كلمة الكاردينال ساندري للذكرى المئتين لميلاد الطوباوية كاترينا تروياني

كلمة الكاردينال ليوناردو ساندري، رئيس مجمع الكنائس الشرقية في قداس الذكرى المئتين لميلاد الطوباوية كاترينا تروياني، مؤسسة راهبات قلب مريم الطاهر القاهرة في 9/1/2013

صاحب النيافة النائب الرسولي المطران عادل زكي
جزيل الاحترام القائم بأعمال سفير الفاتيكان بمصر
جزيل الاحترام الرئيسة الإقليمية، الآباء الكهنة، الرهبان، أخواتي وإخوتي

1- «الله محبة. فمن أقام في المحبة أقام في الله وأقام الله فيه» ( 1 يو 4: 16). يساعدنا يوحنا الرسول أن نتعرف على عمل الله في حياة الطوباوية كاترينا تروياني التي ولدت قبل مائتي عام في جيوليانو – روما. إن« الأم البيضاء» كما ناداها المصريون، مسيحيين ومسلمين، جسدت وجه الله. لقد استطاعت أن تعلن أن الله أحبنا أولا. إنها بالرغم من انغماسها في خبرة حياة تأملية، إلا أنها أسست أعمال خير ومحبة عديدة لصالح الصغار والفقراء، الرجال والنساء الذين وضعهم الله على طريقها. لقد اعتبرت دائما أن الحياة عطية من الله. يشهد بذلك الأب ديجو فيري الذي شاركها أعمالها في عتق العبيد والمساجين: «بالرغم سنوات عديدة لم يحسن استغلالها إلا أني أثق في العناية الإلهية» ( الخطابات والمقاصد رقم 358). ليساعدنا الروح أن نسير في طريق التي خطتها المؤسسة، لكي نشترك في تقديم الشكر لله وهو ما يدفع إلى قبول إرادته. وعندما نشكر الله فإنه يقودنا إلى الصفح ويقوي فينا عمل الخير.

2- يحيط بهذه الذكرى حدثان هامان هما سنة الإيمان وسنودوس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية عن البشارة الجديدة. الرب يقرع على أبواب قلوبنا، وهو الباب والحياة، لكي يقودنا بعيدا عن صحاري التاريخ والأحداث ويضعنا في حميمية الثالوث الأقدس الأبدية.
قال البابا يوحنا بولس الثاني عام 1985 للمؤمنين المشاركين في مراسيم تطويب الأم كاترينا تروياني: « تحتاج البشرية اليوم احتياجا ملحا لشهادة شجاعة ناتجة عن اقتناع. يطالب العالم المؤمنين بشجاعة الإيمان. تقودنا الطوباوية ماريا كاترينا تروياني بحياتها المعبرة في هذا الطريق وتساعدنا بشفاعتها. ليشرك قلب مريم الطاهر جميعنا في ثبات إيمانها وفي اهتمامها الرسولي وفي حرارة محبتها!». كم هو صحيح هذا الأمر وكم هو ملح. عندما تصلنا محبة المسيح فعلينا أن نهبها إخوتنا بشجاعة وقوة.
إننا نثق بحضورها في مسيرتنا. إن بساطة مزود بيت لحم الذي استقبل ابن الله تذكر ببداية رسالتكن في القاهرة حيث وصلت المؤسسة عام 1859: تعرضت رسالتها لمتاعب عديدة مثل المتاعب التي تعرض لها المخلص على الجلجثة، حتى إعلان كلمة الله الأخيرة وهي القيامة وهبة الروح القدس لإعلان البشارة حتى أقاصي الأرض.
لقد انضممتن، أيتها الراهبات العزيزات، إلى مسيرة إعلان البشارة من مصر ووصلتن إلى بلاد أخرى في أفريقيا والبرازيل وإيطاليا و بنوع خاص في الشرق الأوسط. إنه لأمر هام أن يشعر الشرق الأوسط باهتمام الكنيسة يه.
أفكر في العراق وسوريا اللتان يدميهما عنف البشر ولكنهما تنغمسان بنعمة الله في جنب يسوع المطعون. إننا نشكركن على ما فعلتن وعلى ما تفعلن الآن وعلى ما ستفعلن في المستقبل.

