كنيسة حنانيّا -بيت القديس حنانيّا

 

ماجد ابراهيم بطرس ككي

كنت قد ذكرت في موضوعي عن دير الرؤية للقديس بولس الرسول,عن أصابته بالعمى فاقتادوه رفاقه بيده وأدخلوه دمشق. وكان في دمشق تلميذ أسمه حنانيّا. قال له الربّ في رؤيا: يا حنانيّا ؟ قال: لبيك , يا رب. فقال له الربّ: قم فاذهب الى الزقاق المعروف بالزقاق المستقيم , واسأل في بيت يهوذا عن رجل من طرسوس اسمه شاؤول.فها انه يصلي,وقد رأى في رؤياه رجلا اسمه حنانيّا يدخل ويضع يديه عليه ليبصر.فأجاب حنانيّا: يارب سمعت بهذاالرجل من أناس كثيرين كم أساء الى قديّسيك في أورشليم. وعنده هنا  تفويض من قبل الاحبار ليوثق كلّ من يدعو باسمك . فقال له الربّ : إذهب فهذا الرجل هو إناء مختارلكي يحمل اسمي أمام غيراليهود والملوك وبني إسرائيل فإنّي سأريه كم يجب عليه أن يعاني من الألم في سبيل اسمي.
 
ومضى حنانيّا فدخل البيت ووضع يديه عليه وقال: يا أخي شاؤول,إن الربّ يسوع الذي تراءى لك في الطريق التي قَدِمت منها,أرسلني لتبصر وتمتلىء من الروح القدس.فتساقط عندئذ من عينيه مثل القشور,فأبصر.فقال له حنانيّا:إنّ إله آبائنا قد أعدّك لنفسه لتعرف مشيئته وترى البّار وتسمع صوته من فمه.فإنكّ ستكون شاهدا له أمام جميع الناس بما سمعت و رأيت.فما لك,تتردّد بعد ذلك؟ قم فاعتمد و تطهّر من خطاياك داعيا باسمه. فقام واعتمد.ثمّ تناول طعاما,فاستعاد قواه.
 
