القيامة إشراقة العهد الجديد بقلم  الاب انطونيوس مقار ابراهيم

القيامة إشراقة العهد الجديد بقلم الاب انطونيوس مقار ابراهيم

القيامة إشراقة العهد الجديد

الاب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

تهنئة صاحب الغبطة

في البداية أود اخوتي الأحباء أن أنقل اليكم تهنئة صاحب الغبطة ابينا البطريرك ابراهيم اسحق لعيد القيامة المجيدة

سلام ومحبة في ربنا يسوع المسيح القائم. أحبائي، في البداية أتوجّه إليكم بخالص التهاني بمناسبة عيد القيامة المجيدة. كما أني أوكد لكم انه على الرغم من المسافات التي تبعدنا وتبعدكم عن كنيستكم الأم في مصر، إلا أنني اشعر بكم وبكل صعوباتكم التي تختبروها في بلاد الغربة والتضحيات التي تقومون بها لأجل المحافظة على طقس كنيستنا القبطية الكاثوليكية وتقليدها. أطلب منكم احبائي أن تواصلوا الصلاة من اجلي واوكد لكم صلاتي ومحبتي، مع البركة الرسولية.

       كلمة شكر :                                                          

باسم صاحب الغبطة ابينا البطريرك ابراهيم وباسمكم جميعاً نشكر صاحب السيادة المطران بولس مطر رئيس اساقفة بيروت لأجل رعايته واهتمامه بنا. ونرجو من المسيح القائم من بين الأموات أن يمنحه المزيد من الخدمة والعطاء والى سنين كثيرة وأزمنة سالمة في حب الله والوطن والكنيسة.

نتقدّم بالشكر الجزيل الى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية على تهنئته لنا بالعيد.

كما نشكر سعادة الأستاذ الدكتور محمد بدر الدين زايد سفير جمهورية مصر العربية في لبنان وسعادة القنصل الاستاذ محمد حنفي على حضورهما ومشاركتهما لنا في الاحتفال. نتقدّم بالشكر الجزيل الى إدارة تيلي لوميير ونور سات مسؤولين وموظفين وعاملين على محبتهم ومشاركتهم لنا. نشكر جميع الحاضرين متمنين لهم السلام والخير.

 

 

” آمين آمين آمين بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المقدسة نعترف “

هذه ما نردده كل يوم في الاحتفال بالقداس الالهي.

تألم المسيح من جراء خطايانا، وقد حملها بطاعة كاملة، ومحبة فائقة، مات كي يحيينا في الحق والقداسة والبر. وكي يرفع عنا الظلم وينقض حاجز العدواة القديمة الذي كان يفصل بين الله والإنسان.

قام بقدرة فائقة وبامكانيات جديدة يستطيع أن يهبَ ذاته لنا، ويتحد بنا ” الكلمة صار جسدا وسكن بيننا“. فنحن بقيامة المسيح نلنا عربون الحياة والاتحاد به وصار لنا كل شيء مما هو للمسيح. وبالتالي كل مَن يَقبل قيامته ينال شركة الحياة فهو يصير عضوًا فيه. هذه هي الحياة الجديدة والقيامة التي أنشأت في الإنسان كياناً وقدرات ورؤية أعظم بكثير مما هو عليه الآن، فالإيمان بالمسيح والقيامة والحياة الأبدية تحتاج الى عين طاهرة ونقية، وإلى أُذن تسمع وتصغي وإلى قلب يحب ويرحم والى فكر متجدد دائماً ” تغيروا عن شكلكم، بتجديد أذهانكم رو12/2″ قلبًا نقيًا أخلق فيّ يالله مز50/10″.

المسيح القائم من الأموات الآن، هو مركز التاريخ الثابت والدائم والحقيقي وحوله تدور حوادث الإنسان كلّها. أما الحوادث التي لا تمتّ بصلة للمسيح فهي خارج التاريخ وهي تتقلص وتتلاشى وتضمحل.

يقول صاحب الغبطة ابينا البطريرك ابراهيم في رسالة القيامة لهذا العام يتساءل الكثيرون في أنحاء العالم اليوم، إلى أين يمضي هذا العالم، والكوارث والمحن تحيط به في جنبات الأرض، حروب ودماء تسفك، ودموع تسيل، لاجئون هاربون يهيمون على وجوههم وقد عجز العالم عن حلّ معضلتهم، بدع وتطرّف هنا وهناك، إنحسار واضح للقيم الروحيّة وانفلات في الأخلاق حتى ظنّ الكثيرون أن ليس للعالم غد أفضل أو مستقبل أكثر أمنًا ورقيًّا. وتأتي ذكرى قيامة المسيح لتعلّمنا أن نقول لا لليأس والإحباط وانّ العالم في يد أمينة هي يد الخالق، وكم مر على هذا العالم من مآسٍ لا تحصى لكن الغلبة كانت دومًا للإيمان والرجاء والمحبة لأن المسيح داس الموت وظلامه، ومزق الخوف والشك وقام من الموت. وبقيامته أقام الإنسانية من سقطتها .

