سر الألـم

تــقــديــــم

 

أقدم هذا الكتيب الجديد عن  "سر الألـم" والذى حاولت أن أجمع فيه بعض التفسيرات عن الألم والشر والـموت وكلمات الكتاب الـمقدس لمن هم فى ضيقة.

أطلب من الرب أن يكون هذا الكتيب سبب بركة روحيـة للجميع وأن يساعد أبناء الكنيسة الكاثوليكيـة لينموا فى الإيـمان ببركة الرب وشفاعة أمنا مريم العذراء.

                                               الشماس نبيل حليم يعقوب

                                      كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك

                                               لوس انجلوس- كاليفورنيا

 

لوس انجلوس فى أكتوبر 2010 

 

الفهرس

1. سر الألـم

2. نـحن والشر والألـم والتجـربـة

3. كلـمات تعزيـة وإرشاد

4. مـن يعطـى لعيـونـنـا يـنابـيع دمـوع

5. لا أهـمـلـك ولا أتركــك

6. أربعة آراء عن الألـم

7. تساؤلاتنـا عندمـا نتألـم

8. "لا تضـطرب قـلـوبـكـم" (يو1:14)

9. الموت..؟؟؟؟؟

10. الضيقة العظيمة

11. لماذا التجارب وأين الله منها؟

12. لا تبكوا على الراقدين

13. ان الزمان قصير

14. فى سورة غضب حجبت وجهي

———————————

 

سر الألــم[1]

 

ما هـو الألـم؟..وهـل خلق اللـه الألـم والشر؟.. لـماذا يتألـم الإنسان؟

الألـم هـو شعور جسدي بحت لا يمكن تحديده او تفسيره بالنسبة لشيئ آخـر. وأسباب الألـم :

1.    قد يتألـم الإنسان نتيجة الخطيّة أو عقابا عليها

كما أحس قايـين بشناعة ما إرتكب "ذنبى أعظم من أن يحتمل" (تك13:4). وكـما أعلن السيد الـمسيح لـمريض بيت حسدا "ها إنك عوفيت فلا تخطأ بعد لئلا يصيبك أعظم" (يو14:5). ولكن يجب أن نتذكـر قول يعقوب الرسول :

" ولا يقل أحد إذا جُرّب إن اللـه قد جرّبنى فإن اللـه غيـر مُجرب بالشرور وهو لا يجرب أحداً بل كل إنسان تكون تجربته بإجتذاب شهوته وتـملقها له ثم الشهوة تحبل وتلد الخطيئة والخطيئة إذا تـمت تنتج الـموت" (يع13:1-15).

 

2.أو نتيجة تأديب الرب

"يابنى لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه لأن الذى يحبه الرب يؤدبه وكأب يسر به" (أم11:3-12) ..

ولكن الـله "لا يشأ أن يهلك الناس بل أن يقبل الحميع إلـى التوبـة (2بط9:3). 

" وقد نسيتم التعزيـّة التى تخاطبكم كالبنين فتقول يابُنـيّ لا تحتقر تأديب الرب ولا تخـُر إذا وبخك فإن الذى يحبه الرب يؤدبّه ويجلد كل إبن يتخذه فأصبروا على التأديب فإن اللـه إنما يعاملكم كالبنين وأي إبن لا يؤدبه أبوه ..وأيضا قد كان أباء أجسادنا يؤدبوننا ونحن نهابهم فهلا نكون بالحرى خاضعين لأبـى الأرواح فنحيـا فإنهم إنما أدّبونا لأيام حياتنا القليلة وعلى هواهم أمـّا هو لـمنفعتنا حتى نشترك فـى قداسته" (عب5:12-10).

3.وقد يكون الألـم بسبب الإضطهاد من أجل الـمسيح

كما تحدث الرسول بولس عن نفسه (2كو23:11-26) ..

"لأنه وهب لكم لأجل الـمسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضا أن تتألـموا لأجله" (فيليبى 29:1). " فأما إن تألـم كـمسيحى فلا يخجل بل ليُـمجد اللـه لأجل هذا الإسـم" (1بط16:4).

 

 4.وقد يكون نتيجة الإختيارات الخاطئة للإنسان

"لأن من يزرع لجسده يحصد فساداً ومن يزرع فى الروح يحصد حياة

أبديـة" (غلا8:6). والقديس بطرس يعلن "فلا يتألـم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو مترصد لـما هو لغيره" (1بط 15:4). والقديس يعقوب يقول " من أين فيكم الحروب والخصومات أليست من لذّاتكم الـمحاربة فـى أعضائكم" (يع1:4). "فأي إنسان أكل خبز الرب وشرب كأسه وهو على خلاف الإستحقاق فهو مجرم إلـى جسد الرب ودمـه فليختبـر الإنسان نفسه..ولذلك كثُـر فيكم الـمرضى والسقام ورقد كثيـرون" (1كو27:11-30).

5.وقد يكون نتيجةعدم تكيف الشخص مع البيئة والـمجتمع كأن يكون خجولا أو عديم الحيلة أو إحساسه بالذنب أو الغيرة.

6.وقد يكون الألـم نتيجة شرور الغيـر وأخطائهم.  

7.وقد يكون نتيجة ظلم إجتماعـى بسبب الفقر والجهل والكسل والإهمال وسوء التوزيع والإحتكار. 

8.وقد يكون نتيجة الكوارث والشرور الطبيعية مثل الزلازل والبراكين والجراثيم أو نتيجة القوانين الطبيعية للخليقة كقوانين الجاذبية.

 

9.وأخيرا قد يكون الألـم لتظهـر أعـمال اللـه

كـمـا فـى معجزة الـمولود أعـمى منذ مولده

"يـا معلـم من خطئ هذا ارجل أم أبواه حتى وُلد أعـمى؟ أجاب يسوع لا هذا أخطأ ولا أبواه وإنـما لتظهر أعـمال اللـه فيـه "(يو 3:9).

"فإنه خير لكم أن تتألـموا لعمل الصالحات إن كانت فـى ذلك مشيئة اللـه من أن تتألـموا لعمل السيئات"(1بط17:3).

وهـنا يلزم أن نتذّكر القول الإلهـى:

"ولكن اللـه أمين لا يدعكم تجربـون فوق طاقتكم بل يجعل مع التجربـة مخرجـا لتستطيعوا أن تحتـملوا" (1كو13:10). "طوبـى للرجـل الذى يصبـر على التجربـة لأنه إذا زُكي ينال إكليل الحياة الذى وعد به اللـه الذين يحبونـه" (يع12:1)

وتقول التفسيرات الحديثة عن مشكلة الشر فـى العالـم أن الشر فـى العالـم علـى نوعيـن: شر طبيعـي وشر أدبـي. والإنسان معّرض لكلا الشرّين فهو من طبيعته خاضع للـمرض والـموت ومن طبيعته معّرض للخطيئة..إذ أنه ليس إلهـا بل خليقـة.

فـالشّر الطبيعي ناتج من كون الإنسان خليقة محدودة والشّر الأدبـي من كونـه خليقة حرّة فبإمكانه السقوط فـى الخطيئة وأيضا فـىإمكانه التألـه.

ولكن يـمكننا على ضوء السيد الـمسيح وحياته وموته وقيامته أن نرى  أن الألـم والشر والـموت لـم يعد ذلك اللغـز الذى حيًر الإنسان منذ القديـم ففـى الـمسيح سُحق الـموت وحررنا من عبودية الخطيّة

 "كل من يعـمل الخطيئة هو عبد للخطيئة" ..

و لكن جاء الـمسيح ليحررنا من تلك العبودية ..

"فإن حرركم الإبن كنتم فى الحقيقة أحراراً) (يو34:8-36)..

"أين غلبتك أيها الـموت؟!.أين شوكتك يا موت؟!..الشكر للـه الذى يؤتينا الغلبـة بربنا يسوع الـمسيح"(1كور54:15-57).

لقد قضى الـمسيح على الشر والخطيئة دون القضاء على حريّة الإنسان ولكنه جدّد الإنسان من الداخل وقّوم طبيعته البشرية الـمحدودة مظهراً وجه اللـه الحقيقى ومبيناً للإنسان الطريق الوحيد الذى لا بد للإنسان أن يسلكه إذا أراد الحياة الأبديـة.

إن مريـم عرفت ما سر الألـم وشاركت إبنهـا فـى تحـمله حتى تعطى للإنسان الجديد قوة ويسهم مع الـمسيح فـى تجسيد الفداء فـى ذاته وفـى الأخرين وفـى الكون حتى يزول الشر وتزول الخطيئة " ويصير اللـه كلاً فـى الكلّ" (1كور28:15).

لقد دعانا السيد الـمسيح "وفيما أنتم ذاهبون إكرزوا قائلين إنه قد إقترب ملكوت السموات..إشفوا مرضى..طهروا برصا..أقيموا موتـى أخرجـوا شياطين..مـجانا أخذتـم ومـجانا أعطوا" (مت 7:10-8)

لقد قال الرسول بولس "نفتخر فى الضيقات عالـمين أن الضيق ينشئ صبراً والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت فى قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو3:1-3).

إن مواعيد اللـه عظيـمة ..فلنأخذ الألـم بشكر ونحمـل الصليب برجاء ثابت " فلا شدة ولا ضيق ولا جوع ولا عري ولا خطر ولا إضطهاد أو سيف يـمكن أن يفصلنـا عن محبـة الـمسيح" (رو 55:8)..فلنا مـجد عتيد أن يظهـر عند مجئ السيد فـى مجده "هـا أنذا آت سريعا وجزائـي معى لأكافـئ كل واحد حسب اعـمالـه" (رؤ 12:22).

 

نـحن والشر والألـم والتجـربـة[2]

 

عندمـا يهاجمنا الشيطان فإن اللـه يعرف مسبقـا مقدار ما سوف نواجهه نتيجة مجابهتنا لقوى الشر. فسلطان الشيطان من الله وليس سلطانا ذاتيا كامناً فيه لذلك يقول الكتاب "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأنه ليس سلطان إلاّ من الله والسلاطين الكائنة هى مرتبة من الله" (رو1:13)، والشيطان ضمن هذه السلاطين، لذلك نراه فى تجربة أيوب لم يستطع تجاوز حدوده المسموح بها من الله. ونرى حتى فى التجربة ليس له مطلق الحريـّة وفى هذا يقول الكتاب "ولكن الله أمين الذى لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون" (1كو30:10).

ولا يجب إفتراض ان كل شر أو حادث أو ألـم هو هجوم من الشرير، فليس كل شيئ ضار يحدث لنا هو نتيجة حتمية لهجوم مباشر من الشيطان ، بل ربما يكون نتيجة طبيعية لحياتنا فـى العالم ونظامـه الذى نحيا فيه. فمثلا إنسان أصيب بالسرطان، أو بـمرض عِضال فربـما يكون هذا نتيجة غير مباشرة طبيعية لتدخل الشيطان من خلال نظام التجارة العالـمي، وتشجيع تصنيع الـمبيدات و الإشعاعات، وإضافة الـمواد الحافظة، والإستخدام السيئ للهندسة الوراثية وغيرهـا.

كـما لا يجب إفتراض ان الألـم والـمعاناة هو نتيجة طبيعية لخطيئتنـا، كما جاء على لسان التلاميذ عن المولود أعـمى منذ مولده: "أهذا أخطأ أم أبواه حتى وُلد أعـمى" (يو2:9)، فأحيانـا يكون هذا الألـم تجربـة يسمح بهـا اللـه لـنمو حياتنـا الروحية، مثل تجربة أيوب الصديق

" فقال الرب للشيطان ها إن كل شيئ له فـى يدك ولكن إليه لا تـمد يدك" (أي 12:1)، وتجـربة آحـآب الـملك "فخرج روح ووقف بين يدي الرب وقال أنا أغويه.فقال له الرب بـماذا. فقال أخرج وأكون روح كذِب فى أفواه جميع أنبيائـه. فقال إنّك تُغوى وتقتدر فأخرج وتصنع هكذا" (1ملو22:22)، أو طوبيـا البار " وإنـما آذن الرب أن تعرض له هذه التجربـة لتكون لـمِن بعده قدوة صبره كأيوب الصِديق"

(طو12:2)، أو بولس الرسول "ولئلا أستكبر لسمو الإيحاءات أُعطيتُ شوكة فـى الجسد ملاك الشيطان ليلطمنى" (2كور7:12)، وأيضا لبطرس الرسول عندما قال الرب " سمعان سمعان هوذا الشيطان سأل أن يغربلكم مثل الحنطة لكنى صلّيت من أجلك لئلا يفنى إيـمانك" (لو31:22).

لذلك يقول لنا الرسول بولس: "لقد نسيتم التعزيـة التى تخاطبكم كالبنين فتقول يابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبّخك فإن الذى يحبه الرب يؤدبه.. أما هو فلـمنفعتنا حتى نشترك فى قداسته" (عب4:12-12). ويقول يعقوب الرسول: "طـوبـى للرجل الذى يصبـر على التجربـة لأنه إذا زُكي ينال إكليل الحياة الذى وعد به الله الذين يحبونه" (يع12:1) ، وأيضا قال يشوع ابن سيراخ: "إن الذهب يُمحص فـى النار والـمرضيين من الناس يُمحصون فـى آتون الإتضاع" (يشوع بن سيراخ 5:2).

لقد شفى الرب يسوع جميع الأمراض والعاهات والأسقام، ونرى أن بعضاً من تلك الأمراض يرجع بالفعل إلـى تجارب شيطانية وخطايـا الإنسان ذاته، لذلك قال السيد الـمسيح الـى مريض بركة بيت حسدا بعد شفاؤه: "هـا أنك عُوفيت فلا تخطأ بعد لئلا يصيبك أعظم" (يو14:5).

                         —————-

 

 

 

كلـمات تعزيـة وإرشاد من الكتاب المقدس

 

+"أنتم قصدتم لي شرا.اما الله فقصد به خيرا لكي يفعل كما اليوم.ليحيي شعبا كثيرا"(تكوين20:50).

+"فاعلم في قلبك انه كما يؤدب الانسان ابنه قد ادبك الرب الهك."(تثنية الإشتراع5:8).

