مقابلة مع سفير الفاتيكان رئيس الأساقفة مايكل لويس فيتزجيرالد

السفير البابوي في مصر: "خسرنا صديقا برحيل الشيخ طنطاوي لكن الحوار مع شيخ الأزهر الدكتور الطيب سوف يستمر"

حاوره إميل أمين

القاهرة، الثلاثاء 15 يونيو  2010 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي القسم الأول من مقابلة حصرية لسفير دولة حاضرة الفاتكان لدى جمهورية مصر العربية، رئيس الأساقفة مايكل لويس فيتزجيرالد.

* * *

كيف تقيم مستقبل العلاقات بين الأقباط والمسلمين في ضوء ما عاصرته من أحداث بها كثير من الصدمات؟

اعتقد انه لابد أولا أن ننتبه إلى كيفية صياغة هذا السؤال.  انه من المألوف أن نتكلم عن المسلمين والأقباط، ولكن هذا لا يعكس الحقيقة تماما.  في الحقيقة الأمر، يمثل الأقباط الأرثوذكس أغلبية مسيحي مصر، إلا أنهم ليسوا الوحيدين، لذا يجب علينا أن لا ننسى الروم والأرمن الأرثوذكس، وكذلك السبع كنائس الكاثوليكية مع اختلاف طقوسها وأيضا الكنيسة الإنجيلية والطائفة البروتستنتية.  فمن الأفضل إذا أن نتكلم عن مستقبل العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.  

لقد رأينا مؤخراً بعض الأحداث العنيفة، بما فيها مقتل 6 مسيحيين و مسلم واحد في ليلة الميلاد.  يخيل لي أن هذا الموقف دفع السلطات للاعتراف بان هناك عنف طائفي وبضرورة اتخاذ التدابير المناسبة للحد من هذا العنف، مما يمثل أملا لتحسين العلاقات المستقبلية بين مسلمين ومسيحيين.

·    ما هي رؤيتكم لمستقبل الكنيسة الكاثوليكية بنوع خاص في ارض مصر مستقبلا؟

كما تعلمون، سوف يُعقد المجلس الخاص لسينودس الأساقفة من اجل الشرق الأوسط في أكتوبر القادم.  حيث سيتطرق أساقفة الكنائس الكاثوليكية بالشرق الأوسط، بما فيها مصر، على وضعهم الحالي ومستقبلهم.  أظن انه من الأفضل انتظار نتائج هذه المشاورات.

·    هل خسر التعايش الإسلامي المسيحي على ارض مصر الكثير بوفاة شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي؟

لقد عرفت الشيخ طنطاوي جيدا وقدرته.  فهو الذي أيد فتح باب الحوار الرسمي بين الأزهر والكرسي الرسولي، كما كان يتمنى المشاركة في تنمية العلاقات الوثيقة بين مسلمين ومسيحيين على ارض مصر وفي العالم اجمع.  لقد خسرنا صديقا، ولكني اعتقد أن خليفته الدكتور احمد الطيب سوف يستمر في مسيرة الحوار.

·    كيف للتعايش وللحوار الإسلامي المسيحي أن يستمر على ارض مصر في حين أن هجمات كثيرة توجه للمسيحية عبر المنابر في خطب الجمعة من كل أسبوع من قبل بعض المشايخ؟

إن الهجمات من جانب أو من أخر ما هي إلا بعض الأفكار المسبقة والجهل بالدين الأخر.  لذا فهو من الضروري الاهتمام بتكوين الأئمة والكهنة.  كما سيكون من الأفضل وجود تعاونا  وثيقا بين السلطات الدينية بخصوص هذه النقطة.

·    أنهيتم مؤخرا (في شهر فبراير الماضي) الجولة السنوية للحوار الديني بين الأزهر والفاتيكان، كيف وجدتم استعداد الأزهر للحوار في الحال والاستقبال؟

يجب أن نذكر أن الأجواء كانت ممتازة خلال الاجتماع الأخير بين لجنة الكرسي الرسولي والأزهر، حيث بداء اللقاء بحوار مطول مع الشيخ طنطاوي وتلاه عرض لظاهرة العنف الطائفي.  ولكن أظن انه كان هناك نوعا من عدم الرضا من جانب الطرفين فيما يتعلق بالنتائج، ورغبة في تحسين الإعداد لهذه الاجتماعات لفتح المجال لحوار أعمق.

هل تظنون سيادتكم أن الحوار يصل إلى القاعدة الشعبية العريضة من المسحيين والمسلمين على حد سواء ويؤثر على واقعهم اليومي إيجابا أم أن هذا التأثير يكاد أن يكون غير موجود؟

إن عملية نقل واستقبال الأخبار تبقى دائماً مسألة مشكوك فيها، حيث تتم المقابلات بين الكرسي الرسولي والأزهر على المستوى العام وتنتهي ببيان مشترك.  لذا يجب على السلطات المحلية أن تهتم بإذاعة الأنباء الايجابية ليحدث توازناً مع ما يبث من أخبار سلبية.

