رئيس الملائكة الجليل ميخائيل

رئيس جند ربّ القوات

 

خاص بموقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي

أولاً: على سبيل التمهيد:

من محبة الناس من الملاك ميخائيل يتسمى باسمه كثير من المؤمنين، سواء باسمه بالعبرية: "ميخائيل"، وباللغة الإنجليزية: "مايكل "، وباللغة الفرنسية: "ميشيل". كما أيضًا يتسمون باللغة العربية: "ملاك" أو " عبد الملاك". وإذا شاهدنا إيقونة الملاك ميخائيل، وهو يلبس ملابس الجندية باعتباره رئيس جند الرب، وفي يده حربه يطعن الشيطان الذي يظهر كتنين، حسبما سطر كاتب سفر الرؤيا: «ونَشِبَت حَربٌ في السَّماء، فإِنَّ ميخائيلَ ومَلائِكَتَه حارَبوا التِّنِّين، وحارَبَ التِّنِّينُ ومَلائِكَتُه، فلَم يَقوَ علَيهم، ولا بَقِيَ لَهم مَكانٌ في السَّماء. فأُلقِيَ التِّنِّينُ الكَبير، الحَيَّة القَديمة، ذاكَ الَّذي يُقالُ لَه إِبْليسُ والشَّيطان، مُضَلِّلُ المَعْمورِ كُلِّه، أُلقِيَ إِلى الأَرضِ وأُلقِيَ معَه مَلائِكَتُه»(12/7-9)، ويلاحظ أيضا عند السجود "الميطانيا" أن تضم قبضة اليد بحيث يؤلّف إصبع الإبهام مع الثلث السفلى من إصبع السبّابة: شكل الصليب, ففي ذلك يكمن الاستعداد والإرادة والقوة, والعبادة بنشاط كما أن عظائم اليد بهذه الطريقة لا تُرهق. ذلك بالمقارنة مع الطريقة الخاطئة في السجود بفرد الأصابع هناك تقليد أصيل يفيد بأن الشيطان عندما سقط وقع مفرود اليدين! ولعل هناك علاقة بين هذه الفكرة وصورة الملاك ميخائيل وهو يطأ الشيطان بقدمه بينما الأخير ساقطًا فاردًا يديه.وكنيستنا القبطية تعتقد أن الملاك ميخائيل هو ملاك القيامة، وتذكره في قسمة عيد القيامة: «… رئيس الملائكة ميخائيل نزل من  السماء ودحرج الحجر عن فم القبر. وبشّر النسوة حاملات الطيب قائلا: المسيح قام من بين الأموات، بالموت داس الموت. والذين في القبور أنعم لهم بالحياة الأبدية». والكثير من الأحبار الرومانيين والبطاركة والأساقفة والقمامصة والكهنة يحملون اسم"ميخائيل"، كما هو معروف في التقليد الأصيل للأديرة أن يُدشنوا مذبحًا باسم الملاك ميخائيل في أعلى حصن الدير باعتباره الملاك الحارس للدير، وهناك كنائس كثيرة تحمل اسمه، ولا ننسى أن إكليريكيتنا بحي المعادي – القاهرة توجد بها كنيسة تحمل اسمه. وهناك ثلاثة ملائكة مشهورين وهم:

1- ميخائيل(مَن مثل الله)،

2- جبرائيل(جبروت الله)،

3- روفائيل(الله يشفي). 

والنصوص الطقسية القبطية تُضيف ثلاثة ملائكة وهم:

1- سوريال(بوق الله)،

2- سداكيئيل (صدق الله)،

3- سراثيئيل (سرور الله)،

4- أنانيئيل (حنان الله).

الملاك الجليل ميخائيل هو أحد رؤساء الملائكة السبعة والأول بينهم ومعنى اسمه:« من مثل الله» أيّ من مثل الله في القداسة والطهارة والمحبة والرحمة والعدل والاتضاع والوداعة والقوة والسلطان؟ في الحقيقة لا يوجد مثل الله.

تعيد الكنيسة القبطية للملاك ميخائيل عيدين أساسين:

الأول: في 12 هاتور (21 نوفمبر)، وكان هذا العيد في الأصل عيد للإله زُحل وكان له معبد كبير في مدينة الإسكندرية، وفي بطريركيّة الأنبا الإكسندروس(312-328) بطريرك كنيسة الإسكندرية، حوّل هذا العيد ليكون عيدًا للملاك الجليل ميخائيل، وشيّد كنيسة في مكان هيكل زُحل ودشنها في مثل هذا اليوم، وثبته عيدًا سنويًا لرئيس الملائكة ميخائيل.