+"الذي اطعمك في البرية المنّ الذي لم يعرفه آباؤك لكي يذلّك ويجربك لكي يحسن اليك في آخرتك."(تثنية16:8).

+"في ضيقي دعوت الرب والى الهي صرخت فسمع من هيكله صوتي وصراخي دخل أذني"(2ملوك7:22).

+"ارسل من العلي فأخذني.نشلني من مياه كثيرة.أنقذني من عدوي القوي.من مبغضيّ لأنهم أقوى مني.أصابوني في يوم بليتّي وكان الرب سندي. أخرجني الى الرحب.خلّصني لانه سرّ بي (2ملوك28:22).

+"مع الرحيم تكون رحيما.مع الرجل الكامل تكون كاملا.  مع الطاهر تكون طاهرا ومع الأعوج تكون ملتويا".  "لانك انت سراجي يا رب.والرب يضيء ظلمتي.لاني بك اقتحمت جيشا.بالهي تسورت اسوارا(2ملوك22).

+"فقال لهم إذهبوا كلوا السمين وإشربوا الحلو وابعثوا انصبة لمن لم يعدّ له لان اليوم انما هو مقدس لسيدنا ولا تحزنوا لان فرح الرب هو قوتكم"(نحميا10:8)

+"هوذا طوبى لرجل يؤدبه الله.فلا ترفض تأديب القدير. لانه هو يجرح ويعصب.يسحق ويداه تشفيان"(ايوب17:5-18)..

+"لانه يعرف طريقي.اذا جربني اخرج كالذهب"(ايوب10:23).

+"مزمور لداود.الرب راعيّ فلا يعوزني شيء. في مراع خضر يربضني.الى مياه الراحة يوردني. يرد نفسي.يهديني الى سبل البر من اجل اسمه.ايضا اذا سرت في وادي ظل الموت لا اخاف شرا لانك انت معي.عصاك وعكازك هما يعزيانني.ترتب قدامي مائدة تجاه مضايقيّ.مسحت بالدهن راسي.كاسي ريا.انما خير ورحمة يتبعانني كل ايام حياتي واسكن في بيت الرب الى مدى الايام(مزمور23).

+"لإمام المغنين.مزمور لداود.عليك يا رب توكلت.لا تدعني اخزى مدى الدهر.بعدلك نجني. أمل اليّ اذنك.سريعا انقذني.كن لي صخرة حصن بيت ملجإ لتخليصي.لان صخرتي ومعقلي انت.من اجل اسمك تهديني وتقودني.اخرجني من الشبكة التي خبأوها لي.لانك انت حصني. في يدك استودع روحي.فديتني يا رب اله الحق. ابغضت الذين يراعون اباطيل كاذبة.اما انا فعلى الرب توكلت.ابتهج وافرح برحمتك لانك نظرت الى مذلتي وعرفت في الشدائد نفسي.ولم تحبسني في يد العدو بل اقمت في الرحب رجلي ارحمني يا رب لاني في ضيق.خسفت من الغم عيني.نفسي وبطني. لان حياتي قد فنيت بالحزن وسنيني بالتنهد.ضعفت بشقاوتي قوّتي وبليت عظامي. عند كل اعدائي صرت عارا وعند جيراني بالكلية ورعبا لمعارفي.الذين رأوني خارجا هربوا عني.نسيت من القلب مثل الميت.صرت مثل اناء متلف.لاني سمعت مذمة من كثيرين.الخوف مستدير بي بمؤامرتهم معا عليّ.تفكروا في اخذ نفسي.اما انا فعليك توكلت يا رب.قلت الهي انت.في يدك آجالي.نجني من يد اعدائي ومن الذين يطردونني.اضئ بوجهك على عبدك.خلصني برحمتك.يا رب لا تدعني اخزى لاني دعوتك.ليخز الاشرار.ليسكتوا في الهاوية.لتبكم شفاه الكذب المتكلمة على الصدّيق بوقاحة بكبرياء واستهانة. ما اعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك.وفعلته للمتكلين عليك تجاه بني البشر.تسترهم بستر وجهك من مكايد الناس.تخفيهم في مظلة من مخاصمة الألسن. مبارك الرب لانه قد جعل عجبا رحمته لي في مدينة محصنة.وانا قلت في حيرتي اني قد انقطعت من قدام عينيك.ولكنك سمعت صوت تضرعي اذ صرخت اليك.احبوا الرب يا جميع اتقيائه.الرب حافظ الامانة ومجاز بكثرة العامل بالكبرياء. لتتشدد ولتتشجع قلوبكم يا جميع المنتظرين الرب"(مزمور31).

+"لداود عندما غيّر عقله قدام ابيمالك فطرده فانطلق.ابارك الرب في كل حين.دائما تسبيحه في فمي. بالرب تفتخر نفسي.يسمع الودعاء فيفرحون.عظموا الرب معي ولنعلّ اسمه معا. طلبت الى الرب فاستجاب لي ومن كل مخاوفي انقذني.نظروا اليه واستناروا ووجوههم لم تخجل.هذا المسكين صرخ والرب استمعه ومن كل ضيقاته خلصه.ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم.ذوقوا وانظروا ما اطيب الرب.طوبى للرجل المتوكل عليه.اتقوا الرب يا قديسيه لانه ليس عوز لمتقيه.لاشبال احتاجت وجاعت واما طالبو الرب فلا يعوزهم شيء من الخير. هلم ايها البنون استمعوا اليّ فاعلّمكم مخافة الرب. من هو الانسان الذي يهوى الحياة ويحب كثرة الايام ليرى خيرا. صن لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالغش.حد عن الشر واصنع الخير.اطلب السلامة واسع وراءها. عينا الرب نحو الصديقين واذناه الى صراخهم.وجه الرب ضد عاملي الشر ليقطع من الارض ذكرهم.اولئك صرخوا والرب سمع ومن كل شدائدهم انقذهم.قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح.كثيرة هي بلايا الصدّيق ومن جميعها ينجيه الرب.يحفظ جميع عظامه.واحد منها لا ينكسر.الشر يميت الشرير ومبغضو الصدّيق يعاقبون.الرب فادي نفوس عبيده وكل من اتكل عليه لا يعاقب"(مزمور34).

+"لإمام المغنين.مزمور لداود.انتظارا انتظرت الرب فمال اليّ وسمع صراخي واصعدني من جب الهلاك من طين الحمأة واقام على صخرة رجليّ.ثبت خطواتي وجعل في فمي ترنيمة جديدة تسبيحة لالهنا.كثيرون يرون ويخافون ويتوكلون على الرب.طوبى للرجل الذي جعل الرب متكله ولم يلتفت الى الغطاريس والمنحرفين الى الكذب.كثيرا ما جعلت انت ايها الرب الهي عجائبك وافكارك من جهتنا.لا تقوّم لديك.لاخبرن واتكلمن بها.زادت عن ان تعد.بذبيحة وتقدمة لم تسر.اذنيّ فتحت.محرقة وذبيحة خطية لم تطلب حينئذ قلت هانذا جئت.بدرج الكتاب مكتوب عني ان افعل مشيئتك يا الهي سررت.وشريعتك في وسط احشائي. بشرت ببر في جماعة عظيمة.هوذا شفتاي لم امنعهما.انت يا رب علمت.لم اكتم عدلك في وسط قلبي.تكلمت بامانتك وخلاصك.لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني.تنصرني رحمتك وحقك دائما لان شرورا لا تحصى قد اكتنفتني.حاقت بي آثامي ولا استطيع ان ابصر.كثرت كثر من شعر راسي وقلبي قد تركني. ارتض يا رب بان تنجيني.يا رب الى معونتي اسرع. ليخز وليخجل معا الذين يطلبون نفسي لاهلاكها.ليرتد الى الوراء وليخز الـمسرورون بأذيتي.ليستوحش من اجل خزيهم القائلون لي هه هه.ليبتهج ويفرح بك جميع طالبيك.ليقل ابدا محبو خلاصك يتعظم الرب اما انا فمسكين وبائس الرب يهتم بي.عوني ومنقذي انت.يا الهي لا تبطئ"(مزمور40).

+" طوبى للرجل الذي تؤدبه يا رب وتعلمه من شريعتك. لتريحه من ايام الشر حتى تحفر للشرير حفرة.لان الرب لا يرفض شعبه ولا يترك ميراثه.لانه الى العدل يرجع القضاء وعلى اثره كل مستقيمي القلوب من يقوم لي على المسيئين.من يقف لي ضد فعلة الاثم.لولا ان الرب معيني لسكنت نفسي سريعا ارض السكوت.اذ قلت قد زلت قدمي فرحمتك يا رب تعضدني. عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي"(مزمور12:94).

+"الرب حنّان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة..الرب صالح للكل ومراحمه على كل اعماله"(مزمور8:145-9).

 +"الرب عاضد كل الساقطين ومقوم كل المنحنين"(مزمور14:145).

+"تفتح يدك فتشبع كل حيّ رضى. الرب بار في كل طرقه ورحيم في كل اعماله. الرب قريب لكل الذين يدعونه الذين يدعونه بالحق"(مزمور15:145-16).

+"توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد.في كل طرقك اعرفه وهو يقوم سبلك"(أمثال5:3-6)

+"يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه.لان الذي يحبه الرب يؤدبه

وكأب بابن يسرّ به"(أمثال11:3-12).

+"الحزن خير من الضحك لانه بكآبة الوجه يصلح القلب"(جامعة3:7).

+" في يوم الخير كن بخير وفي يوم الشر اعتبر.ان الله جعل هذا مع ذاك لكيلا يجد الانسان شيئا بعده"(جامعة14:3).

+"فإن الله خلق الإنسان خالداً وصنعه على صُورة ذاتـه لكن بحسد إبليس دخل الـموت إلى العالـم فيذوقـه الذين هم من حِزبـه، أمـا نفوس الصديقين فهى بيد الله لا يـمسّهـا العذاب. وفى ظن الجهّال أنهم ماتوا وقد حُسب خروجهم شقاءًً. وذهابهم عنـّا عطبـاً أمـا هم ففى السلام. ومع أنهم قد عُقبوا فى عيون الناس فرجاؤهم مملوءُ خلوداً وبعد تأديب يسير لهم ثواب عظيم لأن الله امتحنهم فوجدهم أهلاً له. محصهم كالذهب فى البودقـة وقبِلهم كالذبيحة مـُحرقـة. فهم فى وقت إفتقادهم يتلألأون ويسعون سعي الشَرار بين القصب"(حكمة33:2-35و1:3-7).

+"امـا الصديقّون فسيحيون إلى الأبد وعند الرب ثوابهم ولهم عنايـة من لدُن العلي. فلذلك سينالون مُلك الكرامـة وتاج الـجمال من يد الرب لأنـه يسترهم بيـمينه وبذراعـه يَقيهم"(حكمة16:5-17).

+"إن الحزن يجلب الـموت وغُـمّة القلب تحني القوة"."لا تُسلّم قلبك إلى الحزن بل أصرفـه ذاكراً الأواخـر. لا تنس فإنـه لا رجوع من هناك ولستَ تنفعـه ولكنك تضّر نفسك. أذكر أنّ ما قّضـي عليـه يُقضى عليك. لـي أمس ولك اليوم. إذا إستراح الـميت فاسترح من تذّكره وتعزّ عنـه عند خروج روحـه"(يشوع بن سيراخ19:38و21-24).

+"أيها الموت ما أشد مرارة ذِكرك على الإنسان المتقلب فى السلام فيما بين امواله"(يشوع بن سيراخ1:41). 

+"أقلل البكاء على الـميت فإنه فى راحـة"(بن سيراخ11:22).

+"لانك كنت حصنا للمسكين حصنا للبائس في ضيقه ملجأ من السيل ظلا من الحرّ اذ كانت نفخة العتاة كسيل على حائط"(اش4:25).

+"يمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه وينزع عار شعبه عن كل الارض لان الرب قد تكلم.ويقال في ذلك اليوم هوذا هذا الهنا انتظرناه فخلّصنا.هذا هو الرب انتظرناه.نبتهج ونفرح بخلاصه.(اشعيا8:25-9).

+"عزّوا عزّوا شعبي يقول الهكم"(اشعيا1:40).

 +"هوذا أجرته معه وعملته قدامه. كراع يرعى قطيعه.بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات"(اش10:40-11)

+"أرفعوا الى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه.من الذي يخرج بعدد جندها يدعو كلها باسماء.لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يفقد أحد"(اش26:40).

+"أما عرفت ام لم تسمع.اله الدهر الرب خالق اطراف الارض لا يكل ولا يعيا ليس عن فهمه فحص.يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثر شدة.الغلمان يعيون ويتعبون والفتيان يتعثرون تعثرا.واما منتظروا الرب فيجددون قوة.يرفعون اجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون"(اش28:40-31).

+"السيد الرب يعينني لذلك لا اخجل.لذلك جعلت وجهي كالصوان وعرفت اني لا اخزى. قريب هو الذي يبررني"(اش7:50-8).

+"كإنسان تعزيه امه هكذا اعزيكم انا وفي اورشليم تعزون"(اش13:66).

+"نصيبي هو الرب قالت نفسي.من اجل ذلك ارجوه.طيب هو الرب للذين يترجونه للنفس التي تطلبه."(مراثي ارميا24:3)

+"فانه ولو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه.لانه لا يذل من قلبه ولا يحزن بني الانسان"(مراثي32:3-33)

+"لماذا يشتكي الانسان الحي الرجل من قصاص خطاياه.لنفحص طرقنا ونمتحنها ونرجع الى الرب.لنرفع قلوبنا وايدينا الى الله في السموات"(مراثي39:3-41).

+"دعوت باسمك يا رب من الجب الاسفل. لصوتي سمعت.لا تستر اذنك عن زفرتي عن صياحي. دنوت يوم دعوتك.قلت لا تخف"(مراثي55:3-57)

+"ولكنني اراقب الرب اصبر لاله خلاصي.يسمعني الهي.لا تشمتي بي يا عدوّتي.اذا سقطت اقوم.اذا جلست في الظلمة فالرب نور لي."(ميخا7:7-8)

"صالح هو الرب حصن في يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه"(ناحوم7:1).