“بما أنّ الموت بإنسان، فبإنسان أيضًا قيامة الأموات، فكما في آدم يموت الجميع كذلك في المسيح سيحيا الجميع” (1كور 15 : 21 – 22 ). قال الملاك “إنه ليس ههنا، لقد قام من الموت”، فلم يكن للموت سلطان على المسيح ليبقى مع الراقدين وهو القائل أنا الطريق والحق والحياة ( يوحنا 14 : 6 ) قام وعاد ليملأ حياة الناس بالنور والنعمة، الإنسانية كافّة مدعوّة من المسيح، كأسرة واحدة، لتعيش في أمنٍ وسلام. ينبغي أن تسقط العداوة والكراهية والتطرّف، ويحلّ محلّ ذلك التضامن والمحبة والتسامح. أسّست قيامة المسيح بشريّة جديدة، وأكدت أن الحياةَ بعد الحياة، وإنسانيةَ الانسان الحقيقية في ات حاده بخالقه، مصدرِه ومصيرِه، وكل إنسانٍ مؤمنٍ عليه أن يقوم من ضعفه ومن سقطاته بعد أن قام المسيح من الموت ليأخذ بيد كل محتاج أو ضعيف، ووضع قيمًا روحيّة تقود الفرد والأسرة والمجتمع في طريق النور والخلاص، قيامة المسيح علّمتِ البشريةَ أنّ الحياة أقوى من الموت، وأن الإنسان يحمل رسالة من الله وأمانة، وأن كل إنسان مسؤول عن أخيه الإنسان. إن عيد القيامة هو عيد لقيامة ضمير كل إنسان ويقظته، لنترك الأكفان جانباً، ولا نُستعبد لذكريات الألم ولا نستسلم لليأس بل لنر في قيامة المسيح الرجاء الأكيد، والأمل الحقيقي والتجديد المتّصل لشؤون الحياة كلّها. نقوم من كل حدث مؤلم، أو خبرات الفشل، وننظر إلى من تحمّل الألم والموت ثم قام لتقوم معه البشرية وتتفاءل في المستقبل وعملِ الواجب والخير. قام المسيح، دحرج الحجر، سقطت القوى الغاشمة التي كانت تظن أنها تحرس القبر. الروح لا تُحبس، والحقّ مهما ضاق عليه الخناق سينتصر، قام المسيح فليفرح كل من يجاهد للبناء والتقدم، وكل من تألم ويتألم من أجل خدمة الإنسان وتقدم الحياة، وكل من يثق في أن الله قد دعا كل إنسان “كن أمينًاً حتى الموت فلسوف أعطيك إكليل الحياة”

 

إنها إشراقة العهد الجديد المبرَم بين الله والانسان في شخص المسيح يسوع شمسِ البرّ وهذا ما يدعونا دائمًا وابدًا الى أن نقف باستعداد وفرح ومحبة مع من يستحقّ أن نفرح معه لأفراحه ونحزن لأحزانه، لأن المسيح قاسمنا هذا الهّم واعطانا نعمة الفرح والسرور وإلى أن نمدّ يدنا إلى كل انسان فقير ومحتاج ونكون قدوة لكل طفلٍ ونتعطّف على كبارنا ونتعلّم منهم خبرة الأيّام والسنين .وأن نعطي كما نحبّ أن نأخذ ونسقي أرضنا بماء الطهارة ونلّون صفحاتنا البيضاء بلون النقاء. وهذا ما يدعونا إلى أن نصغي باهتمام إلى المظلومين والمضطَهَدين وذوي القلوب الجريحة فنؤاسيهم في ما يحملون “ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله”

يأتي الينا عيد القيامة لنتنسّم منه رائحة الحياة الحقيقيّة التي أٌنعم الله بها علينا، طالما هنالك إيمان بالقيامة فهنالك الرائحة الطيّبة التي تنسّم العالم بربيع الحبّ والامان والاستقرار والعيش المشترك وتقاسم خيرات الأرض التي هي هبة الله للجميع “ففي البدء خلق الله السماوت والأرض، ورأى الله أنّ ما صنعه كلّه حسنٌ جداً”. جاء حدث القيامة ليعلن أنّ الميت حيّ وانّ ابن الإنسان قد هزم الموت بالموت ليبزغ فجرُ ثقافةٍ جديدةٍ تفوق كلّ ثقافة وفكرٍ وفلسفةٍ، ثقافةٍ محورُها وأساسُها يسوعُ المسيح معلّمُ الناصرة والنجّارُ الفقيرُ الوديعُ والمتواضع القلب، الذي صالح الجميع مع الله الآب، “صالح الارضيّين مع السمائيّين وفتح باب السماء ورأينا مجده كابنٍ وحيدٍ لأبيه ومن ملئه اخذنا نعمة فوق كلّ نعمة”.