الثاني:في 12 بؤونة (19 يونيو) ويقع في بدء فيضان النيل، ويسمونه الآن "عيد النقطة" بسبب نزول أول نقط أو قطرات الأمطار على هضاب الحبشة ثم تنزل الأمطار الغزيرة التي تسبب فيضان النيل.

وكان المصريون القدماء يعتبرونه عيدًا قوميًّا عظيمًا، فلما صار المصريون مسيحيين تحوّل هذا العيد القومي لإله النيل إلى عيد لرئيس الملائكة ميخائيل الواقف أمام الله يتشفع عن صعود مياه الأنهار والأهوية وثمار الأرض، وفي القرون الأولى للمسيحية في مصر دشن أحد البطاركة معبد إله النيل كنيسة على اسم رئيس الملائكة ميخائيل في 12 بؤونة وصار عيدًا سنويًّا للملاك ميخائيل، وتحتفل به الكنيسة بالقداسات والتماجيد، وفي هذا اليوم تتحوّل الأوشية من أهوية السماء وثمرات الأرض إلى مياه الأنهار:« تفضل يارب مياه الأنهار في هذه السنة وباركها… أصعدها كمقدارها كنعمتك…».

ثم صارت الكنيسة تحتفل في كلّ يوم 12 من الشهر القبطي بتذكار الملاك ميخائيل سواء على المستوى الرسمي في الكنيسة بعمل القداسات والتماجيد أو على المستوى الشعبي في منازل المسيحيين. وكانت عادة المسيحيين يصنعون الفطير والحلو (عسل أسود – دقيق – فلفل أسود) ويتم غليه على النار، ويقوم كاهن الرعية بزيارة أبناءه للرعية ويقدمون له على طبق مصنوع من الحلف الأبيض الفطير والحلو وكوب ماء وإناء به ملح أبيض، يقوم الأب الكاهن بمراسيم طقس مِيمَر رئيس الملائكة الجليل ميخائيل ( ميمر كلمة سريانية تعني مقالة أو خطبة أو قصيد دينية، وجمعها ميامر. فالميمر منظومة شعرية مطوّلة لا لازمة فيها، ولا تنقسم إلى أبيات. كانت تقرأ على جمهور المؤمنين داخل الكنائس لدفع الملل عنهم في الصلوات الطويلة في الأعياد الأصوام).

وطقس الميمر كالتالي: يبدأ الكاهن بالصلاة الربانية، ثمّ صلاة الشكر، ثم أوشية المرضى، ثمّ نص الرسالة من العبرانيين(1:1-2:4)، ثم الثلاث تقديسات، ثم أوشية الإنجيل، ثم يطرح نص المزمور(102/17)، ثم نص الإنجيل من بشارة معلمنا القديس متى(13/24-43)، ثم تطرح أعجوبة من رئيس الملائكة ميخائيل من كتاب الميامر لرئيس الملائكة ميخائيل، ثم مديحة رئيس الملائكة، ثم البركة الختامية (وذلك حسب مخطوطات دير السيدة العذراء بالسريان) .

ثانيًّا: من هو الملاك؟

يأخذ الملاك اسمه من طبيعة العمل المكلّف به من قبل الله، وكمنفذ للإرادة الإلهية. فالملاك في أصل اللغة العبرية "مالاك"  وفي اللغة اليونانية:"أنجلوس"( Angelos) والملاك هو: رسول، أو مُعلن لإبلاغ رسالة messenges وهي تعني هيئة خاصة أو طبيعة ممتازة، أو منبئ.

 أمثلة على ذلك:

1- ظهور ملاك لهاجر على يمين عين ماء في البرية في طريق شُور، ينبئها بولادة إسماعيل، ويأمرها بالعودة إلى سارة امرأة إبراهيم والخضوع لها( تكوين 16/7-11).

2- الملاكان اللذان أتيا إلى سدوم وتقابلا مع لوط (تكوين 19/1-22).

3-  الملاك غبريال الذي بشّر زكريا بحبل أليصابات بيوحنا (لوقا 1/5-25).

4- الملاك غبريال الذي بشّر أمنا مريم العذراء بالبشرة السارة( لوقا 1/26-38).  

والملائكة هم الكائنات الروحية التي تمثل خليقة الله الروحية غير المنظورة. وكلمة ملاك تعبر عن معنى أعم، حيث أنها تعني حامل لرسالة ما أو المرسل ليحمل وصية أو رسالة ما. واستخدمت فيما بعد لتشير أيضًا إلى نوع من التنظيم في العالم السماوي لقوات روحية غير جسدية مغبوطة. وهذه القوات تُرسل من الله إلى البشر لتُعلن مشيئته الإلهية أو لكي تخدم إرادة الله في تدبير الخلاص للإنسان. وعلى ذلك فإن التسمية لا تتصل بطبيعتهم وتكوينهم ولك بعملهم تجاه البشر من حيث أنهم موفدون من الله لتبليغ إرادته ومشيئته لهم.

ثالثًا:كيفية خلقة الملائكة:

ربما يتساءل البعض: متى خلق الله الملائكة؟ قبل خلق السماء أم قبل خلق الإنسان أم خلق الكون.وما هي  أصل الملائكة؟ هذه تساؤلات تدور في أذهاننا.

1- التقليد الكتاب المقدس:

في الحقيقة يطلعنا الوحي الإلهي في صفحات الكتاب المقدس كالتالي:

أ- العهد القديم:

1- في سفر التكوين:«في البدء خلق الله السماوات والأرض»(1/1).

 2في سفر الخروج:«لأن الرب في ستة أيام خلق السماوات والأرض والبحر وجميع ما فيها»(20/11).

3- في سفر نحميا:«أنت يارب وحدك صنعت السماوات وسماء السماوات وكلّ جندها والأرض وكلَّ ما عليها والبحار وكلّ ما فيها، وأنت مُحي هذه كلّها، جُند السّماء يسجد لك»(9/6).

 4-في سفر المزامير: «وصنعتَ الرياح رُسلك ولهيب النيران خدّامك»(104/4).

5- في سفر أيوب:«حين كانت كواكب الصبح تُغنّي وجميع بني الله يهتفون؟»(38/7)

ب- العهد الجديد:

 1- في الرسالة إلى العبرانيين: «وفي الملائكة قال الله: جعل من ملائكته رياحًا ومن خدمه لهيب نار»(1/7)، «أما هم كلّهم أرواح في خدمة الله يرسلهم من أجل الذين يرثون الخلاص»(1/14).

2- في الرسالة الأولى لأهل كورنثوس:« وهناك أجسام سماوية وأجسام أرضية. فللأجسام السماوية بهاء، وللأجسام الأرضية بهاء آخر»(15/40).

2- التقليد الآبائي:

1- القديس غريغوريوس النازينزي:« إن خلقة الملائكة تمت قبل خلقة العالم المادي».

2-القديس أغسطينوس:« إن خلقة الملائكة صاحبت خلقة العالم المادي، وبالتحديد تمت في اليوم الأول عندما خلق النور».

رابعًا:  من هم السبع رؤساء الملائكة؟:

عندما نسمع الشمامسة بعد لحن:«المجمرة الذهبية النقية…» يقولون في الهيتينية الثانية:« بشفاعات رؤساء الملائكة السبعة، والطغمات السمائية يارب: أنعم لنا بمغفرة خطايانا»، وفي مرد الشماس لأوشية القمامصة نسمع الشماس يقول: « صلوا من أجل القمامصة والقسوس والشمامسة والإبيدياكونيين وسبع طغمات كنيسة الله»، فأسماء السبعة رؤساء الملائكة على حسب التقليد الكنسي هم: ميخائيل، غبريال، روفائيل، سوريال، سداكيال، سرانيال،  أنانيال. وكنيستنا القبطية تتشفع في طلباتها وصلواتها وتحس كل حين بمعونتهم ومؤازرتهم والطغمات السمائية هي: السيرافيم، الشاروبيم، الكراسي، الأرباب، الأجناد، السلاطين، القوات، رؤساء الملائكة، الملائكة. وقد علّق ديوناسيوس الأريوباغي الذي ورد ذكره في أعمال الرسل 17/34, و هو أحد الذين اهتدوا إلي الإيمان المسيحي على أثر الخطاب الذي ألقاه القديس بولس الرسول في أهل أثينة فقد قسم هذه التسع طغمات الملائكية كالتالي:

الطغمة الأولى: الساروفيم، الشاروفيم، العروش.