+"طوبى للمساكين بالروح.لان لهم ملكوت السموات. طوبى للحزانى.لانهم يتعزون".(متى3:5-4)

+"طوبى للمطرودين من اجل البر.لان لهم ملكوت السموات.طوبى لكم اذا عيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا.لان اجركم عظيم في السموات.فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم"(متى10:5-12).

+"وتكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي.ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص"(متى22:10).

+" ثم تقدم قليلا وخرّ على وجهه وكان يصلّي قائلا يا ابتاه ان امكن فلتعبر عني هذه الكاس.ولكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت."(متى39:26).

+"طوباكم أيها الجياع الآن لانكم تشبعون.طوباكم ايها الباكون الآن لانكم ستضحكون. طوباكم اذا ابغضكم الناس واذا افرزوكم وعيّروكم واخرجوا اسمكم كشرير من اجل ابن الانسان"(لوقا21:6-22).

+"ان كان العالم يبغضكم فاعلموا انه قد ابغضني قبلكم."(يو18:15)

+"الحق الحق اقول لكم انكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح.انتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول الى فرح"(يوحنا20:16).

+"فانتم كذلك عندكم الآن حزن.ولكني سأراكم ايضا فتفرح قلوبكم ولا ينزع احد فرحكم منكم"(يوحنا22:16)

+"قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام.في العالم سيكون لكم ضيق.ولكن ثقوا.انا قد غلبت العالم"(يوحنا33:16)

+"الذي به ايضا قد صار لنا الدخول بالايمان الى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله وليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا  والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا"(رومية2:5-5).

+"لأن كل ما سبق فكتب كتب لأجل تعليمنا حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء" (رومية4:15).

                     ——————

 

مـن يعطـى لعيـونـنـا يـنابـيع دمـوع[3]

مـن يعطـى لعيـونـنـا يـنابـيع دمـوع ومـجـارى عـَبـَرات..لنبكى نهارا وليلاً على شقاء حالنا وتعب حياتنا..فإننا نرى أنفسنا تئن على الدوام تحت أحـمال هذه الدنيا الفانيـة ونتآوه متضجرين من متاعبهـا وأحزانها الـمتواصلة.فلا نفلت من مصيبة حتى نقع فـى الأخرى ..ولا نداوى جرحاً حتى يسيل جرحُُ آخـر..هذه هى حالنا ..فـما حيلتنا وكيف نصنع؟!..

يظهر لنا أحيانا إن اللـه كأنه يناصبنا العداء ويثير علينا حرباً شديدة إذ تتوالـى علينا الـمصائب..ضربات نادرة قلّ من يفهـمها..

لقد كانت غاية العذاب وفاءً للعدل الإلهى وإختباراً للحب فأصبحت الآن وسـما للنفس يسـم هذه النفس بطابع الكـمال..أصبحت ختـما لها يختمها بصورة الحبيب الـمسيح..فهذا عذاب صادر من اللـه رأساً وأصولـه ثابتة فـى قداسته تعالـى..تلك القداسة غيـر الـمحدودة..وأسبابه الأولـى ما هـى إلاّ مواهب الروح القدس..تلك الـمواهب الخـفيّة الـمخيفة حينما يريد أن يبشر النفس ويشركها بالبـر الأبدي السامي..فهو يستولـى عليها ويجردها من سعادة الـمخلوقات ويحطمها ويهملها لعذابها ثم يستردها ويسحقها ثم يطرحها فـى بحر مـن الـمرارة ويـملأها جراحاً لكى يحولها تحويلاً كاملاً إلـى درّة غالية سماوية..ذلك فعل اللـه وحده يبلغ به أقاصى الروح الخفيـّة..

إن كلـمة اللـه حيّة عاملة أمضى من سيف ذى حدين نافذة حتى مفرق النفس والروح والأوصال والـمخاخ ومـميزة لأفكار القلب ونيّاته..

إن الروح القدس يبعث فى النفس نوراً خفيـّا باهـراً يكشف لها شقاءها من جانب وعظـمة اللـه من جانب آخـر..ويلقى على كل شيئ سواهـما ظلامـا حالكا ويهدم من حولها كل سند طبيعى ويتركها فـى وحدة خانقـة أمام العلـيّ القدوس..ويغمرها بظلمات روحية هائلة تصحبها غالبا مخاوف لا تطاق..وإرادة اللـه فـى كل ذلك إنـما هـى أن يطّهـر كل شيئ فيها..

إن إلهنا نار آكلـة..فـما العـمل حينئذ؟!..

ينبغى الإستسلام إلـى اللـه بدون مقاومـة لأن الـمقاومـة قد تكون مضّرة وكثيرا ما تكون غير ممكنة ..والعامل هو الروح القدس نفسه فـمن أقام فـى هذا العذاب الـمُطّهـر إستقام فـى اللـه والإتحاد حينئذ بالـمسيح يسوع وبألامـه هـو أنفع ما يكون وشدة النفس مهما بلغت من الهـول فلن تبلغ ما بلغت إليه نفس الـمسيح القدوسة من الإنقطاع حين كان يقول نفسي حزينة حتى الـموت..إلهى..إلهـى لـماذا تركتنى..ولا حين أطلق اللـه الأب لأجلنا كل قوات الجحيم على هذا الإبن الحبيب وكأنه قد سدد دونه كل منافذ العون السماوي فتم فيه قول النبي إن حطمه عظيم كالبحر فمن ذا يشفيه ..غير انه لا بد من التصريح بأن الإتحاد بيسوع على ما فيه من العذوبـة والعذاب يتحول حينئذ جليداً أصم مؤلـما لا يشعر به القلب بل يبقى كامنا فـى الإيمان حينئذ ينبغى للنفس أن تقيم متمسكة باللـه فالإيمان هو الـملجأ الوحيد ..هو الـملكوت الذى لا يتزعزع..وبه نبقـى دائـما غيـر متزعزعين..

فعلى النفس الـمقطوعة أنذاك أن تكون أكثـر إيـمـانـا منها لإى  وقت آخـر لكثرة محبة اللـه التى غـمرنا بها وتصطبـر فـى الإيمان غير متزعزعة كـما إصطبر موسى كأنها تعاين الذى لا يرى وعليها أن تؤمن أن اللـه ما أحبها قط كـما يحبها فـى تلك الأوقات حين يبدو لها كأنه يطردها ولا يريد أن يراها..

لقد قال الرب لإحدى الطوبايات "متى شعرتِ إنكِ مهجورة فأنتِ حينئذ محبوبة وموصولة ثم إعلـمى إنك تكونين فى هذه الحال أقرب إلـى اللـه منكِ فـى أيـّة حال أخرى" ..ولنكرركلمة القديس يوحنا "أما نحن فقد آمنا بالمحبة التى عند اللـه لنا"..

أحبائـى..يا من إصطفيتهم أقول لكم فـى هذه الساعات الـمباركة ساعات الحزن الباطن ..بل ساعات التطهيـر الروحـى تحدث أمور عظيـمة فإن الحب يكمل إتحاد النفس باللـه حسب وعده فـى هوشع النبـى "أتزوجكِ بالإيمان إلـى الأبـد"..

ومتى تم التطهيـر تظهر العروس فـى ثوب قشيب من النقاوة والفرح والقوة..

"من هذه الطالعة من القفر الـمتهللـه بالنعـمة الـمستندة إلـى حبيبهـا"

إذن ليت للنفس متى كانت فـى الـمحنة إلا أن تتعلق بالـمسيح يسوع وتدخل من جراح ناسوته إلـى خباء لاهـوتـه..

                                  —————–

 

            لا أهـمـلـك ولا أتركــك[4] ..

لـم تسقط كلمة من جميع الكلام الصالح الذى كلمنا بـه الرب،بل الكل صار.

ليس الله إ نسانا فيكذب .. إبن إنسان فيندم.. هل يقول ولا يفعل..؟! ..

أو يتكلم ولا يعنى ؟!

إن الرب إلهك هو الله..

الإله الأمين الحافظ العهد و الإحسان للذين يحبونه.. يذكر الى الأبــــد رحـمـتـه.

هل تنسى الـمرأة رضيعها … فلا ترحم إبن بطنها؟! ..

حتى هؤلاء ينسين أما انا فلا أنساكم..

هوذا على كفى نقشتكم….الرب إلهكم فى وسطكم ..

جبار .. يُخلص .. يبتهج فيكم فرحاً..يسكن فى مـحبته ..

يبتهج بكم بترنـم .

                        _________________

 

 

أربعة آراء عن الألـم

رأي الشيطان      لا يؤمن الناس بالله متى كانوا ناجحين غير متألـمون.

                    وهذا خطأ.

رأي أصحاب ايوب الثلاثـة: الألم هو عذاب الله للخطية. وليس هذا

                   صحيحاً دائـماً.

رأي اليهو         الألم هو طريقة الله فى التعليم والتأديب والتنقيـة. وهذا

                    صحيح ولكنه ليس التفسير الكامـل.

رأي اللـه        الألـم يدفع للإتكال على الله لكونـه الله، وليس لأجل

                   ما يفعل.

                    ___________________

 

                     تساؤلاتنـا عندمـا نتألـم

هناك اسئلة نسألهـا لأنفسنا عندما نتألـم، فـما هـى؟ وماذا نفعل إذا كان الجواب:"نعـم"

الأسئلــة

رد فعلنـا

هل أعاقب من الله لأجل خطيـة؟

اعترف بالخطية الـمعروفة لك.

هل يهاجمني الشيطان لأني أحاول أن أحيا كـمسيحي؟

أطلب من الله القوة.

هل يعدّني الله لخدمة خاصة، فأتعلم أن أكون عطوفـاً على الـمتألـمين؟

قاوم رثاء الذات، واطلب من الله أن يفتح الأبواب للفرصـة، وأن يعينك على إكتشاف آخرين ممن يتألـمون مثلك.

هل وقع عليّ بالذات الإختيار للإمتحان مثل أيوب؟

اقبل معاونـة جماعة الـمؤمنين، وثق فى الله أن يتمم قصده من خلالك.

هل الامـي نتيجة لأمور طبيعية لست مسئولاً عنها مسؤلية مباشرة؟

اعلم انه فى عالم خاطئ، يتألـم الناس الصالحون والطالحون، ولكن الصال عنده الوعد من الله بأن آلامـه ستنتهى يوما من الأيام.

هل آلامـي نتيجة سبب غير معروف؟

لا تتقوقع فى داخلك من الألـم، بل جاهر بإيمانك بالله عالـماً أنـه يعتني بك، وانتظر معونتـه بصبر.

 

 

"لا تضـطرب قـلـوبـكـم" (يو1:14)

 

القلق..هـو أحـد الأمـراض التى يتعرض لهـا الإنسان فـى هذا العصر حتى إن البعض أطلق على عصرنـا الحاضـر "عصر القلق". والقلق ليس فقط مرض نفسي بل يـمثل 70% من السبب الرئيسى لـمعـظم أمراض الإنسان.

ضغوط نفسية وعصبية يتعرض لها الإنسان منهـا القلق من أجل العـمل والـمستقبل ،أومعاناة من فقد للعـمل أو خوف من الفشل، وأحيانا من عـمل فوق طاقـة الإنسان، وقلق وتوتـر فـى العلاقات الأسرية أو الإجتماعية..

فـما هـو العلاج؟..أو ما الكيفية لـمقاومـة القلق من النظرة الـمسيحية؟

أو بـمعنـى بسيط كيف لا أقلق؟! 

1.    لا تقلق لأن اللـه هـو الذى يقول لك ذلك.."لا تضطرب قلوبكم" (يو1:14)"فلاتخافـوا فإنكم أفضل من عصافيـر كثيـرة" (مت21:10)

2. ما الشيئ الجديد الذى سيؤدى إليـه قلقك؟

" ومن منكم إذا هـّم يقدر أن يزيد على قامتـه ذراعـا واحـدة" (مت 29:6).

3. الـحِـمْل خفيف فيسوع هـو الذى يقول لك .." لأن نيـري لـيـّن وحـملى خفيف" (مت 30:11).

4. هناك شخص يهـتم بك .."لا تهتـموا البتة بل فـى كل شيئ فلتكن طلباتكم معلومـة لدي اللـه بالصلاة والتضرع مع الشكر" (فيليبى 6:4-7،13).

"تعالـوا إلـيّ يا جـميع الـمتعبين والـمثقلين وأنا أريحكم" (مت 28:11).

"أي إنسان منكم يسأله إبنه خبزاً فيعطيه حجراً أو إذا سأله سمكة يعطيه حيّة فإذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون أن تمنحوا العطايا الصالـحة لأبناءكم فكم بالحرى أبوكم الذى فـى السـموات يـمنح الصالحات لـمن يسألـه" (مت 9:7-12).

"فلهذا أقول لكم لا تهتـموا لأنفسكم بـما تأكلون ولا لأجسادكم بـما تلبسون أليست النفس أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس..فلا تهتـموا ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس لأن هذا كله تطلبه الأمم وأبوكم السماوي يعلـم إنكم تحتاجون إلـى هذا كله" (مت 25:6-34).

5. إنك لا تعانـى وحدك– "طوبى للمطرودين من أجل البر ، لأن لهم ملكوت السماوات طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة ، من أجلي ، كاذبين افرحوا وتهللوا ، لأن أجركم عظيم في السماوات ، فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم" (مت 10:5_12)

+ "وقبل هذا كله يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ، ويسلمونكم إلى مجامع وسجون ، وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل اسمي فيؤول ذلك لكم شهادة فضعوا في قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا لأني أنا أعطيكم فما وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (لو 12:21_15)

+ "لا تخف البتة مما أنت عتيد أن تتألم به . هوذا إبليس مزمع أن يلقي بعضا منكم في السجن لكي تجربوا ، ويكون لكم ضيق عشرة أيام . كن أمينا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة "(رؤ 10:2)

6. خذ درسا من زنابق الحقل – "فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور ، يلبسه الله هكذا ، أفليس بالحري جدا يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان فلا تهتموا قائلين : ماذا نأكل ؟ أو ماذا نشرب ؟ أو ماذا نلبس فإن هذه كلها تطلبها الأمم . لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها لكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبره ، وهذه كلها تزاد لكم فلا تهتموا للغد ، لأن الغد يهتم بما لنفسه . يكفي اليوم شره"(متى 30:6_34).
7. تأمل فى وعود الله الخاصة بأوقات القلق والضيق:

 +"تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال ، وأنا أريحكم احملوا نيري عليكم وتعلموا مني ، لأني وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم لأن نيري هين وحملي خفيف"(مت28:11_30).
+"لا تهتموا بشيء ، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر ، لتعلم طلباتكم لدى الله وسلام الله الذي يفوق كل عقل ، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع"(فيليبي6:4_7).

