عظة الأربعين لشهداء كنيسة سيدة النجاة 10 ديسمبر 2010

التي قام بإلقائها نيافة الأنبا متي ماتوكا

رئيس أساقفة بغداد للسريان الكاثوليك

 

أصحاب المعالي السادة الوزراء

أصحاب السيادة السفراء والأساقفة والمسئولون

غبطة الكاردينال عمانوئيل الثالث ديلي

غبطة البطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان

سيادة السفير البابوي في العراق مونسينيور جورجو لينكوا

الآباء الكهنة والرهبان والراهبات

الإخوة والأخوات الأحباء

 

نجتمع في هذه الكنيسة للاحتفال بصلاة الأربعين على أرواح شهدائنا الغاليين الأب ثائر والأب وسيم وأكثر من 50 شهيد و70 جريح خلفهم العمل الإرهابي اللاإنساني التي تعرضت له هذه الكاتدرائية يوم 31 أكتوبر المنصرم.

لازالت جراحنا تنزف ولازال الألم يعتصرنا والتساؤلات تقلق مضجعنا، لازلنا نحيا في كابوس هذا الحدث الأليم والذي مس وزلزل كل الضمائر الإنسانية الصالحة.

لقد قال لنا السيد المسيح منذ أكثر من ألفي عام: "إن أبغضكم العالم فتذكروا أنه أبغضني قبل أن يبغضكم، لو كنتم من العالم لكان العالم أحببكم…. لقد قلت لكم هذا الكلام لكي لا يضعف إيمانكم. سيطردونكم من المجامع، بل ستأتي ساعة يظن فيها من يقتلكم أنه يؤدي فريضة لله، وهم يعملون ذلك لأنهم لا يعرفون أبي ولا يعرفوني" (يو 15-16)… وها نحن نحي اليوم هذه الكلمات ونرى بأم أعيننا إرهابيين يصرخون باسم الله ويقتلون باسم الدين أشخاصا وأطفالا ونساء وشبابا أبرياء وعزل يصلون في بيت الله، ويقتلوهم بطريقة وحشية أثناء إقامتهم الذبيحة الإلهي الخاصة بيوم الأحد.

لقد قدم المسيح حياته الطاهرة ذبيحة على خشبة الصليب وقال لنا: "تذكروا ما قلته لكم: ما من خادم أعظم من سيده، إذا اضطهدوني فسيضطهدونكم… وهم يفعلون بكم هذا كله من أجل اسمي، لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني… وهذا ليتم ما جاء في شريعتهم: ابغضوني بلا سبب"….

ولهذا فها نحن اليوم نؤكد للجميع أن الاضطهاد لا يضعف الكنيسة بل يقويها، الدم البريء يجعلها تزدهر وتتقوى أكثر. إن الإرهاب لا يخيفها بل يجددها ويغنيها ويؤكد حقيقة رسالتها، رسالة المحبة والسلام للجميع.

فالفخر إذن لمن يُقتل وهو يصلي والعار على من يَقتل ويذبح ويفجر وهو يصلي

الفخر لمن يداوي ويغفر ويسامح قاتله والعار على من يَقتل مُسامحُه

الفخر لمن يرى في إيمانه بالله دعوة لمحبة الجميع والعار على من يقتل ظنا بأنه ينفذ مشيئة إلهه

الفخر لمن يُؤمن بإله يحب الجميع والعار على من يؤمن بإله يحتاج للإرهاب ليُؤمن به الجميع

الفخر لمن يحمي البرئ ويدافع عنه والعار على من يرسى الظلم ويسكت عنه- الساكت عن الحق وعن الظلم شيطان أخرس.

