الاب انطونيوس مقار ابراهيم
راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان
مقدمة:
الله وهب الحياة الجديدة لأبنائه، وصالحهم لذاته في ابنه يسوع المسيح الذي تجسد بالروح القدس من مريم العذراء في مذودٍ فقير متواضع وهذا الابن بدوره جال المدن والقرى يصنع خيراً يشفي المرضى، يقيم الموتى، يطهر البرص، يشبع الجياع ،ويروى العطشى ويفك أسر المسجونين ويعيين من ليس لهم معين، هو من أعلن عنه يوحنا المعمدان في يوم عماده بالروح القدس " هذا هو حمل الله الحامل خطايا العالم في جسده على عود الصليب بمحبة قلبه الفائقة، ها هو اليوم يلتقى السامرية ويلتقيك انت أيضاً اخي الحبيب فهل كنت أنت كما كانت السامرية التى أردت توضيح منه حول ما كان سائداً في ايامها ووسط شعبها عن مكان السجود والعبادة لله ؟ هل في هذا الجبل؟ أم في أروشليم؟ اجابها هو لا في هذا ولا في ذاك فالعبادة والسجود لله ينبغي أن تكون بالروح والحق.
هذا السجود،لم يكن فعالاً ما لم تناله كعطية وهبة من الروح القدس الذي انسكب على التلاميذ وهم مجتمعين في العلية يوم الخمسين. نال التلاميذ عطية الروح فساروا بموجبها للخدمة جاهزون وممتلئين بها مبعتيدين عن الشكليات والمظاهر لأن الروح القدس إنسكب في القلب فملأه بالحب.إذا اخي الحبيب يجب عليك أولاً أن تمتليء من فيض الروح كي تولد من جديد وتنفتح عليه وتعرفه اكثر فأكثر لينسكب في داخلك، فيسوع قال للمرأة السامرية في حواره معها " لو كنت تعرفين عطية الله و ومن الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حياً" هذا هو الاساس والجوهر في طريق الوصول الله نحن نصل اليه ونسكن في قلبه لا بالناموس والشريعة فهو معطي الناموس وواضع الشريعة فيقول يوحنا الانجيلي بالناموس بموسى أعطى أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا ونحن من ملئه نلنا نعمة فوق كل نعمة. هذه النعمة تدعونا الى التخلي عن كل اشكال العبادة الحرفية المتزمتة والمقيدة بنواميس وقوانين وشكليات الى عبادة وسجودٍ لله رابطه الوحيد الحب والحرية والمعرفة فعندما نعرفه هو الحق ننال الحرية " تعرفون الحق والحق يحرركم ".
ماذا حمل لقاء المسيح بالمرأة السامرية:
كلنا يعرف جيداً هذا اللقاء البارز في حياة المسيح على الارض مع هذه المرأة وما حمله من معاني أدت في نهايته الى المصالحة مع الله أولاًً والعودة اليه والتبشير باسمه ومن المصالحة الانسان مع اخيه الانسان والاعلان الواضح عن أنَ السجود لله لايحده المكان والزمان بل هو سجود بالروح والحق.
1- التحول الجذري في نفس هذه المرأة من حالة ضياع وتخبط في حرفية الشريعة الى حالة الدخول العميق في روحانية الشريعة
2- المعرفة السليمة بأن اللقاء مع الله لا مكان له كالجبل أو أورشليم بل لقاء حر مفتوح في القلب بالروح والحق.
3- التحرر من الاسر والقيود التي كانت تكبل السامريين وهى منعهم من الدخول الى الهيكل لاداء فعل العبادة لله والسجود له الى بناء الهيكل الحقيقي في داخل كل واحد منهم لسكنى الله فيهم.
4- الانتقال من من النظرة المحصورة والعرقية في التعامل الى النظرة المنفتحه على جميع البشر ابناء الاب الواحد.
5- الارتقاء الى المعهوم الصحيح حول الله والاتصال به والوجود المستمر في حضرته غير الخاضع لمحدودية الزمان والمكان.
6- الدخول في معنى الولادة بحسب الروح لله اي عيش حياة التجدد الدائم بالروح القدس .
7- التغيير في الماء من بثر يعقوب "من يشرب من هذا الماءيعطش" الى الماء النابع من المسيح " اما الماء الذي اعطيه أنا فلن يعطش ابداً".
صفحات الكتاب المقدس مليئة بالعديد من الشخصيات التي سجدت وعبدت الله بالحق والايمان ونذكر منهم ابراهيم ابو الاباء الذي بنى مذبحاً للرب واخذ ابنه الوحيد اسحق ليقدمه محرقة وهناك خر وسجد ومن ثم شرع في تقديم الذبيحة والله استجاب له وقبل ذبيحته وعوضاً عن اسحق إبنه هيأ له خروف المحرقة. ومن قبله هابيل الذي قدم افضل ما عنده ولذا نحن في الليتورجية القبطية نصلي قائلين يألله الذي قبل ذبيحة هابيل الصديق وابراهيم ابو الاباء أقبل ذبيحتنا هذه عوضاً عن خطايان الكثيرة وجهالاتنا. وعند تقديم القرابين نضرع الى اله بالقول " أقبل يارب هذه القرابين غفراناً لخطايانا وتقديساً لنفوسنا ونضف قائلين شفاءً لإمراضنا وراحتنا لموتنا. وفي ليتورجية الفرض الماروني نقول مع داوود النبي " لتقم صلاتي كالبخور امامك وليكن رفع يدىّ كتسبحة المساء".ودائماً داوود في المزاميز كان يردد القول " دخلت بيتك يارب وامامك هيكلك سجدت" واضافت الليتورجية المارونية " فياملك المج أغفر لنا ما خطأنا به اليك" في صلاة الحساية " لنرفعن التسبيح والمجد والإكرام إلى الاب….. " هذا هو بالحقيقة فعل الصلاة والسجود والعبادة الحقة الميئة بالخشوع والعابقة برائحة البخور الذكي. ولذا قد قال بولس الرسول " أنتم رائحة المسيح الذكي".
