البابا: المسلمون اخوةٌ لنا

نعم .. ايها المالك سعيداً

 بقلم المونسنيور بيوس قاشا

جونيه، لبنان، الأربعاء 23 يونيو 2010 (Zenit.org)

قام الحبر الاعظم البابا بندكتس السادس عشر  من الرابع وحتى السادس من حزيران الماضي في أول زيارة تاريخية الى جزيرة قبرص والمعروفة بانتمائها الى الكنيسة الارثوذكسية  .. واثناء الزيارة أُعلن عن  مقتل المطران لويجي بادوفيزي النائب الرسولي في الاناضول . نعم لقد عبر قداسته عن اسفه وعن حزنه العميق لمقتل المطران بادوفيزي ومع هذا أكدّ قداسته قائلا  " أنهُ لايتعين أن يسمح هذا الحادث المؤلم بأن يضّر بالحوار مع الاسلام أو أن يشوه صورة تركيا وشعبها، فعلى الرغم من الاختلافات، فالمسلمون أخوة لنا وعلينا أن نشجع على رؤية مشتركة للحوار معهم".

لقد كانت لهذه الكلمات اسمى معاني العيش المشترك والحوار المتبادل وفيها اعطى الحبر الاعظم المعنى الاكيد لسمو الرسالة المسيحية وعظمة تعاليم الانجيل المقدس، مهما ثخنت جراح الكنيسة ومهما نزف الجرح فصوت الغفران يبقى يدوي " أغفر لهم ياأبتاه " أنها عبارة الشجاعة والايمان.

فأذا كانت قد نشأت على مر القرون منازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيين والمسلمين فالمجمع الفاتيكاني الثاني يحرض يحث الجميع على أن يتناسوا الماضي، ويتصرفوا باخلاص الى التفاهم المتبادل ويصونوا ويعززوا سوية العدالة الاجتماعية والخيور الاخلاقية والسلام والحرية لفائدة جميع الناس.

نعم للاديان رسالة سماوية، سُلِّمت الى أيادٍ بشرية أرضية من اجل الحياة والبقاء ولايمكنها ان تدعو الى العنف والقتل والعدوان وتدمير الاخر ومن اي دين كان.

فليس هناك دين صحيح أو غلط، فكل الاديان صحيحة إذا ماكانت تدعوا الى المحبة والتفاهم كون علاقتها مع الله عمودياً ومع الانسان أفقياً وحتميتها سماوية بالذين يؤمنون بها، فهم بأمكانهم أن يشوهوا صورة الدين أو أن يُجلوها، فالامرليس متعلق بالله بقدر ماهو متعلق بمحبتنا، فالله أعطانا وعلّمنا وعلينا أن نكون أوفياء لهذا العطاء ولهذا التعليم ولايمكن أن نشوه ذلك، فالبابا بندكتس السادس عشر يؤكد أن العنف لايتوافق وطبيعة الله ولامع طبيعة النفس البشرية .. بل الحوار الذي يساعد على البحث في دروب المصالحة والعيش ضمن أحترام هوية الاخر ..

كما أن حقيقية الكنيسة الكاثوليكية حقيقة جلية واضحة عبر أحبارها الاجلاء وتعاليمها الثابتة في الايمان من أجل الحياة ومن أجل الانسان. فموقف قداسة البابا بندكتس السادس عشر وكما هو حال الاحبار القديسين أسلافه تجاه الاسلام فهو ينطلق من تعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني وبالتحديد ماجاء في الوثيقة    " في عصرنا " والتي تقول " تنظر الكنيسة بعين الاعتبار أيضا الى المسلمين الذين يعبدون الاله الواحد، القيوم الرحيم، الضابط الكل، خالق السماء والارض، اله كل البشر…"

ومن منا لم يتذكر البابا يوحنا بولس الثاني، حبيب الشعوب المسلمة كما المسيحية، الذي حرص دائماً في زياراته الى أي بلد عربي مسلم كان أم غير مسلم، كانت خطوته الاولى بعد أن تطأ قدماه أرض المطار تقبيل تراب ذلك البلد علامةً منه على أحترامه وتقديرة لشعوب تلك الارض وأيمانه بأن الحوار الاخوي يبدأ من الاساس حيث يُطردُ الحقدُ والكراهية والعداوة والخصومة ليصفى مجال الحوار ويبدأ أكتشاف الاخر ورؤيته بعيون القلوب. وما هذا إلادعوة لزرع المحبة في قلوب البشر أجمعين وتناسي أخطاء الزمن في التسامح والغفران وإلا سيبقى الايمان بعيداً عن خالقه وعن أنسانيته.

