مواجهة آفة المخدرات وطرق المعالجة

في المركز الكاثوليكي للإعلام

جل الديب، الجمعة 25 يونيو 2010 (Zenit.org).

لمناسبة اليوم العالمي المكافحة المخدرات، عقدت ظهر اليوم في المركز الكاثوليكي للإعلام – جل الديب، ندوة بعنوان : "مواجهة آفة المخدرات وطرق المعالجة" بدعوة من اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام، شارك فيها مؤسس جمعية سعادة السماء للتوبة وإعادة تأهيل المدمنين على المخدرات، الاب مجدي علاوي، الرئيس القاضي زياد مكنا، الاختصاصية الاجتماعية، الآنسة جنين قاصوف، رئيس قسم مكافحة المخدرات سابقاً والخبير في مكافحة المخدرات، العميد ميشال شكور، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام، الخوري عبده أبو كسم، في حضور رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، المطران بشارة الراعي، وأمين سرّها، الأب يوسف مونس، ومدير مكتب الدراسات في الرابطة المارونية، العميد بردليان طربيه، وعدد كبير من المهتمين والإعلاميين.  قدّم الندوة وأدارها المحامي وليد غياض.

كلمة المحامي وليد غياض:

الحياة غالية وسلامة النفس والجسد حق وواجب، ولكن حين تضعف المناعة تخترق الارادة ويكون الاجتياح لكل المبادئ والقيم والطموحات وتسدّ الآفاق. وحينها يصبح الانسان عرضة لكل التجارب وورقة في مهب ريح الآفات والرغبات، فيستقيل من حماية نفسه مسلماً ادارة حياته لبعض مواد يتحكّم بها تاجر تحوّل من ضحية الى جلاّد. قضية المخدرات لا تتعلّق ببيئة معينة، ولا بفئة خاصة من الناس، هي كارثة أصبح سهلاً امر التورّط بها، هي شائعة واسعة الانتشار تحصد خيرة الشباب الذين يعتقدون انهم يستطيعون بتعاطيهم نيل القبول بين الأصدقاء أو الهروب من مواجهة المشاكل الكثيرة التي تحاصرهم، أو ليثبتوا انه بامكانهم تجربة أي شيء دون أن يعوا أنهم قد يقدمون على خطوة النهاية في بداية حياتهم.

ومع التنويه بكل المساعي الحميدة التي تقوم بها المراجع الرسمية في هذا الاطار، وامام الجهود الجبارة التي تقوم بها مؤسسات المجتمع الاهلي التي تحاول تعويض النقص والقيام بواجب الدولة، يبقى الكثير، بدءاً  من القوانين التي قاربت العصرية انما ينقصها  التطبيق، مروراً بوجوب التمييز الواضح والصريح بين المدمن والمروّج والتاجر، وصولاً الى تطوير في نظرة المجتمع الى هذا الامر والى المدمن السابق تحديداً كي لا يحكم عليه يشكل مؤبد .

ولا ننسى دور وسائل الاعلام التي وعن غير قصد، قد تروّج احياناً للمخدرات في بعض برامجها الاجتماعية والدرامية والترفيهيّة. فحبذا لو تخرج بعض المراجع المختصة عن ادامنها غضّ النظر لتحمي ابناء هذا الوطن الذي يخرّج القدّيسين ولا يليق به ان يكون لا ارض مخدرات ولا ارض ارهاب من اي نوع كان.

ثم رحب الخوري عبده أبو كسم بالمنتدين والحضور بأسم، رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام، المطران الراعي، وقال:

"نجتمع اليوم لنقول مجدداً ومجدداً نحن ضد القتل، نحن ضد الإجرام،  نحن في مواجهة الشر، وفي مواجهة الجهل، وفي سبيل توعية شبابنا وشاباتنا من آفة  الموت التي تجتاح مدارسنا وجامعاتنا وتدخل إلى بيوتنا بصمتٍ وخبثٍ ولا ندري بها إلا بعد فوات الآوان.

لكن تبقى ثقافة الحياة أقوى من ثقافة الموت، إنها ثقافة الإرادة القوية وثقافة الحب والتضامن والأخوّة جنباً إلى جنب في سبيل إنقاذ الإنسانية والإنسان من عالم المجهول المؤدي إلى الموت.

كثر هم جنود السلام، ونصلّي لأجلهم لكي يأخذ الله بيدهم فيبارك عمل هؤلاء الأبطال في المؤسسات التي تعالج مرضى القدر الغدّار الذي دفعهم إلى عالمٍ مظلمٍ دخلوا إليه، ظناً منهم أنه الجنة فما وجدوا أنفسهم إلاّ في مقر جهنم.

