المرأة وتحديات العصر

 

كلمة الاب القمص انطون جيد

وكيل عام مطرانية الاقباط الكاثوليك بالمنيا بمناسبة اسبوع الصلاه العالمي 15/12/2010

 

قبل الخوض فى موضوع المرأة وتحديات العصر يجدر أن نذكر شيئاً عن العنف الذى يوجه ضد المرأة وكثيراً ما ينتج عنه إلحاق الأذى أو المعاناه الجسدية أو العقلية أو الجنسية أو التهديد بالحرمان من الحرية.

ومن أنواع العنف هناك العنف الأسرى مثل الضرب والسب والإهانة بمختلف أنواعها والإهمال …… إلخ. والعنف الاجتماعى مثل الاغتصاب والتحرش الجنسي ، والممارسات الضارة المبنية على العادات القديمة والثقافات السائدة . ثم العنف المؤرس بالاساءة الجسدية النفسية.

اما آثار العنف ضد المرأءة هو تدمير صحتها وتشويش حياتها وتدمير ثقتها بنفسها وتقديرها لذاتها هى تحقيق مشاركتها الكاملة فى المجتمع .

وما هو جدير بالذكر انه من المؤسف ان هناك اتجاها يجيز للزوج الحق فى معاقبة زوجته وعدم إعتبار العقوبة عنفاً.

ولكن الدين يعتبر حجر الزاوية فى وضع خطة لنا ضد العنف ضد المرأة ، اذ أن نسبة عالية من الرجال يقرون بالعنف ضد المرأة ويوافقون عليه من منطلق فهم خاطئ للدين ويحتاج الأمر فى هذا الصدد الى الاعتماد على رجال الدين المسيحي المستندين فى تقديم المفاهيم الصحيحة عن الدين بما لا يسمح باستغلاله استغلالا خاطئاً بل تحويله الى شفقة وحب واحترام وما قيل عن رجال الدين يجب أن يوجه الى القائمين بوسائل الاعلام كما يقع هذا الواجب على عاتق المنظمات غير الحكومية مسئولية كبرى يجب أن تكون فىمقدمة القضايا المترتبة عليهم.

والآن حتى نتكلم عن المرأة وتحديات العصر يجب أن نبدأ بالحديث عن موضوع النضوج ، لأن النضوج يجعل الرجل يعترف بشخصية الآخرين ، أى بحقوقهم وواجباتهم ورغباتهم وبالنضوج يفهم ضرورة المساواة واحترام الصلة والعلاقة المتبادلة.

واذا ما بلغت المرأة ايضاً الى النضوج واحساسها بنضوج الزوج تبدأ ان تعبر عن رغبتها فى تغيير التعامل التقليدي من الخضوع للرجل المسيطر الى صلة تشعر فيها بالمساواة والحد من المقاومة التى كانت تعانى منها.

وبما أن الاستقلال الاقتصادى قيمة عظمى فى مجتمعنا فالتحرير المالى لدى المرأة اصبح عنصراً فعالا فى اضطرار الرجل الى تغيير وجهة نظرهم فى المرأة.

ويتبع ذلك الدور الجديد للمرأة كمشتركة فعلا فى المسائل السياية والمدنية ، ومن ثم بدأت المرأة تندمج اندماجا تدريجيا بالاشتراك مع الرجل فى العمل الاقتصادى وذلك منذ أجيال عندما أفسحت لها المجتمعات الزراعية المجال للإشتراك فى هذا النشاط، هذا عن المرأة الريفية وفى الحياة المدنية الصناعية اضطرت المرأة من الطبقات الضغيرة الى طلب العمل المريح حينما لا تكون مرتبطة بالحمل والرضاعة ، بينما فى الطبقات  الميسرة والغنية كان المفروض أن تركز المرأة انتباهها على وظيفتها كأم وكربة بيت ومع ذلك نجح عدد كبير من النساء فى الجمع بين المهنة والعمل ومن ثم انطلقت تشق طريقها من أوسع الأبواب مدفوعة بعدة عوامل وأسباب :

 * السبب الأول :

       هو الضرورة الإقتصادية ، ارتفاع مستوى المعيشة ومطالب الحياة وضرورة التعليم الجامعى وغيرها من متطلبات المال وبما أن الزوج لا يستطيع بمفرده أن يكسب ما يكفى لسد كل هذه المطالب دخلت الزوجة مع زوجها فى ميدان العمل المريح.

* السبب الثانى :

       الدافع لإنطلاق المرأة الى العمل خارج البيت لتشعر بقيمتها الشخصية واستقلالها الذاتى والوقوف على قدميها بمفردها.

كذلك إقتران هذا الإحساس بالكرامة واثبات الشخصية بتزايد تقدير الرجل للمرأة العاملة.

