عطية الحب .. بقلم الاب د. هانى باخوم

عطية الحب .. بقلم الاب د. هانى باخوم

من جديد نعود للنشيد. نشيد كل نفس بشرية: كل إنسان يبحث فيه عن ذاته ويجد فيه معنى وهدف لحياته. تركناه ولم يتركنا، يتعقبنا، يذكرنا ان خارجه عدم. فتعب الحياة وملذاتها، أفراحها وأحزانها، صعوباتها ويسرها تجد هنا معناها. النشيد يخلق ما يتكلم عنه، فهو كلمة الله ممزوجة بإحساس وخبرة بشر, فيها يقول “ليكن حب”. فمن يستطيع أن يقاوم!
قالها يسوع لتوما “كن مؤمن” عندما شك في قيامته. وبهذه الكلمة خلق الإيمان في قلبه. وهنا يخلق “حب” من “خوف”. يخلق “مشاعر” من قلب حجرته صعوبات الحياة، قسوتها وخطايا عديدة. يخلق طريق في بحر لم يعرف غير موج الخوف والتقلب وعدم الاستقرار. وهذا الحب يتجسد ويصبح عطية.
الحب ليس كلمات، ليس فقط مشاعر وأحاسيس، أكثر بكثير من متعة او رغبة. في هذا النشيد نجد شيء جديد: الحب عطية. يجعل الحبيبة تخرج من ذاتها و ترغب ان تمنح كل مالها للحبيب (ليس فقط البعد الجسدي) كل ذاتها كل كيانها له بل وكل حياتها، فهذا يجعلها تشعر أنها واحدة معه. عطية الحب ان يذوب الحبيب في الحبيبة، وهي فيه، ويصبحا شيء واحد(7: 10-14). أهذا ما يقوله المسيح عن خبرة حبه للأب “أنا والأب شيء واحد”، ويرغب ان نكون نحن أيضا معا ومعه واحد؟
الحبيب يرغب أن يجعل حبيبته سعيدة فبفرحها يفرح وبأمانها يطمئن. يرغب أن يمنحها كل شيء: الكروم والحقول، أشجار الغاب، زهور الحدائق وعطورها، يكللها بإكليل بنت الأمير(7-2). ويلفلف عنقها، برج العاج، بذهب أوفير. فهي له مثل شمس الصباح وجمالها قمر مضيء بليل أعتمه الظلام (6: 10). الحبيب يرغب أن يمنح كل شيء للحبيبة كي يمنح لها ذاته مع كل شيء. عطايا الحبيب لا شيء إلا تعبير عن رغبة إعطاء ذاته لها، رغبة أن يجعلها تصبح أبدية له وهو لها. يرغب ان يحيطها في كل شيء وكل مكان وكل وقت. يرغب ان يمنحها عطيته الكبرى: هو. أهذا ما يرغبه المسيح في حديثه مع التلاميذ عن عطية الروح القدس؟ أهذا ما يفعله المسيح في عطاياه وعلى الصليب يمنح نفسه؟ أهذا هو حب الأب الذي منح ابنه كي يجد الابن ومعه أبناء كثيرين: أنا وأنت!
أهذا هو الحب؟ نعم الحب عطية تجعلنا نعطي من ذواتنا. نضيع أنفسنا فيه فنجدها أكثر وأكثر. نضحي بما هو احلي لدينا لنجد ما هو أحلى وأحلى.
….
ويبقى أبعاد أخرى لهذا الحب. للمرات القادمة
أيام مباركة