·    من يوحنا بولس الثاني وصولا إلى بندكتس السادس عشر هل تغيرت توجهات الكنيسة الكاثوليكية لجهة دعم الحوار مع الإسلام والمسلمين على نحو خاص؟

جوهريا، لا يوجد فرق في توجهات الكنيسة الكاثوليكية بينهما، حيث اعتمد الاثنان على وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني وبالأخص على وثيقة Nostra Ætate، وهي البيان المتعلق بالعلاقات بين المسيحية والأديان الأخرى.  من المؤكد أن الشعب المصري تمتع بزيارة البابا يوحنا بولس الثاني في عام 2000، حيث اختبر عن قرب مدى طيبة قلبه.  ولكن لم يتم نفس التقارب بينه وبين بندكتس السادس عشر.  ولكن نستطيع أن نقول انه في خلال زياراته، إلى تركيا والأراضي المقدسة مثلاً، استطاع قداسته أن يظهر مدى الاحترام الذي يكنه للإسلام وكذلك مدى أهمية العلاقات الوثيقة بين مسيحيين و مسلمين بالنسبة له.

·    الحبر الأعظم يتحدث دائما عن السلام في العالم وسلام الشرق الأوسط خاصة.   كثيرون يرون انه طالما بقي الصراع العربي الإسرائيلي دائرا فلن تصل المنطقة أي سلام.  هل انتم مع هذا الرأي ؟

عندما أطلق البابا بولس السادس اليوم العالمي للسلام في عام 1965 كان قد كتب رسالة داعيا فيها الجميع من مسيحيين وآخرين للاشتراك في هذه الصلاة.  وارسل وقتها أبو العلا مودودي، وهو مسلم من باكستان، برسالة إلى قداسته مؤكدا ما قلتموه: انه لن يوجد سلام في العالم، طالما لم يوجد حل للصراع العربي الإسرائيلي.  واعتقد أن الأحداث التي وقعت خلال العقد الأخير تؤكد وجه النظر هذه.  لذا يجب أن يكون هناك مساندة لكل الجهد المبذول من اجل إيجاد حل عادل للشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني.

·    ما هو الهدف الذي تنشده حاضرة الفاتيكان من سينودس الشرق الأوسط في أكتوبر القادم ؟

"ينشد سينودس الأساقفة للشرق الأوسط هدفين: تأكيد وتدعيم المسيحيين فيما يتعلق بهويتهم، من خلال كلمة الله والأسرار المقدسة وتنشيط الوحدة الكنسية بين الكنائس الخاصة، لكي تكون شهادة حقيقية، سعيدة وجذابة للحياة المسيحية."  هذا هو الهدف المنشود من السينودس كما هو موصوف في الخطوط العريضة وتوجيهات الإعداد له.  يختلف وضع المسيحيين من بلد لأخر ولكن هناك ثوابت.  وكلنا أمل أن تشجع المشاركة حول هذه الأوضاع، الجماعات المسيحية الموجودة في مناطق أخرى بالعالم على إظهار تضامنهم.

·    ما الذي يمكن أن تقدمه الكنيسة الكاثوليكية لمؤمنيها على نحو خاص في مواطنهم العربية والشرق أوسطية ؟

من المحتمل أن يدعو السينودس البطاركة في الشرق ليجددوا النداء لشعوبهم لتعريفهم برسالتهم. فمنذ أيام كرازة الرسل و هذه الجماعات تشهد بالتواجد المسيحي في الشرق الأوسط.  مما يتطلب جهدا متواصلا من الجميع، وليس فقط من الجانب المسيحي في الشرق الأوسط، لضمان حرية دينية مطلقة وظروف اقتصادية من اجل حياة أفضل لهذه الطوائف.

·    على أي نحو تنظرون الى واقع حال هجرة المسيحيين العرب من الأراضي التي عاشوا فيها لقرون طويلة كما في العراق وفلسطين ومصر ؟

من المؤكد انه سوف يكون هناك اهتمام بجماعات المهجر.  فانا كابن من أبناء المهجر (حيث انتقل أهلي من ايرلندا لانجلترا للبحث عن عمل) أستطيع أن أقول انه من الممكن أن يشهد المهاجرون بإيمانهم في البلاد التي تستقبلهم، ولكن عليهم أيضا أن يتضامنوا مع جماعاتهم الموجودة في بلدهم الأصلي وحتى احتمال رجوعهم لا يجب أن يغفلوه.

·    الكاردينال ساندري أطلق مؤخرا دعوة يحث فيها الكنيسة الجامعة للتضامن مع مسيحي الأراضي المقدسة والشرق الأوسط.. هل الدعم مجرد تبرعات مالية أم هناك وسائل أخرى أكثر فاعلية ؟

من المؤكد أن الدعم المادي مهم، ولكن هناك طرق أخرى لمساعدة المسيحيين، لاسيما في الأراضي المقدسة.  هناك مثلا الحج الذي يمكننا من الاحتكاك بالمسيحيين المحليين، ويمكن أيضا أن نسعى للإقامة في الضفة الغربية تضامنا مع الجماعات الفلسطينية المشتغلة بالسياحة والتجارة. وهناك كذلك التعاون الأكاديمي مع جامعة بيت لحم مثلاً.  كما يمكننا بذل كل جهدنا للتأثير على الرأي العام لحثه على إيجاد حل عادل للصراع الأزلي بين إسرائيل وفلسطين.