مقابلة مع الأنبا مكاريوس توفيق

                                             الشباب الكاثوليكي شهود للرجاء وسفراء للمحبة

حاوره أميل أمين

القاهرة، الجمعة 10 سبتمبر 2010 (Zenit.org)

انطلقت في المدينة المريمية الكائنة بدير السيدة العذراء للآباء الفرنسيسكان بضاحية المقطم على أطراف القاهرة أعمال اللقاء الكاثوليكي السنوي الخامس عشر للشباب الكاثوليكي في العالم العربي تحت رعاية مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر – اللجنة الأسقفية للشباب ، وبرعاية سيادة المطران مكاريوس توفيق مطران ايبارشية الإسماعيلية للأقباط الكاثوليك وذلك في الفترة الممتدة من 6/9 الى 10/ 9 تحت شعار " سفراء للمسيح في عالم متغير" .

 وعلى هامش أعمال المؤتمر كان لنا مع سيادة المطران مكاريوس توفيق هذا اللقاء :

** صاحب السيادة كيف نشأت فكرة هذا التجمع الشبابي الكاثوليكي العربي  بداية وما أهم أغراضه ؟

هذا هو اللقاء الخامس عشر الذي يجتمع فيه شبابنا الكاثوليكي من أنحاء العالم العربي في مصر ، وقد جاء نتيجة أحساس من مجلس البطاركة والأساقفة بأهمية لقاء الشباب الكاثوليكي من العالم العربي ، وكان المجلس قد درج من قبل على ترتيب لقاءات على المستوى الإقليمي في مصر  في مناسبات مختلفة ولاحقا كانت فكرة هذا التجمع من اجل انفتاحة اكبر وتعارف مسكوني أكثر فاعلية بين أبنائنا من الشباب الكاثوليكي في هذه المنطقة المليئة بالتحديات والتي تحتاج الى بلورة رؤية أكثر عمقا وروحانية في زمن تسود فيه السطحية وينتشر فيه التهميش الفكري .

** كم يبلغ عدد المشاركين في مؤتمر هذا العام ومن أي البلاد ؟

يبلغ نحو 450 شاب وشاب وهناك البعض يحضر كمستمع من سكان القاهرة  ، يمثلون كافة الطوائف الكاثوليكية السبع من مصر ، إضافة الى  مجموعات شباب كاثوليكي من كل من السودان ، والأردن ، ولبنان ، وسوريا ، ومن العراقيين الكاثوليك المقيمين في سوريا .

** ماذا عن موضوع هذا العام للمؤتمر ؟

الموضع يأتي متسقا مع الفعاليات الأكبر لسينودس الشرق  الأوسط حيث يتحدث عن دور الشباب المسيحي كسفراء للمسيح في البلاد التي نعيش فيها بالشهادة والشركة  ، نحن سفراء في مجتمعاتنا العربية للخير ، للتضامن  الايجابي ، ولنا  رسالة في عالمنا العربي نشهد فيها لإيماننا عبر تقديم الخبرات  الايجابية التي تضيف لأوطاننا قيم أخلاقية رفيعة في زمن العولمة المتوحشة .

** يفهم من هذا ان لا انفصال بين فكرة سفراء للمسيح وتوجه الإخلاص للأوطان ؟

محبة الأوطان من الإيمان ، هذا أمر مفروغ منه فالمسيحيين العرب جزء أصيل من المجتمعات العربية وساهموا كثيرا في بناء الحضارة العربية ، وفي فعاليات المؤتمر هناك محاضرات كثيرة تهتم بالنظر الى شؤون الوطن وقضايا المجتمع الآنية ، بحيث يخرج الشباب المشارك برسالة تعزز فكرة ملح الأرض ونور العالم .

** في تقديركم  ما هي أهم التحديات التي تواجه الشباب الكاثوليكي في العالم العربي الآن ؟

 أهم التحديات في تقديري هي اشكالية الهجرة فهناك تيار عريض يمضي في طريق الهجرة الى خارج بلادنا العربية الى أوربا وأمريكا وغيرها من دول المهجر سعيا وراء رفاهية حياتية ويغيب عن هولاء  بعد ارسالى مهم للغاية وهو ان  كثير من المرسلين تركوا بلادهم وأسرهم وبعضهم كان من اسر نبلاء واثريا كما الأخت ايمانويل التي تركت أسرتها الغنية في فرنسا وجاءت الى مصر لتخدم في ضاحية المقطم وعزبة النخل حيث الحاجة الروحية  .. نحن نحاول من خلال مؤتمراتنا  التأكيد على أن شبابنا هم وان كانوا خميرة  صغيرة داخل العجين إلا ان دورهم يبقى فاعلا ومؤثرا أبدا نحن هذه الخميرة  .. لماذا لا يكون هذا الطموح الإنساني والروحي هو الفكر الغالب عند شبابنا عوضا عن طرح الهجرة وتفريغ بلادنا من وجودنا المسيحي الفاعل .