+"ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعا واحدة فإن كنتم لا تقدرون ولا على الأصغر ، فلماذا تهتمون بالبواقي" لوقا25:1226).
+"فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه ملقين كل همكم عليه ، لأنه هو يعتني بكم"(1بطرس6:57).

 +" فاثبتوا إذا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ، ولا ترتبكوا أيضا بنير عبودية" (غلاطية 1:5).

 

+"لم تصبكم تجربة إلا بشرية . ولكن الله أمين ، الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون ، بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ ، لتستطيعوا أن تحتملوا" (1كو 13:10)

+ "وأنقذ لوطا البار ، مغلوبا من سيرة الأردياء في الدعارة إذ كان البار ، بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم ، يعذب يوما فيوما نفسه البارة بالأفعال الأثيمة يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء من التجربة ، ويحفظ الأثمة إلى يوم الدين معاقبين" (2بط 7:2_9)

+ "فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات ، يسوع ابن الله ، فلنتمسك بالإقرار لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا ، بل مجرب في كل شيء مثلنا ، بلا خطية فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونا في حينه" (عب 14:4_16)

+ "امتنعوا عن كل شبه شر وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام . ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح أمين هو الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضا" (1تس 22:5_24)

+ "فاخضعوا لله . قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع 7:4)

+ "نعمة لكم وسلام من الله الآب ، ومن ربنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه

لأجل خطايانا ، لينقذنا من العالم الحاضر الشرير حسب إرادة الله وأبينا" (غلاطية 3:1-4)

+ "إله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعا . نعمة ربنا يسوع المسيح معكم . آمين" (رو 20:16)

+"قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام . في العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا : أنا قد غلبت العالم" (يو 33:16)

+ "أنتم من الله أيها الأولاد ، وقد غلبتموهم لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم" (1يو 4:4)

————————-

 

الموت..؟؟؟؟؟

حين نتكلم عن الموت في مجال التعزية بوفاة قريب أو صديق قلما يصدر كلامنا عن إيمان مسيحي حقيقي. لذا لا يكون لكلامنا التأثير الحقيقي المطلوب.

   لِنرَ ما يقول السيد المسيح عن الموت. بالنسبة له فالموت لم يعد له وجود. لقد قضى عليه بموته وقيامته إذ كفّر عن الخطيئة التي كان الموت نتيجة وقصاصاً لها. فنسمعه يقول: "أنا القيامة والحياة. من آمن بي وإن مات فسيحيا. والذي يحيا ويؤمن بي لن يموت للأبد" (يوحنا 11: 23،26)، "من يحفظ كلامي لا يرى الموت أبداً" (يوحنا 51:8)

   إن الحياة الأبدية ليست حياة تبدأ بعد موت الإنسان. إنها تبدأ منذ هذه الحياة الزمنية. إن الماء الذي يعطيه المسيح للإنسان المتعطّش إلى الرب كما أعطاه للسامرية يصير فيه "عين ماء يتفجر حياة أبدية" يوحنا 14:4

   ويزيد السيد المسيح: "من يؤمن بي له الحياة الأبدية" يوحنا 47:6 "من يأكل جسدي ويشرب دمي له الحياة الأبدية" يوحنا 54:6

   إن الخليقة كلها بما فيها المواد والأجساد ستفيد أيضاً من سرّ الفداء وتدخل إلى الأبدية كما جاء في مار بولس إلى أهل روما 8: 18-22: "فالخليقة تنتظر بفارغ صبر تجلي أبناء الله. فقد أُخضعت للباطل بسلطان الذي أخضعها، لا طوعاً منها. ومع ذلك لم تقطع الرجاء، لأنها هي أيضاً ستعتق من عبودية الفساد لتشارك أبناء الله حريتهم ومجدهم. فإنّا نعلم أن الخليقة جمعاء تئن إلى اليوم من آلام المخاض".

   إن يسوع بقيامته صوّب سير الإنسانية إذ بعد قيامته جرّ كل من افتداهم معه. فأصبح الموت مجرد عبور للبلوغ إلى الحياة الأبدية. وربنا في انتظارنا: "لا تضطرب قلوبكم. تؤمنون بالله فآمنوا بي أيضاً. في بيت أبي منزل كثيرة. وإني ذاهب لأعد لكم مقاماً ثم أرجع فآخذكم إليّ. لتكونوا أنتم حيث أكون أنا. أنتم تعرفون الطريق إلى حيث أنا ذاهب. أنا الطريق والحق والحياة" (يوحنا 14: 1-6)

  لا نترك مخيلتنا تضللنا. فالسماء ليس فوق، أعلى الغيوم. لا يمكن أن نتخيل السماء لأنها خارج نطاق مخيلتنا. السماء هي الحب الغير متناهي. أن نكون في السماء يعني أن نعيش على وتيرة حب الله.

   إن الإيمان وحده يقودنا إلى الاعتقاد بالحياة الأبدية. ولكن هذا الاعتقاد ليس مخالفاً للعقل. إذ أن التطور في الطبيعة، وطموح الإنسان الشديد، وتسامي الإنسانية وكل الكون نحو مزيد من الروحانية، كل ذلك يشكل تصاعداً وتسامياً نحو غاية تتجاوز الطبيعة..

   إن حبة الحنطة التي تقع على الأرض لا تمت ولو ظهر وكأنه قضي عليها بل تتحول إلى نبتة أجمل وأخصب.

   وعلى المستوى البشري الإنسان لا يموت وإن حلّ أجله. فهو يحيا في أولاده وأحفاده ونسله، وفي جميع الذين أعطاهم من ذاته وماله وأحبهم. إنه يعيش إلى آخر الدهر في أعماله الحسنة ونتائج أعماله.

   ثم إن في الإنسان طموح إلى اللانهائي. ولا بدّ أن يكون لطموحه هذا استجابة وإلا أصبح كائناً غير سوي. فلماذا خطط ونفذ المهندس السيارة إلا لتسير. ولماذا للطير جناح إلا ليطير، كذلك لماذا للإنسان طموح إلى العيش الأبدي سوى لأنه مخلوق لحياة أبدية.

   إن العلماء والفلاسفة يتأملون في الحياة البشرية وفي كائنات هذا العالم فيجدون أنه يتطور من أسمى إلى أسمى في توق دائم إلى الكمال. ولا بدّ من أن يكون لهذا الكمال وجود.

   أما الوحي فيدلنا إلى أعظم من هذا المصير. فالإنسان مدعو ليس فقط إلى الخلود بل إلى حياة مؤلهة بالاتحاد مع المسيح الإله المتأنس.

   لا يصح أن نتكلم بحصر المعنى عن موتى. إن الموتى أحياة. وهم أعضاء جسد المسيح السرّي وكذلك نحن الأحياء. وفي المسيح علاقتنا بهم حميمة. إن حواسنا لا تمكننا من الاتصال بهم ولكننا بالإيمان نتحد بهم أوثق اتحاد.

   من تناول جسد الرب في سر القربان المقدس يتحد بالمسيح الكامل أي بأعضائه أيضاً الذين سبقونا إلى الحياة الأخرى.

   بالنسبة للمسيحي الموت الطبيعي ليس نهاية الحياة إنه بدء الحياة الحقيقية التي تمهد لها الحياة الزمنية فليس من راحلين عنّا بل حاضرين لنا في المسيح. الذي يفصلنا عن البعض هي الخطيئة التي وحدها سبب الموت الحقيقي.

————————

الضيقة العظيمة

"لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون" (متى21:24)

ما هى يا ترى هذه الضيقة؟

اهي ضيقة يعقوب التى جاء ذكرها:"آه لأن ذلك اليوم عظيم وليس مثله. وهو وقت ضيق على يعقوب، ولكنه سيخلص منه"(ارميا7:30)؟

اهى تلك السبعون اسبوعا التى جاء ذكرها فى رؤيا دانيال؟:" سبعون أسبوعا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا، ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي، ولختم الرؤيا والنبوة، ولمسح قدوس القدوسين. فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا، يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة، وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح وليس له، وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس، وانتهاؤه بغمارة، وإلى النهاية حرب وخرب قضي بها ويثبت عهدا مع كثيرين في أسبوع واحد، وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة، وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب"(دانيال24:9-27) وكما جاء انها "ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت"(دانيال1:12)

أهو يوم الغضب:" لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم. ومن يستطيع الوقوف"(رؤيا17:6).

أهى ساعة التجربة؟"ساعة التجربة العتيدة أن تأتي على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض"(رؤيا10:3).

أهو يوم الرب؟"لأن يوم الرب قادم، لأنه قريب"(يوئيل1:2) الذى سيأتى "كلص في الليل هكذا يجيء"(1تسالونيكى2:5).

مهما كانت هذه الضيقة فلنتذكر:"وأما أنتم أيها الإخوة فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كلص جميعكم أبناء نور وأبناء نهار. لسنا من ليل ولا ظلمةوأما نحن الذين من نهار، فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة، وخوذة هي رجاء الخلاص لأن الله لم يجعلنا للغضب، بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح الذي مات لأجلنا، حتى إذا سهرنا أو نمنا نحيا جميعا معه لذلك عزّوا بعضكم بعضا وابنوا أحدكم الآخر، كما تفعلون أيضا" (1تسالونيكى5:5-11).

                      ——————-

صلاة لنيـل نعـمة إحتـمال الآلام

يا يسوع، يا من أشبعت شوق القديسة ريتا إلى التشبـه بك بإحتمال الآلام فوسـمتهـا بوسم جراحك الـمقدسة، أرفق بـي أنـا الذى أخاف الصليب وأحاول التهرب منـه. أعنـي على الأقـل لكي أحتـمل طوعـاً وبحـب مـا تشاء أن تشركنـي فيـه من الآمك. وهكذا يكون فـيّ ولو من بعيد شيئ من صورتك يا رجل الأوجـاع، فينظـر إلـي بحب أبوك السـماوي ويقول:"هذا أيضاً هو إبنـي الحبيب". آميـن.

                       ——————

 

لماذا التجارب وأين الله منها؟

بالبداية لا يوجد إنسان بلا خطيئة، وإذا أردنا القول أن شخص بار أو عادل أو محب، هذا ممكن. ولكن لا يمكن أن يكون بلا ضعفات. إما سيسقط في المجد الباطل أو في الكلام البطّال أو في أي أمر آخر. مثلاً هناك شخص يعمل أعمال رحمة لكنه ليس طاهر، آخر طاهر ولكن لا يعمل أعمال رحمة. الواحد لديه فضيلة ما و آخر لديه أخر. الفريسي كان يصوم ويصلي لم يظلم أحد وكان يطبق الناموس، لكن لديه غرور. وهكذا دين من السيد، لأن الغرور أسقطه بشكل أكبر من كل الخطايا الأخرى مجتمعة

إذاً لا يوجد إنسان بار أو فاضل أو نقي من الخطيئة بشكل مطلق. ومن جهة

ثانية لا يوجد إنسان خاطئ ولا يملك بداخله شيء صغير جيد. عل سبيل المثال شخص يعمل سرقة وتدمير، ولكن مرات عديدة يظهر رحمة فيساعد آخر ويحزن للشر

من كان أكثر قسوة من الملك أحاب المغتصب؟ وهو بذاته شعر بالانهيار. من هو أسوأ من محب المال و الخائن يهوذا؟ وهو بعد تسليمه للسيد قال: "أخطأت إذ أسلمت دماً بريئاً" (متى 4:27

يطبق في هذه الحياة قانون "الثواب" على الجميع

لذلك الأبرار يزوقون الحزن، والأشرار يحصلون على الخيرات. فهؤلاء يعاقبون هنا لخطاياهم القليلة، والآخرون يكافئون على أعمالهم الخيرة القليلة التي عملوها وسيعاقبون أبدياً على سيئاتهم الكثيرة

عندما نتعرض لتجارب فاعلموا أنها بمشيئة الله تتم، وذلك إما لسبب خطايانا أو لننال أكاليل سماوية. قال الملك داوود عندما سمع شمعي يسبّه ويضرب من معه بالحجارة: "دعوه"، "لعلّ الرب ينظر إلى مذلتي ويكافئني الربّ خيراً عوض مسبّته بهذا اليوم". (2صموئيل 11:16-12). ولنسمع ما قال بولس الرسول لأهل كورنثوس: "أن يسلَّم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع". (1كو5:5). وأيضاً ذهب الفقير لعازر في المثل الإنجيلي "الغني و لعازر" إلى مكان الراحة لأنه تحمّل كثيراً في حياته

يعتقد الكثيرون أن الذي يتعرض لهذه التجارب هو خاطئ. ويفترضون أنها عقوبات للذين يخالفون وصايا الله. وهذا ما حدث مع أيوب الصدّيق إذ قال له أصدقائه الثلاث الذين زاروه في لحظات التجارب، وبالرغم أنهم لا يعرفون خطاياه: "أليس شرّك عظيماً وآثامك لا نهاية لها؟" (أيوب 5:22

كان شمعي يسبّ ويلعن داوود لأنه قام ضد ابنه أبيشالوم. فظن شمعون أنه ليقوم ابن الملك على أبيه ويريد قتله يجب أن يكون الملك رجل دماء وقاتل ولذلك بدأ بسبّه وشتمه

حدث شيء مشابه للقديس بولس في جزيرة مليطة، وذلك بعد تحطم الباخرة التي كانت ستنقله لروما، إذ لسعته أفعى في يده، فقال سكان الجزيرة عندما رأوا الأفعى على يده: "لا بد أن هذا الإنسان قاتل لم يدعه العدل يحيا ولو نجا من البحر" (أعمال 4:28

اليوم نسمع الكثير من هذا الكلام: "لو أن الله يحب الفقراء لما أبقاهم فقراء". وآخرون يرون إنسان يعمل أعمال رحمة يمرض فيقولون: "ماذا قدمت له الرحمة؟ ماذا قدم له الإحسان؟" طبعاً أسئلة غير مبررة

أيها الإنسان كيف تستطيع الحكم على الله بهذه السهولة والسطحية؟ هل يمكن أن يكره الله الفقراء والأبرار؟ وأن يحب الأغنياء والأشرار والذين بدون رحمه؟ وحتى لا تخطئ بمثل هذه الأفكار السيئة سأشرح لك ماذا يحب الله

وعن ماذا يصرف وجهه

الله يحب الذين يحفظون وصاياه. هو يقول: "وأنا أحبه وأظهر له ذاتي" انما ليس للأغنياء وليس لصحيح الجسد بل فقط للـ: "الذي عنده وصاياي ويحفظها" (يوحنا 21:14). ولمن يصرف وجهه عنه؟ الذي لا يحفظ وصاياه.

