يوميات سينودوسية مع سيادة المطران بشارة الراعي -4

لمحة عن اليوم الرابع من سينودس أساقفة الشرق الأوسط

إعداد طوني عساف

الفاتيكان، الخميس 14 أكتوبر 2010 (zenit.org). .

نحييكم مجدداً اليوم من حاضرة الفاتيكان. صباح اليوم، وبحضور قداسة البابا واصل آباء السينودس مداخلاتهم حول اداة العمل، فكانت المواضيع التي طُرحت متنوعة ومختلفة، وأهمها حرية الدين وحرية المعتقد وتم التركيز على أن الحرية الدينية في بعض البلدان العربية محدودة، وليس هناك حرية معتقد. وفي هذا الصدد تم ذكر لبنان الذي يقدم شهادة. ففي المادة التاسعة من الدستور يعتبر لبنان حرية المعتقد حرية مطلقة وهذا يعني بأن الإنسان بضميره المستنير يستطيع ان يختار الدين الذي يجد نفسه فيه ويلتزم. بالطبع الموضوع هنا ليس أن يغير الإنسان مذهبه أو دينه لينال الطلاق على سبيل المثال لأن ذلك ليس بحرية دينية ولا بحرية معتقد. وهنا من جديد تظهر أهمية لبنان في العالم العربي ونتمنى انه على مثال عيش المسيحيين والمسلمين في لبنان ضمن احترام حرية الدين وحرية المعتقد، أن تعم هذه القناعات البلدان العربية.

كان هناك حديث عن الرجاء المسيحي على مثال رجاء الجماعة المسيحية الأولى. فالمسيحيين على الرغم من كل المصاعب والمحن والاضطهادات والمشاكل التي يتعرضون لها في بلدان الشرق الأوسط، عليهم أن يستمروا في أرضهم ليؤدوا رسالتهم ويعيشوا بإخلاص حياتهم المسيحية. هكذا بدأت المسيحية الأولى وانتشرت في العالم كله، وعلى المسيحيين أن يتذكروا انهم مدعوون لهذه الرسالة، وانهم يحملون الرجاء والمعنى للوجود، المعنى للحياة في هذا العالم العربي.

كان هناك تركيز على وسائل الإعلام ودورها في نشر الإنجيل، وأن لا تكون مجرد أداة خارجية، وأن لا يكون موضوعها فقط تقنياتها وإنما مضمونها. تم التطرق الى موضوع تنشئة رجال الإعلام ليؤدوا رسالتهم في خدمة الحقيقة الموضوعية، ولكن أيضاً تنشئة للإكليرس ليتمكنوا راعوياً من حسن استعمال وسائل الإعلام ليوصلوا الرسالة. فوسائل الإعلام ليست تقنيات نضع فيها أي شيء بل هي ثقافة، بلغة جديدة، بمقاربة جديدة،  تبني الجسور بين الشعوب. وعلى هذا الصعيد تم التذكير أنه على الرغم من تقنياتها، لا تؤثر وسائل الإعلام على الصحيفة التي لا تزال تحتفظ بقيمتها لنشر كلمة الثقافة بين الناس.

تم إلقاء الضوء أيضاً على الانتشار وراعوية الانتشار، ليحمل المنتشرون هويتهم وقيمهم وقيم وطنهم أكان في لبنان أو في أي بلد عربي، وليحملوا قضاياهم أمام الأسرة الدولية. من هما أهمية راعوية اجتذابهم الى الديار الأم والتعاون بينهم وبين المقيمين ومساعدة المقيمين ليستمروا ويثبتوا في رسالتهم. كانت هناك مطالبة، بسبب الانتشار الواسع وحاجة الكنيسة لعيش شركتها، بتوسيع سلطة البطاركة على أبناء كنائسهم حيثما وجدوا وأن لا تكون السلطة محصورة ببلدان الشرق الأوسط  لأن حركة الهجرة والتنقل باتت اليوم تفرض نفسها، ولا يمكننا أن نعتبر مبدأ الأرض لنحدد سلطة البطاركة وإنما سلطة الأشخاص. هذا ما نطالب به منذ زمن، ونتمنى، بمناسبة هذا السينودس ان يلبي قداسة البابا هذه الحاجة الراعوية الكبيرة.