ولا يسعنا  في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات إلاّ أن ندعو الدولة اللبنانية ومن على هذا المنبر، المركز الكاثوليكي للإعلام، إلى دعم هذه الجمعيات الإنسانيّة، إذ أن هذه المؤسسات تقوم مقام الدولة في معالجة هذه الآفة، وعلى الدولة أيضاً أن  تسعى إلى مساعدتها في تطوير طرق المعالجة من جهة، وإلى إطلاق حملات توعية في المدارس والجامعات وتوعية العائلات عبر وسائل الإعلام، للسهر على أولادهم ومكافحة هذه الآفة.

شبابنا هم نبض الحياة في وطننا، ولن ندع الموت يسرقهم منا".

ثم روى الأب مجدي علاوي: "قصة احتضانه للمدمنين "فأمام الوجع الكبير الذي يعانيه المجتمع بسبب غياب القيم وتفكك العائلات، كان خياري أن أكون كاهناً في خدمة الإنسان الموجوع والمتألم". ورأى أن "يسوع المسيح هو المثال الذي يحتاجه عالمنا اليوم لكي يوقد فينا الثورة على الفساد في بلادنا".

وتساءل: "إلى متى سبقى هذا الوطن صامداً في وقت غرق نصف شبابه في التعاطي، والفتيات أكثر من الشبان، وأي مجتمع وأي عائلات سنبني في المستقبل؟" ودعا الجميع إلى ان "نكون يداً واحدة: "مجتمع، مؤسسات أهلية، دولة وكنيسة، لكي نعطي فرصة لكل شاب عرف أن يقول "نعم" للربّ، "نعم" للحياة". وجاء في كلمته:

مثل الخروف الضائع: " هذا الإنسان يرحب بالخاطئين ويأكل معهم"

أي إنسان منكم عنده مئة خروف واضاع واحدة منها، ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب يبحث عن الخروف الضائع حتى يجده؟

أقول لكم إنه هكذا يكون في السماء فرح بخاطىء واحد تائب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة!

بقلب مجتمع عم منعيشو، غابت في القيم، عيل عم تتفكك، عم تتهدّم، ولاد عم تنحرم توصل عالحياة، وياما في ولاد بع وصولو للحياة منسرق منن الحياة. ولادنا بيعرفا يلعبوا بألعابن ويعطون حياة أما نحنا فغالباً ما منحوّل ولادنا للعب ومنسرق منن الحياة.

بقلب وطن شبيبتو عم تفتش على هويتا من دون ما تلاقي وبتركض من دون ما توصل، فجأة بتلاقي حالا فريسة مادة المخدرات.

وبقلب هالوجع الكبير وجع التعاطي بعيش الشب والصبية الصراع الكبير بين الصرخة والصمت، من القدرة والضعف، بين الضحكة، والدمعة بين السلام والحرب، بين الأنا والله.

إدام هالوجع الكبير كان خياري كون كاهن  بخدمة كل إنسان موجوع ومتألم. هالاختيار كشفلي أديش أنا محظوظ لأني عطيت معنى لحياتي لما عطيتا للرب ووجهتا نحوّ.

بحياتي اليومية، أنا عم عيش حياة مكرّس، أكنت عم عيش كاهن، أو مريض، أو عم عيش الاستقرار بكل الحالات.

الوزنة اللي عطاني ياها الرب علي إني إسال حالي كيف عم يستخدما بصدق وكيف جمّلتا ودفعت اللي حوالييّ إنو يعرف يستفيدو منا. إذا ما ساهمنا كلنا بإتمام الخلق، رح يبقى هالعمل ناقص.

يسوع المسيح هوي المثال اللي بحاجه إلو عالمنا اليوم حتى يوقد ثواتنا. نحنا بحاجة لثورة ببلادنا، ثورة تغيير، ثورة نفض لكل شي اسمو فساد وكل شي اسمو تقليد.

يسوع المسيح هو القائد الحقيقي لانو ما كان يبتغي شي.

بحاجة عالمنا اليوم نكون مثل يسوع لأنو بيعرف يقول الحقيقة حتى لو كلفتو حياتو.

هوي يلي بحاجة إلة غالمنا لأنو مستعد ينسحب وقت يخلص دورو.

عالمنا اليوم عم يعيش مفهوم السرقة، منسرق طموحات غيرنا حتى نخبي ذاتنا الحقيقية منلبس ماسكات منلون فيّا ونضيع هويتنا منسرق كلمة حب ما منسمح لحالنا نقولا لأخر معتبرينا ضعف.

حتى إنو صرنا نسرق ذواتنا من الرب وما بقى نعطي وقت لإلو.

