الباليوم البابوي بين الإستمرارية والتطوّر

الموضوع الثاني :   

    

Le pallium papal entre continuité et développement

بقلم جيانلوكا  بيجيني   

Gianluca Biccini

Traduit de L OSSERVATORE ROMANO   N: 27 PAGE 6-7  DATE: 8 Juillet 2008

 

 

ترجمة : المونسنيور بيوس قاشا

 

كتبت جريدة اوسرفاتوري رومانو ( الرقيب الروماني ) في عددها المرقم 27في الثامن من تموز عام 2008 وفي صحيفة 6،7،من الطبعة الفرنسية عن ماذا تعني الحلل الكهنوتية وما قيمتها الكنسية والباليوم بين الاستمرارية والتـــطور وماذا يعني قماش ابيض اللون  وكل هذه المواضيع حسب نــظرة قداسة البابا بندكتس السادس عشر ولما لهذه المواضيع المختلفة من فائدة روحية وايمانية وهدف واحد عملتُ جاهدا على ترجمتها من أجل أن ندرك جميعا كم هو عظيم ارتداؤنا للحلل الكهنوتية في احتفالاتنا الكنسية  المقدسة وكم هو واجب علينا أن نعطيها كرامتهاكما يليق وكما يجب.             وسأخصص موضوعا مستقلاً لكل عنوان للفائدة الجزيلة .

منذ التاسع والعشرين من شهر حزيران أصبح الباليوم الذي يحمله الپاپا بندكتس السادس عشر في الإحتفالات الليتورجية الكبيرة تطويراً عن شكل الباليوم اللاتيني المستخدم حتى حبرية الپاپا يوحنا پولس الثاني. هذا ما يشرحه لنا أستاذ الإحتفالات الليتورجية الپاپوية، غيدو ماريني، في المقابلة التي أجرتها معه مجلة الأوسيرفاتوري رومانو، هذا نصّها:

     س: ما هي عناصر الإستمرارية وعناصر التجديد بالنسبة للماضي؟.

   ج: على ضوء الأبحاث المتحفّظة حول تطور الباليوم خلال الأجيال المنصرمة، يبدو أنه من الممكن القول أن الباليوم الطويل والمتصالب فوق الكتف الأيسر لم يَعُد يُحمل في الغرب منذ القرن التاسع الميلادي. في الحقيقة إن رسوم مغارة "سوبياكو" المقدسة، التي يصل تاريخها إلى حوالي سنة 1219 والتي تمثّل الپاپا "إينّوصان" الثالث وهو يحمل هذا النموذج من الباليوم، يبدو كأنه أثر مقصود من الآثار القديمة التي عفا عليها الزمن وزال استعمالها. بهذا المعنى، إن استخدام الباليوم الجديد يهدف إلى الإجابة على مطلَبَيْن: المطلب الأول ضرورة التأكيد على التطور المتواصل الذي، خلال اثني عشر جيلاً، استمر هذا اللباس الليتورجي على السير فيه، المطلب الثاني هو الضرورة العملية، لأن الباليوم الذي استخدمه بندكتس السادس عشر منذ بداية حبريته كان يمثّل مشكلات مختلفة من وجهة النظر هذه.

   س: هل يوجد اختلاف بين الباليوم الپاپوي والباليوم الذي يقلّده الپاپا لرؤساء الأساقفة؟.

   ج: يوجد دائماً اختلاف مع الباليوم الحالي. إن الباليوم الذي سوف يلبسه بندكتس السادس عشر إبتداءً من عيد القديسَيْن بطرس وبولس يعود إلى شكل الباليوم المستخدم حتى عهد الپاپا يوحنا پولس الثاني، حتى لو كان أوسع قليلاً وأكثر طولاً، والصلبان ملوّنة باللون الأحمر. إن شكل الباليوم الپاپوي المختلف بالنسبة لباليوم رؤساء الأساقفة الميتروبوليتيين يبرز إختلاف صلاحية الولاية المخولة للأسقف والمنصوص عليها بواسطة الباليوم نفسه.

   س: منذ بعض الأشهر، ظهر أن العكّاز الذي يستخدمه الپاپا في الإحتفالات هو أيضاً مختلف. ما هي أسباب هذا الإختيار؟.