ومن الشخصيات نذكر ايضاً المجوس جاءوا من المشرق وقدموا فعل السجود للمسيح الابن "طفل المذود"ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في ايام هيرودس الملك اذا مجوس من المشرق قد جاءوا الى اورشليم اتينا لنسجد له.
هيرودس الملك اضطرب وجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وجميع اورشليم معه.وسألهم اين يولد المسيح. ثم ارسلهم الى بيت لحم وقال اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي.ومتى وجدتموه فاخبروني لكي آتي انا ايضا واسجد له. لكن هل حقاً كان صادق فيما قاله؟
العذراء مريم المثال والنموذج في حياة التسليم والسجود لله فليكن لي حسب قولك" والقديس يوسف البتول وسمعان الشيخ ويايرس الذي انحنى امام المسيح واعلن عظمة الرب وهكذا المرأة الكعنانية التي أمنت ووثقت في المسيح والمرأة الخاطئة والمولود اعمى والكثير من الشخصيات التي أمنت واعلنت الوهية المسيح وربوبيته في هدوءٍ وصمتٍ ونسمه الريح الخفيفة أو النسيم. لاعبادة حقيقة ولا سجود صادق للمسيح الرب الملك والمخلص الفادي وسط الضجيج والمظاهر والاصوات المرتفعة والصراخ وفي اماكن معينة وأوقات وأزمان محددة فكثير من الناس يظنون الصوت العالٍ وإطالة الوقت والصراخ والأنين هو فعل عبادة لله كالذين يظنون أن قتل البشر هو ذبيحة وينسون أن الرب واقف وحاضر في حياتهم ويريد رحمة لاذبيحة يريدها مستمرة على مدار الوقت، فالعبادة لله الدائمة هي التي تتخطى حدود الزمن والبشر والامة والجنس والعرق الى ما هو ابعد وأعمق الى ما هو في داخل الانسان واعماقه في كيانه لفي الرب الساكن فيه المهم هو أن تفتح مجالاً لتسمعه في داخلك وأن تكون أنت في تواصل دائم بحياة الروح القدس الذي نلته يوم العماد وأن ترجع وتبني هكيل جسدك " أنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم" الروح الذي يجعلك دائماً في حالة صلاة تقيمها أينما كنت لتملْ المكان الذي انت فيه بحضور الرب كي يكون ملكً له وليبتعد عنه ابليس واعوانه ليتحول منزلك المبني بالحجارة الجامدة الى هيكل جسدك المبني بحجارة الايمان الحجارة الحية وتصير انت كنيسة حيه متاملة في خيرات الرب وبركاته الممنوحة لكَ منه هو والواهب والرازق جميع الخيرات.
قف مع ذاتك:
اخي المؤمن أنت اليوم مدعوا الى أن تغيير من اسلوبك في التعامل مع نفسك ومع الاخر ومع الله فهل انت قادر على التغيير؟ هل انت مستعد أن تخرج من ذاتك وتبحث عن ماء الحياة؟ هل لديك النية على القيام باللقاء مع الله بحب ؟ أم انت خائفٌ منه؟ هل فكرت أن تأتي اليه وتلتقيه كما كان لقائه مع السامرية وزكا العشار والمرأة الخاطئة وغيرهم؟ هل تحسب نفسك واحد منهم؟ أم تحسب حالك ملك كهيرودس تدعي انك تريد ان تسجد له وتحمل في داخلك حقد وغيرة وكراهية؟
تعال اليوم كالسامرية ودع المسيح يدخل حياتك ليكشف لك ذاتك وتستنير بالروح القدس لتعود اليه تائباً لابساً الحالة الجديدة مبشراً باسمه جميع اخوتك " تدعوهم قائلاً تعالوا انظروا انساناً قال لي كل ما فعلته.
ثق تماماً عندما تلتقيه ستنسى كل متاعبك،همومك سيحملها عنك. عُد الى لقاء المسيح بالمرأة السامرية وتأمل فيما قالته عندما اكتشفت طريقة التعامل مع الله انها بالروح والحق ولا شيء غير ذلك اصرخ وقل في المسيح وجدتُ ذاتي الضالة،وجدت ما كنت ابحث عنه طويلاً، وجدت الله الذي ظننته بعيداً عني وصعب الوصول اليه، وجدته في داخلي. يملاء كياني بنوره المشرق دائماً
إذا أخي الحبيب:
إن السجود الحقيقي لله والعبادة له هي فعل تواصل مستمر مع الروح القدس في إتضاعٍ تام وفعل أنحناء امام عظمة الرب لتدرك حضوره في حياتك وفي داخلك. حيئذ تمتلئ بالقوة.
تعال الى المسيح وقل له : هااني آتي إليك يالهي كي أسجداسجد لك واحبك من كل قلبي وأشكرك على انك خلقتني وجعلتني انساناً أحفظني في ا اليوم وكل يوم اني اقدم لك كل اعمالي ومشاريعي اقدم لك حياتي وكياني جسدي وعقلي وفكري حتى تصيّر جسدي مسكناً لك وقلبي هيكلاً لروحك القدوس وأعطني نعمتك التى تقوني في ضعفي وامح كل معاصيّ وطهرني من كل خطيئة وحررني من قيودي واجعلني أدرك تماماً أن الحياة معك هي ابسط من التقييد بالحركات والمظاهر والكاذبة والخداعة. لك المجد والاكرام والسجود من الآن والى الأبد آمين