وبقلب كل هالمفاهيم الضايعة منقول مجتمعنا مجتمعنا بألف خير، اللبناني بيعرف يعيش، اللبناني إنسان ما بموت ولبنان ما بموت.

أديش هالوطن راح يبقى، واقف ع اجريه، راح يبقى مضاين بوقت نص شبيبتو صارت غرقانة بالتعاطي، بنات أكثر من الشبابا اي مجتمع وأي عيل بدنا نبني بعدين.

يوحنا بولس الثاني قال: "لبنان مش بس وطن لبنان رسالة".

إي رسالة اليوم عم منكونا . اليوم مدعوييين نكون أيد وحدة، ورزمة وحدة: مجتمع، مؤسسات إهلية، دولة وكنيسة.

بحاجة نكون عن نعطي فرصة لكل شب مدمن عرف يقول نعم للرب، نعم للحياة، وحتى لكل شخص، داق طعمت الحب وما عم يعرف يحب حالو.

مع كل مدمن ع مثال لص اليمين عم يعترف بوجود الرب بحياتو عم يكتشف الحرية وهوي محكوم عل، عم يكتشف ملء الحياة. عم يكتشف ملء الحب بقلب معاناة الرفض والتهميش.

كلمة الأنسة جانين قاصوف:

ثم روت الاختصاصية الاجتماعية جانين القاصوب " قصة الحب" التي تنشأ بين كل شاب والمخدرات، فتلت قصيدة بعنوان: وبعد كل ذلك:

     تسربت الى داخلي كما يتسربُ الليل حين تنام الشمس

           إحتلت كل جزء مني

           إمتزجت بدمائي

           خطفت قلبي وسكنت عقلي

           أحلم بها مادام فؤادي يخفق

           وأحتاجها كما أحتاج الى الهواء للتنفس

           لا أستطيع مفارقتها،

           تعطيني كل ما أريده

           تحقق جميع رغباتي

           أعيش معها أجمل أحلامي…

     تعرفتُ عليها من خلال شلة من الشباب:

           أغوتني … فسقطتُ أمامها

     جعلتني أنسى خلافات والديّ،

           لا أسمع صراخهما،

           لا أرى معاركهما،

           لا ألاحظ الرعب الذي يعيشه اشقائي،

           لا أحس بالجوع والبرد والخوف

           لا أهتم للأوجاع الجسدية

           لا أتأثر بشيء من حولي،

           لا أتوقف أمام المشاكل والصعوبات،

     جعلتني لا أخشى شيئاً ولا أهاب أحداً

     وبعد كل ذلك جعلتني أسيراً لها

      سجيناً فيها.

     أريد أن أقاومها

     أريد أن أنتزعها مني

     أريد أن أبتعد عنها

           ولكنني ضعيف مسلوب الإرادة

     كيف أتحرر منها وهي هاجسي وغايتي؟

           كلا لا أستطيع مفارقتها

     الى من أذهب؟

     من سيسمع أنيني ووجعي؟

           إنها ملجأي الوحيد وحبسي المتين.

     أستحلفكم بالله

           إذا تعرفتُم عليها

           لا تقتربوا منها

           إنها رخيصة رخيصة

           إنها بشعة بشعة

           إنها أنانية أنانية

           إنها الحياة المزيفة والموت المحتم

           إنها ……………………

وتوقفت طويلاً عند أسباب التعاطي وأهمها المشاكل العائلية، وفقدان التواصل والحوار، والإنغلاق على الذات والآخر، والمشاكل المادية والبحث عن الحلول خارجاً، والمحيط أو الرفقة السيئة، والحاجات المستحدثة والحاجة إلى تثبيت الاستقلالية".

ثم تطرقت إلى قانون حماية الأحداث فأشارت إلى أنه نصّ على تغيير تسمية المدمنين من "منحرفين" إلى :أشخاص مخالفين للقانون أو معرضين للخطر" وعلى حق الحدث المخالف للقانون في الإستفادة من المعاملة الإنسانية المنصفةن ومن وجود اختصاصي اجتماعي إلى جانبه خلال التحقيق، وعلى سرية المحاكمة وحظر نشر الصور.

وشرحت طريقة المتابعة الإحتماعية وتشمل بحثاً دقيقاً ومفصلاً وزيارات إلى المنزل، والمدرسة أو مكان العمل والتنسيق مع المراجع المختصة والتوجيه إلى المراكز العلاجية.

ووصفت القاصوف العلاج بانه "طويل ويتطلب إرادة كبيرة والخضوع لفحوصات مخبرية والدخول إلى المستشسفى ومركز العلاج، فضلاً عن المحاكمة". وشدّدت في الختام على أهمية حملات التوعية إذا إن "الوقاية ارخص وأسهل من العلاج".  

