الزيوت الكنسيّة المستعملة في التقليد القبطي

خاص بالموقع

1- صُنع الزيت:

لقد عُرف في تاريخ البشرية أن الزيت يُصنع باستخراجه من بذور الكتان والخروع والقرطم والخس والنوى وأدران وأكاليل وثمار الزيتون، وذلك بقطف الثمار والبذور ثمّ عصرها فينتج الزيت وأجود تلك الأنواع من الزيوت هو زيت الزيتون، والموطن الأصلي لزيت الزيتون هو بلاد فلسطين، وأكثرها تكدسًا بأشجار الزيتون منطقة جبل الزيتون، وكان يتم تجميع ثمار الزيتون بتحريك الأشجار فتنزل الثمار متساقطة ثم تعصر وينتج زيت الزيتون. أيضًا يمتاز شجر الزيتون عن باقي الأشجار يعيش بأنه مئات السنين، وينضج ثمر الزيتون في فصل الخريف.

 

2- الوحي الإلهي والزيت:

أول مرة ذكر الزيت في الوحي الإلهي في سفر التكوين مع يعقوب وحلمه:

«وخرَج يعقوبُ مِنْ بئرَ سَبْعَ وذهبَ إلى حارانَ، فوصلَ عندَ غيابِ الشَّمسِ إلى موضعِ رأى أنْ يبيتَ فيه، فأخذَ حجرًا مِنْ حجارةِ المَوضِعِ ووضَعَهُ تَحتَ رأسِهِ ونامَ هُناكَ. فحَلُمَ أنَّه رأى سُلَّمًا منصوبةً على الأرضِ، رأسُها إلى السَّماءِ، وملائكةُ اللهِ تصعَدُ وتنزِلُ علَيها. وكانَ اللهُ واقِفًا عَلى السُّلَّمِ يقولُ: أنا الرّبُّ إلهُ إبراهيمَ أبيكَ وإلهُ إسحَقَ! الأرضُ التي أنتَ نائِمٌ علَيها أهبُها لكَ ولِنسلِكَ. ويكثُرُ نسلُكَ كَتُرابِ الأرضِ، وينتَشِرُ غربًا وشرقًا وشَمالاً وجنوبًا، ويتباركُ بِكَ وبنسلِكَ جميعُ قبائلِ الأرضِ، وها أنا معَكَ، أحفظُكَ أينما اَتجهتَ. وسأردُّكَ إلى هذِهِ الأرضِ، فلا أتخلَّى عَنكَ حتى أفيَ لكَ بكلِّ ما وعَدْتُكَ. فأفاقَ يعقوبُ مِنْ نومهِ وقالَ: الرّبُّ في هذا المَوضِعِ ولا عِلْمَ لي. فخافَ وقالَ: ما أرهبَ هذا المَوضِعَ. ما هذا إلاَ بيتُ اللهِ. وبابُ السَّماءِ. وبكَّرَ يعقوبُ في الغدِ، وأخذَ الحجرَ الذي وضَعَهُ تحتَ رأسِهِ ونصبَه عَمودًا، وصَبَ علَيه زيتًا لِيكرِّسَهُ للرّبّ. وسمَّى ذلِكَ المَوضِعَ بَيتَ إيلَ، وكانَتِ المدينةُ مِنْ قَبلُ تُسمَّى لوزَ. ونذرَ يعقوبُ نَذْرًا، قالَ: إنْ كانَ اللهُ معي وحفِظَني في هذِهِ الطَّريقِ التي أسلُكُها، ورزقَني خبزًا آكُلُه وثيابًا ألبَسُها، ورَجعْتُ سالمًا إلى بَيتِ أبي، يكونُ الرّبُّ لي إلهًا .وهذا الحجرُ الذي نصبْتُهُ عَمودًا يكونُ بيتَ اللهِ، وكُلُّ ما يَهبُهُ لي أُعطيهِ عُشْرَهُ» (28/10-22).

وكان الإسرائيليون يهتمّون اهتمامًا خاصًا بتهيئة الزيت المعدّ لشعائر العبادة في الهيكل وفي المعبد،  وأيضًا يُستعمل الزيت للإضاءة، لصنع العطور، للتقدمة الدائمة، للمسحة: «وهذا ما يتَوَكَّلُ بهِ ألِعازارُ بنُ هرونَ الكاهنِ: زيتُ الإضاءةِ، والبَخورُ العَطِرُ، والتَّقدِمةُ الدَّائِمةُ، وزيتُ المَسْحِ، ورَقابةُ المَسكِنِ كُلِّهِ وجميعُ ما فيهِ مِنْ أمتِعةٍ مُقَدَّسةٍ لِلرّبِّ»(عد4/16).