 

إننا نعيش عصرً يقتضى تعبئة الجهود من أجل أن تصبح المرأة شريكاً كاملا للرجل ومن ثم طرقت كافة الأبواب مستعملة كافة الوسائل لتكون اكثر نضجا ووعيا وارتباطا بالمجتمع واكثر اقبالا على التعليم والتدريب والتثقف لرفع مستواها واقتحام مجالات لم تعد حكراً على الرجل ، عالم التقنيات الحديثة وثورة الاتصالات والمعلومات وهذا ما يدعونا الى التشديد على احقية المرأة العاملة فى فرص متكافئة ومتساوية مع الرجل دون تفرقة او تمييز الا بمعيار الكفاءة والاتقان وحسن الاداء ووجوب مكافحة المرأة العاملة باعتباره المدخل الصحيح لتمكين المرأة من المشاركة فى اتخاذ القرارات التى تهم سائر الفئات الاجتماعية .

بالرغم من الوثيقة الجريئة التى قفزتها المرأة فى مجال العمل فى معظم الاتجاهات ونجاحها فى معظم التحديات مازالت تعانى الكثير من المشاكل الناجمة عن خروجها للعمل مثل : مشكلة العناية بالطفل – صعوبة التوفيق بين التزامات العمل والبيت ، مشاكل مع الزوج الذى لا يقدر متاعبها فى مهامها المنزلية ، هذا فضلا عن تضجرة عندما يحس بانتقاص سيطرته فى حالة عملها رغم ادراكه باحتياجه الى مرتبها هذا فضلا عن انتقاص العلاقة الجنسية تحت زعم أنها متعبة.

والآن نأتى الى دور المؤسسات الدينية فى تكوين الفتيات والسيدات على خلق ورعاية الحياة والتواصل مع الآخر ، وبالفعل هناك جيوش من الراهبات منمختلف لأجناس ، والفتيات والسيدات الاتى دخلن الخدمة وأخذن ادوار قيادية فى مجابهة تهديدات وصراعات عصرهن ، فمهن من تخصصن للتعليم بالمدارس لهدف تربية النشئ تربية سليمة ومنهن للتمريض بالمستشفيات كملائكة رحمة ومنهن لخدمة العجزة والمسنيين والمعوقين ، ومنهن لاعالة اسر المسجونين ولسداد أعوازهم ومنهن لخدمة المدمنات، والمبتليات بالادمان والشذوذ الجنسي والمنحرفات سلوكياً ومنهن للاهتمام بالارامل واطفال الشوارع ومنهن للخدمة فى ملاجئ الأيتام.

جدير بالذكر ان المرأة العاملة فى هذه المجالات لا تستطيع وحدها ان تتذوق حلاوة الخدمة واحتمال أعبائها ما لم تكن قد اتاحت لنفسها فرصة الخلوة مع الله والجلوس عند قدميه فى صمت وهدوء لأن الخادمة لا سيما القيادية يجب أن تكون قبل كل شئ المجرى الذى تنساب فيه النعمة الإلهية بمعنى يجب أن تمتلئ لتفيض، حتى وان كانت المرأة بصفة عامة ضعيفة ولكن شاء الله ان يتمجد فى الأوانى الخزفية ليحولها من خزفيتها الى اوان صلبة تصلح لاستعماله وحيث ان الامكانيات والفرص متاحة فالمرأة العصرية لديها امكانيات وفرص لم تجدها جداتها ولا حتى امهاتها فهى تستطيع

أن تتاجر بوزناتها في الوقت الذي لم تكن امها تستطيع ذلك وأوامر السيد صريحة قاطعة فلا عذر لأية إمرأة سواء كانت صاحبة وزنات كثيرة أو قليلة فقط عليها أن تعيش كما يحق للدعوة المجيدة التي دعيت لإليها ، فرب المجد قد قابل استعداد المرأة باستخدامها في جمل رسالته ، قال للسامرية إذهبي وادعي زوجك ، فأتت إليه بأهل المدينة بدلاً من الاكتفاء بذلك المحسوب زوجاً لها … ألم تجعل من المجدلية رسولة حين قال لها اذهبي واعلميأخوتك أن يذهبوا إلى الجليل .

أما ساعة حلول الروح القدس وقف بطرس يردد كلمات الله على لسان يوئيل " ويكون في الايام الأخيرة إني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم " نرى كيف يساوي الله في عطاياه بين البنين والبنات والعبيد والأماء ، وليس التنبؤ بالموهبة الوحيدة التي ساوى فيها المراة بالرجل ، إذ يذكر لنا الكتاب المقدس والتاريخ القمم الروحية الشاهقة التي نجحت المرأة في الوصول إليها .

يجب ألا نتجاهل أنه كما لايستطيع انسان أن يمارس مهنة ما طب ، هندسة ، قانون ، أمور تجارية أو صناعية ما لم يتكون ويتعلم ويتدرب عليها ، لذلك من يعملون في هذا المضمار ، فأنه لايكفي الاستعداد النفسي الذي هو مجرد تمهيد يجب ان يتبعه الاستعداد العقلي والأدبي لمواجهة مختلف الضيقات والمشقات ، فالقيام بالمسئال الأدبية والاجتماعية والروحية ليس هيناً ، صحيح أن الرب يجعله هيناً بل ومفرحاً أيضاً .