وفي تعليق لكلام قداسة البابا بندكتس السادس عشر" المسلمون أخوة لنا " والذي سُطر على صفحات موقع وكالة رويترز للانباء بتاريخ الخامس من حزيران 2010 ، بأسم السيدة فاطمة مكي، تقول السيدة المحترمة ما نصه " المسلمون ليسوا أخوة لكم، المسلمون أخوة في الله وأنتم لاتعبدون الله أنما تعبدون عبداً من عباد الله وهو عيسى عليه السلام وهو برئ منكم ومما تعبدون ونعلم جيداً الحقد الذي في قلوبكم من المسلمين وأن ماتفعلونه أنتم واليهود لايخفى على أحد فأنتم وجهان لعملة واحدة" ؟؟؟؟

هذا نص التعليق ، أنه كلام مؤلم وقاسٍ على القارئ والمستمع وما سطرته السيدة فاطمة مكي ولاأعلم أن كان هذا أسمها الحقيقي أم أسم ألكتروني مستعار فذلك شأنها ،  أما أن تقابل  كلام نائب المسيح على الارض، ورئيس أكبر ديانة في المسكونة بهذا الكلام القاسي أمر مرفوض ،  وغير مقبول بتاتاً ، وما هو إلا التشهير بالدين المسيحي السماوي  وبرموزه المقدسة ،  ولايجوز لأئمة الجوامع وكبار رجال المسلمين ،  الذين يحاورهم الفاتيكان عبر لجان مختلفة ، من أجل ديمومة العيش المشترك ، وتواصل الحوار الاخوي  ، وفي ألحفاظ كُل طرف على أيمانه وعبادته.. لايجوز أن يقبلوا بهذا الكلام ، أو السكوت عنه ، فلايجوز التعالي على رموز الاديان مهما كان عُبادها وأياً كان نبيها.. فأبناء الكنيسة يؤمنون بالمسيح الحي .. عيسى الحي كما يسميه القرآن الكريم  .. كما هو شأنه في نسب المسيح بن مريم ،  بديمومة الحياة الالهية فيه ،  ولاحي إلاالله..

نعم تألمتُ كثيراً حينما قرأت الخبر ، كوني من المتابعين لمواعظ وكلمات قداسة البابا،  فهي كلها تتحدث بأسم الله وبأسم المحبة والانسانية وما ذلك إلا رسالة الكنيسة، ولكن رغم ألمي أزددتُ شجاعة بدافع أيماني أكيد ، لأعلن أن الحقيقة لايمكن أن تشوَّه بأسطر من على صفحات مواقع ألكترونية ، ولأشخاص يكتبون مايشاؤون ،  أونيات تجسد هنا وهناك  ، أفكاراً  ، ربما تعّكر صفاء العقول وتبلبل مسيرة القلوب.

لقد كان جميلاً جداً مالفظ به قداسة البابا  " نحنُ أخوة "  إنها علامةُ أسمى علاقة بين أبناء المسكونة ، أنها صفةُ الفكر الانساني السامي، أنها كلمةُ رسالة أنسانية حملتها العقيدة الايمانية المسيحية ، ولازال الاحبار الاجلاء يحملونها عبر الاثير حتى اليوم ،  ويعلنونها على الملأ دون تردد ولاخوف بل بشجاعة وأيمان ولافكرة من وراء ذلك إلا عيش الاخوّة الانسانية ليس إلا. فلا النوايا في السر ولاغايات في الخفاء وأنما الكنيسة ماهي إلاصوت الحقيقة والحق ، ولاتألوا جهداً في أن يكون هذا الحق هو الاخوة .. أقولها خاتماً أننا مع قداسة البابا بندكتس السادس عشر وتعليم الكنيسة أمناء وسنبقى نقول  للذين نعيش معهم ويعيشون معنا ،  ونتقاسم الحياة بمرها وحلوها ، نحنُ أخوة لكم وأنتم أخوة لنا وما أجمل أن يحتذي الكثير من الذين لهم مراكز عليا ومناصب رفيعة بقول ماقالهُ قداسة البابا ويعلنون من على المنبر الكلمةَ نفسها احتراما وتقديراً لقداسته اذ أعلنها بكل شجاعة ودون أي تردد وما هذا إلا سبيل المسيحية  حينذاك سيكون الشاهد الاكيد هو الصوت الذي تعلنهُ رسالة القلوب ،  فالالسن تتكلم بما في القلوب  وهنا تكمن الاخوة الحقيقية ولانبالي بترهات الزمن ومطبات المسيرة فالاخوة رسالة سامية ولكي تعلن على الملأ لابد من أن تجتاز سهام الأنا ، من اجل الأخر  ، ولتحيا في الانسانية الكلمة الحقة التي أعلنها قداسة البابا بندكتس السادس عشر " الاخوة " فهي أسمى رسالة ، انها رسالة العلياء ، رسالة السلام والمحبة والحوار . وهذا ديدن الكنيسة ورسالتها .