40 يوما قد مرَّت على هذه المذبحة الاإنسانية وعلى الأعمال الإرهابية التي تلتها من تفجير واستهداف للمسيحيين في بيوتهم ومحالهم وخروجهم ودخولهم… ولازلنا نطالب بحل عادل وبحماية حقيقية للأبرياء، لكل الأبرياء مسلمين ومسحيين وصابئه ويزديين… فالدم العراقي، كل الدم العراقي، أغلى من أن يسفك كل يوم بلا حساب أو عقاب. فالحياة هي نعمة من لدن الله هو وحده يعطيها وهو وحده يأخذها، وبالتالي فالمساس بالحياة الإنسانية هو مساس بالذات الإلهية نفسها.

الأخوة الأحباء

إن ما نحياه الآن هو لحظة تاريخية تزرع فينا اليقين من أن التاريخ سيكرم المظلوم وسيموت الظالم ويدفن في مقبرة الكراهية والحقد التي حفرها بيديه. اليقين من أن العدالة البشرية قد تخطئ ولكن العدالة الإلهية لا ليمكن تخطيء أبدا حتى وإن تمهلت.

40 يوما قد مرَّت ومازال المسيحيون يطالبون بحقهم في العيش في وطن أبائهم وأجدادهم حياة إنسانية كريمة. إننا لا نريد امتيازات بل نطالب بحقوق المواطنة والمساواة. إننا لا نريد حقوق تمنح لنا وكأنها هبة أو عطية بل حقوق يضمنها الدستور ويحميها القانون ويدافع عنها أصحاب القرار والسلطة.

نريد أن يعاقب المذنب ليكن درسا للجميع أن لا أحد فوق القانون.

نريد السلام ولكننا نؤكد أن لا سلام بلا عدالة ولا عدالة بلا قانون يحترمه الجميع ويطبق على الجميع.

نريد أن يُحرّم أي عمل إرهابي باسم الدين وأن ترفض كل الفتاوي الدينية التي تحلل دم غير المسلمين وتستبيحه

نريد أن يُحرِّم كل رجال الدين في كل الدول الإسلامية- وبطريقة واضحة لا تقبل التأويل أو التفاوض – قتل الأبرياء وتأكيد أن التعاليم الدينية السماوية الحقيقية لا يمكن أن تحلل القتل والإرهاب.

نريد وطنا آمنا، ونحن مستعدون أن نضحي من أجل عراقنا الحبيب بكل غال ونفيس كما ضحينا في الماضي وكما نضحي الآن. ولن يكون وطننا أمانا إلا بحكومة قوية وحازمة، حكومة لا تتهاون مع المعتدي ولا تتراخى أمام الإرهاب. حكومة تقف بجوار المظلوم وتسحق الظالم بالقانون بقوة.

ونطالب الحكومة، إكراما لدم الشهداء، وتأكيدا على مكانة السيدة العذراء، سيدة النجاة، بالنسبة للمسيحيين وللمسلمين، فنحن نطالب بجعل يوم 31 أكتوبر عيدا قوميا للمحبة والإخوة، عيدا للسيدة العذراء، عيدا نقدم فيه للعالم دليلا على أن الإرهاب لن يفرقنا وأن الإيمان بالإله الحق يجب أن يوحدنا.

السادة الأفاضل

أريد أن أنهي كلمتي بكلمة الطفل  آدم – ثلاث سنوات – الذي صرخ في وجه الإرهابيين الذين قتلوه برصاصهم الجبان، قال: "كفى، كفى، كفى".

نعم كفى قتلا وإرهابا…  كفى سفكا للدم العراقي الغالي… كفى خوفا وتهجيرا… كفى صمتا وتأجيلا.

السادة الحضور الكرام نشكركم على حضوركم الكريم ونشكر كلَّ من ساعدنا بالقول والعمل وقدم لنا يد العون في هذه الأوقات العصيبة من مسئولين ورجال أمن ودول صديقة ….

وليرحم الله شهدائنا الغاليين وكل دم عراقي ذكي سُفك غدرا وليعطى الرب أُسر جميع الشهداء والمجروحين الصبر والعزاء وليجعل من دمائهم الطاهرة بذورا للسلام ولغد مشرق ولعراق حر كريم.