المراة التي تعرف هذا الواجب المقدس الموضوع عليها للسير بالآخرين نحو مجتمع آمن ، يجب أن تكون في نفسها قد تهيأت لهذه الرسالة العظمى . لذلك وجب تربية البنت البنت فعند حداثتها على ادراك هذه الرسالة ، ويجب فتح الأبواب أمامها لتكتسب المعرفة والدراية والمحبة اللازمة لتهيئتها لهذه الرسالة العظمى

فكان من الكنيسة ان وجهت كل اهتماماتها في تكوين قوافل منظمة لتوزيعها إلى القرى والعزب ، بعد أن تكون أخذت القسط الوافر من التدريبات العلمية والفنية والتربوية لتنشئة البنت من صغرها والفتاة والآنسات والسيدات ذهنياً ونفسياً وإجتماعياً وصحياً في كافة المجالات .

 

 

* وما أكثر هذه القوافل : منها :-

حواء المستقبل – نهضة مصر – كاريتاس – سلامة موسى – الهيئة الانجيلية – الجزويت – جمعية الصعيد للتنمية – مؤسسة التنمية – الشبان والشابات المسيحية – الكرمة – تنظيم الأسرة – سيدات مصر – سان مارك – الراعي الصالح .

هذه المؤسسات وغيرها تساهم بطرق عده في خلق عالم آمن من خلال البرامج التي توفر فص تنمية لكل المراحل .

بعض هذه البرامج تهدف إلى رفع وعي المجتمعات والتعرف بمساويء التفرقة الجنسية وأنتهاك حقوق المرأة بالاضافة أن هذه البرامج تمد الرجال والنساء بالأمثلة الاعلى التي تفوق مهاراتها القيادية .

قبل الختام يجدر أن نذكر ما تقوم به الكنيسة عندما توجه المرأة لدروس العاملة بالدروس اللازمة لها في معترك الحياة .

رأت انه لما خرجت الحياة العامة ولم تعد تحيا تلك الحياة القانعة المحاطة بسياج من الرعاية والسيطرة ، ولأنها في شتى الميادين تواجهتيارات وتجارب متنوعة توجهها بالكثير من الدروس والتوجيهات التي إلى حد كبير تعالج مشاكلها في المجتمع عندما تقبل متواضعة ما تصادفه من شدائد في العمل.

في قصة المرأة الكنعانية كيف استجابت لما تطلبه منها الموقف ، فهتفت لساعتها بان الكلاب ت أكل الفتات المتساقط من على مائدة البنين.

فما هو الدرس الذي تلقيه الكنعانية على المرأة العصرية ، مثلاً كل إمرأة بوصفها إمرة في حاجة ملحة إلى العطف والمحبة ، ولكن شاء الله في حكمته التي لاتدرك أن تعطي هي هذا العطف وهذه المحبة أكثر مما تأخذ ، حيث أن عاطفة المرأة كانت لها الكثير من العواقب الوخيمة ، وجب على المرأة العصرية أن تواجهه هذا النزعة الفطرية الكامنة داخلها على حقيقتها ، نفسها لاستطاعت تجنب الكثير من المشاكل وأن تكبح جماح أي انفعال وتتحكم فيه بدلاً من أن تدعه يقوى فيتسلط عليها .

ولذا على الشابة العصرية أن تتفطن في أمورها وتتمعن في كل ما ينتابها من اندفاعات نفسية وتتحكم فيها .

* عتاب المحبة .

" لو كنت ههنا لم يمت أخي " ألم أقل لكِ إن آمنت ترين مجد الله " وهنا نتساءل بل نحاول ان نرى المرأة العصرية إن كانت تقف هذا الموقف أم لا ؟ 

 هل لديها مقدار من الايمان يشجعها في شدائدها ؟ كثيراً ما تجد نفسها حائرة بين مخاوفها ومقدارتها ، بين فروض المجتمع عليها وبين طفرة العصر التي دفعت بها في معترك الحياة ، فيأتي قول المسيح لها ولغيرها " إن آمنت ترين مجد الله" .

يعني حقيقة سلطان المسيح ليس قاصراً على الموت الجسدي بل يمتد ليشمل إقامة مقدراتها وإمكانياتها إلى حيز العمل . نعم هو كفيل بكلمة يقيم كل امكاناتها من مرقدها.

* " المرأة التي سكبت  الطيب"  .

الدرس عينه نتعلمه مما عملته المرأة ، جائت تعبر عن عمق شعورها لكنها قوبلت بالنقض واللوم ، دافع عنها يسوع بقوله : " أتركوها " قاصداً بذلك أتركوها لتعرف بنفسها الطريق الذي يوصلها في النهاية إلى ملكوته .

إنه يطالبها أن تسير في طريقها ولا تدع النقض يعوقها عن سيرها ، نعم أتركوها ، على المراة العصرية أن تدرب نفسها على الموازنة وعلى الحكم والمبني على التفكير والصلاة .

أراد أن يعطيها قلباً يتطلب المحبة وجسماً يتحتم عليها الصبر.