بل كأشخاص أحرار، كأصدقاء، كإخوة؛ وهو لا يدعونا فقط بل يرافقنا، إنه دومًا إلى جانبنا في رسالة الحب هذه.

أين يدعونا يسوع لنذهب؟ ما من حدود، ما من حواجز: يدعونا للذهاب إلى الجميع. الإنجيل هو للجميع، ليس لبعض الأشخاص فقط. ليس فقط للذين يبدون قريبين، أكثر قبولاً وأكثر ضيافة. إنه للجميع. لا تخافوا من أن تحملوا المسيح في كل مكان، وصولاً إلى الضواحي الوجودية، حتى لمن يبدون بعيدين ولامبالين. الرب يبحث عن الجميع، يريد أن يشعر الجميع بدفء رحمته وحبه.

بشكل خاص، أود أن يتردد وقع نداء المسيح – “اذهبوا” – فيكم يا شباب كنيسة أميركا اللاتينية، الملتزمين في الرسالة القارية التي أطلقها الأساقفة. البرازيل، أميركا اللاتينية، العالم بأسره بحاجة للمسيح! يقول القديس بولس: “الويل لي إن لم أبشر بالإنجيل!” (1 كور 9، 16). هذه القارة سمعت بشرى الإنجيل، وقد طبع مسيرتها وحمل الكثير من الثمار. الآن هذه البشرى تُوكل إليكم، لكي تتردد بقوة. الكنيسة بحاجة إليكم، لحماستكم، لروحكم الخلاقة وللفرح الذي يميزكم. إن رسولاً كبيرًا من البرازيل، الطوباوي خوسيه دي أنشيتا، ذهب إلى الرسالة وكان له من العمر 19 سنة فقط. هل تعرفون ما هي أفضل وسيلة لتبشير شاب؟ شاب آخر. هذه هي الطريق الذي يجب أن تسيروا فيها!

دون خوف. قد يفكر أحدكم: “ولكني لا أتمتع بتنشئة خاصة، كيف لي أن أعلن الإنجيل؟”. صديقي العزيز، خوفك ليس مغايرًا عن خوف إرميا، الذي كان شابًا مثلك، عندما دعاه الرب لكي يكون نبيًا. لقد سمعنا كلماته لتونا: “ويل لي أيها السيد الرب! أنا لا أجيد الكلام لأني فتى”. والله يقول لكم ما قاله لإرميا: “لا تخف… لأني معك لكي أحميك” (إر 1، 7 . 8). الرب معكم!

“لا تخافوا!”. عندما نذهب لإعلان المسيح، هو الذي يسبقنا ويهدينا. في إرسال تلاميذه إلى رسالة البشارة، وعد الرب قائلاً: “أنا معكم كل الأيام” (مت 28، 20). وهذا الامر حقيقي بالنسبة لكم أيضًا! يسوع لا يتركنا لوحدنا، لا يتركنا لوحدنا أبدًا! هو يرافقكم دومًا.

لم يقل يسوع: “اذهب” بل “اذهبوا”: جميعنا مرسلون سوية! الشباب الأحباء، أدعوكم للشعور برفقة الكنيسة الجامعة وشركة القديسين في رسالتكم هذه. عندما نواجه التحديات سوية، عندها نكون أقوياء، فلنكتشف في ذواتنا طاقات لم نعرف أننا نملكها. يسوع لم يدع الرسل لكي يعيشوا منفردين، بل دعاهم لكي يكونوا مجموعة، جماعة. أود أن أتوجه إليكم، أيها الكهنة الأحباء الذين تحتفلون معي اليوم بهذه الافخارستيا: لقد أتيتم لترافقوا الشباب، وهذا أمر جميل، أن تشاركونا خبرة الإيمان هذه! ولكن إنما هي خطوة في المسيرة. استمروا في مرافقتهم بسخاء وفرح، ساعدوهم للالتزام بشكل فاعل في الكنيسة؛ اسعوا لكي لا يشعروا أبدًا أنهم لوحدهم!

الكلمة الأخيرة: لكي تخدموا. في بداية المزمور الذي أعلناه نجد هذه الكلمات: “رنموا للرب ترنيمًا جديدًا” (مز 95، 1). ما هي هذه الترنيمة الجديدة؟ ليست مجرد كلمات، ليست نغمًا، ولكنها ترنيمة حياتكم، أي أن نفسح المجال لكي تطابق حياتنا حياة المسيح، أن تكون لنا مشاعره، أفكاره، أعماله. وحياة المسيح هي حياة للآخرين. إنها حياة خدمة.

يقول القديس بولس في الرسالة التي سمعناها لتونا: “لقد صرت خادمًا للجميع لكي أربح أكبر عدد ممكن” (1 كور 9، 19). لإعلان المسيح، صار بولس “خادمًا للجميع”. التبشير هو أن نشهد شخصيًا لحب الله، أن نتجاوز أنانيتنا، أن نخدم الآخرين من خلال انحنائنا لغسل أقدام إخوتنا كما فعل يسوع.

إذهبوا، دون خوف، لكي تخدموا. إذهبوا، دون خوف، لكي تخدموا. باتباع هذه الكلمات الثلاث ستختبرون أن من يقوم بالتبشير يلقى البشرى بدوره، من ينقل فرح الإيمان ينال الفرح.

الشباب الأعزاء، بينما تعودون إلى بيوتكم، لا تخافوا من أن تكونوا أسخياء مع المسيح، أن تشهدوا لإنجيله. في القراءة الاولى، يرسل الرب النبي إرميا، يعطيه قدرة أن “ينزع وأن يهدم، أن يدمر ويحطم، أن يبني ويزرع” (إر 1، 10). وبالنسبة لكم الأمر كذلك. أن نحمل الإنجيل يعني أن نحمل قوة الله لكي ننزع وندمر الشر والعنف؛ أن ندمر ونحطم حواجز الأنانية، عدم التسامح والكره؛ أن نبني عالمًا جديدًا. يسوع المسيح يعتمد عليكم! الكنيسة تعتمد عليكم! البابا يعتمد عليكم!

مريم، أم يسوع وأمنا، ترافقكم دومًا بحنانها: “إذهبوا وتلمذوا كل الأمم”. آمين.

* * *

نقله إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية