المسيحيون ليسوا أقلية في أوطانهم… والوحدة لا تعني الذوبان

القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور توماس حبيب
 

"تحريك المياه الراكدة". الصورة التي يقدمها القائم باعمال السفارة البابوية المونسنيور توماس حبيب عن السينودس الخاص من اجل الشرق الاوسط معبّرة، تختصر التوقعات والآمال. "ما دام هناك تحريك للمياه، فهذا يعني ان هناك حياة. وهذا ما تسعى اليه الكنيسة"، يقول في حديث الى "النهار". في اعتقاده، الامر المؤكد ان "المياه الراكدة ستزيل، لدى تحركها، الكثير من الشوائب العالقة على مدى الاعوام"، بما يجعله يتفاءل تجاه نجاح "المشروع". وتبقى الارادة واضحة: "نعمل بكل ما لدينا من قدرات ونيات صالحة وحسنة من اجل تحقيق ذلك".

"رفع الصوت" و"تلاحم"

أهمية السينودس وتوقيته يربطهما المونسنيور حبيب بالواقع الذي يعيشه مسيحيو الشرق الاوسط، ويقول: "منذ مدة، تقع ضغوط عليهم. وهذه الضغوط تتنوع ما بين بلد وآخر، وفق طبيعته ومشكلاته. وبسبب ذلك، بدأ البابا بينيديكتوس السادس عشر ينظر الى واقع المسيحيين في الشرق الاوسط، وخصوصا ان الكل بات يعرف ان هناك هجرة كبيرة في صفوفهم، وهي ملحوظة في عدد من البلدان، وفي اخرى بدأت المسيحية تقل. وقد يكون مرد ذلك الى بعض الوقائع السياسية او الظروف التي يمر بها كل بلد. لذلك، رأى البابا ان هناك اهمية للنظر الى المسيحيين على انهم نسيج من الاوطان التي يعيشون فيها".
تعبير "المسيحيون اقلية" يرفضه كليا المونسنيور حبيب. "فهم ليسوا اقلية في أوطانهم"، يقول. "قد يكون عددهم قليلا، لكنهم ليسوا اقليات، بل هم من نسيج واحد، من نسيج الوطن، ويتقاسمون العيش مع اخوانهم من الديانات الاخرى، ويتعرضون للصعوبات نفسها. وقد يتعرضون في بعض البلدان للتهميش، لكنهم من نسيج الوطن الواحد". وانطلاقا من هذا الواقع، وجد البابا، على ما يشرح، ان "ثمة اهمية، ليس لرفع الصوت من اجل المسيحيين فحسب، انما ايضا من اجل تنبيه الغرب وحضه على مساندة مسيحيي الشرق الاوسط، لان الغرب ليست لديه معلومات كافية عنهم، ويعتقد احيانا كثيرة ان لا مسيحيين في الشرق. لذلك من المهم ايضا توعية العالم على ان هناك مسيحيين في الشرق، ولهم تأثير، اكان على المستوى السياسي، ام الاقتصادي، ام الاجتماعي". بالنسبة الى المونسنيور حبيب، عنوان السينودس "الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الاوسط: شركة وشهادة" يعكس الدور الكبير الذي يمارسه المسيحيون في الشرق الاوسط. "الشركة تعني ان المسيحيين الشرقيين يشاركون فعليا، وان لهم دورا فاعلا في البلد وفي بنائه". ويجد ان هناك اهمية ثانية للسينودس "تتمثل في الالتحام، اي العيش المشترك. فتثبيت حجر فوق آخر ليس ممكنا من دون اضافة الاسمنت الذي يؤمن التحامهما". في رأيه، العيش المشترك تعبير لا لبس فيه. "فهو لا يعني اطلاقا ذوبان المسيحيين في مجموعة اخرى، كما يفسره بعضهم، بل هو التحام ووحدة، في السراء والضراء، كما يقال".
أهمية اخرى للسينودس يضيفها: "فهو يجمع، ليس الكاثوليك فحسب، انما ايضا مدعوين من طوائف اخرى، وحتى من اديان اخرى". ودعوة هؤلاء، في رأيه، "تشكل حضا لتلك الطوائف على تفعيل العيش المشترك معها، وفي داخلها ايضا. نحاول ان نذيب متعلقات الزمان، ونرفع شأن المسيحيين معا، بحيث يكونون يدا واحدة". ويتدارك: "كلما التحموا معا، قدروا على ان يكونوا صوتا واحدا، قويا، ولهم فاعلية".
من جهة اخرى، تتيح هذه الفسحة المشتركة "مناقشة المسائل والصعوبات التي يواجهها مسيحيو الشرق الاوسط، بغية ايجاد حلول وطرق لمعالجتها وتخطيها، ورفع الصوت لدى المسؤولين للتشديد على ضرورة ايجاد حل لها".