القديس حنانيّا:هو إحدى الشخصيات الواردة في الكتاب المقدس.ففي أعمال الرسل(9:1-26و22:4-16) يُذكر حنانيّا كشخص دمشقي من أصل يهودي.ولما عمّد شاؤول الطرسوسي كان قد سبق وتنصّر وكان يتمتع بشهرة وتقدير عظيمين في كنيسة دمشق الفتيّة- وله كشف السيد المسيح المهمة التي عينها اللّه لرسول الأمم.فأعظم شهرة للقديس حنانيّا انه قبل في الكنيسة الناشئة شاؤول الذي كان يضطهد الكنيسة وعلّمه مبادىء الدين المسيحي.
ويؤكد لنا االتقليد الشرقي أن حنانيّا كان أحد تلاميذ المسيح الأثنين والسبعين الذي يكلمنا عنهم القديس لوقا(10:1) وانه قدم الى دمشق بعد رجم القديس استيفانوس-ثم رسمه الرسل أسقفاً لكنيسة دمشق.
كان حنانيّا يبشر بالايمان المسيحي البلاد السورية لما قبض عليه الحاكم الروماني ليسينيوس وحكم عليه بالموت. ومات حنانيّا مرجوما بالحجارة خارج سور دمشق في اليوم الأول من شهر تشرين الأول.ونقل المسيحيون جثمانه إلى داخل المدينة.
أمّا بخصوص بيت القديس حنانيّا فانه معترف به عند الجميع منذ القدم انه في مدينة دمشق القديمة داخل السور.ومنذ القدم تحول هذا البيت إلى كنيسة الصليب.إننا نجهل تاريخ هذا التحول ولكنه أكيد قبل الفتح الاسلامي(636).
وفي المجلة العلمية(سوريا العدد الخامس1924),ورد أن الكونت اوستاش دي لوريه مدير البعثة الاثرية في سورية قد قام بحفريات سنة1921 في مدينة دمشق في منطقة كانت تعرف باسم حنانيّا بالقرب من الباب الشرقي.كانت هناك كنيسة باسم كنيسة الصليب المقدس أو بالأحرى المصلبة إحدى الكنائس التي سمح الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك للمسيحيين باستعمالها بدلاً من الجامع الكبير.إن السيد دي لوريه اكتشف موضوع الهيكل-وحفرياته أظهرت أن الكنيسة كانت سابقاً هيكلاً وثنياً كما تشهد على ذلك كتابة باليونانية وجدت بالحفريات تقول:إلى إله دمشق السماوي-وهيكل حيث يرى ثور محدوب تحت بلوطة. وفي نفس المجلة(العدد السادس1925) يحدد أن هذا الهيكل الوثني يعود للقرن الثاني أو الثالث بعد المسيح.
إن اكتشاف هيكل وثني في مكان عبادة للمسيحيين ليس بأمر غريب.فالتاريخ يخبرنا أن الامبراطور ادريانوس(117-138) بنى هياكل وثنية على جبل الجلجلة وفوق مغارة بيت لحم خصوصاً لإبعاد المسيحيين عن هذه الأماكن المقدسة. فوجود هيكل وثني في هذا المكان المقدس ليس إلا إثباتاً لوجود مقام مسيحي قديم. وتثبت أيضاً أنها كنيسة بيزنطية تحولت إلى جامع . فتحول أماكن العبادة في الشرق من مذهب إلى آخر في نفس المكان ما هو إلا برهان وإثبات قوي على أن ذلك المكان هو حقيقة مكان عبادة.
وبعد بضعة قرون يتحدث أحد الكتّاب العرب أبن عساكر(1105-1176) عن كنيسة في دمشق باسم الكنيسة المصلبة أي كنيسة الصليب. ويقول أن هذه الكنيسة هي قرب السور بين باب توما والباب الشرقي وأنها هدمت نحو سنة700.وعن بيت القديس حنانيّا يتكلم أيضاً الراهب الفرنسيسكاني بوجيبونسي سنة1347 قائلاً:أنه على أيامه كان قد تحول إلى جامع.
وبعد بضعة سنوات اي السنة 1363 يقول الكاتب العربي ابن شاكر ان الخليفة الاموي الوليد بن عبد الملك(702-712) أعطى المسيحيين خربة كنيسة الصليب بدلاً عن كنيسة القديس يوحنا المعمدان التي حولها الى جامع  – الجامع الاموي الحالي –  و الاب بونيفاس دي راكوسا حارس الارض المقدسة زار هذا المكان في القرن السادس عشر ويقول : إنه ينزل الى هذه الكنيسة بعدد من الدرجات . وفي  اول القرن السابع عشر الاب كواريسميو الفرانسيسكاني يصف بيت حنانيّا على هذا النحو:
 
(( يقع هذا البيت في القسم الشرقي من المدينة, وهو عبارة عن بيت تحت الارض ينزل إليه من الجانب الشرقي عبرباب ضيق و درج . وهو مثلث الشكل و ضيق جداً – طوله من الجانبين عشرين قدماً وعرضه عشرة – ويدخله النور من الاعلى   عبر نافذتين  مدورتين)).
وفي سنة 1630 يثبت الاب ديل كاستيليو الفرنسيسكاني أن بيت القديس حنانيّا
مكرم من المسيحين , والاتراك (المسلمين) الذين يحرسونه اليوم يشعلون فيه قناديل عديدة .
في سنة 1820 استملك الآباء الفرنسيسكان التابعون لحراسة الارض المقدسة هذا المكان المقدس وبنوه وكرسوه للعبادة .
اما هذا البناء كله فقد هُدم في ثورة 1860 . وفي سنة 1867 أعيد بناء هذا المعبد . وفي سنة 1973 رُمم على شكله الحالي. وبيت القديس حنانيّا هو عبارة عن مغارة مكونة من غرفتين . ينزل إليه من درج مكون ذي إحدى و عشرين  درجة . وهذا الوضع سببه ارتفاع الارض نتيجة الهدم و الردم طيلة عشرين قرناً في هذه البقعة الصغيرة من المدينة . وهذا الوضع يمكن مشاهدته أيضاً في الباب الروماني \\"الباب الشرقي\\".
وبيت القديس حنانيّا الحالي الذي يعرضه الآباء الفرنسيسكان  اليوم على الزائرين للعبادة والتبرك, هو دون شك جزء من الكنيسة البيزنطية كنيسة الصليب المقدس التي تعود للجيل الخامس و السادس التي أكتشفها  دي لوريه أثناء حفرياته . و تحديد هذا المكان المقدس مطابق من جميع النواحي لما تناقله المسيحيون منذ أوائل المسيحية على أنه بيت القديس حنانيّا أول أسقف لمدينة دمشق