** هناك معضلة ظهرت في مناقشات الشباب  وهو  إحساسهم بمشاعر  الأقلية  سيما وأنهم كاثوليك أي أقلية مذهبية داخل أقلية دينية …. كيف تقومون هذا التفكير    السلبي ؟

نحن في مرحلة ألفية جديدة  وقرن جديد  ونحاول ان نبث روح الرجاء أولا ، وثانيا بدأنا بالفعل عملية تجديد روحي وأنساني واجتماعي للآباء الكهنة ومن المفترض  ان هذه الروح الجديدة التي تتحرك في إطار المواطنة والإخاء والمساواة والعدالة  تنتقل للشباب من خلال  عظات وخدمات التعليم المسيحي من الكهنة للشباب ، وهناك دور ملقى على  عاتق  قادة الفكر ورجال الدين معا تجاه هولاء الشباب وهو تعميق دور المواطنة في نفوسهم .

** ما هو دور الكنيسة الكاثوليكية في مصر على صعيد توطين وتوطيد فكر المواطنة كممارسة عملية فعلية  ؟

 يكفي ان أشير الى ان الكنيسة الكاثوليكية في مصر لديها نحو 165 مدرسة تشرف عليها رهبانيات  والكنيسة القبطية الكاثوليكية ، هذه إضافة الى  المؤسسات الاجتماعية والأهلية والخدمية التي تتعاطى مع كل فئات المجتمع من خلال عناصر كاثوليكية شابة وهي مؤسسات لها نظير كاثوليكي  في معظم الدول العربية هذه جميعها أبواب ونوافذ لنا على لمجتمعات العربية نقدم من خلالها شهادة ومشاركة كما يحثنا  سينودس الشر ق الأوسط  وهذا معناه ان لنا دور في سياق فكر المواطنة والدولة المدنية الحديثة ولسنا هامشيين أو ضيوف في أوطاننا .

** يغلب على نسبة بالغة من شبابنا اليوم سطحية فكرية واضحة .. هل وقعوا ضحايا إعلام العولمة المسطح غير المعمق طولا أو عرضا وكيف لنا تقويمهم ؟

نحن الآن  في مواجهة معضلة حقيقية ، فبين ألفية وأخرى وعلى مشارف قرن جديد يحدث دائما ان يقع جيل ضحية  للتقدم غير المتوقع وقد حدث هذا في العقود الاخيرة  وبخاصة في ظل ثورة التكنولوجيا  المبهرة للاتصالات كالانترنت والفضائيات  وهواتف الاتصال  والتي أصبحت عالم هولاء الشباب  عوضا عن البحث والحفر  عند الجذور لتأصيل  منطلقات فكرية واطرحات عقلية نهضوية ونخبوية  ، وبات البحث سطحي أفقي ، ولهذا نحاول ان نجابه هذا الاتجاه المسف  عبر التركيز على مشاركة هولاء الشباب في  الأنشطة الرسولية  الخدمية التطوعية التي تخرجهم من ذواتهم ، وتعودهم على حب العطاء أكثر من الأخذ عبر أنشطة مختلفة مثل خدمة المساجين أو الفقراء أو ذوي الاحتياجات الخاصة ، هذه تربطهم بالواقع وتعزز فيهم ميل نحو الإحساس  بالأخر وبقضاياه الإنسانية  واحتياجات مجتمعه وقبول الأخر بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه فهو في أول الأمر وأخره إنسان ، هذه هي الحياة الرسولية  التي نسعى لتعميق تيارها في نفوس شبابنا الكاثوليكي في العلام العربي  وعبر لقاءات مثل هذا المؤتمر .

