العراق الجديد وتحديات الانتخابات القادمة

مقابلة مع سفير دولة العراق لدى الكرسي الرسولي السيد حبيب محمد هادي علي الصدر

بقلم نعمان طرشه

روما, 28 ابريل 2014 (زينيت) –

خمس عشرة سنة مرت على الحرب العراقية ودفع فيها العراق دماء الشهداء حاملا حتى اليوم اثار الدمار والخراب. ويستعد في هذه الايام لخوض الانتخابات الاولى بعد خروج القوات الأجنبية رغم العديد من التحديات التي يتوجب عليه مواجهتها بين الأزمات الإقليمية و الخلافات العالمية اضافة الى تهديد الإرهاب المتواصل، من اجل فتح صفحة جديدة وجمع شمل القوى الوطنية لبناء العراق الجديد. عشية الانتخابات يأتي اللقاء الصريح مع سعادة سفير دولة العراق لدى الكرسي الرسولي السيد حبيب محمد هادي علي الصدر.

*

آخر الشهر الجاري تنطلق أول انتخابات تشريعية بعد خروج القوات الاجنبية من العراق. ما هي ملامح هذه الانتخابات؟ وما هي آمال ومتطلبات الشعب العراقي؟

نعم ستكون بحق كرنفالاً للاصابع البنفسجية التائقة سيشترك فيه ( 21،542،882 ) مليون عراقي سيضعون قلوبهم قبل أوراقهم في صناديق الاقتراع وسيتنافس ( 9040 )  مرشحاً ينتمون الى ( 277 ) كياناً اساسياً ( 328 ) على نيل مقعداً في مجلس النواب العراقي الجديد بحضور ( 667 )  مراقباً دولياً فضلاً عن العديد من منظمات المجتمع المدني العراقية المخصصة بمراقبة سير وسلامة الانتخابات. ويعوّل العراقيون على هذه الانتخابات للمضي قدماً لإستكمال مسيرة التغيير المنشود الذي يتناغم مع تطلعاتهم في تحقيق الأمن والاستقرار والخدمات والتنمية المستدامة في ظل المؤسسات المدنية التي ينعم فيها الجميع بالعدالة والمساواة والحريات وتكافؤ الفرص والمواطنة الحقة.

ماهو سبب استمرار وجود تكتلات طائفية وعرقية في ظل اختفاء تعددية سياسية حقيقية؟

إن سبب ظهور كتل سياسية طائفية ناجم عن سياسة الاحتلال التي دأبت على تكريس التقسيمات على هذا النحو ظناً منها بأنها ستلبي آمال المكونات المجتمعية العراقية التي عانت من التهميش والإقصاء والظلم في ظل النظام الصدامي البائد. إلا أن زعماء البلاد قد أدركوا عدم جدوى نظام المحاصصات الطائفية وتعويقه لمسيرة الإصلاح في البلاد لذا فقد أبدوا مؤخراً إرادة على تشكيل حكومة الأغلبية السياسية العابرة للأثنيات والمذاهب والأديان والذي من شأنه تسهيل القوانين اللازمة للنهوض بالبلاد في البرلمان بدلاً من تلكؤها في ظل حكومة الشراكة الحالية. إذ لابد من وجود كتلة برلمانية معارضة تتولى عملية مراقبة السلطة التنفيذية وتقويم ادائها.

الى أي حد يهدد الموضوع الأمني سير العملية الإنتخابية؟ وما هي الإجراءات التي تم تبنيها؟

الموضوع الأمني ليس بجديد حيث تم إجراء انتخابات ناحجة في البلاد في ظل أوضاع أمنية أكثر صعوبة. لذا فإن سير العملية الإنتخابية سوف لن يتأثر بالتهديدات الأمنية سيما وأن الأجهزة المختصة قد اتخذت إستعدادات أمنية بالغة الدقة لسلامة المواطنين والمراكز الإنتخابية. وقد أصبح لتلك الأجهزة تراكم جيد من الخبرات في هذا المجال عبر الدورات الإنتخابية السابقة.

ماهو سر الترابط بين المجاميع الإرهابية في كل من العراق وسوريا؟ وانعكاسات الحالة الأمنية العراقية على الأزمة السورية؟

هناك ترابط وثيق بين تلك المجاميع كونها هي نفسها التي تقاتل في (سوريا) وفي (العراق) لإنتمائها الى تنظيم القاعدة وداعش التي تسمى ب(الدولة الاسلامية في بلاد العراق والشام) . اما الانعكاسات فإن السؤال يجب أن يصاغ على النحو التالي: ( ماهي إنعكاسات الأزمة السورية على الحالة الامنية العراقية) من الملاحظ أن الوضع الامني في العراق قد شهد تحسناً ملحوظاً في عامي 2009 – 2010 إلا أن نشوب الصراع في سوريا ودخول تنظيم القاعدة بقوة على خط هذا الصراع هو الذي أورث هذا التدهور الأمني بسبب انتقال المجاميع الإرهابية من الساحة السورية الى العراق عبر الحدود المشتركة مستخدمة الاسلحة المتطورة التي زودت بها من قبل دول ومنظمات البعض منها غربية وأقليمية.