 

 3- استعمال الزيت في الكتاب المقدّس:

1- تهيئة الطعام وصنع الخبز (تث 28/ 38-40، خر29/2).

2-كعطر للجسد (مز 23 /5، عا6/6، أستير 2/12).

3- كدواء للجروح (مر 6/13؛ لو 10/34).

4- وزيت للإنارة (خر 27/20، مت 25/3).

5- وفرة الزيت علامة خلاصية (يوئيل2/19).

6- يقوي الأعضاء (حز 16/9).

7- يُخفّف القروح(إش1/6).

8- رمز النعيم في آخر الأزمنة(هو2/34).

9- بركة إلهية (تث7/13و14، إر31/12).

10- مسحة الكهنة والأنبياء والملوك والأواني المقدسة والأماكن المقدّسة  (خر 30/ 22-33، لاويين 8/ 1-13، 1صمو16/13).

11- علامة إكرام الله (قض9/9).

12- الزيت فريضة(خر45/14، نح13/5).

 

 4- الزيت في الشعوب القديمة:

القمح والكرمة والزيت: هؤلاء كانوا أركان الاقتصاد القديم الذي كان ريفيًّا في جوهره:

– الخبز للحياة،

– والخمر للأفراح والأناشيد،

– والزيت للتذوق والإنارة، وتَطْبيب والعطور والرياضة البدنية.

ويروي يوسف فلافيوس وهو معاصر للعصر الذي ما بعد المسيح مباشرة أن اليهود في مصر كانوا يلجأون إلى الزيوت لشفاء الناس بطرد الشياطين من أجسامهم.

ونعرف من الوثائق أن الغنوسيين كانوا يرون أن في الزيت وسيلة فعّالة تنقل الإنسان من حياة الأرض إلى حياة السماء أو من الحياة المادية إلى الحياة الروحية ، فكانوا ينادون بتعميد أتباعهم في الزيت نفسه بدلا من الماء ، وكانوا يوصون كذلك بدهن أجسام الموتى بمادة الزيت. كان الزيت من بين الوسائل التي كان العالم اليهودي يلجأ إليها لدواعي العلاج. وفي العقلية اليهودية كان الزيت يعتبر دواء حيوي صادر من شجر غير مزروع في البساتين العادية وإنما مزروع في جنة عدن وكانوا يعتقدون أن آدم لكي يخفف أمراضه وهو مُسن كان يلجأ للزيت ليدلك به جسده.

وفي كتاب أخنوخ البار 8 / 3 ، 5 يذكر أن هناك شجرتين محفوظتين في السماء الثالثة من الجنة، أولهم هي شجرة الحياة والثانية شجرة الزيت. 

وفي أشعيا 61 / 3 فإن زيت الفرح هو رمز لسعادة المختارين في الأزمنة المسيحانية، ولذلك فهو يسمح حسب المعتقدات اليهودية القديمة بتجنب الموت والحفاظ على الحياة.

وفي مصر كانت العادات والتقاليد الفرعونية تدعو باستخدام الزيت من أجل الحياة في قيامة الأموات فلا غرابة أن القديس يعقوب الرسول عندما يطلب مسح المريض بالزيت كان يدرك أن هذا الزيت ليس له فوائد طبيعية فقط بمعنى شفاء من المرض ولكن له فوائد فائقة الطبيعة أي تحفظ الإنسان من الموت الأبدي.

وعند الفراعنة أربعة أنواع من الزيوت:

1- زيت التكريس.

2- زيت التطهير.

3- زيت جلب الخير.

4- زيت الشفاء.

 وحسب معطيات العهد القديم كان الملوك والأنبياء والكهنة يُمسحون بالزيت كأن الزيت وسيلة لإعلان حصانتهم. إذًا الزيت هو للجمال الجسماني والإنارة في الليل، والدليل على ذلك أن يسوع المسيح عندما ضرب مثل العذاري:« فقامَتِ العَذارى العَشْرُ وهيَّأْنَ مَصابـيحَهُنَّ. فقالَتِ الجاهِلاتُ لِلعاقِلاتِ: أعطينَنا من زَيْتِكُنَّ، لأنَّ مَصابـيحَنا تَنطفِـئُ»(مت25/7و8) 