   ج: إن العكّاز المذهّب والذي على شكل صليب يوناني (والذي كان خاصاً بالطوباوي الپاپا پيوس التاسع والذي استخدمه لأول مرة بندكتس السادس عشر خلال احتفالات أحد السعانين لهذا العام) هو من الآن فصاعداً مستعمل دائماً من قِبَل الپاپا الذي اختاره هكذا استعاضةً عن العكّاز الفضي الذي تعلوه صورة المصلوب، والذي كان قد باشر باستخدامه الپاپا پولس السادس، كما استخدمه أيضاً الپاپا يوحنا پولس الأول ويوحنا پولس الثاني والپاپا بندكتس السادس عشر نفسه في بداية حبريته. هذا الإختيار لا يعني فقط العودة إلى الماضي بل يشهد أيضاً على تطور في الإستمرارية، وتجذّر في التقليد الكنسي يسمح لنمو طبيعي على طريق التاريخ. هذا العكّاز الذي يدعى "فيرولا" يتجاوب في الحقيقة وبطريقة أكثر أمانةً مع شكل العكّاز الپاپوي النموذجي للتقليد الروماني الذي كان دوماً على شكل صليب وبدون صورة المصلوب، على الأقل منذ أن دخل العكّاز في استخدام الپاپوات. كما لا يجب أن ننسى عنصراً عملياً: إن "فيرولا" الپاپا پيوس التاسع هو أكثر خفّة وأسهل إستعمالاً من العكّاز الذي باشر باستخدامه پولس السادس.

   س: ماذا عن العكّاز الذي صمّمه "ليلّو سكورزيلّلي" للپاپا "مونتيني" في منتصف الستينيات؟.

   ج: يبقى رهن استخدام الخزانة الپاپوية الخاصة بالأدوات المقدسة، كالعديد من المواد الخاصة بأسلاف الپاپا بندكتس السادس عشر.

   س: هل الأمر كذلك في اختيار الحلل التي يلبسها الپاپا خلال الإحتفالات المختلفة؟.

   ج: في هذه الحالة أيضاً، الثياب الليتورجية المختارة تؤكد على إستمرارية الإحتفالات الليتورجية الحالية مع تلك التي عيّنتها الكنيسة في الماضي. إن تفسير الإستمرارية هو دائماً المقياس الأكثر دقة لمعرفة طريق الكنيسة خلال الزمن. هذا ينطبق أيضاً على الليتورجيا. وبنفس الطريقة التي يذكر فيها الپاپا في وثائق الپاپوات الذين سبقوه، من أجل التركيز على إستمرارية سيادة الكنيسة، كذلك يستخدم في المجال الليتورجي الثياب الليتورجية والأدوات المقدسة الخاصة بالپاپوات الذين سبقوه والتركيز على هذه الإستمرارية نفسها. مع ذلك، كنتُ أودّ لو أبيّن لكم أن الپاپا لا يستخدم دائماً ثياباً ليتورجية قديمة. إنه غالباً يلبس ثياباً حديثة. المهم ليس هو القِدم أو الحداثة، ولكن المهم هو الجمال والوقار، هاتان المركّبتان الهامّتان لكل احتفال ليتورجي.

   س: نرى مثالاً خلال أسفارٍ في إيطاليا وخارج إيطاليا حيث الحلل الحبرية هي موضوعة تحت تصرف الكنائس المحلية.

   ج: تماماً. يكفي التفكير في الرحلة إلى الولايات المتحدة أو السفرات في إيطاليا، إبتداءً من جنوا وثم إلى "بالينتو". في هاتين الحالتين، كانت الأبرشيات هي التي زوّدت ثياب الپاپا الليتورجية بالإتفاق مع مكتب الإحتفالات الليتورجية التابعة للكرسي الرسولي. في مختلف النماذج ومع مراعاة خاصة للعناصر النوعية المحلية، تمّ اختيار المقياس على أساس الجمالية والمنزلة، هاتان السعتان الرمزيتان للعمل المقدس الذي يثبّت في الإحتفال الأفخارستي.

   س: بهذا الخصوص، هل تستطيع أن تكشف لنا عن بعض الجوانب الخاصة بالرحلة الدولية القادمة؟.