يقول سيادة المطران يوحنا قلته في كتابه المسيح لن يغادر العالم:

لم يأت المسيح ليرحل بعد حياة قصيرة، لأنه ليس زائراً عابراً أو سائحاً صالحاً أو مؤسساً لديانة جديدة، بل تجسد المسيح وهو الله الكلمة Le Verbe Incarne. هو الله، ملء اللاهوت، هو مَن أخلى ذاته والتحف بالطبيعة البشرية، ليعيد صياغة الإنسان، وصياغة الحياة، وصياغة الألم، وصياغة الموت، نعم طُرد آدم وبنوه من الفردوس لأنهم فقدوا المعنى الحقيقي لخلقهم، والهدف الأسمى لبقائهم في الفردوس، وسقط عنهم ما يربطهم بخالقهم، الحب، والطاعة، والنقاء، ومن ثم سقط عنهم حق الحياة المتحدة بالقدوس، أو قل ببساطة استخدم بنو آدم في شخص أبي البشرية حقهم في الحرية والاختيار، ليبتعدوا عن مصدرهم وعن غايتهم، فحدث ما حدث عبر التاريخ البشري وقد سلبت منه الأنوار الإلهية وتحول البشر إلى وحوش كاسرة، يأكل القوي من كان ضعيفاً، وسجدوا للمتعة وتحولوا إلى عالم آخر من الكبرياء والعنصرية وعبادة المال والسلطة وفقدوا الطريق والحق والحياة، تحكمهم غرائزهم ويقودهم الجهل، وعاشت البشرية عصوراً طويلة تئن من هول المأساة، ولا تدري أين الخلاص، لولا رحمة الله بهم ومحبته لخليقته.

وعند ملء الزمان، يقول العلماء إن هذا الزمان هو عمر الإنسان على الأرض حتى مجئ المسيح، ولم تكن رحمة الله لترضى بمزيد من التعاسة والشقاء، ولم يكن حب الله للبشر ليرغب في امتداد الجهل والبؤس والشقاء، ومن حب الله اللا محدود، للإنسان صنع يديه، وإبداعه، ومن إرادة الله أن يشترك الإنسان في مجده وملكوته وهو هدف الخلق، وبعد استنفاد رسالة أنبياء العهد القديم، تجلت عظمة الله، في حبه، في رحمته، في حنانه، أراد أن يعيد الإنسان إلى غايته وهدف خلقه، جاء الله الكلمة، المنبثق من الذات الإلهي، قل هو الله الكلمة، قل هو الله الأبدي المطلق، قل هو ابن الله بعيداً كل البعد عن فكرة التناسل الجسدي، قل هو يسوع المسيح المولود في ذات الله منذ الأبد، ولد من الروح القدس ومن العذراء في لحظة من التاريخ سماها الوحي “ملء الزمن”.

ختاماً :

نرفع صلواتِنا متّحدين مع غبطة البطريرك وقداسة البابا وكل الآباء البطاركة والأساقفة من أجل جميع الذين يحملون أمانة مسؤولية بلدنا الحبيب،

نتضرّع إلي الربّ أن ينيرَهم ويساندَهم ليقودوا مسيرة مصر الغالية إلى ميناء الأمن والأمان، والاستقرار والتقدّم. فيحقّقوا للأجيال الحاضرة والمستقبلة أمانيَهم الغالية، ونرى مصر ولبنان منارتين للفكر المستنير، والعمل البنّاء، والقلب المنفتح، والسلام النابع من العدالة والحرّية والمساواة. ولتتكلل جهود كل من يعمل من أجل البناء، بالتضامن والمحبة، وليعمّ الأمن والأمان والسلام والحب الشعوب جميعَها.

تحتاج مصر وطنُنا الغالي، أرضُ الشعب الطيّب، باني الحضارة للعالم كافة، إلى تضامن أولادها وإخلاصهم في العمل مشاركين ومساندين لرئيسنا المحبوب عبد الفتاح السيسي.

نصلّي من أجله ليظل على الدوام قائداً انسانياً، ورئيساً وطنياً، ومصلحاً شجاعاً، حفظه الله وأيّد مسعاه مع المخلصين المتعاونين معه كلّهم والعاملين بكلّ أمانة من أجل بناء مستقبل أفضل لبلدنا مصر.