الأب رفعت بدر – عمّان – ابونا
لم يكن احتفال تنصيب الكرادلة الجدد يوم عيد كرسي مار بطرس (22 شباط) تقليدياً وعادياً، بل جاء فريداً وغير مسبوق أبداً، ذلك أنه الأول في عهد بابا البساطة والتواضع “فرنسيس”، وكذلك فريداً بحضور البابا بندكتس السادس عشر الذي اختار بطواعية غير مسبوقة التخلي عن إدارة دفة سفينة بطرس قبل عام من اليوم.
كانا في كنيسة القديس بطرس سلفهما الأول “بابا” فوق و”بابا” تحت، لكن ليس لإستعلاء لأحد على الآخر، بل لأن الوضع لا يسمح بأن يكون في الكنيسة بابوان – بل يجب أن يكون هنالك، حفاظاً على الوحدة، بابا فخري وبابا فاعل.
لكن الاحتفال الأول الذي يظهر فيه بندكتس علنياً قد كان ذا دلالة كبيرة، وهي إن التواضع هو سمة الكبار وفقط هؤلاء يستطيعون أن يكونوا متواضعين. عكس التوقعات البشرية بأن المتواضع هو الفقير والمعدم والضعيف، ذلك أن لا حيلة له إلا أن يكون “متواضعاً”. أما في كنيسة بطرس، فالتواضع سمة الكبار.
لقد جلس البابا الفخري مع الكرادلة المشاركين باسماً غير مغتم ولا معبس، ذلك أن قراره التاريخي قد كان بطوعه واختياره، وأن الفاتيكان وبخاصة قيادة البابا فرنسيس يحترف إظهار البابا السابق بكامل كرامته وهيبته وابتسامته. وما كان من بندكتس إلا أن بادل الحب بالحب والاحترام بالاحترام، لذلك هزّ حضوره العالم من جديد، وبخاصة عندما اقترب منه موكب “فرنسيس”، فخلع قلنسوته، أو طاقيته، البيضاء، لترتفع فقط طاقية واحدة. في هذا اللقاء ألا ترون معي لقاء مريم العذراء باليصابات، تواضع بتواضع، أو كذلك لقاء المعمدان بالسيد المسيح؟ تواضع بامتياز يلتقي مع تواضع بامتياز.
أما فرنسيس فقد تعّودنا عليه بالتواضع، وكم هي مؤثرة صوره وهو يدخل حاملاً حقيبته وثوبه، ومترجلاً للدخول والخروج من قاعة الاجتماعات مع “أخوته” الكرادلة.
العالم ما زال فيه خير، ما دام فيه تواضع، فهذه القيمة أو الفضيلة هي التي تجعل المرء كبيراً بعيداً عن الاعتبارات البشرية الزائلة. وتعلمنا هذه اللقاءات أنّ من يكون كبيراً في نظر الله هو الأساس وأعظم بكثير من أن يلهث المرء ويشقى ويتعب ليكون كبيراً في نظر الناس، فهؤلاء لهم مقاييسهم ومقاساتهم الضيّقة، أما مقاسات الله فرحبة واسعة.
وبعد هذا الظهور الأول للبابا الفخري بهذه الصورة المتواضعة أمام بابا التواضع بامتياز، فرنسيس، فإننا في السابع والعشرين من نيسان، سنكون على موعد مع أربع بابوات معاً… في رقصة تواضع لا مثيل لها: عندما سيعلن “فرنسيس” بحضور “بندكتس” قداسة سلفين لهما، واثنين من عمالقة القرن العشرين بتواضعهم وتفانيهم: البابا يوحنا الثالث والعشرين والبابا يوحنا بولس الثاني.
هنيئاً لنا بهذه الأمثلة،
التي تعطي تفاؤلاً،
لعالم اليوم الغارق بالأحزان،
واللاهث وراء قطع الخبز المتساقط من موائد السلطة.