"رؤية" المسلمين و"تجاوب" غير الكاثوليك

الجهود المبذولة من اجل السينودس "ايجابية"، على ما يصفها المونسنيور حبيب. "الجميع يعملون. الاستعدادات جيدة، وقد شُكِّلَت لجان في مختلف الكنائس والبلدان، والمعنيون يأخذون الامور في الاعتبار، لانهم يرون ان القضية تهمّ كل مسيحي". ومن الملاحظات التي سجلها عبر متابعته الامور ان "حتى المسلمين يضعون انظارهم على السينودس، انطلاقا من ادراكهم ان هناك قضايا مشتركة، وثمة حاجة الى معالجتها، والى ايجاد جسر للالتقاء والمرور من عنق الزجاجة الذي يحاول دائما خنق كل مبادرات ونيات صالحة تريد بلوغ برّ الامان".
فاعلية تطبيق الارشاد الرسولي الذي سيصدر في ضوء نتائج السينودس من المواضيع المثارة من اليوم. وللمونسنيور حبيب كلام واضح في هذا الشأن: "اذا اتخذنا مجرد قرارات واخرجنا ما في قلوبنا من آهات وسكّنا الآلام ثم هدأنا، فلا يمكن ان نتوصل الى نتيجة. وبالتالي سيكون السينودس كأي مشروع تم، وسيكون الارشاد مجرد كتاب يزين المكتبة. اما اذا كانت النية صالحة لدى الجميع من اجل عمل مشترك للوصول الى الغاية التي يبتغيها كل مواطن صالح كي يعيش بأمان واستقرار وتعاون مع شريكه الآخر، ففي هذه الحال ستكون نتائج السينودس ايجابية".
كيف يتمنى على المسلمين قراءة السينودس ونتائجه؟ يجيب: "نتمنى على غير المسيحيين عموما ان تكون لديهم رؤية كافية الى دور المسيحي. المسيحي ليس عالة على المجتمع، ولا يأتي ليأخذ شيئا ليس من حقه. انه ابن البلد، ولذلك اذا كنا نعتبره شريكا في البلد وابن البلد، ايا يكن البلد، فان نظرة المسلم تكون بالتالي التعاون معه من اجل نهضة البلد. يد واحدة لا يمكن ان تصفق وحدها. واي مجتمع، اكان في لبنان ام مصر ام سوريا ام الاردن ام العراق، يحتاج الى الاثنين (اي المسيحي والمسلم) معا. والمسيحيون والمسلمون يشكلون نسيج الوطن الواحد. واذا كنا نتمتع بهذه النظرة، فسنتخطى الصعوبات معا".
تجاوب الكنائس غير الكاثوليكية مع نتائج السينودس من آمال المونسنيور. وامنيته ان "يكون هناك انفتاح من الكنيسة الارثوذكسية او الكنائس غير الكاثوليكية على السينودس، بحيث لا تعتبر ان الكاثوليك هم المعنيون به فقط، ولا تكون مشاركتها مجرد حضور". وان يكون حضورها "ايجابيا وفاعلا"، امر يشدد على اهميته، "بحيث نسعى معا الى الوحدة المشتركة، لان لنا مسيحا واحدا، ولا نحتاج الى تجزئته". ويتدارك: "الوحدة لا تعني اطلاقا ذوبان الواحد بالآخر. كل كنيسة لها سلطتها وكيانها الذاتي. الذوبان مفهوم خاطئ يحاول بعضهم اظهاره. نحترم بعضنا البعض باختلاف اقتناعاتنا. وهذا الاختلاف لا يمنع ان نكون متحدين معًا".
ومآخذ بعض الفئات على ما اعتبرته "ليونة" تضمنتها ورقة عمل السينودس في بند العلاقات باليهودية يقرأها المونسنيور حبيب انطلاقا من "ان كل واحد ينظر الى الامر من جرحه، كما يقال. فالشرق اكثر المتألمين من الوضع اليهودي- الفلسطيني. وطبيعي ان تكون نظرة الشرقيين اكثر حدة اليه. والغرب ليست لديه النظرة نفسها". ويقول: "اذا عملنا معا، وحاولنا ان تكون لدينا رؤية واضحة، بالتأكيد سنتمكن من ايصال آرائنا من دون حدة وعنف، ونصل الى ما نسعى اليه. اما الاعتراض على امر لم يتحقق عمليا بعد ليس منطقيا في رأيي. لا يمكن وضع كل شيء على الورق. نضع رؤوس اقلام، ثم تظهر كل الاشياء على ارض الواقع".
متفائل المونسنيور حبيب تجاه السينودس وما سيخرج به، يقول: "نعمل بكل ما لدينا من قدرات ونيات صالحة وحسنة من اجل انجاح المشروع. وهذا اهم شيء، لانه اذا ذهبنا اليه بنظرة غير متفائلة، فسيفشل. اما اذا ذهبنا بتفاؤل، فطبيعي ان نواجه صعوبات وبعض الاعتراضات. ولكن ما دام هناك تحريك للمياه، فهذا يعني ان هناك حياة. وهذا ما تسعى اليه الكنيسة. وبدلا من ان تبقى المياه راكدة، نحركها، ونرى ما سينتج من ذلك. بالتأكيد المياه الراكدة ستزيل لدى تحركها الكثير من الشوائب العالقة على مدى الاعوام. انا اكيد من ذلك، ومتفائل". 

هالة حمصي

عن جريدة النهار