من دم هابيل الصديق الي دم شهداء كنيسة سيدة النجاة

بقلم الأب متى شفيق

 

خاص بالموقع –

يخبرنا الوحي الإلهي، في مستهل تاريخ البشر، عن أول شهيد قتل باسم الدين. كان صدَّيقًا، يحسن الصلاة، وتقدماته كانت مقبولة عند الرب. كان محبا مسالما يفرح بصحبة أخيه. كان ذلك في موقع ما شرق نهر دجلة في العراق . كان اسم الشهيد هابيل الاخ الاصغر، واسم القاتل قايين الأخ الأكبر!

 

لقد قتل قايينُ هابيلَ لا لشرٍ اقترفه الاخير، بل لأنه رأى صلاة هابيل وتقدماته مقبولة عند الرب، وأمّا تقدماته هو فلا. فحدد قايين المشكلة والحل. رأى في هابيل المشكلة ، وفي التخلّص منه الحل. وبذلك يستاثرُ بالدنيا وبالله ايضا.

 

بيد أن هذه القصة القديمة قدم وجود الإنسان، تعود الينا من وقت الي اخر . فكم من إنسان قُتلَ باسم الدين، وسفك دمه- من دم هابيل الصديق الي دم شهداء كنيسة سيدة النجاة؟

لنتوقف أمام مذبحة كنيسة سيدة النجاة لنرى مدى مطابقتها مع حدث اول سفك دم ذكي وسنرى ان كانت تكرار لمشهد واحد.

 

"وكانَ يخرُج مِنْ عَدْنٍ نهرٌ فيَسقي الجنَّةَ، ويتَشَعَّبُ مِنْ هُناكَ فيصيرُ أربعةَ أنهارٍ، أحَدُها اَسْمُه فيشُونُ، … واَسمُ النَّهرِ الثَّاني جيحُونُ، … واَسمُ النَّهرِ الثَّالثِ دِجلَةُ، ويجري في شَرقي أشُّورَ. والنَّهرُ الرَّابعُ هوَ الفُراتُ. وأخذَ الرّبُّ الإلهُ آدمَ وأسكنَهُ في جنَّةِ عَدْنٍ لِيَفلَحَها ويَحرُسَها." تك 2 : 10 – 15

 

الزمن مساء اليوم الأول من شهر نوفمبر نرى كاتدرائية سيدة النجاة قابعة على الضفة الشرقية من نهر دجلة! في نفس المكان ! فاتحة بوابتها مستقبلة شعبا صغيرا وان هو متأصل في بنوته لهذا الوطن العريق. اجتهد في حب الوطن فعاشوا الاف السنين يعملون فيه ويباركون الرب.

 شعبا صغيرا حاملا تقدمات حمد وتضرعات من اجل البشرية عامة والعراق خاصة. طالبين العون الإلهي ونعمة الروح القدس كي يقتدوا بالقديسين الذين من اجل انتصاراتهم على الشر يكرمونهم كل عام في نفس الليلة. هذا الشعب صغير العدد يمثل هابيل الاخ الاصغر.

 

ويكمل الوحي الالهي : واَضطجعَ آدمُ معَ اَمرأتِهِ حَوَّاءَ فحَمَلت ووَلَدَت قايينَ. فقالت: ((رَزَقَني الرّبُّ اَبنًا))". تك 4: 1

كان قايين بكر البشرية وهو الاخ الاكبر. وهذا يمنحه امتيازات ومسؤوليات أيضا تجاه أخيه الأصغر هابيل. وقايين هنا يمثل الأكثرية من شعب العراق.


"وعادَت فوَلَدَت أخاهُ هابيلَ. وصارَ هابيلُ راعيَ غنَمِ وقايينُ فلاَحًا يفلَحُ الأرضَ. وَمرَّتِ الأيّامُ فقَدَّمَ قايينُ مِنْ ثَمَرِ الأرضِ تَقدِمَةً لِلرّبِّ، وقَدَّمَ هابيلُ أيضًا مِنْ أبكارِ غنَمِهِ ومِنْ سِمانِها. فنظَرَ الرّبُّ برضًى إلى هابيلَ وتَقدِمتِهِ، أمَّا إلى قايينَ وتَقدِمتِهِ فما نظَرَ برضًى، فغَضِبَ قايينُ جدُا وعبَسَ وجهُهُ." تك 4: 2 – 5

 

كلاهما قام بعمله، ولكن الأصغر أحسن عملا فقبل الرب الإله تقدمته. أما الأخ الأكبر قايين فلم يحسن عملا، فلم يقبل الرب تقدماته. لكن الرب لم يترك قايين بلا ارشاد.


