عظة البطريرك بشارة بطرس الراعي خلال قداس الشكر

عظة البطريرك بشارة بطرس الراعي خلال قداس الشكر

“وحده الكبير يطلب المغفرة، ووحده الكبير يمنح الغفران؛ ما احوجنا الى ان نكون كبارا بالقلب والعقل والروح”

بكركي، الاثنين 28 مارس 2011 (ZENIT.org).

ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في قداس الشكر يوم الأحد، وهو أول قداس له بعد التولية القانونية.

” أمس الاول، في رتبة مقدسة مهيبة أجلسني صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير على عرش بطريركية انطاكية وسائر المشرق، وتسلمت من يده ومن أيادي أخواني السادة المطارنة أعضاء المجمع المقدس عصا الرعايا، فتكلمت في خطابي الاول عن شعار خدمتي البطريركية “شركة ومحبة” في مفهومها الروحي والكنسي والوطني. واليوم في قداس الشكر الذي افتتح به خدمتي،أتأمل معكم في المفهوم اللاهوتي لهذه الشركة والمحبة، في ضوء انجيل الابن الشاطر، مع تطبيقه على حياتنا الخاصة والعامة.

2- هو المعلم الالهي يسوع المسيح يشرح لنا بمثل الابن الشاطر مفهوم الخطيئة والتوبة والمصالحة وثمارها.الخطيئة هي كسر الشركة مع الله والناس، والتوبة هي استعادتها وترميمها، والمصالحة هي المحبة التي توطد رباطها وتعطي ثمارها.

3- الخطيئة هي كسر الشركة مع الله والناس. الابن الاصغر، في المثل الانجيلي يمثل الخاطىء الذي يتعلق بالذات وخيرات الدنيا وينسى الله معطيها.فيعيش بعيدا عن البيت الوالدي حيث النعمة ودفء المحبة، ويتصرف على هواه متفلتا من كل القيود الروحية والاخلاقية.هذا يعني ان الانسان بخطيئته يكسر الشركة مع الله، فيعيش خارج دائرة الاتحاد به، فلا يصلي ولا يمارس سر التوبة والمناولة القربانية، لا يستنير بكلام الله في الانجيل وتعليم الكنيسة، ويهمل وصايا الله ويتجاهلها ويخالفها. فتكون النتيجة افتقارا من القيم الروحية والاخلاقية والانسانية، وانحطاطا معنويا في نظر الله، وفقدانا للكرامة ولبهاء صورة الله فيه.ان كسر الشركة مع الله يؤدي الى كسر الوحدة مع الناس، بحيث يعيش الخاطىء في الحقد والبغض في الظلم والنزاعات، وفي البحث الدائم عن مصالحه الرخيصة على حساب الخير العام الذي فيه خير كل انسان. هذا الواقع نجده على مستوى الحياة العائلية والاجتماعية والوطنية، عندما تنشطر العلاقات بين الاشخاص، وتتعثر الحياة الاجتماعية، وتتعطل المؤسسات الدستورية، وتتفاقم الاضرار على الاشخاص والمجتمع والدولة والشعب.

4- التوبة هي العودة الى الشركة مع الله والناس باستعادتها وترميمها.تتمثل التوبة بعودة الابن الشاطر الى بيت ابيه التي مرت بمراحل هي اياها يسلكها الخاطىء في عودته بالتوبة الى الله وبالتالي الى الناس. التوبة وقفة ضمير مع الذات:”عاد الى نفسه”. وإدراك للخطيئة وشرها وندامة على ما فعلها:”كم أجير في بيت ابي يفضل عنهم الخبز، وانا هنا اهلك لجوعي”. وقرار الخروج من اسباب الخطيئة وحالتها والعودة الى الله:”اقوم وامضي الى ابي”. واعتراف الله بالخطيئة وتعويض عنها:”واقول له، يا ابت لقد خطئت اليك، فعاملني كأحد اجرائك لا كابن”. وتنفيذ لقرار العودة والاعتراف والتعويض:” فقام وعاد الى ابيه”. بمجرد ما يعود الانسان الى الله بالتوبة، انما يعود حتما الى اخيه الانسان، الى اهل بيته، الى افراد المجتمع، الى مؤسسات الدولة وخدمة الخير العام. ذلك ان السلام مع الله سلام مع الخليقة كلها. من يعرف ان يتوب الى الله ويتصالح معه، يعرف كيف يتوب الى الذين اساء اليهم ويتصالح معه. ازمة الخلافات على مستوى العائلة والمجتمع والوطن هي في الاساس ازمة خطايا شخصية تجاه الله، لا يتوب عنها صاحبها بممارسة سر الاعتراف.