كيف يمكن للعراق استعادة دوره الرائد في إرساء السلام والامن في المنطقة؟

يتطلع العراق الجديد اليوم الى دور ريادي في المنطقة حيث يقود محور الوسطية الاعتدال والتسامح في مقابل محور التطرف والانغلاق الذي تمارسه دول معروفة في المنطقة كما يقوم بمكافحة الارهاب ليس دفاعاً عن العراقيين وحسب بل دفاعاً عن الاسرة الدولية برمتها. ويتجلى هذا الدور من خلال المؤازرة الدولية الواسعة التي حظي بها العراق مؤخراً من خلال ما صدر من بيانات الدعم من قبل مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية والإتحاد الأوروبي والحضور اللافت لهذه الاطراف في المؤتمر الدولي الاول لمكافحة الإرهاب الذي نظمته بغداد في شهر شباط المنصرم. كما أن هذا الدور سيتعاظم أكثر فأكثر ترافقاً مع الإمكانيات الإقتصادية المتنامية للعراق والتي ستجعله بوقت قريب ثاني أكبر مصدر منتج للبترول بعد (السعودية) ضمن منظمة (الاوبك). العراق اليوم كوسيط دولي ينظر اليه العالم بإحترام ومصداقية لابتعاده عن سياسة المحاور ولعدم تدخله في شؤون الغير ولإنتهاجه السياسة الانفتاحية التقريبية الحكيمة. وقد لعب دوراً ايجابياً في تقريب وجهات النظر بين (ايران) و (مجموعة 5+1) وغدت رؤيته للحل السلمي في (سوريا) هي المعول عليها للخروج من الازمة.

ما تاثير الخلاف الروسي الامريكي والاتفاق على النووي الايراني على العراق؟

العراق وهو يحتل هذا الموقع الجغرافي الحساس الذي هو همزة وصل بين الشرق الاسلامي والغرب المسيحي. لابد أن يؤثر ويتأثر، وكلما توصل الفرقاء في المنطقة الى تفاهمات مثمرة سينعكس ذلك ايجابياً على الوضع العراقي والعكس صحيح. كما يرقض أن يكون ساحة لصراعات دولية ويسعى دائماَ الى لعب دور الوسيط النزيه والواعي لتفكيك الازمات بعد أن كان المصدر لها أيام النظام البائد.

ماهي الخطوات العملية لتستعيد الدولة العراقية عافيتها؟ وماهي ملامح عراق المستقبل؟

العراق بلد غني بثرواته المعدنية والبشرية وباذخ بعراقته الحضارية ومتميز بموقفه الاستراتيجي وهو يملك كل مقومات التطور. ولولا التحدي الأمني الذي يشغل الحيز الأكبر من الاهتمام الحكومي لقطع العراق اشواطاً تنموية أبعد بكثير مما هو عليه الآن. ورغم ذلك فإن الحكومة العراقية قد حققت العديد من الانجتزات الكبيرة ةعلى مختلف الصعد. ولو لم يكن حجم الدمار الذي ورثته من العهود السابقة هائلاً ومريعاً لظهرت هذه الانجازات جلية للعيان وما يدل على ذلك هو معدل النمو الاقتصادي المتحقق المرتفع (6%) والذي هو الأعلى في المنطقة وميزانيته للعام الجاري (2014) والتي زادت على (140) مليار دولار وهي اكبر ميزانية في تاريخ البلاد. وهذا مؤشر واضح على تعافي البلاد فضلاً عن إنجازعشرات الآلاف من الوحدات السكنية وإنشاء البنى التحتية والمدارس والمستشفيات والجسور وإحياء الزراعة بحيث أن البلاد قد اقتربت من تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، ثم أن العراق بلد كبير المساحة وأكثر من ثلثيه هو آمن بدرجة كبيرة مما ساعد على دخول الشركات الاستثمارية الاجنبية الكبرى للعمل فيه. لذا نستطيع القول بثقة بأن ملامح عراق المستقبل ولامح واعدة ومبشرة بقيامة عراق تعددي ديمقراطي تسامحي من طراز فريد.