عندما ترى شخص يعصي إرادة الله ووصاياه، وإن كان غنياً أو صحيح الجسد، لا تشك أبداً أن الله سيبعد وجهه عنه. وبالمقابل سيحب الإنسان المحترم الفاضل وذلك إن كان فقيراً أو مريضاً. ألا تسمع ما يقول الكتاب: "لأن الذي يحبه الرب يؤدّبه وكأب بابن يُسرُّ به" (أمثال 12:3). وستقول أن الكثير سيتعثرون من هذه الجملة، أما أنا فأقول لك بأن عقولهم السبب لأنهم لا يفكرون بهذا الشكل: المكافأة لا تُعطى في هذه الحياة. هنا ساحة الجهاد، فالمكافآت والأكاليل تُعطى في الحياة الثانية

يجب أن لا نحزن على الذين يتجربون ويتحملون بل على الذين يخطأون ولا يعاقبون. بالإضافة لأن العقوبات تعيق الخطيئة فهي تقود للفضيلة. "إذا كان هكذا" ستقولون: "إذا كانت العقوبات حقيقة تبعد الشر. فلماذا لا يعاقبنا الله على كل خطيئة نقوم بها؟" فسأجيبكم: "إذا عاقب الله الإنسان على كل خطيئة يقوم بها، ستفنى البشرية بالكامل، وتنحل إمكانية التوبة". لننظر مثلاً حالة الرسول بولس: إذا كان الله سيعاقبه على اضطهاده للمسيحية، أو بالأكثر سمح له الموت، كيف سيتوب، وكيف سيتمم العمل العظيم بأن يقود المسكونة من الجهل للحقيقة؟ انظر كيف يعمل الأطباء، عندما يظهر شخص شديد الإصابة فإنهم يطبقون العلاج الشافي ليس وفقاً لعدد وحجم الجروح لكن مع قدرة الجسد على تحمل العلاج. لأنه ما الفائدة إذا أغلقوا الجروح ومات الإنسان؟

لذلك لا يعاقب الله الخطأة مباشر وليس على أساس خطاياهم. عقوبات الله ليست تدريجية ولا ومنظمة. مرات عديدة يعاقب أحد الأشخاص ويعفي كثيرين. شيء مشابه يفعله الأطباء عندما يستأصلون عضواً نتناً لكي يحافظوا على الباقي صحيحاً

عندما ترى ثملاً يصوم، أو فاسقاً يسبح الرب ويمجد رحمة السيد، فأعرف أنها التوبة وقل مع المزمور: "هذا ما يعليّني تغيُّر يمين العلي" (مز10:77). لأنها يمين الرب هي التي تقوم بهذه الأعمال العظيمة

كل عمل يهدف لخلاص النفوس له الأولوية. و إذا أُهلت أن تخدم الرب بأي شكل ممكن، ستتحمل الكثير وتتألم وتتعرض لمخاطر كثيرة. لا تخف ولا تسأل: "أنا أطبق مشيئة الرب، فيجب أن نتمجد وننال الأكاليل لذلك. فلماذا نتحمل الكثير؟" فلتتذكر السيد الذي قَبِلَ الموت من أجلنا و قال: "إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم" (يوحنا 20:15). هم أعطانا وعداً: "ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (متى 22:10). إذا اهتم أحد بخلاصه فلن يخسره. والله لن يتركه في الصعوبات والمخاطر. ماذا قال الرب لبطرس: "وقال الرب سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" (لوقا 31:22-32

فعندما يرى الله أن حمولة التجارب تستنزف قوانا، يمد يده ويخفف عنا عبئ الحمل الثقيل. ولكنه عندما يرى أننا غير مهتمون لخلاصنا يتركنا بدون مساعدته

الله لا يفرض أو يجبر شيء على أحد. فهو لا يهتم بغير المبالين أو الغير المهتمين بخلاصهم. لكنه بالمقابل يضع بأحضانه كل الساعين لخلاصهم. يقول الرسول بطرس: "بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه بل في كل أمّةٍ الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده" (أعمال 34:10-35).

                             ————–

لا تبكوا على الراقدين[5]

القديس يوحنا الذهبي الفم

رحلة إلى مكان أفضل وحياة أرقى

الذي يمتلك حقيقة تفكيراً حكيماً، ويوجه دفة حياته على رجاء الخيرات العتيدة، فإنه عندما يرى أمامه شخصاً مائتاً، فهو لن يعتبر الموت أنه حقاً (أي نهاية كل شيء)، ولن يحزن على من يموتون في ظروف مشابهه؛ لأنه يفكر في الأكاليل التي يمنحها الله. وإذا كان الزارع لا يأسف ولا يتجهم إذا ما رأى القمح منتشراً قي حقله، هكذا أيضاً البار الذي ينجح قي تحقيق مفاخر الفضيلة ويحيا يومياً متطلعاً باشتياق إلى ملكوت الله، لن يصُب بالضيق مثل معظم البشر إذا ما أناه الموت، ولن ينزع أو يضطرب لأنه يعرف أن الموت بالنسبة لأولئك الذين عاشوا حياة الفضيلة هو انتقال ورحلة إلى مكان أفضل وحياة أرقى، وطريق يقود إلى الأكاليل التي يمنحها الله.

ساعة الموت، لماذا هي مجهولة بالنسبة لنا؟

   يا أحبائي، إن عقلنا في شوق دائم لمعرفة وفهم أمور كثيرة، وأول هذه الأمور هو الوقت الذي ستحدث فيه في نهاية العالم. ولكي يحدّ القديس بولس من هذا الفضول، يكتب في إحدى رسائله " وأمٍّا الأزمنة والأوقات فلا حاجة لكم أيها الأخوة أن أكتب إليكم عنها " (1 تس 5 : 1). وأنا بدوري أتساءل، ما الذي نستفيده لو عرفنا متى سيحدث هذا الأمر؟ هل لكم أن تخبروني؟

   دعونا نفترض أن مجيء الرب الثاني سوف يحدث بعد عشرين عاماً، أو ثلاثين أو مائة، أية أهمية سوف تترتب على ذلك؟ ألاّ تأتي نهاية العالم لكل واحد منا بنهاية حياته الأرضية؟!. لماذا إذن تجهد فكرك متسائلاً في ضيق: متى ستحدث النهاية العامة لجميعنا؟ فمثلما يحدث في ظروف أخرى ـ حيث نترك ما يخصنا وننشغل بشئون الآخرين، ونهتم بالأكثر بقضايا غريبة لا تهمنا ـ هكذا الأمر في موضوعنا هذا، فبدلاً من أن ينشغل كل واحدٍ منا بنهاية حياته هو، فإنه يريد أن يعلم بالتفصيل كيف ومتى ستأتي نهاية الكل؟

   أمِّا إذا أردتم أن تعرفوا لماذا تظل نهاية حياة كل واحدة منا مجهولة؟ ولماذا يأتي الموت فجأةً  مثل اللص في منتصف الليل؟ فسوف أجيبكم عن ذلك بحسب أعتقد انه صحيح.

   أعتقد أنه لو عرف كل واحد منا متى تنتهي حياته، فسوف لا يعتني أحُد بأن يسلك في أعمال الفضيلة أثناء حياته، فإذا عرف أحد اليوم الأخير لحياته، ففي هذه الحالة ـ يفعل شروراً لا حصر لها ـ يتوب قبل نهايته بقليل، لكي يرحل من الحياة الحاضرة وهو مغفور الخطايا. أمِّا إذا كان الخوف من ساعة الموت المجهولة هو ما يدفع النفوس للتوجه معاً نحو الله، فمنّ من أولئك سوف يهتم بالفضيلة ـ إن كانوا على يقين من الساعة التي سوف يموتون فيها ـ طالما وضعوا في قرارة نفوسهم أن يتوبوا في اللحظات الأخيرة؟ فضلاً عن ذلك، لو عرف أحدُ ـ بالتأكيد ـ إنه سيموت غداً، فإنه لن يتردد في أن يعمل كل ما يريد عمله قبل ذلك اليوم: يقتل، وينتقم من أعدائه، وبعد أن يجتهد في تحقيق رغباته، سوف يقبل الموت.   

   بالإضافة إلى ذلك، فحتى أولئك الذين يظهرون سخاءً عملياً عندما يواجهون أخطاراً مختلفة ببسالةٍ، فإنهم سوف لا ينالون المكافأة، طالما أن بسالتهم تكون نابعة من يقينهم أنهم يقتربون من ساعة موتهم. زد على ذلك، إنه حتى الجبان سوف يلقي بنفسه في التهلكة طالما أن لديه ضماناً مؤكداً بأنه لن يصبه ألم أو شر. أمًّا من يعتقد أنه من الممكن أن يفقد حياته عندما يتعرض لخطر من الأخطار، ويعرف أنه سوف يحفظ حياته إن لم يحدث هذا الخطر، وانه يخاطر بحياته لو اجتاز فيه، فإنه يقدم بذلك دليلاً على استعداده هذا، كما أنه يظهر في الوقت نفسه استهانته بهذه الحياة الحاضرة.

   أمّا الذي يمتلك حقيقة تفكيراً حكيماً، ويوجه حياته على رجاء الخيرات العتيدة، فإنه عندما يرى أمامه شخصاً مائتاً، فهو لن يعتبر الموت أنه موت حقاً (أي نهاية كل شيء)، ولن يحزن على من يموتون في ظروف مشابهة؛ لأنه يفكر في الأكاليل التي يمنحها الله. وإذا كان الزارع لا يأسف ولا يتجهم إذا ما رأى القمح منتشراً في حقله، هكذا أيضاً البار الذي ينجح في تحقيق مفاخر الفضيلة ويحيا يومياً متطلعاً باشتياق إلى ملكوت الله، لن يصب بالضيق مثل معظم البشر إذا ما أتاه الموت، ولن ينزع أو يضطرب لأنه يعرف أن الموت بالنسبة لأولئك الذين عاشوا حياة الفضيلة هو انتقالٌ ورحلة إلى مكان أفضل وحياة أرقى، وطريق يقود إلى الأكاليل التي يمنحها الله.

   إنٍّ حادثة الموت ـ بحد ذاتها ـ تسبب اضطراباً للإنسان كما أنها تعرّفه ـ أكثر من كل شيء آخر ـ كم هو تافهٌ وضعيف. لأجل هذا السبب تبُنى القبور أمام المدن، وأمام الحقول. توجد القبور دائماً أمام أعيننا من أجل تذكيرنا بضعفنا البشري باستمرار. فعندما يزور شخصٌ مدينة فخمة تفتخر بغناها وقادتها وبملك يجلس على عرشه، فإنه يرى ما يوجد حقيقةُ (أي القبور التي تشير إلى حقيقة الموت) قبل أن يرى ما كان يتوقعه وينتظره، وبهذه الطريقة، إذ نتعلم أولاً إلى أي شيء ننتهي، عندئذٍ نستطيع أن نرى الغنى الفائق.

   وليس هذا فقط، فعندما يريد رجل أن يتخذ امرأة زوجةٍ له، فإنه يخضع للقانون، فيلتزم بالمهر، ولكن قبل أن تتحقق وحدة الزوجين، بل قبل أن يرى الرجلُ المرأة التي سوف يتخذها زوجة له، يأتي ذكر الموت فيشتمل عقد الاتفاق على ترتيبات ما بعد الموت: ما الذي يحدث لو مات الزوج قبل الزوجة؟ ماذا لو ماتت المرأة قبل الرجل؟ ولا يقتصر الأمر على أولئك الذين يعيشون ثم يدركم الموت، بل يتعداهم إلى الذين لم يولدوا بعد، فيجب أن يُذكر في العقد ما الذي يترتب على موت الولد الذي سوف يولد. وهكذا نرى أن قرار الموت قد صدر قبل أن يتم الزواج وقبل ظهور ثمرته.

   ولا شك أنه أمر حسن أن نثبت تعهداتنا بشان المهر وكافة الترتيبات الأخرى المتعلقة بالزواج أمام مكاتب العقود، إلاًّ أنه بالرغم من أن كل واحد فينا يعرف وهن الطبيعة البشرية، فإنه ينسى ذلك الذي كتبه والتزم به إذا ما عانى شيئاً مما يعانيه البشر أو لو ماتت المرأة، عندئذ ـ في وسط الكارثة ـ يتفوه بغير ما تعهد به، فيقول: هل لا بد أن أعاني مثل هذه الأمور؟ هل هذا هو ما انتظرته، أن يحدث لي ما حدث وأفقد زوجتي؟ ماذا تقول أيها الإنسان؟ عندما كنت بعيداً عن هذه الأحداث عرفت جيداً قوانين الطبيعة، أفعندما تُبتلى بمصيبةٍ تنسى؟ إذن عندما ترى واحداً من أهلك يرحل عن العالم، لا تستسلم للضيق، بل اهتم بنفسك وامتحن ضميرك، فكًّر أنه بعد قليل تنتظرك نفس النهاية.