5- المصالحة هي المحبة التي تثبت روابط الشركة وتعطي ثمارها.انها فعل محبة من الابن الاصغر تجاه ابيه، وفعل محبة من الاب نحو ابنه. الابن عاد تائبا، والآب غفر وسامح وأغدق الخير.من دون محبة الله لا يستطيع خاطىء ان يعود الى ربه، ومسيء ان يرجع عن اساءته. والله اب رحوم حنون يغفر ويسامح:” عندما رآه ابوه، وهو بعيد تحنن عليه وأسرع نحوه وضمه الى صدره وقلبه”. ما أجمل المصالحة في الاستغفار والغفران. فقط من كان في قلبه حب يستغفر عن الخطيئة والاساءة ويغفرها. وحده الكبير يطلب المغفرة، ووحده الكبير يمنح الغفران. ما احوجنا الى ان نكون كبارا بالقلب والعقل والروح!.

6- ثمار المصالحة هي الخيرات التي تغدقها المحبة. انها تتمثل في المثل الانجيلي، “بالحلة الفاخرة”، وهي ثوب النعمة وبهاء صورة الله في الخاطىء الذي يتوب، و”بالخاتم” وهو كرامة البنوة، والحق في ميراث الملكوت السماوي، و”بالحذاء”، وهو الطريق الجديد الذي يسلكه التائب، طريق الحقيقة والخير والجمال، و”بالعجل المثمن ووليمة الفرح”، وهو الجلوس الى مائدة المسيح في ذبيحة قداس الاحد وتناول جسد الرب ودمه للحياة الجديدة. كل هذه الثمار تجد معانيها في المصالحة العائلية والاجتماعية والوطنية.

7- اما الابن الاكبر فيمثل كل واحد منا، يرفض المصالحة ويضيق قلبه عن الحب والرحمة والحنان. ليفحص كل واحد ضميره لعله هو خاطىء لا يتوب ولا يتصالح، ولعله يرفض الغفران والمصالحة. فكما ان الخاطىء غير التائب “ميت وضال”. كما جاء في الانجيل، كذلك رافض المصالحة والغفران “ميت وضال”. ولا احد من الاثنين يستحق الجلوس الى مائدة المحبة، مائدة جسد الرب ودمه.

8- انني احتفل معكم اليوم بقداس الشكر لله على جميع نعمه الفائضة علينا وعلى الكنيسة، وبخاصة على نعمة اختياري بطريركا، اي ابا ورأسا لكنيستنا المارونية.فاني مع الشكر الذي ارفعه الى الله بذبيحة القداس، اعرب عن شكري لغبطة ابينا السيد البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، ولاخواني السادة المطارنة، اعضاء مجمعنا المقدس، على ثقتهم ومحبتهم واختيارهم لي، على الرغم من محدوديتي وضعفي. وأبدأ في الوقت نفسه خدمتي الروحية والرعوية كبطريرك لهذا القداس الالهي. ان هذه الخدمة بكل ابعادها ومساحاتها في لبنان وبلدان الشرق الاوسط وفي عالم الانتشار، انما تسلك طريق “الشركة والمحبة” بمفاهيمها اللاهوتية والروحية، الكنسية والوطنية، متكلا على نعمة الله وصلاتكم ومؤازرتكم.

9- وفي الختام اعرب عن شكري العميق لكل الذين تعبوا وضحوا وتفانوا في اعداد الاحتفال بقداس ورتبة التنصيب وبقداس الشكر هذا، وهم كهنة ورهبان وراهبات ومؤمنون ومؤمنات، وفنيون ولوجستيون وجوقة جامعتي سيدة اللويزة وجامعة الروح القدس -الكسليك. كما اعرب عن شكري لجميع الذين سخوا من مالهم وذات ايديهم، فتبرعوا بالمال وقدموا الهدايا وأمنوا الضيافة وتولوا الخدمة ونظموا، الى جانب الكثير من التقديمات العينية. كافأكم الله جميعا، وانتم معروفون عنده واحدا واحدا، بفيض من نعمه وخيراته وبركاته الروحية والزمنية.

10- وأوجه عاطفة الشكر والامتنان الى كل الذين في لبنان والشرق والعالم وعالم الانتشار، رافقونا بالصلاة، من اصحاء ومرضى ومتألمين، والذين أموا هذا الصرح البطريركي للتهنئة والتبريك والمشاركة في الاحتفالات، والذين كتبوا او اتصلوا او عبروا بمظاهر الابتهاج المتنوعة، والى القوى الامنية ووسائل الاعلام والاعلاميين والاعلاميات، والصليب الاحمر والكشافة والدفاع المدني، لكم جميعا محبتي وصلاتي.

ايها الآب القدوس، أفض محبة حنانك عليهم وعلينا، ايهاالابن القدوس، يسوع المسيح نورنا بكلمة الانجيل وتعليم الكنيسة، ايها الروح القدوس جدد فينا الحياة الالهية وثبت بحلولك علينا الشركة والمحبة. ويا مريم أمنا أشعي علينا بمثلك في حياة الشركة والمحبة، ايها القديسيون شفعاؤنا ويا ابانا القديس مارون والقديس يوحنا مارون اشفعوا بنا، فنرفع التسبيح والمجد والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد .آمين”.