وبالتالي يبقى الزيت بالنسبة لنا نحن – المسيحيين – هو رمز الشفاء والنور. حتى أن يسوع المسيح ضرب مثل السامري الصالح وذُكر أن السامري استعمل الزيت لضمد الجروح:« ولكِنَّ سامِريًّا مُسافِرًا مَرَّ بِهِ، فلمَّا رَآهُ أشْفَقَ علَيهِ. فدَنا مِنهُ وسكَبَ زَيتًا وخَمرًا على جِراحِهِ وضَمَّدَها، ثُمَّ حَمَلهُ على دابَّتِهِ وجاءَ بِهِ إلى فُندُقٍ واَعتَنى بأمرِهِ. وفي الغَدِ أخرَجَ السَّامِريُّ دينارَينِ، ودَفعَهُما إلى صاحِبِ الفُندُقِ وقالَ لَه: إِعتَنِ بأمرِهِ، ومَهما أنفَقْتَ زيادَةً على ذلِكَ أُوفيكَ عِندَ عودَتي» (لو10/33-35).

وهذا ما نصلّيه في صلاة القنديل من طقس الفتيلة الأولى:« أيّها المخلص محب البشر،  يا من أعطيت النعمة للأنبياء والملوك ورؤساء الآباء. اجعل في هذا الزيت الشفاء للذين يدهنون منه. واسترهم من جميع المحاربات الشيطانية،  وأمل إليهم بوجه رحمتك. وباركهم بعين صلاحك. وأبسط يد قوتك وامنح عبدك (فلان) والحاضرين معنا الشفاء النفساني والجسداني بشفاعة العذراء أم الخلاص… يا من أمر المرضى أن يدعوا قسوس الكنيسة الذين هم خدام لاهوتك، ويدهنوهم بالزيت المقدس ليخلصوا،  نج أيها الصالح عبدك (فلان) من قبل هذه المسحة المقدسة،  بشفاعة العذراء أمّ الخلاص…».

 

5- أنواع الزيوت واستخدامها في كنيسة الإسكندرية:

الزيت يدخل في خمسة أسرار كنسيّة ألا وهي: المعمودية، والميرون المقدّس، والإكليل المقدّس، والكهنوت المقدّس، ومسحة المرضى. وعلى حسب تقليد كنيسة الإسكندرية توجد هذه الأنواع من الزيوت الكنسية:

أ- الزيت الساذج: وهو يستعمل في إيقاد القناديل الشرقية، وأمام إيقونات الشهداء والقديسين، وأيضًا في سكبه في جرن المعمودية بدء طقس مراسيم هذا السر.

ب- زيت الغاليلاون: وهو يستعمل في دهن الطفل قبل دخوله جرن المعمودية، وأيضًا في سكبه في جرن ماء المعمودية بعد تلاوة قانون الإيمان.

ج- زيت الميرون: وهو يستعمل في سكبه في جرن المعمودية قبل تغطيس الطفل في الجرن، وأيضًا في دهن الطفل بعد نواله سر المعمودية أيّ بعد الخروج من جرن المعمودية، ويُعتبر طقس كنيسة الإسكندرية الوحيد بين الطقوس الشرقية والغربية الذي  يسكب ثلاثة أنواع من الزيوت في ماء المعمودية، هي: الزيت الساذج، زيت الغاليلاون، زيت الميرون.

د- زيت أبو غالمسيس: وهو يستعمل في دهن الأم أثناء مراسيم طقس المعمودية، وأيضًا في دهن العروسين أثناء مراسيم طقس الإكليل المقدّس، وأيضًا في دهن الأشخاص الممسوسين بالأرواح الشريرة، وفك المأسورين بالأعمال السحرية، والذين لدغهم عقرب أو ثعبان، وأيضًا في دهن أطفال غير مسيحيين.

هـ- زيت الموعوظين: وهو مأخوذ من زيت أبو غالمسيس، وتتلى عليه صلاة خاصّة به أثناء مراسيم طقس المعمودية، ويستعمل في دهن الطفل قبل الجحد الشيطاني في طقس المعمودية.

و- زيت إكسرخيسموس: وهو زيت يُستعمل في دهن المؤمن الذي جحد الإيمان بعد أن يمارس سرّ المصالحة.

ر- زيت بركة: وهو زيت بركة يصلّى علية الكاهن صلاة بركة الزيت الخاص به، وهذا الزيت منتشر في المزارات الروحية.

ح- زيت مسحة المرضى: هو زيت يُستعمل في دهن جماعة المؤمنين في جمعة ختام الصوم، كما أنّ كانت عادة قديمة أثناء فترة الصوم الأربعيني المقدس أن الكاهن يقوم بعمل قناديل داخل بيوت الرعية، وأيضًا يدهن به المريض في ساعة النزاع الأخير.  

بنعمة الله

أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس عبد المسيح

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما

stfanos2@yahoo.com