   لكن سيقول لي شخصُ: إن من يموت سيفسد وسيصير تراباً ورماداً. نعم هذا هو ما يحدث بالضبط، لهذا ينبغي أن نفرح بالأكثر؛ لأنه عندما يشرع شخصٌ ما في إعادة بناء منزل قد تداعى وأصبح على وشك الانهيار، فما دام قد أخرج خارجاَ سكان هذا المنزل أولاً، عندئذٍ يقدر أن ينقضه ويبنيه بناء أكثر جمالاً. وهذا الأمر لا يسبب أي حزنٍ لأولئك الذين يخرجون خارج البيت، بل بالحري يسعدهم؛ لأنهم لا يعطون أهمية لما يشاهدونه بأعينهم من هدمٍ، بل للبناء الذي سوف يقوم، وإن لم يروه بعد. نفس الأمر يفعله الله، عندما ينوي أن يحُلل جسدنا، يخرُج مسبقاً النفس التي تسكن هذا الجسد، ومن ثم يقيمها مرةِّ أخرى فيه بمجدٍ عظيم بعد أن يعيد بناء هذا البيت ثانيةُ. ولأن الله عندما خلق آدم، خلق النفس والجسد معاً، فإن آدم لم ير أن الجسد قد خُلق من تراب، بمعنى أن الله لم يخلق النفس قبل الجسد حتى لا ترى النفسُ خلقة الجسد، لذلك فإن النفس لا تعرف مدى تفاهة وضعف الجسد، لكن عندما يقوم الجسد في القيامة العامة، عندئذٍ تعرف النفس أنها قامت إذ تكون قد سبقت فلبست ملبسها الأرضي.

   لأنه بالرغم من إن المائت لا يرى ذاته، إلاّ أنه سبق له عندما كان حياً أن رأى من مات، وعرف إن ذاك الذي مات تغيِّر إلى تراب، فإنه يرى هذه الأمور ويتعلم الكثير.

ألم يتصادف أن رأيت أناساً يبدون منتفخين وأنانيين، وبالرغم من ذلك تجدهم أمام رؤية الموت جبناء؟ إن قلوبهم ترتعب خوفاً من مجرد ذكر كلمة الموت. ونحن أيضاً عندما نقف أمام القبور فإننا نتأمل آسفين، وكأننا صرنا حكماء ـ إلاِّ أننا ننسى ما في طبيعتنا من ضعف ووهن بمجرد مغادرة تلك الأماكن.

   وعندما نتواجد أمام القبور، يقول كل واحد منا لقريبه (تقريباً الآتي):

   بالحق كم نحن مساكين! كم هي تافهة حياتنا! إلاِّ أنه وعلى الرغم من هذا، وبدلاّ من أن نفكر فيما سيؤول إليه مصيرنا بعد الموت، نعيش حياتنا في غضب وسرقة وعدم الصفح للآخرين، وكل واحد منا يكتفي بالتفلسف أمام حقيقة الموت كما لو كان في تلك اللحظة يستنكر تماماً ما حدث من شر بسبب خطايانا، وفي نفس الوقت نجده يحارب الله بأعماله.

 موقفنا من موت أحبائنا:

   دعونا نأتي إلى موضوعنا. أخبرني، لأي سبب تبكي بحزن شديد على من مات؟ هل لأنه كان خاطئاً؟ لو كان كذلك، كان ينبغي أن تشكر الله؛ لأجل توقف ذلك الإنسان عن ارتكاب الخطية. أو هل تحزن لأن الإنسان الذي مات  كان صالحاً وفاضلاً؟ وهنا أيضاً ينبغي أن تفرح؛ لأنه مات قبل أن تنجح الخطية في تغير قصده ونيته (راجع حكمة سليمان 4 : 11) أم تحزن لأنه كان شاباً؟ وفي هذه الحالة أيضاً ينبغي أن تشكر الله وتمجده لأنه أخذه بالقرب منه، فهؤلاء يشبهون الذين دُعوا لكي ينالوا رتبةُ، إن كثيرين منهم يُودِّعون بثناءٍ، فبنفس الطريقة ينبغي لنا أن نشيَّع بمزيد من الرضا أولئك الذين يرحلون عن هذا العالم، لا أن نحزن حزناً أكثر من اللازم. لأننا لو اعتبرنا أن من مات هو إنسانً فأن بطبيعته، وأن الله هو الذي أخذه من هذا الحياة الحاضرة، فسوف نتعزى تماماً. أمَّا إن كنا نسخط في هذه الحالات، فهذا معناه أننا نشبه من يحيا كما في برج عالٍ، وهو يجهل ما يناسب الطبيعة البشرية. لقد وُلدت إنساناً، وبالتالي فأنت فانٍ، لماذا إذن تتألم طالما أن ما حدث هو أمر طبيعي؟ هل يضايقك أن تتغذى عن طريق الأكل؟ هل تريد أن تحيا بدون غذاء؟ على هذا القياس ينبغي أن نتفهم حالة الموت. لا تطلب خلوداً (على الأرض) طالما أنت فاني، لأن هذا الأمر عَين وقتن بشكل نهائي. وعندما يدعوا الله شخصاً ما إلى جواره، لا ينبغي أن نكون كالعبيد ناكري الجميل الذين يغتصبون ما لسادتهم، لأن الله يكون قد أخذ ما له ، إذا أخذ منا مالاً أو كرامة أو مجداً، أو الجسد وحتى النفس. فلو أخذ الله ابنك منك إلى جواره، فهو لم يأخذ ابنك بل عبده الذي يملكه. إذن، فإن كنا لا نملك ذواتنا، فكيف ندِّعي ملكية ما هو لله. إن كانت نفسك ليست ملكك، فكيف تكون فضتك ملكك؟ وإذا لو تكن تملك شيئاَ، فكيف تنفق ما ائتمنت عليه؟ لا تقل إذن إنني أنفق ما أملكه، وأستمتع بمالي؛ لأنك لا تنفق ما يخصك ولا تستمتع بما هو لك لكن تنفق من أموال غيرك، إذ أن الله يريدك أن توزع ما أعطاه بين يديك على الفقراء. فإذا أنت أنفقتها على هؤلاء عندئذ فإن ما ليس لك يصير ملكاً لك، أما إذا أنفقتها لأجل ذاتك، فما تظن أنه ملكك يصير غريباً عنك. 

   ألا ترى أن أجسامنا تخدمها الأيدي، وإن الفم يمضغ الطعام والمعدة تقبله؟ أفهل يحق للمعدة أن تحتفظ بالطعام لنفسها طالما هي تقبله؟ أو يحق للعين ـ إذ تقبل النور ـ أن تحتفظ به لذاتها فلا تنير كل الجسد؟ هل يحق للأرجل ـ إذ هي فقط التي تمشي ـ أن تنتقل بمفردها من مكان إلى آخر دون باقي الجسد؟

   أن أولئك الذين يمارسون مهنة معينة لو لم يقدم كل منهم الفائدة الناتجة من مهنته إلى الآخرين، فإن الضرر الناتج عن ذلك لن يقتصر على الآخرين، بل يشملهم هم أيضاً. ولو كان الفقراء على درجة عالية من الشر، فإذا تغلقون أحشائكم عنهم وتنكبون على الشراهة والغنى غير مفتكرين في أي أحد أخر، فإنكم سرعان ما تتحولون إلى فقراء.

 ألم الوالدين بسبب موت أبنهم، وما الذي نتعلمه من قصة إبراهيم وإسحق:

 قد يقول شخص ما: لكنني قد فقدتَ أبني الوحيد الذي كنتَ أعتمد عليه

كثيراً وعلِّقتَ عليه كل آمالي، إذ هو من كان سيرثني، ماذا عن هذا الأمر؟ أقول لك لا تتحسر، لكن مجد الله واشكر ذاك الذي أخذه، ولا تكن أقل من إبراهيم إذ قدِّم ولده الوحيد إلى الله عندما أمره بذلك، هكذا أنت أيضاَ لا تتحسر إذا أخذ الله أبنك؟ لأنك إذا شكرت الله عندما ترى أبنك ميتاَ، فمكافأتك لن تكون أقل من إبراهيم الذي قاد أبنه بنفسه إلى جبل وقدِّمه. ولو وجهت كل الناس إلى تمجيد الله بدلاَ من النحيب والحزن، فستكافأ من الله والناس؛ لأنك سوف تنال إعجاب الناس، وفرح الملائكة، والإكليل من الله.

   وربما يقول آخر أيضاً: وكيف لا أحزن وأنا منذ الآن سأحرم من كان يناديني " أبي "؟ ما هذا الذي تقوله؟ هل تعتقد أنك فقدت ابنك؟ كلا، بل احسبه ملكاً لك وأنت مطمئنَ تماماً. إنك لم تفقد لقبك كأب، لكن بالحري الآن اكتسبت لقباً يزيدك شرفاَ؛ لأنك ستكون أباً ليس لمخلوق فانٍ، بل لكائنٍ خالدٍ. لا تظن أنك فقدت ابنك لأنه الآن بعيدَ عنك، فلو انه كان قد سافر إلى مكان بعيد، فعلاقة القرابة التي بينكما تظل موجودة، فهكذا حتى لو رأيت ابنك راقداً، فلا تفكر فيه أنه ميت، بل هو كمن طار وصعد إلى السماء. إذن عندما ترى عيونه مغلقة وفمه صامتاَ وجسده لا يتحرك، فلا تظن أن هذا الفم لن يتحدث بعد، وهذه الأرجل لن تمشي بعد، بل فلتتأمل مفكراَ في أن هذا الفم سيقول كلاماَ أفضل، وهذه العيون سوف ترى أموراَ أعظم، وهذه الأرجل سوف تصعد إلى سحب السماء، وهذا الجسد الذي يتحلل الآن سوف يلبس الخلود، وسوف يمكنك أن تأخذ ابنك المَمجِّد مرةَ أخرى.

   فلتَعظم البطريرك إبراهيم فهو لم ير فقط اسحق، بل أكثر من ذلك صدر له أمر أن يميته بنفسه، الأمر الذي يزيد في قسوته وحزنه عما لو كان رآه ميتاً. فإنه لم يتفوه بكلمة مضادة لوصية الله، ولم يسخط، ولم يقل: أيجعلني الله أباً ليجعلني قاتلاً؟ كان من الأفضل ألا تعطيني ـ من البداية ـ ابناً من أن تحرمني منه بهذه الطريقة، ما دمت قد أعطيتني إياه، فلماذا تريد أن تأخذه؟ لأي سبب تأمرني أن أذبحه وأنجّس يديِّ؟ الم تعطني وعداَ أن يملأ نسلي المسكونة بواسطته؟ إذن كيف تعدنى بالثمار بينما تقتلع الشجرة؟ من رأى مثل هذا، ومن سمع بهذه الأمور؟ ولكن إبراهيم لم يتفوِّه بشيء مثل هذا، إطلاقاَ لم يفكر مثل هذا التفكير، لم يكن لديه حتى رد فعل على ذاك الذي أمرّه، لم يطلب مبررات، لكن لمجرد أن سمّع " خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق وقدمه ذبيحة لي فوق الجبل الذي أريك إياه." (تك 22 :2)، فإنه تمّم هذا الأمر على أكمل وجه حتى انه فعل أكثر مما أمر به، لأنه أخفى الأمر عن امرأته، بل وخدع عبيده إذ تركهم ينتظرون أسفل الجبل.

   إذن تأمل وفكر في مقدار المرارة الذي كان لإبراهيم عندما تحدث مع ابنه بمفرده وبدون وجود احد آخر، إذ توهجت مشاعره ومحبته تجاه ولده، ولكنها صارت أقوى. ما الذي يمكن قوله، ويعبِّر بدقة عما كان يعتمل في نفسه؟ لقد قاد ولده إلى الجبل، قيده ووضعه على المذبح واستل سكيناَ مستعداَ لذبحه. كيف، وبأية طريقةِ أستطيع أن أصف الأسى الذي كان يغمر نفسه؟ أنا لستَ في مكان حتى يمكنني أن أخبركم عن ذلك، لكن ـ فقط ـ ذاك الذي أوصل الأمور إلى هذا الحد يمكنه أن يعرف ما يختلج في نفس إبراهيم، لأن الكلام البشري يقصر عن أن يعرض الأمور على وجهها الحقيقي. كيف ظلت يد الأب ثابتة؟ كيف لم تنحل قوه أعصابه؟ كيف لم يضطرب أثناء مواجهة ولده المحبوب؟

   هل رأى أحدُ أباَ يصير هو الكاهن المتأهب لتقديم الذبيحة؟ لقد كان تقديم إسحق ذبيحة بدون سفك دم، ومحرقة بدون نار؛ لأن أبراهم ذبح أبنه ولم يذبحه. لم يذبحه بيديه، لكن قّدمه باستعداده وذبحه بنيته، وذلك لكي ـ بهذا المثال ـ يعلِّم الذين يأتون بعده أن وصايا الله ينبغي أن تَراعى أكثر من الأبناء، وأكثر من الطبيعة (الغريزة الطبيعية)، ومن كل الكائنات، ومن حياتنا نفسها. 

