ديمومة الزواج الكاثوليكي

التي لا تحلّ إلا بالموت

«إِنَّ هذا السِّرَّ لَعَظيم، وإِنِّي أَقولُ هذا في أَمرِ المسيحِ والكَنيسة. فكذلك أَنتُم أَيضًا فلْيُحِبّْ كُلٌّ مِنْكُمُ امرَأَتَه حُبَّه لِنَفْسِه، ولْتُوَقِّرْ المَرأَةُ زَوجَها» (أفسس 5/32 و33).

إننا نتعجب من الكنيسة الكاثوليكية في وحدة سر الزواج، وفي هذه الأيام نعيش في جو متوتر على سر الزواج، والزواج الثاني، فهناك المؤيد والمعترض، ونسمع أن هناك كنائس تطلّق وتزوج، ونتساءل لماذا الكنيسة الكاثوليكية ترفض الطلاق وتحافظ على وحدة الزواج؟. نندهش من ذلك…

وحين نشاهد أفلام أو مسلسلات تسرد لنا مثلاً الاحتلال الإنجليزي لمصر نجد الإنجليز يقولون على الاحتلال الإنجليزي لمصر نتزوج مصر زواج كاثوليكي.

والذين يطلّقون يعتمدون على الآية الواردة في إنجيل القديس متى: « أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: مَن طَلَّقَ امرَأَتَه، إِلاَّ لِفَحْشاء، وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى» (19/9).

الأمر الأول:الغريب والمدهش في ذلك أن هؤلاء اكتفوا بذلك أنهم لم يقدروا ويثبتوا أو يأتوا إلينا ببرهان كتابي واحد يثبت الزيجة الثانية بعد الانفصال أما نحن فنقول إنّ هذه الآية لا تعارض أبدًا ما ورد في إنجيل القديس لوقا «كُلُّ مَن طَلَّقَ امرَأَتَه وتَزَوَّجَ غَيرَها فقَد زَنى، ومَن تَزَوَّجَ الَّتي طَلَّقَها زَوجُها فقَد زَنى»(16/18).والأمر الثاني: لم يذكر الإنجيليان مرقس ولوقا القيد الذي قوله من غير زنى على أن القديس بولس الرسول قد شرح وفسّر هذه الآيات مطابقًا إياها على بعضها بأجلى بيان فقال: « وأَمَّا المُتزَوِّجونَ فأُوصيهم، ولَستُ أَنا المُوصي، بلِ الرَّبّ، بِأَن لا تُفارِقَ المَرأَةُ زَوجَها، وإِن فارَقَتْه فلْتَبقَ غَيرَ مُتَزَوِّجة أَو فلْتُصالِحْ زَوجَها وبِأَلاَّ يَتَخَلَّى الزَّوجُ عنِ امرَأَتِه. فالمرأةُ المُتَزوِّجَةُ تَربِطُها الشَّريعةُ بِالرَّجُلِ ما دامَ حَيًّا، فإذا ماتَ حُلَّت مِنَ الشرَّيعةِ الَّتي تَربِطُها بِزَوجِها» (1 كو 7/10 -11).

وقال أيضًا في الرسالة لرومية: « وإِن صارَت إِلى رَجُلٍ آخَر وزَوجُها حَيّ، عُدَّت زانِية. وإِذا ماتَ الزَّوجُ تَحرَّرَت مِنَ الشَّريعة، فلا تَكونُ زانِيةً إِذا صارَت إِلى رَجُلٍ آخَر» (رو7/2-3)

فثبت بهذا القيد:

أولاً: أن المقصود بقول يسوع المسيح بكلمة طلاق: عائد إلى الهجر لا إلى التزوج مرة ثانية وذلك لا يجوز إلا لعلة الزنى.

ثانيًا: بغير هذه العلّة لا يجوز الطلاق أبدًا إذ بذلك يخطئ الرجل ضد حق الزواج الذي أثبت يسوع المسيح أنّه غير قابل الحل من ذات الطبيعة بل ويجعل الرجل امرأته تزني.

