الكاردينال مايسنر: "يجب أن نضحي من جديد كنيسة تذهب نحو البشر"
بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الخميس 10 يونيو 2010 (Zenit.org). – أزمة سر الاعتراف لا تتألف أولاً من عدم مجيء المؤمنين إلى الاعتراف، بل أيضًا من عدم توفر الكهنة الذين يكرسون ذواتهم لسر الاعتراف! وكرسي اعتراف يوجد فيه كاهن، في كنيسة فارغة، هي علامة مؤثرة لصبر الله الذي ينتظر. فالله هو هكذا. ينتظرنا مدى الحياة.
"لا أريد أن أقدم لكم عرضًا جديدًا للاهوت التوبة والرسالة. ولكن أود أن أنقاد معكم وراء إنجيل التوبة، لكي يرسلنا الروح القدس حاملين إلى البشر بشرى المسيح السارة"، بهذه الكلمات افتتح الكاردينال يواكيم مايسنر، رئيس أساقفة كولونيا مداخلته بمناسبة اللقاء العالمي للكهنة، في ختام السنة الكهنوتية في بازيليك القديس بولس خارج الأسوار، في 9 يونيو 2010.
وعرض الكاردينال مداخلته في 15 نقطة، بدأها بالقول:
1. "يجب أن نضحي من جديد كنيسة تذهب نحو البشر"، وهذا أمر لا يتم بوقفة إرادة بل يجب أن يحركنا الروح القدس عليه.
وأوضح الكاردينال أن إحدى أسوأ المشاكل التي عاشها الكهنة في القرن العشرين هو فقدان خبرة الاعتراف. وشرح أنه عندما يسأله المؤمنون: "كيف يمكننا أن نساعد كهنتنا؟" يجيب: "إذهبوا للإعتراف لديهم!". فعندما لا يعود الكاهن معرِّفًا يضحي مجرد عامل إجتماعي ديني، لأنه لا يعيش الخبرة الكبرى، خبرة مساعدة خاطئ يخرج من كرسي الإعتراف شخصًا جديدًا.
2. ثم تحدث الكاردينال عن بولس المريض على أبواب دمشق، الذي يعترف في الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس بضعفه الجسدي والبلاغي (راجع 2 كور 10، 10). ولكن من خلال هذا الرجل الضعيف وصل الإنجيل إلى آسيا الصغرى وأوروبا. وعليه يجب أن نذكر أن "عظائم الله لا تتم تحت أضواء التاريخ العالمي العظيمة، بل تتم على الهامش، على أبواب المدن، وفي سرية كرسي الاعتراف". وهذا الأمر يجب أن يكون للكهنة مصدر تعزية، لأنهم يحملون مسؤولية عظيمة، وفي الوقت عينه يعون ضعفهم ومحدوديتهم. إن بولس المنهزم ضعفًا على أبواب المدينة سيضحي سبب خلاص لكثيرين.
3. لا يكفي أن نقوم بحمل إصلاحنا إلى مؤسسات الكنيسة، بل يجب أن نسهم في إصلاح القلوب، أن أصلح قلبي. "فوحده بولس التائب استطاع أن يحول العالم، ولم يكن الفضل لمهندس بنى كنسية!".
وأضاف مايسنر: "إن الكاهن، من خلال اتباعه لأسلوب عيش يسوع، يضحي سكنى ليسوع بالذات، ومن خلاله يضحي الرب ملموسًا للآخرين"، بحسب ما يقول إنجيل يوحنا (14، 23): "إذا أحبني أحد حفظ كلمتي وأبي يحبه وإليه نأتي ونقيم عنده".
4. "العائق الأكبر للسماح للمسيح أن يضحي ملموسًا في العالم من خلالنا هو الخطيئة". فالخطيئة تحول دون حضور الرب في وجودنا، ولهذا فالتوبة تضحي أمرًا جوهريًا. وعليه "فالكاهن الذي لا يجد نفسه غالبًا من ناحيتي كرسي الإعتراف يتعرض لضرر دائم في نفسه ورسالته". واعتبر رئيس أساقفة كولونيا أن هذه هي إحدى أسباب الأزمة التي يعاني منها الكهنوت في نصف القرن الماضي.
في صلاته الكهنوتية، يتحدث يسوع إلى خاصته وإلى أبينا السماوي عن هوية المسيحيين: "أنا لا أطلب إليك أن تنزعهم من العالم، ولكن أن تحفظهم من الشرير. فهم ليسوا من العالم كما أنا لست من العالم. قدسهم بالحق: كلمتك هي الحق" (يو 17، 15 – 17).