 أن موقف أبرام هو مثال عظيم للوالدين اللذين يفقدان ابنهما الوحيد:

   تأمِّل كرم وبسالة هذا الإنسان، فعندما أمره الله أن يذبح ابنه المحبوب والوحيد، ابنه الذي أعطى له بعد أن انقطع رجاءه، لا بد أن الأفكار هاجمته بشدة، ولكنه أبعدها عنه، لقد ارتعبت منه مثلما يرتعب الحراس من الملك، إذ ينضبط الجميع بنظرةِ منه ولا يجرؤ الواحد منهم على أن ينطق ببنت شفة، هكذا أيضاً توقفت الأفكار منحنية لإبراهيم احتراماً، لا خوفاً. تأمل احتماله وصبره، لقد هَزمت الطبيعة وكل أسلحتها [3] طرحت أرضاَ بينما وقف لإبراهيم شامخاً بيده المرفوعة والممسكة ـ ليست بتاج ـ ولكن بسكينِ تلمع أكثر من أي تاج، وصفوف الملائكة تصفق له من أجل عمله هذا، ومن السموات يَظهرَ الله إبراهيم منتصراً. أي رمز للانتصار إذن يساوي هذا الرمز؟ عندما يفوز أحد الرياضيين في حلبة السباق، ويقوم الملك بنفسه ـ وليس مذيع الحلبة ـ بإعلان هذا الانتصار من على المنصة، ألا يّعتبر هذا البطل أن إعلان الملك بنفسه عن فوزه يفوق مجداً وبهاءَ أي تاج يكلِّل به ؟ إن ذلك ـ بدون شك ـ سوف يلفت إليه نظر كل من هم بالإستاد. إذن، عندما يَعلن الله نفسه ـ لا إنسان حتى ولو كان ملكاً ـ في إستادٍ يشمل كل المسكونة ـ لا إستاد عادي ـ بنداءٍ من أعلى السموات، انتصار إبراهيم ـ في أي مكانٍ إذن سوف نضع هذا القديس؟ أخبرني، إذا كان من الصعب على الآباء أن يحتقروا أولادهم حتى ولو كانوا أشراراَ وضالين، بل ويحزنون عليهم إذا ماتوا، فمن يستطيع إذن أن يعِّبر ـ بالكلام ـ عن طاعة هذا الإنسان الذي قدم ابنه المتزن والعاقل، الوحيد والمحبوب، ذبيحة لله؟

   آه كم هي مغبوطة يد إبراهيم، يا لشرف السكين الذي أمسكته هذه اليد! إنها سكينُ تستحق كل إعجاب! لأي استخدام جعُلت؟ أيةٌ خدمةٍ قدَّمت؟ ولأي نموذج أو مثالٍ رمزت ودلَّت؟ كيف صبُغت في الدم دون أن تُضبغ؟ لماذا؟ لا أعرف ما أقوله. لقد كان هذا السر مرعباً جداَ: لم تقترب السكين من عنق الولد، ولا طعنت رقبته، ولم تصير حمراء مصبوغة بدم إسحق البار، لا بل بالحري اقتربت إلى عنقه، وثقبت رقبته، واحمرت، وصبغت في الدم ولم تُصبغ. ربما يبدو لكم أنني أهذي قائلاً أموراً متناقضة. لا أنا لا أقول كلاماً متناقضاً. لكني ـ بالتأكيد ـ مترعُ بالدهشة إذ أنني أتأمل في عظمة إبراهيم البار؛ لأن يد ذلك الإنسان البار غرزت السكين في رقبة الولد، لكن يد الله لم تتركها تتلوث بدمه؛ لأن السكين لم تكن فقط في يد إبراهيم، بل في يد الله أيضاً، ولأن إبراهيم غرس السكين بالنية، أمَّا الله فأعاقها بصوته.

   لكن لاحظ أمراً آخراً: قال الله قدَّم ابنك ذبيحة، وللتو تسلح إبراهيم بسكين الذبيحة. بعد ذلك قال له الله لا تقدم ابنك ذبيحة، فللحال ترك إبراهيم السلاح. لأنه قبل أن يُحرم ممن ينتمي إليه لأجل الله، لذلك منحه الله ما هو إلهٌي إلى جوار ما هو له، وأوقف تنفيذ أمره عندما أظهر إبراهيم طاعة واستعداد لإنجازه.

   وليس هناك ما يدعو أن تقول لي : إنه فقط بنى المذبح، ووضع الحطب فوقه، ولكنه عندما سمع صوت ولده يسأله: أبي أين الخروف للمحرقة؟ طغته أمواج الأفكار من كل جهة وزعزعت فكره ومزقت كأنها سهام نارية. أقول إنه ليس هناك ما يدعو أن تقول لي ذلك؛ لأنه الرغم من كثيرين ـ حتى من هؤلاء الذين لم يصيروا آباء بعد ـ يتأثرون من هذا الموقف، لكن دعونا نرى هل تسببت مثل هذه الأفكار في معاناة لإبراهيم: صحيحٌ أنه ولد أسحق ورباه، وكان إسحق تعزية له في شيخوخته، كما أنه وحيده الذي له في العالم، الذي يسمعه ويراه، والآن ينوي أن يذبحه! ولكني أؤكد أن أياً من هذه الأفكار لم تُخف ذلك الذي يشبه الماس في معدنه، ولا زعزعته، فلم يقل لابنه: لا تدعني أباً لأني بعد قليل لن أكون أبيك، لكن ماذا قال؟ " الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني " (تك 22 :8). ولعنا نلاحظ أن كلاً منهما يخاطب الآخر بالألفاظ  التي تدل على القرابة الطبيعية: أسحق يدعو ‘ إبراهيم أباً ، وإبراهيم يدعو إسحق ابناً؟ حرب أفكار رهيبة، وريحٌ عاتية تهب من الجانبين، ولكن لا غرق ! لأنه عندما سمع إسحق أن الله سوف يتكفل بهذا الأمر، لم يقل شيئاً، ولا فحص عن الأمر بالتفصيل، كم كان ابناً مطيعاً مؤدباً وهو في ريعان الشباب!

   ألم يباغتكم غليان الدماء في رؤوسكم؟ ألم يعانق كل منكم ـ في فكره ـ  اسحق الشاب؟ ألم يثركم تفهمه للموقف، فتحترمون تقواه؟ لماذا لم يصب بالذهول عندما قًيد ووضع فوق الحطب؟ ولّم لم يشرع في الهروب، أو يتهم أباه بالجنون؟ لقد قبل أن يقيد ويوضع على المذبح، بل وتحمَّل كل شيء دون أن يتفوه بكلمة، كما لم كان حملاً وديعاً، أو بالحري مثل رب الكل تشبَّه بصلاحه، إذ رمز بذلك إليه كذبيح، لأن ربنا " ظُلم أمَّا هو فتذلل، ولم يفتح فاه، كشاةٍ تساق إلى الذبح وكنعجةٍ  صامتةٍ أمام جازيها، فلم بفتح فاه " (إش 53 : 7).

   إذن لا يسألني أحدكم كيف لم يعاني إبراهيم ولم يتألم مثلما يتألم الآباء الطبيعيون، وفي نفس الوقت لا يحاول أحدكم البرهنة على أن إبراهيم لم يكن يبالي حتى يسلبه حقه في مديح يستحقه. لأننا عندما يتصادف أن نرى ـ في السوق ـ أناساً منَّا كانوا غارقين في الاستمتاع بملذات الحياة الحاضرة، يساقون لتنفيذ حكم الإعدام جزاءً وفاقاً على أعمالهم السيئة، فإننا نتألم لأجلهم متضايقين، رغم أنهم غير معروفين لدينا ولم نرهم من قبل، بل ونبكي بحرقةٍ شفقة عليهم. إذا كان الأمر كذلك، فكم وكم ما يجول بخاطر من أمر أن يذبح ابنه ويصعده محرقة كذبيح مًقدِّس فوق نار المذبح؟ ابنه المنحدر من صلبه، ابنه الوحيد الذي وُلد بعد مرور سنين كثيرة وكان عزيز المنال، ابنه الذي كان في ريعان شبابه في الوقت الذي كان فيه أبيه شيخاً طاعناَ في السن! لو كان إبراهيم قد قُد من حجر، أو كان من الحديد، أو حتى من الماس، الم يكن يتأثر بضياع زهرة شباب ابنه، ألا يؤثر فيه كلامه المتعقل، أو تقوى نفسه؟ لقد سمع إسحق أبيه يقول " إن الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني "، ولكنه لم يسأل عن شيء آخر. رأى أبيه يقيده، فلم تصدر عنه ردةُ فعلٍ. وُضع فوق الحطب، فلم يحاول القفز أو الهرب. رأى السكين جاهزاً لذبحه، فلم يرتعب. أي نفسً تستطيع أن تكون أكثر تقوى من نفس إسحق؟ من سيجرؤ بعد ذلك على القول بأن إبراهيم ـ بعد كل ذلك ـ لم يعاني أي اضطراب؟ لو فرض أن عدواً كان ينوي أن يذبحه، أو لو وحشاً افترسه، ألم تكن تتألم نفسه؟ بالطبع هذا غير ممكن، لا يمكن أن تثير الأمور هكذا؟ لذلك أتوسل إليك أيها الإنسان، إذا فقدت ابناً لك أو ابنة، ألا تبكي بإفراطٍ، أو ترشم نفسك بإشارة الصليب باستهتار، لكن تأمَّل في أن إبراهيم ذبح ابنه دون أن يُسل دمعة ولا تفوه بكلمةٍ مرة. وأيوب أيضاً تألم بالتأكد، بقدر ما هو طبيعيٌ أن يتألم أبٌ يحب أولاده، لكن ما نفعله نحن ـ في مثل هذه المواقف ـ يتناسب فقط مع ما يفعله الأعداء. فلو بكيت وانتحبت على شخصٍ دُعي إلى البلاط الملكي لكي يكرَّم من الملك، فلن يقول الناس أنك صديقٌ لهذا الشخص، بل عدوٌ.

 الصلاة والإحسان من أجل نفوس الآخرين، فلتحزن على هؤلاء الذين يموتون غير تائبين:  

   ربما تقول لي: لكني لا أعرف أين ذهب؟ لماذا لا تعرف ذلك؟ أخبرني، فسواء عاش حياته باستقامة أم لا، فمعروف أين سوف يذهب. عندئذ تقول لي: ولكني أبكي لأجل هذا بالضبط، فلقد رحل محملاً بكثير من الخطايا. وأنا أيضاً أقول لك لأجل هذا عليك أن تفرح! لأنه توقف عن فعل الخطية، ولن يُضفِ على حمله المزيد من الشرور، ولأنه بإمكانك أن تساعده بالتأكيد، لا بالدموع والنحيب لكن بالصلوات والتوسلات والإحسانات والتقدمات. لأن هذه الأمور لم تتقرر اعتباطاً، وليس بدون سببٍ يقف الكاهن بالقرب من المذبح المقدس الذي تُرفع عليه الأسرار الرهيبة مصلياً " من أجل الذين رقدوا في المسيح، وأيضاً من أجل الذين تحل ذكرى رقادهم "، لكن كل هذا يصير بعد استنارة الروح القدس. فإذا كانت الذبيحة التي كان يقدمها أيوب تطهر أولاده من الخطايا، فلماذا تتشكك أنت عندما ترفع تقدماتك لأجل أولئك الذين رحلوا عن هذه الحياة. لا شك أن ذلك يسبب لهم بعض الراحة والتخفيف. إذن دعونا نبكي لا على الأموات عموماً، بل بالحري نبكي على أولئك الذين في غناهم يموتون دون أن يُؤمِّنوا لأنفسهم بعض الراحة بهذا

الغنى، فلنبك على من لديهم الإمكانيات ويملكون الوسائل التي تطهرهم من خطاياهم، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً، فلنبكِ على هؤلاء. ولا ننسى أنفسنا خاصة، بل وكل الناس بشكل عام، ليس ليومٍ أو أثنين، بل كل أيام حياتنا، ولنساعدهم بقدر ما نستطيع فلنفكر بطريقة أو بأخرى كيف نمدهم بمساعدةٍ ما، أو راحةٍ حتى ولو كانت بسيطة، كيف يمكننا ذلك؟ عندما نصلي لأجل نفوسهم، ونترجى الآخرين أن يصُلُّوا أيضاً من أجلهم، أو نضع دائماً إحساناً وصدقة للفقراء من أجل نفوسهم، فهذا الأمر يعطي بعض التعزية للموتى، لأنه ماذا يقول الله عن ذلك " وأحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي، ومن أجل داود عبدي" (2 مل 19 : 34)، فإذا كانت ذكرى شخص بار لها قوة بهذا المقدار، إذ تُصنع أعمال صالحة من أجله، ألا يكون لها نتائج عظيمة؟ ليس اعتباطاً (أي ليس بدون علةٍ) شرّع الآباء الرسل ذكر الأموات أثناء تتميم الأسرار العظيمة، فقد عرفوا مقدار الربح وعظم الفائدة التي يجنيها الموتى من ذلك. فكيف لا نُرضي الله عندما يقف كل الشعب رافعين أكفهم بالضراعة إلى السماء، وبالاشتراك مع الإكليروس المقدس أثناء الصلاة أمام الذبيحة المهيبة غير الدموية، نترجاه من أجل إخوتنا الراقدين؟ كل هذا يقتصر بالتأكيد على الموتى المسيحيين المعمدين، لكن الموعوظين (الذين لم يتعمدوا بعد) لا يتمتعون بأية معونة سوى ما يقدِّم إحساناً إلى الفقراء من أجل راحة نفوسهم، هذا الإحسان يمدهم ببعض الراحة. بناء على ما تقدم، فإن الموت لا يعتبر شراً، إلاِّ من يموت غارقاً في خطاياه.

لماذا نخاف الموت؟

   أتريدون يا أحبائي أن أقول لكم لماذا تخافون من الموت؟ إذا أردنا أن نعرف ذلك، يجب أن نسأل أنفسنا لماذا لا يستولي علينا عشق ملكوت السموات؟ لماذا لا يشغلنا الاشتياق للخيرات العتيدة؟ لأنه عندما يحدث هذا، فسوف نحتقر كل خيرات الحياة الحاضرة، بل ومن كان سابقاً يخاف جهنم أو الجحيم، فإنه عندما يتحول للاشتياق للملكوت فإنه لن ينال بالموت.

   وبهذه المناسبة اسمحوا لي يا إخوتي أن أعطي لكم بعض النصائح: لا يكن تفكيركم مثل الأطفال، لكن كونوا أطفالاً في الشر، لأنهم لا يخافون النار المشتعلة، بقدر ما يخافون من الخيالات، فهم يخافون الأقنعة، لكن إذا أجلسهم أحد بجوار المصباح فسرعان ما يحاولون إمساك اللهب.