   ج: أستطيع القول بأن زمن الإستعداد كان مثمراً جداً وإن تعاون أستراليا كان صميمياً جداً وموسوماً باستعداد كبير للعمل. إن الپاپا بندكتس السادس عشر سوف يلتقي مرة أخرى بشباب العالم أجمع، ونحن نصلّي جميعاً لأجل أن يستطيع هذا اللقاء، مجدَّداً، أن يكون سبباً لنيل نعمة عظيمة لجميع البشر، ويكون فرصة للتعرف بطريقة أكثر قوة على وجه يسوع ووجه الكنيسة، والتشجيع على إستجابة سريعة وسخية لنداء الرب. إن رجائي هو أن تكون الإحتفالات الليتورجية المعَدَّة بعناية والمُعاشة إبتداءً من القلب، فرصة متميزة لتقبّل هذه النعمة.

   س: ماذا تستطيع أن تقول لنا عن العرش الپاپوي الكبير المستَخدَم في مناسبات مثل مَجْمَع الپاپا والكرادلة، وعن الصليب الذي عاد إلى مركز المذبح؟.

   ج: العرش المستخدم في بعض الظروف الخاصة يبرز بكل بساطة الصدارة الليتورجية التي يتمتّع بها الپاپا الذي هو خليفة بطرس ونائب المسيح. أما ما يخص وضع الصليب في مركز المذبح، فإن هذا يشير إلى مركزية الصليب في الإحتفالات الأفخارستية وإلى التوجّه الصحيح المدعو إلى إتّباعه كافة المحفِل طيلة الليتورجية الافخارستية: لا ينظر الواحد إلى الآخر بل ينظر الجميع إلى ذلك الذي وُلد ومات وقام من بين الأموات من أجلنا، ذلك هو المخلّص. إنّ من الرب إنما يأتينا الخلاص. هو المشرق وهو الشمس التي تصعد نحو الذي إليه جميعنا يجب أن ندير أبصارنا، والذي منه يجب أن نتقبّل هبة النعمة.

       إن مسألة التوجه الليتورجي في الإحتفالية الأفخارستية، والطريق العملية التي تأخذ منها شكلها تملك أهمية كبيرة لأن معها يتمّ انتقال حقيقة أساسية لاهوتية وإنسانية معاً، كنائسية وملتحمة بالروحانية الشخصية.

   س: هل إن هذا أيضاً هو المقياس لفهم قرار الإحتفال على المذبح القديم في كنيسة السكستين بمناسبة عيد عماد الرب؟.

   ج: تماماً. في الظروف التي تمّ الإحتفال حسب هذه المواصفات ليست القضية هي إستدارة الظهر إلى المؤمنين ولكن بالأحرى الإستدارة مع المؤمنين نحو الرب. من وجهة النظر هذه "نحن لا نسدّ الباب على المحفل" بل "نفتح الباب على المحفل" وذلك بقيادتها نحو الرب. سنلاقي أيضاً ظروفاً حيث لأسباب فنية تتعلق بالمكان المقدس، بجماله وإنسجامه الفريدَيْن، إنه من الأفضل الإحتفال على المذبح القديم حيث من بين أشياء أخرى، يمكن الإحتفاظ على التوجّه الصحيح للإحتفال الليتورجي. لا يجب الإندهاش أو الوقوع ضحية المباغتة: يكفي الذهاب إلى كنيسة مار بطرس صباحاً لمشاهدة كم هو عدد الكهنة الذين يحتفلون بحسب الطقس الإعتيادي النابع من الإصلاح الليتورجي، ولكن فوق مذابح تقليدية أي متجهة مثل مذبح كنيسة السكستين.

   س: في زيارته الأخيرة إلى كنيسة "سانتا ماريا دي لوكا وبرانديزي" ناول الپاپا القربان المقدس في فم المؤمنين وهم راكعون. هل هذه الطريقة مدعوّة لكي تصبح ممارسة إعتيادية في الإحتفالات الپاپوية؟.

   ج: أعتقد أن الجواب هو نعم. يجب من الناحية الأخرى عدم تناسي أن توزيع المناولة في اليد تبقى من وجهة النظر القانونية، إمتيازاً يشذّ عن القانون العام يمنحه الكرسي الرسولي للمؤتمرات الأسقفية التي قدمت طلباً بذلك. المواصفات التي يسير وفقها الپاپا بندكتس السادس عشر تميل إلى التركيز على صلابة القاعدة المعمول بها شرعاً في الكنيسة جمعاء.