ثم تحدث القاضي مكنا: 

عن دور القاضي في تطبيق قانون المخدرات فأشار إلى أنه "لحظ تجريم تعاطي  المواد المخدرة والإدمان عليها، وكرّس حقوقاً للمدمن على المخدرات، فميّزه بذلك عمن يخالفون إحكام االقوانين ذات الصفة العقابية، إذ أعطاه الحق في العلاج أثناء التحقيق والمحاكمة".

ورأئ أن "من ينزل إلى الأرض، يرى أن ما استحدثه هذا القانون من مفاهيم ولجان ومؤسسات لم يلق نصيباً من التطبيق، فلجنة مكافحة الإدمان لم تباشر عملها، ومراكز العلاج المجاني لم تنشأ بعد". واعتبر أن "واجب القاضي تطبيق القانون وفباً لروحيته ولما استحدثه من مفاهيم، واللجوء إلى وسائل عملية إفساحاً في المجال أمام المعالجة تجنباً لإدخال المدمن إلى السجن واختلاطه بالمجرمين وتجار المخدرات". وأوضح أنه "في ضوء عدم إنشاء لجنة مكافحة الإدمان ليس ما يمنع من الآخذ بالإفادات الصادرة عن المصحات المتخصصة، فيلعب القاضي دور المشرف أو المتابع للعلاج  من خلال التقارير الصادرة عن الجهات المعالجة، فيتخذ القرار بالإفراج عن المدمن ووقف التعقبات نهائياً عنه".

واشار مكنا إلى أن "القانون أعطى الحق للمدمن بالتقدم رضائياً أمام لجنة الإدمان فلا يخضع للملاحقة" واعتبر أن "عدم قيام لجنة مكافحة الإدمان بعملها وغياب المصحات المجانية ، يحول دول إمكانية تطبيق النص". وخلص إلى أن "للقاضي دوراً يمكن أن يلعبه بالاستناد إلى روحية القانون ولكنه لا يستطيع منفرداً تحقيق جميع أهدافه".

العميد شكور:

المداخلة الأخيرة كانت لرئيس قسم مكافحة المخدرات السابق العميد ميشال شكور، الذي أجرى مقاربة شاملة للموضوع ملاحظاً أن "المشكلة اصبحت كبيرة جداً ونحن لا نعيرها الاهتمام الواجب".

وقال: "إن قانون المخدرات صدر سنة 1998، وهو عصري وحضاري ويضع استراتيجية لمعالجة هذه الآفة، واعتبرها "مسؤولية الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات برئاسة رئيس الحكومة وعضوية الوزرات المعنيّة، الدفاع، العدل، التربيةن الصحة، الشؤون الاجتماعية والإعلام".

أضاف شكور: "قد يكون لبنان البلد العربي الوحيد الذي لم يفعّل بعد هذه الاستراتيجية ويفتقد إلى التنسيق بين مختلف الأجهزة، إذ لم يتم بعد تعيين أمين عام المجلس الوطني لمكافحة المخدرات ليقوم بالتنسيق اللأزم".

وشدّد على "ضرورة الوقاية قبل الوصول إلى العلاج من خلال العمل على خفض عرض المخدرات، منع الزراعة والإنتاج والتصنيع والتهريب والترويج، إضافة إلى ملاحقة التجار ومحاكمتهم".

ورأى "وجوب توسيع جهاز المكافحة لكي يصبح أكثر فاعلية وإنشاء الأدراة المركزية لمكافحة المخدرات وأن يكون رئيسها على إتصال مباشر بوزير الداخلية" وأكدّ على "ضرورة تعزيز القدرات البشرية والتدريبات والتعاون والتنسيق، واستعمال الأجهزة والتقنيات الحديثة ووسائل الاتصالات والتنصت لكشف المهربين.

وقال: " بعد خبرتي الطويلة في هذه المعركة ضدّ المخدرات، تبقى التوعية أهم الوسائل لمعالجة هذه المشكلة"، داعياً وسائل الإعلام والمدارس والكنيسة إلى تضافر الجهود لربحها".

وأشار إلى أن "قانون المخدرات الجديد يلحظ العلاج الأجباري ولكن وزارة الصحة تفتقد للمصحات". وختم بقوله : "إن هذه الخطة متكاملة ولا يمكن أن يكتب لها النجاح في حال الافتقاد لاي عنصر من عناصرها".

ملاحظة : هذه الندوة تبث ضمن برنامج "قضايا" على شاشة تلفزيون "تيلي لوميار" و"نور سات الفضائية" الخميس في 1 تمور 2010 الساعة السادسة مساءً ، الجمعة 2 تموز الجاري الساعة الخامسة صباحاً والأحد 4 تموز الجاري في الثانية عشرة والنصف ظهراً