   أتريد أن أقول لك سبباً آخر يجعلنا نخاف الموت؟ نحن لا نعيش حياةً فاضلة، وليس لدينا ضمير طاهر، فلو كنا نعيش حياةً فاضلة، ولدينا ضمير نقي، فليس من سبب يجعلنا نخاف الموت. قد تقول: برهن لي على أنني سوف ارث  ملكوت السموات، ومن ثم اذبحني لو أردت، عندئذٍ سوف أكون لك مديوناً، إذ ترسلني إلى تلك الخيرات سريعاً. ولكني أخاف أن أموت ظلماً، أي بلا فائدة! ما هذا الذي تقوله؟ أخبرني، أتخاف أن تموت ظلماً، ولذلك تريد أن تموت لأجل الحق؟! كيف لمن هو ضائعٌ ومعذب بهذا القدر أن يعتقد أنه يموت ظلماً، وليس للحق؟ إذا كان ينبغي أن تخاف الموت، فكان يجب عليك أن تخاف الله، ذاك الذي يأتي بالحق. إن من يموت ظلماً هو من تشبَّه بالقديسين؛ لأن أكثر الذين أرضوا الرب خضعوا للموت ظلماً. والأول هابيل الذي لم يُذبح بسبب وقوعه في خطأ تجاه أخيه قايين، أو أنه أحزنه، لكن لأنه قد كرَّم الله. وإذا كان الله قد سمح بهذا، فهل لأنه كان يحب هابيل أن لأنه كان يكرهه؟ من الواضح جداً أنه فعل هذا لأنه كان يحبه وأراد أن يصنع له تاجاً أكثر بهاءً بسبب هذا الذبح الظالم. أرأيت أنه لا ينبغي أن تخاف الموت ظلماً بل خف أن تموت مثقلاً بخطايا كثيرة. وبينما مات هابيل ظلماً، عاش  قايين هائماً مرعوباً. مَن مِن الاثنين كان مغبوطاً، اخبرني؟ أذاك الذي مات ظلماً، أم من يعيش مرتعباً عن حق؟ وأية جريمة هي أسوء من القتل، أخبرني؟ لكن ليس كل قتل يُعتبر جريمة، لأن الفعل قد يكون لديه مبررات قوية، كيف ذلك؟ إسمعني: المديانيون [4] أرادوا أن يجعلوا الله عدواً لليهود، لأنهم إذ يحرمونهم من معونة الرب، يُحيون الأمل في الانتصار عليهم، فزينوا بعض الفتيات أخرجوهن أمام جيش اليهود، وبهذه الطريقة أغروهم وجذبوهم إلى الزنا، فعندما رأى فينحاس ذلك استل سيفة وقتل اثنان من اليهود أثناء اللحظة التي كانا يفعلان فيها الخطية، ليس لأنه يكره القتيلين لكن لكي ينقذ الباقين. لا شك أن هذا العمل يُعتبر قتلاً، لكن النتيجة أنه صار سبب خلاص أولئك الذين وُجدوا في خطر الخطية. لقد قتل اثنين، ولكنه أنقذ آلافاً كثيرة. فمثل الأطباء الذين إذ يبترون العضو الفاسد ينقذون كل الجسد، هكذا فعل فينحاس، لذلك فعمله يعتبر مبرراُ.

   دعونا لا نبكِ ـ إذن ـ بغير تمييز على من يموتون، لكن على أولئك الذين يموتون مثقلين بخطاياهم الكثيرة. هؤلاء هم المستحقون للنحيب والحزن. لأن أي رجاء يوجد لمن يرحلون مثقلين بخطاياهم الكثيرة، بينما التطهر من الخطايا هناك مستحيلٌ. لن أعيقكم إذ تبكون على من يرحلون عن هذا العالم وهم ينوؤون تحت وطأة خطاياهم، لكن ليكن بكائنا بطريقةٍ لائقة، لا شاذة، أي ليس بأن نرخي شعورنا ونمزق ملابسنا، ونغير هيئة وجوهنا، لكن فلنترك دموعنا تنساب بهدوء من عمق نفوسنا، هذا يفيدنا نحن؛ لأن من يحزن بهذه الطريقة على من مات، سيحاول ألا يسقط هو في ذات الخطايا. عندما ترى شخصاً ميتاً يُحمل إلى مسكنه الأخير، يتبعه أولاده الأيتام وأرملته وهم حزانى، ويبكيه عبيده وأصدقاؤه، فكَّر كيف أن أمور هذا العالم الحاضر لا قيمة لها وأنها لا تختلف في شيء عن الظلال والأوهام والأحلام. أنظر المباني العظيمة والمشهورة التي صارت أنقاضاً بعد أن انهارت، لذلك يقول الكتاب " كثير من الطغاة جلسوا على التراب والخامل لذكر لبس التاج " (حكمة بن سيراخ 11 : 5) ألا يكفيك كل هذا؟ تفكر إذن ـ قبل الموت ـ عندما تنام أية قيمة لك. ربما تفتك بك حشرة ضعيفة جداً، كم من مرةً حدث لكثيرين أن سقط أحدهم من سقف الحجرة فخُلعت عنه أو تسببت في شرٍ أعظم.

إنَّ الموت يكشف عبث الأمور البشرية:             

   تفكَّر في هذا دائماً، لا تعجب بجمال الوجه الإنساني، ولا اعتدال القوام وتناسقه، ولا الملبس الفاخر، ولا ما تملكه من جياد ومن عبيد. ينبغي أن تفكَّر في أمرٍ واحد: أين ينتهي كل هذا؟ لكن لو كنت تًعجب بالمظاهر، فسأوجهك إلى ما ذُكر في الكتب المقدسة التي هي أكثر بهاءً من كل هذا. علينا أن ننظر إلى جوهر الأشياء التي نعجب بها بسبب مظهرها الخارجي، الذي هو كفخار سيؤول مصيره إلى تراب. أرني هذا الإنسان إذا ما أصيب بحمى، ويكون عندئذ مشرفاً على الموت. ساعتها فقط سندير حواراً وسأسألك: أين أولئك الذين يمشون بخيلاء وتكَّبر، ها إن كثيرون يتبعونها في طريق السوق. أين هم الذين يلبسون الحرير؟ أين هم الذين أمسكوا الطعام عن الكثير من المحتاجين، بينما كانوا دائماً منكبون على ملذاتهم؟ أين هي سهراتهم الفاخرة، أين فرق الموسيقى، أين المتملقون، أين هي ضحكاتهم الكثيرة وترف نفوسهم، أين هي شهواتهم، أين هي حياتهم الرخوة كثيرة النفقات؟ الكل رحل وتلاشى بعيداً. ما حدث للجسد الذي نال عناية ونظافة فائقتين؟ اقترب من القبر، هل لاحظت التراب والرماد والسوس وكم القذارة الموجودة؟ أنظر، وتأوه بمرارةٍ، ويا ليت الأمر يقتصر فقط على هذا الوضع السيئ، لكن الآن انقل تفكيرك من القبر إلى تلك الحلقة التي لا تنتهي، إلى صرير الأسنان، إلى الظلمة الخارجية، إلى النار التي لا تطفئ، إلى تلك العقوبات الُمرة غير المحتملة، تلك التي تستمر بدون نهاية في الأبدية، وهو الأمر الذي يختلف عما يحدث في الحياة الحاضرة، فكلا الأعمال الصالحة والشريرة لهما نهاية سريعة هنا. أمَّا هناك في الحياة الأخرى فكلاهما مستمرين إلى الأبد، وذلك رغم اختلاف طبيعة الأعمال الصالحة وشرور الحياة الحاضرة بما لا يقاس عن الحياة الأخرى. إذن ماذا حدث لتلك الزينة الفاخرة؟ أين هي جميع التملقات والمداهنات، أين ما كان يقوم به العبيد من عناية وسهر، أين وفرة المال وغنى الممتلكات؟ أي ريح عاتية أتت في الداخل وزرعت كل هذا وشتَّتته؟

   وما الحاجة إلى كل تلك النفقات الكبيرة التي تنُفق على الجنازة، وبينما

يتسبب ذلك في ضرر مادي كبير للمشيعين، فإن الميت لا يربح شيئاً. عندما تسمح أن المسيح قام من الموت عرياناً، كف عن محبة المظاهر ولا تتعلل بالموت. وعندما تسمع قول المسيح: " رأيتموني جوعاناً فأطعمتموني، وعطشاناً فسقيتموني، وعرياناً فكسوتموني"، أضِف " وميتاً فدفنتموني"؛ لأنه إذا كان قد أخيرنا ـ ونحن أحياء ـ ألاَّ يكون لدينا أكثر من ثوب، فكم بالحري عندما نموت. وأي مبررٍ نعطي إذا كنا نُزيّن الجسد الذي يتحلل ويصبح مأكلاً للسوس، بينما نحتقر المسيح جائعاً أو عطشاناً، أو عندما يتجول عارياً وكغريب؟

   وإذا كنا نُقدّم رموز التفاخر والغنى للميت، فنغطيه بالملابس الفاخرة، وتُشيّع جنازته في مشهدٍ مهيب، والأغنياء والفقراء يمدحونه، فاعلم أن المشهد  سرعان ما يختفي، وكأنه يشبه وردة تذبل، يظهر ذلك عندما نمر على عتبات أبواب المدينة راجعين عقب تسليمنا الجسد إلى السوس. وإلاَّ فدعني أسألك: أين ذهب الجمع كله؟ ما الذي اسكت أصوات النحيب والضجة؟ أين المصابيح، وأين فرق النساء اللاتي كن يندبنَ؟ أو هل كان ذلك حلماً؟ أين الضجيج، أين تلك الأصوات التي كانت تنادي وتحثنا على ألاَّ نفقد شجاعتنا لأنه ليس احد خالداً؟ لماذا تخاطب تلك الأفواه الآن من لا يسمع؟ كان واجباً أن تحثه على أن يكون لديه قناعة عندما خطف وطمع، وأن تنبهه إلى أنه ليس أحدٌ خالداً.

   ألا تعتقد أنك تتضايق لو أن أحداً يبني بيوتاً لحسابك وأنت لن تسكن فيها؟ فلماذا إذن تريد أن تغتني في هذا العالم الذي قد تخرج منه قبل أن يحل الليل؟ اضبط إذن هوسك، سكَّن شهوتك العنيفة، ولا تكتفي بأن تقول لمن ظُلِم: لا تفقد شجاعتك.

   وبالرغم من أن هذا الكلام غير مفيد لمن خرج من إستاد مسابقات الحياة الحاضرة، فعلى الأقل دعونا نُسمع أولئك الذين يصاحبونه إلى القبر ولهم نفس الأخطاء، لأنهم لا يفكرون في شيء من مثل هذا إذ أنهم سكارى من شهوة الغنى، ولكن في ساعة الجنازة هذه، تؤكد مواجهة الموت صحة ما قلته. دعونا نتعفف، دعونا نتعلم أنه بعد وقت قليل سوف يأخذهم الذين يقودونهم إلى المحكمة المخيفة ليعطوا حساباً عما ارتكبوه من شرور في هذه الحياة. وحتى لا نشرك مع أولئك في معاناتهم، دعونا نبذل محاولة لكي نتغير لنصير أفضل، بقدر ما تسمح به قوانا، لكي نفوز بالخيرات العتيدة بنعمة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والقدرة مع الآب والروح القدس المحيي، والآن وكل أوان وإلى دهر الدهور أمين.

                     ——————-

ان الزمان قصير[6]

أقول هذا ايها الأخوة ان الزمان قصير فبقى ان يكون الذين لهم بناء كأنهم

لا بناء لهم. والباكون كأنهم لا يبكون والفرحون كأنهم لا يفرحون والمشترون كأنهم لا يملكون والمستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه لأن هيئة هذا العالم فى زوال.

لا تدع قلبك يميل الى الدنيا ويفتتن بحبها ويتعلق بأباطيلها بل تخلص من كل هوى وكن حراً ليكن كل شيئ عندك فى العالم كأنه لا شيئ. من جعل الرب نصيبه وذاق حلاوة الإيمان به وشعر بسلوانه واشرّب قلبه من حبه لا يستطيب بعد ذلك محبة العالم ولا يتعلق بما فيه. امعن فى البحث فإنك لا تجد إنسانا شغف بالعالم ونال السعادة. هب انك امتلكت كل شيئ ووضعت قلبك على كل شيئ اليس منزلك القبر كغيرك ومثواك الرمس،ألست تنزل اليه معريّ من كل شيئ، تستوى فى ذلك مع اكثر الناس فقراً واشدهم بؤسا!

جرّد ذاتك من كل تعلق دنيوي تستمتع بالراحة وتشعر بسلوان لذيذ ما اتعس الساعة التى فيها يتعلق قلبك بالعالم وما اشد نكدها وكدرها تشعر بثقل وتعب وتحس بهم وقلق كثير. ما اسعد الوقت الذى تفكر فى الله.

                      —————-                 

"فى سورة غضب حجبت وجهي عنك لحظة وبرأفـة أبدية أرحمك قال فاديك الرب"(اشعيا8:54)

أسباب الغضب:

أ. الخطـايـا:

1.      البُغضـة-"من قال انى أحب الله وهو يبغض أخاه فهو كاذب" (1يوحنا20:4).

2.      النجاسـة – "انتم هياكل الروح القدس وروح الله ساكن فيكم" ، والذى يفسد هيكل الله يفسده الله.

3.      عبادة الأصنام-"انا الرب إلهك لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك منحوتاً ولا صورة شيئ ممّا فى السماء من فوق ولا ممّا فى الأرض من أسفل ولا ممـّا فى المياه من تحت الأرض"(الخروج3:20-4). والأصنام هى المال وشهوة الجسد وتعظم المعيشة وشهوة العين.

ب. إهمال الوصايـا

لقد وضع الله قوانين وشرائع وإهمالهـا يؤدى الى أن يحجب الرب وجهه ولهذا قال:"أنظروا. اني تَال عليكم اليوم بركة ولعنة. البركة إن سمعتم لوصايا الرب إلهكم..واللعنة إن لم تسمعوا لوصايا الرب"(تثنية الإشتراع26:11-28).

مراحم اللـه الدائمة

ان الله بمراحمه الواسعة يعطى الإنسان الفرصة تلو الفرصـة لكى يتوب ويرجع الى الله لهذا قال:"محبة أبديـة أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة".

ان الله مراحمـه دائـمة فهو القائل:"ها أنا معكم كل الأيام"، لهذا يجب ان لا تيأس من مراحمه بل تقدم إليـه فى سر الـمصالحة لتنال الـمغفرة وتعود لحضن الآب السماوي.

————–

 



[1] (من كتاب "العذراء الرائعة..القانعة..الدامعة….."للمؤلف

[2] (من كتاب "الصراع") للمؤلف

 

[3] من مؤلفات مثلث الرحمات الأنبا أغناطيوس يعقوب

[4] من مؤلفات مثلث الرحمات الأنبا أغناطيوس يعقوب

[5] http://www.karozota.com

 

[6] من كتابات مثلث الرحمات الأنبا أغناطيوس يعقوب