كان هناك تركيز أيضاً على كلمة الله التي هي نور للعقول، غذاء للقلوب، قوة ومصدر رجاء. لا يمكننا ان نعيش بدون كلمة الله، هذه الكلمة التي تعطي معنى لوجودنا وحياتنا. لأنه عندما نضعف في معرفة كلمة الله تخور كل قوانا الاجتماعية والروحية والوطنية.  

الى جانب ذلم تطرق الآباء الى الأنجلة الجديدة (التبشير الجديد)،  أي كيفية حمل إنجيل الخلاص بلغة جديدة وأسلوب جديد ومقاربة جديدة، أن نخرج من الوسائل العادية والتقليدية لأن عالم اليوم تغير. إذن نحن بحاجة الى أنجلة جديدة في الأسلوب والطريقة وبالتفكير وبالأشخاص.

من المواضيع الجميلة التي ألقيت الأضواء عليها اليوم هي الحياة النسكية، حياة الحبساء، الحياة التأملية. ونحن في لبنان سعداء بأنه لا يزال هناك حبساء حتى اليوم. من الحبساء في لبنان خرج القديس شربل، واليوم هناك حبيسان في الكنيسة المارونية. وأشار الآباء الى ان الحياة التأملية والنسكية هي التي ستكون القوة التي تخلص العالم. الحبيس الذي يعيش في المحبسة في التأمل والصلاة والتقشف هو سند للكنيسة. وهنا تم التركيز على المحافظة على وادي قاديشا، وادي القديسين ليكون مركز إشعاع منه تنبثق ثمار لأوطاننا العربية وللبنان.

تعلمون أن مواضيع السينودس كلها تدور حول كيفية عيش الشركة معاً لنؤدي شهادة في مجتمعنا، ومن هذا المنطلق تم التركيز على ان الشهادة الأولى، قبل ان تكون شهادة الأعمال الاجتماعية هي أولاً شهادة الحياة، شهادة القداسة التي تعطي معنى وديناميكية لكل أعمالنا الاجتماعية والوطنية والسياسية.

تم التركيز على قيمة القوانين الكنسية، لأن كل القضايا المطروحة في أداة العمل هي مطروحة في القوانين الكنسية. لا يمكننا ان نعيش مسيحيتنا جاهلين قوانيننا لأنها هي التي تنظم حياتنا اليومية.

تركيز من جديد على مسألة الهجرة والتهجيرـ وعلى أسبابها وتحدياتها ومعالجتها؛ وعلى راعوية العائلة وضرورة إنشاء مراكز تحضير للزواج والخاطبين ومراكز مواكبة للأزواج المتعثرين لكيما لا تصل الأمور الى المحاكم في كل مرة يحصل فيها خلاف بين الزوجين. إنها امور يمكن معالجتها راعوياً.

انتهى اللقاء اليوم بكلمة للكاردينال روجيه اتشيغاراي، صديق الشرق الكبير، قال فيها وهو ينظر الى صورة العذراء التي تحمل الطفل لآباء السينودس الشرقيين: أنتم كالمجوس الثلاثة الذين جاؤوا يبحثون عن يسوع. ستعودون من هذا السينودس والعذراء هي نجمة لكم، لتصلوا الى الشرق، الشرق العربي الذي يعيش فيه أيضاً المسلمون واليهود. وأضاف: عودوا الى هذا الشرق، تقودكم العذراء، لتحملوا له سر المسيح فادي الإنسان ومخلص العام.

مرة أخرى أشدد كم ان الشرق، حيث تشرق الشمس، مدعو ليشرق على العالم شمس حرية وحقيقة، شمس عدالة وأخوة بين جميع الناس. والشمس الحقيقي هو يسوع المسيح.