"فقالَ الرّبُّ لِقايينَ: ((لِماذا غَضِبتَ ولِماذا عبَسَ وجهُكَ؟  إذا أحسنْتَ عمَلاً، رفَعْتُ شأنَكَ، وإذا لم تُحسِنْ عمَلاً، فالخطيّةُ رابِضةٌ بِالبابِ وهيَ تَتَلهَّفُ إليكَ، وعلَيكَ أنْ تسُودَ علَيها))". تك 4: 6 – 7  

أشار الرب الي ان المشكلة تكمن في عمل قايين وان الفرصة مازالت أمامه ليعمل حسنا فيرفع الرب من شأنه. لم يفعل هابيل فعلا واحدا مُشينًا أضرَّ به أخيه الأكبر. بل اهتم هابيل بعمله وعبادته. صلى هابيل وقدم تقدمات الرضى والشكر للرب الذي أعانه. لم هابيل يحمل سلاحا يحمي به نفسه، فهو يعيش في كنف أخيه.

لم يصغِ قايين الاخ الاكبر والأقوى الي كلام الرب، و رأى من وراء غضبه أن المشكلة تكمن في أخيه الاصغر هابيل، فإذا قتله سيفوز هو بالارض. عندئذ لن تكون هناك مقارنة ولا تفضيل من السماء، بل أيما قدم من ذبائح سيقبل بالتذكية. فقرر التخلص من أخيه الصغر متناسيا مسؤولياته تجاهه، أقلها ان يحميه من كل خطر وأن يكون حارسا له.

 

وقالَ قايينُ لِهابيلَ أخيهِ: ((هيَّا لِنَخرُج إلى الحقلِ)). وبَينَما هُما في الحقلِ هجمَ قايينُ على هابيلَ أخيهِ فقَتَلَهُ." تك 4: 8

 

هجم قايين القوي المسلح على اخيه العزل الذي قبل دعوته للخروج في نزهة . لقد أحب هابيل صحبة أخيه قايين فقبل دعوته وخرج معه شاعرا بالأمان لانه في اخيه الأكبر.  في الحقل، والسماء شاهدة، هجم قايين هجوم الأنذال على اخيه فارداه قتيلا . ليصبح هابيل اول شهيد في الانسانية مات شرق نهر دجلة . مات هابيل وكانت تهمته انه يصلي وصلاته مقبولة . وبالمثل مات شهداء كنيسة سيدة النجاة وهم يقدمون قرابينهم التى امتزجت بدمائهم وقدمون صلواتهم التى شملت صرخات الاطفال والنساء من قسوة الاخ الاكبر الذي هجم بغتة مدججا بالسلاح.

فقالَ الرّبُّ لِقايينَ: ((أينَ هابيلُ أخوكَ؟)) قالَ: ((لا أعرِفُ. أحارِسٌ أنا لأخي؟))" تك 4: 9

 

أحارس انا لآخي ؟ هذا الجحود من ثمار الخطية متى سادت على انسان.

 

 فقالَ لهُ الرّبُّ: ((ماذا فَعَلْتَ؟ دَمُ أخيكَ يصرُخ إليَ مِنَ الأرضِ. والآنَ، فمَلعونٌ أنتَ مِنَ الأرضِ التي فتَحت فَمَها لِتقبَلَ دَمَ أخيكَ مِنْ يَدِكَ. فهِيَ لن تُعطيَكَ خصْبَها إذا فلَحْتَها، طريدًا شريدًا تكونُ في الأرضِ)). تك 4: 10 – 12

 

صار هابيل اول شهيد في الانسانية وأمسى قايين اول ملعون في تارخ البشرية. حاز قايين بفعلته هذه من الشر والحقد والغضب والخوف والشقاء ما يكفي ليجعل أيامه مريرة لا فرح فيها ولا سلام. فكيف ينام وصراخ دم اخيه قد وصل الي السماء.

لم يفز قايين بالأرض كما صورت له الخطيئة، بل فاز بلعنتها! فصار ملعونا من الارض التي باتت ارض شقاء . لم ينل قايين رضا السماء بل استحق عقابها. لم يستثمر قايين هبة القوة المعطاة  له ليحمي اخيه بل استخدمها لقتل اخيه! صار قايين طريدا شريدا في الارض.

لقد كلّف الرب قايين بان يسود على الخطيئة، ولا يتركها تسود عليه. فلم يقبل تكليف السماء واختار ان يترك نفسه فريسة الخطيئة تسود عليه.

إن ما حدث على ضفاف نهر دجلة في بدء الإنسانية، وحدث أخيرا في غرة شهر فبراير 2010 ، وما بينهما من مذابح تمت. ماهو الإ تاكيد على أن الخطيئة سادت على قلوب البعض ، متوهمين أنّ في قتل النفس البشرية ربح السماء وإرث الارض. والحق قال: إنّ سافك الدم ملعون من الأرض ومدان من السماء.

يقول رب المجد ((هنيئًا للوُدَعاءِ، لأنَّهُم يَرِثونَ الأرضَ)). مت 5: 5