** هل تطور الكنيسة آلياتها لاستخدام وسائل الإعلام  والتواصل  الجديدة مع الشباب ؟

بالطبع هذا حدث ويحدث فالرعايا  المختلفة اليوم تعمد الى استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في التواصل أولا مع الرعايا ومع الشباب  على نحو خاص من خلال البريد الالكتروني ومن خلال وسائل الإيضاح  الحديث ، كالسمعيات والبصريات ، في المحاضرات والتأملات  والندوات ، وفي إتاحة الفرصة لإنتاج أفلام ذات أبعاد إنسانية ، كذلك الصلوات والتأملات  والجوقات المرنمة،  كلها نمدها  باليات حديثة للتطوير ، فمن لا يطور نفسه يتجاوزه الزمن .

**  كان من المفترض ان العولمة تفتح الأبواب وتشرعها لقاء مع الأخر . لكن من أسف رأينا العكس الجدران والعوازل .. كيف نقي شبابنا هذا الخطر ؟

 الفترة الماضية ولا شك لاحظنا فيها ازدياد ظاهرة التقوقع فالعولمة حملت خوفا من الأخر عوضا ان تكون دافعا للقاء مع الأخر  ، ومن هنا نحن نعمل جادين على  توسيع المدارك الذهنية    لشبابنا للاتصال  الفكري والثقافي  والاجتماعي من اجل الانفتاح على الأخر والتعاون معه  والترابط من حوله ، في هذا الصدد اذكر بان هناك مبادرات كثيرة شهدناها في مجتمعنا المصري ، منها  مبادرات بعض المدارس الكاثوليكية  التي تشرف عليها بعض الراهبات مثل الراهبات الكمبونيات    في مصر كمدرسة القديس يوسف للغات في الزمالك بقيادة الأخت سميحة  راغب ولديها مبادرات رائعة ورائدة في الانفتاح على الأخر من خلال  التعامل عبر  برامج ولقاءات وفعاليات مشتركة  مع مدارس حكومية  وخاصة أخرى،  بحيث ينطلق   أبنائنا من ضيق التقوقع على  الذات الى  رحابة التعاطي مع   الأخر ، كذلك لجنة العدالة والسلام لديها مبادرات من هذا النوع ، لدينا في ايبارشية الإسماعيلية  كذلك محاولات  جادة  للتعاون مع هيئات حكومية وتعليمية  لخدمة أنشطة المعاقين ، ومن خلال هذه  جميعها نزيل الجدران الوهمية مع الأخر .

**  هل تعمق مثل هذه اللقاءات روح المسكونية الكاثوليكية العربية ان جاز التعبير وكيف يتم متابعة توصيات عمل كل مؤتمر ؟

 هذا مؤكد  فمن خلال لقاءات شبابا ينتمون الى اللجان الأسقفية المختلفة للشباب الكاثوليكي على مستوى العالم العربي فأنهم يتبادلون خبرات طيبة جدا من كافة أوطانهم بما لها من ايجابيات وما عليها من سلبيات وهي لقاءات تمتد أحيانا الى ما وراء البحر الأبيض المتوسط وكل مؤتمر بلا شك تخرج منه توصيات يقوم على تنفيذها كل ايبارشية ومطران كل ايبارشية هو المسؤول التنفيذي الأول ، ونفكر في تكوين شبكة ربط للمتابعة حتى لا تصبح لقاءاتنا مجرد تنظير فكري بدون  حضور واقعي فعلي على الأرض .

**  هل بدأتم في الإعداد ليوم الشباب العالمي الذي سيعقد في مدريد مع الحبر الأعظم في أغسطس آب القادم ؟

 بلا شك ، نحن الآن في مرجله التحضيرات والتجهيزات  الإدارية  لكن الأهم هو إيصال قيمة وأهمية الرسالة التي يود الحبر الأعظم إيصالها للشباب في هذا اللقاء وقد أعلن عن الموضوع من ثلاث سنوات وهو "  راسخين في الإيمان .. ومتأصلين في الرجاء ".

** كلمة أخيرة توجهها سيادتكم لمن شارك ولمن لم يقدر له المشاركة في هذا اللقاء  من الشباب الكاثوليكي ؟

أقول لهم نحن شهود للرجاء ، سفراء للمحبة ، علينا ان نثق بان الله يعمل فينا ومن خلالنا ، ويستطيع ان يعمل بنا الكثير ، لكن علينا ان نصغي الى إرشادات الروح القدس  والى صوت الله فينا الذي يقدر ان يوظف مواهبنا ويعطينا القوه والفعالية  لنؤدي رسالتنا لخير أوطاننا وإخواننا ولمجد الله  الأعظم .

           *********************