الطغمة الوسطى: السيادات، والسلاطين، القوات.

الطغمة الأخيرة: الرئاسات، رؤساء الملائكة، الملائكة.

وفي نص القداس الباسيلي قبل لحن الشاروبيم الكاهن يقول: «الذي يقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكة والرئاسات والسلطات والكراسي والأرباب والقوات»، يقول الشماس: «وإلى الشرق أنظروا»، يجاوبه الكاهن:«أنت هو الذي يقف حولك الشاروبيم الممتلئون أعينًا. والسارافيم ذوو الستة أجنحة يسبحون على الدوام بغير سكوت قائلين». وفي نص القداس الغريغوري يقول الكاهن قبل لحن الشاروبيم:«…أنت الذي تسبحك الملائكة وتسجد لك رؤساء الملائكة. أنت الذي تباركك الرؤساء وتصرخ نحوك الأرباب. أنت الذي تنطق السلاطين بمجدك. أنت الذي ترسل لك الكراسي الكرامة. ألوف ألوف وقوف قدامك. ربوات ربوات يقدمون لك الخدمة. أنت الذي يباركك غير المرئيين…».

خامسًا: رئيس الملائكة ميخائيل في الكتاب المقدّس:

1- في سفر دانيال:« ووقف في وجهي رئيس مملكة فارس واحدا وعشرين يومًا، فجاء لنصرتي ميخائيل رئيس رؤساء الملائكة»(10/13)، «جئتُ لأخبرك بما هو مرسوم في كتاب الحق، ولا أحد يساعدني على تحقيقه إلا ميخائيل رئيس رؤساء الملائكة»(10/21)، «وفي ذلك الزمان ينهض ميخائيل، رئيس الملائكة العظيم الذي يعتمد عليه بنو شعبك»(12/1)، وفي سفر يشوع بن نون : « فقال له رئيس جند الرب: اخلع نعليك لأن الموضع الذي أنت فيه مقدس» (5/15)

2- في الرسالة إلى يهوذا: «مع أن ميخائيل رئيس الملائكة، لما خاصم إبليس وجادله في مسألة جثة موسى، ما تجرأ أن يدين إبليس بكلمة مهينة، بل قال له:جزاك الله»(9).

3- في سفر الرؤيا: «ووقعت حرب في السماء بين ميخائيل وملائكته وبين التنين، فقاتلهم التنين بملائكته، لكنهم انهزموا وخسروا مكانهم في السماء. وسقط التنين العظيم إلى الأرض، وهو تلك الحية القديمة والمسمى إبليس أو الشيطان، خادع الدنيا كلّها، وسقط معه ملائكته»(122/7-9)

سادسًا: نص ذكصولوجية رئيس الملائكة ميخائيل:

«ميخائيل رئيس السمائيين هو الأول في الطقوس الملائكية يخدم أمام الرب، إن الله يرسل لنا مراحمه ورأفاته بسؤالات ميخائيل رئيس الملائكة العظيم. وتكمل الأثمار بطلبات ميخائيل لأنه قريب إلى الله يسأل عنّا. كل عطية صالحة وكل موهبة تامة إنما تهبط لنا من فوق من عند أبى الأنوار. فلنسبح ونمجد ونسجد للثالوث القدوس المساوي الدائم إلى الأبد. اشفع فينا يا رئيس الملائكة رئيس السمائيين ليغفر لنا خطايانا».

سابعًا: صلاة ألّفها الطيب الذكر الحبر الروماني البابا لاون 13 في يوم 5 أبريل 1883، وأكدها خلفِه البابا بيوس الحادي عشر في خطاب لروسيا سنة 1930 وها نصها:

«أيّها الملاك ميخائيل، رئيس الملائكة دافع عنّا في المعركة، وكُن عوننا في مواجهتنا لخبث الشيطان وفخاخه. أسأل الرّب يجردّه من كلّ قدرة على الإضرار بنا. نتوسل إليك يا قائد القوات السماوية أعد إلى جهنم، بالقدرة الإلهية، الشيطان وعساكره من الأرواح الشريرة التي تجول في العالم لإهلاك النفوس».

 

بنعمة الله

مراسل الموقع بأيبارشية سوهاج

أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما

stfanos2@yahoo.com