ثالثًا: لو كانت الزيجة تحل بالزنى لما كان زانيا من يتزوج مطلقة إذ يكون قد انحل عقد الزواج ولم يقل هنا يسوع المسيح: «ومن يتزوج مطلقة من غير زنى» وإلا فيكون حظ المطلقة الزانية أفضل من حظ المطلقة دون زنى لأن تلك قد انحل عقد زواجها فيمكنها والحالة هذه على زعم المعترضين أن تتزوج بآخر حالة كون المهجورة دون ذنب لا تستطيع مطلقًا.

رابعًا: إن هذا هو حكم الكنيسة وتعليم آبائها وهذا هو التقليد الثابت بها ومتأصل في الوحي الإلهي.

خامسًا: ينتج من ذلك أن يسوع المسيح نطق بهذه الآيات جوابًا سديدًا مفحمًا الفريسيين بقولهم: «فَدنا إِليهِ بعضُ الفِرِّيسيِّين وقالوا له لِيُحرِجوه: أَيَحِلُّ لأَحَدٍ أَن يُطَلِّقَ امرَأَتَه لأَيَّةِ عِلَّةٍ كانت؟ فأَجاب: أَما قَرأتُم أَنَّ الخالِقَ مُنذُ البَدءِ جَعلَهما ذَكَراً وَأُنثى. وقال: لِذَلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه ويصيرُ الاثْنانِ جسَداً واحداً. فلا يكونانِ اثنَينِ بعدَ ذلكَ، بل جَسَدٌ واحد. فما جمَعَه الله فلا يُفرِّقنَّه الإِنسان.فقالوا له: فلِماذا أَمَرَ موسى أَن تُعْطى كِتابَ طَلاقٍ وتُسَرَّح؟ قالَ لهم: مِن أَجْلِ قساوَةِ قُلوبِكم رَخَّصَ لَكم موسى في طَلاقِ نِسائكم، ولَم يَكُنِ الأَمرُ مُنذُ البَدءِ هكذا. أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: مَن طَلَّقَ امرَأَتَه، إِلاَّ لِفَحْشاء، وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى»(متى 19/3-9)

إذن يسوع المسيح يفهم هؤلاء الأول: بأن لا يجوز الطلاق لأجل كل علّة لا بسبب الزنى أو بسبب آخر.

والثاني:وقوله في القسم من الآية: «مَن طَلَّقَ امرَأَتَه، إِلاَّ لِفَحْشاء، وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى». يلاحظ منه أمر يسوع المسيح بعدم انحلال الزيجة لأن مسألة الفريسيين ذات معنيين وهما هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لأجل كلّ علّة؟. وهل يحل الزواج بعد الطلاق بامرأة أخرى؟ فالمسيح يجيب على المعنى الأول أن الطلاق لا يحل دون الزنا ويجيب على المعنى الثاني: «وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى» إن الزواج لا يحل إلا بالموت فأما الطلاق هنا يفيد إلا الهجر نظرًا إلى الفراش والسكنى.

إذًا التقيد برباط الزواج لا يحله إلا الموت وأن الرجل ليس له أن يتزوج بأخرى طالما امرأته على قيد الحياة لأن جسده ليس له بل لامرأته التي لها السلطان عليه. ذلك هو الشرع الإلهي الذي لا يمكن أن يمس جانبه ولا تنقض أحكامه، ويلزم من الآن فصاعدًا كلّ زوج سواء كان من جنس النساء أم من صنف الرجال.

فالسيد المسيح وضع شرع الزواج وله ركنان يقوم بهما، فالركن الأول يقضي على الرجل ألا يتخذ سوى امرأة واحدة. وأن الركن الثاني يطلب أن يرتبط بها ارتباطًا أبديًا فلا يستطيع شيء ما أن يفك رباطهما فما من علّة توجب فسخ الزواج وتجيزه. لن تسمح علّة الزنى بافتراق الزوج البريء من قرينه المذنب وتصرح له بمهاجرته وعدم السكنى معه إلا أن الرباط الزواجي لا يزال قائمًا بينهما. فلا يستطيع أحدهما أن يُقدم عل الزواج مع آخر. فإن الشرع يعد هذا الفعل إقداما على الزنى.

 

بنعمة الله

أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما

ومراسل الموقع لأبرشية سوهاج

stfanos2@yahoo.com