3- إن إحباط الرسل بسبب قساوة القلب، كما يرد في إنجيل اليوم، لا يشكك يسوع الذي يتجه إليهم ماشيا على مياء بحر الجليل. بذلك يظهر أنه الرب الذي يتسلط ليس فقط على البحر بل، وبنوع خاص، على الفوضى والعدم والظلام وهي المعاني التي تشير إليها، في مفهوم الساميين، المياء الغزيرة.
يستقبل يسوع ويقبل خيبة أمل التلاميذ، وتقودهم كلماته إلى خبرة جديدة معه، خبرة على مستوى أعمق وأنقى. يردد الرب دائما: «تشجعوا! أنا هو. لا تخافوا!»، لكي يقودنا إلى الاهتداء للحب. إنه لمدهش صدى هذه الكلمات، التي رددتها الطوباوية، في نفوس أخواتها الراهبات وهن مسافرات إلى مصر عندما بلغهن خبر وفاة القاصد الرسولي المطران بربتو جواسكو، وهو الذي دعاهن للعمل في مصر. أجابت على تساؤلاتهن: «تشجعن يا أخواتي ! لقد انفصلنا عن الأرض وأصبحنا بين السماء والبحر. لا تخفن لأن العالي هو الذي يقودنا. لقد فقدنا أبا على الأرض لكن لنا آب واحد في السماء وهو الذي لا يهملنا! تشجعن! إلى الأمام! أجل العالي هو الذي يقودنا، الآب السماوي لا يتركنا أبدا! إن ما أكدت عليه الطوباوية ما هو إلا ثمرة ناضجة لما كانت قد أكدته في شبابها: «أعهد بكل شيء للإرادة الإلهية التي تتصرف فيّ بكليتي» (را الخطابات رقم 18).
لقد أخدت ماريا كاترينا تروياني مأخذ الجد ما يعد به الله كل منا إذا اعتبرنا الله كنز حياتنا: «إذا كان مكسب باطل زائل يساعد البحار على الإبحار في المحيط وإذا كان القائد الشهير الذي تركت هنا قدماه آثارا عميقة أستطاع أن يشجع جنوده المنهكين من طول السير في الصحراء، مشيرا إلى الأهرمات التي انتظرتهم، فكم يكون عظيما الرجاء القائم لا على كلمة إنسان بل على كلمة الله وانتظار لا خيرات زائلة باطلة بل خيرات أبدية دائمة؟» ( أضواء الأراضي المقدسة 1891).

4- لقد حررت الأم كاترينا زنجيات عديدات من الرق وعلمتهن واهتدت عديدات منهن إلى المسيحية.
لذلك أوصيكن أخوات العزيزات بما يقول قداسة البابا في الإرشاد الرسولي الكنيسة في الشرق الأوسط: «أريد أن أؤكد لجميع النساء أن الكنيسة الكاثوليكية، إذ تتبع بأمانة رسم معلمها الإلهي، تعمل على إقرار كرامة المرأة ومساواتها بالرجل، وترفض أشكال التمييز العديدة التي تخضع لها المرأة لمجرد كونها امرأة. تصيب هذه الممارسات حياة الجماعة وشهادتها بجراح عميقة. إنها إهانة شديدة ليس للمرأة فحسب بل بنوع خاص لله الخالق وإني إذ أقر بالحساسية الفطرية تجاه الحب وحماية حياة الإنسان، والإقرار بدور المرأة لمساهمتها الخاصة في مجالات التربية والصحة والمساعدات الإنسانية والحياة الرسولية، أرى أن المرأة يجب أن تضطلع بدور فعال وتشارك أكثر وأكثر في الحياة العامة الكنسية. إن المرأة تساهم بذلك بدورها في بناء مجتمع يتسم بمزيد من الأخوة وكنيسة تزيدها شركة المعمدين بهاء وجمالا» ( الكنيسة في الشرق الأوسط بند 60). إنه مشروع الكنيسة والبشرية كلها وعلى المكرسات قبل أي إنسان آخر أن تساندنه. إنه علامة نبوية حقيقية في المجتمعات الشرقية ذات الأغلبية المسلمة والمجتمعات الغربية العلمانية.
لتدخلكن مريم في قلبها الطاهر وتعزيكن.
أنقل إليكن بفرح البركة التي حملني قداسة البابا بندكتوس السادس عشر لكل واحدة منكن.