       يمكن أيضاً هنا ملاحظة أن ممارسة هذه العادة في توزيع المناولة، من دون أن تنزع شيئاً من الممارسة الأخرى، ألقت الضوء، وبطريقة أفضل، على صحّة الحضور الحقيقي للسيد المسيح في الأفخارستيا وساعدتْ على تعميق تقوى المؤمنين، وولجتْ بطريقة أكثر سهولة إلى معنى سرّ القربان الأقدس. هذه هي الأوجه التي علينا إبرازها والتأكيد عليها من وجهة نظر الإرشاد الرعوي لأيامنا هذه.

   س: بماذا يجيب أستاذ الإحتفالات الليتورجية للذين يتّهمون بندكتس السادس عشر بكونه يريد هكذا فرض قواعد سابقة للمجامع الكنسية؟.

   ج: أودّ في بادئ الأمر التأكيد على الإلتحام القلبي والمقتنع الذي نلاحظه تجاه سيادة الليتورجية الخاصة بالأب الأقدس. فيما يخصّ لفظة (القواعد السابقة واللاحقة للمجمع الكنسي) المستخدمة من قِبَل بعض الأشخاص، يبدو لي أن هذه اللفظة نابعة من معجم تجاوزه، من الآن فصاعداً، عصرنا الحالي، وإذا كان البعض يستخدمونها للإشارة إلى إنقطاع في مسيرة الكنيسة، فأنا أعتبرهم إنهم على خطأ وإنهم نماذج من أوهام إيديولوجية مختزلة جداً. توجد "أشياء قديمة وأخرى جديدة" تنتمي إلى كنز الكنيسة منذ القدم دائماً وحتى الآن، تعتبر كما هي وغير قابلة للتبديل. والإنسان العاقل يعرف كيف يجد في هذا الكنز الأشياء القديمة والأشياء الجديدة معاً، دون الإستناد على مقاييس أخرى غريبة عن الإنجيل وعن الكنيسة. إن كل ما هو جديد ليس بالضرورة صحيحاً، وكل ما هو قديم أيضاً ليس صحيحاً بالضرورة، يجب علينا أن نتوجّه إلى الحقيقة التي تخترق القديم والجديد بدون أحكام مسبقة أو مزاعم وهمية باطلة ومتخيَّلة سلفاً. الكنيسة تعيش حسب هذا القانون الخاص بالإستمرارية التي بواسطتها تعرف التطور المتجذّر داخل التقليد. الأهم هو أن كل شيء يشارك لكي يكون الإحتفال الليتورجي حقاً احتفالاً للسر المقدس، للرب المصلوب والمنبعث الذي جعل نفسه حاضراً في كنيسته وذلك بتجديد سر الخلاص وبدعوتنا إلى مشاركة حقيقية ومنطقية وفاعلة للمساهمة إلى أقصى الحدود في حياته نفسها التي هي حياة عطاء حب للآب وللأخوة، حياة قداسة.

   س: بالنسبة لرسالة الحبر الأعظم فيما يتعلّق بالممارسة الليتورجية الرومانية السابقة لإصلاح سنة 1970، يبدو اليوم أيضاً إنها تعطي مكاناً لتأويلات متضادة. هل بالإمكان توقّع إحتفالات يترأسها الپاپا وفقاً للشكل غير الإعتيادي الذي هو الشكل القديم؟.

   ج: إن هذا بصدد طلب لا أستطيع الإجابة عليه. أما بخصوص الممارسة الليتورجية السابقة لإصلاح عام 1970، فإن دراسة رسالة الپاپا الإستعراضية الموجَّهة لجميع أساقفة العالم، بدقة صافية وبدون أوهام إيديولوجية، يبرز فيها مقصد مزدوج. قبل كل شيء، القصد لتسهيل تتبع "المصالحة في حضن الكنيسة"، وبهذا المعنى، كما قيل سابقاً، الرسالة الپاپوية الإستعراضية هي عمل رائع للحب نحو وحدة الكنيسة. وفي الموضع الثاني، فإن هذه الرسالة الپاپوية الإستعراضية هي حقيقة لا يجوز تجنبها، هدفها هو العمل على الإثراء المتبادل ما بين شكلَيْ الطقسين الرومانيَّيْن: إنه بهذه الطريقة، مثلاً، في الإحتفال الأفخارستي وفق كتاب القداس للپاپا پولس السادس (الذي هو الشكل الإعتيادي للطقس الروماني) "هذه الطريقة القدسية التي تجتذب كثيراً من الناس إلى الممارسة القديمة، يمكن أن تتجلّى بطريقة أكثر قوة، أكثر من ذي قبل وحتى الآن".