5. ولذا تضحي التوبة واقعًا طارئًا: يجب علينا أن نأخذ قرار الابن الشاطر: "أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له: أبتي، قد خطئت إلى السماء وإليك" (لو 15، 18) فنختبر حينها فرح الأب الذي يركض لمعانقة الابن الضال: "أما أباه فرآه من بعيد، وتحنن عليه. وركض نحوه، وارتمى على عنقه وقبله" (لو 15، 20). وتساءل الكاردينال: إذا كانت توبتنا تولد فرحًا كبيرًا في السماء لماذا نتوانى غالبًا عن الارتداد والتوبة؟
6. الله يكشف عن وجهه بشكل خارق عندما يجعلنا نختبر غفرانه. الله محبة! هو هبة الذات بشكل كامل! والحب الأقوى هو ذلك الحب الذي يتخطى الحاجز الأكبر أمام الحب، أي الخطيئة.
7. سر التوبة يؤهلنا أن ندخل في حياة لا نفكر فيها إلا بالله. يقول لنا الله في حميميتنا: "السبب الوحيد الذي لأجله أخطأت هو أنك لا تستطيع أن تؤمن أني أحبك كفاية، وأني أهتم حقًا بشأنك، وأنك تجد فيّ الحنان الذي تحتاجه، والذي يولد في الفرح مع أية بادرة تقوم بها". أن نذهب إلى عيش سر التوبة يعني أن نجعل حبنا لله أكثر حسية، وأن نكتشف من جديد وبشكل أكبر أن الله يحبنا.
8. الابن الشاطر يترك بيته الأبوي لأنه أضحى غير مؤمن. لم يعد يثق بحب الأب، وأن هذا الحب يستطيع أن يملأ حياته. وعندما يعود لطلب الغفران، قلبه لا يزال مائتًا، ولا يؤمن بإمكانية الغفران. ولكن عندما عاود اكتشاف غفران الله، تولدت التوبة فيه.
9. الابن الأكبر، "البار"، عاش تحولاً مماثلاً – أو أقله نود أن نترجى أن يكون هذا ما يؤول إليه المثل. لا يمكننا أن نقول أن الله يحب أكثر الخطأة من الأبرار، ولكن هناك أمر أكيد، أنه طالما يبقى الإنسان منغلقًا على خطيئته، مقتنعًا باقتناع خاطئ ببراته، فالله يفضل الخاطئ المتواضع على هذا المتكبر.
10. يجب أن نعتبر من بين معايير النضج الروحي للمرشحين إلى الكهنوت، أن يقبل كاهن المستقبل أن يتواضع ويذهب بقناعة إلى كرسي الاعتراف أقله مرة في الشهر. ففي هذا السر يلتقي بالآب الرحيم.
11. العبور من الارتداد إلى الرسالة يظهر في مرحلة أولية من انتقالي من جانب إلى آخر في كرسي الاعتراف. فأزمة سر الاعتراف لا تتألف أولاً من عدم مجيء المؤمنين إلى الاعتراف، بل أيضًا من عدم توفر الكهنة الذين يكرسون ذواتهم لسر الاعتراف! وكرسي اعتراف يوجد فيه كاهن في كنيسة فارغة هي علامة مؤثرة لصبر الله الذي ينتظر. فالله هو هكذا. ينتظرنا مدى الحياة.
12. إذا لم نعد نمارس هذه الخدمة الأسرارية، نقع ككهنة في فخ اعتبار كهنوتنا من وجهة نظر إنتاجية، وكمجرد تقنية رعوية.
13. الأشخاص يتحاشوننا غالبًا. لا يريدون أن يلتقوا بنا بل يتحاشونا. ولكي نحول دوم حصول هذا الأمر، يجب أن نتساءل بصدق: "بمن يلتقي هؤلاء الأشخاص عندما يلتقون بنا؟" بيسوع المسيح، في حبه اللامتناهي للبشر، أو برأي لاهوتي مفرد وتذمر من حالة الكنيسة والعالم؟
14. لكي نستطيع أن نغفر حقًا، نحن بحاجة للكثير من الحب. الغفران الوحيد الذي نستطيع أن نمنحه هو ذلك الذي نتلقاه من الله. فقط إذا ما اختبرنا الله المحب نستطيع أن نضحي إخوة رحومين نحو الآخرين.
15. فلنحب الجميع، ولنغفر للجميع! ولكن فلننتبه ألا ننسى شخصًا ما. هذا الشخص هو نحن، شخص غالبًا ما نواجهه بعدم الرضى. فنحن مرهقون من فتورنا ومن رتابتنا. القريب الأقرب لنا هو ذاتنا، ولذا يجب علينا أن نحب ذواتنا تمامًا كما نسعى أن نحب الآخرين. يجب أن نطلب إلى الله أن يعلمنا كيف نغفر لذواتنا: أن نتخطى غضب كبريائنا، وخيبة طموحتنا.
وختم الكاردينال بالقول: "إن غفران الله يصالحنا مع ذاته، مع ذواتنا، ومع إخوتنا وأخواتنا ومع كل العالم. يجعل منا مرسلين أصيلين.
هل تؤمنون بذلك أيها الإخوة؟ ضعوا هذا الأمر قيد التطبيق… اليوم بالذات!".