حوار مع الدكتور علي الدين هلال

ما يحدث في مصر نتاج تحولات أربعة عقود خلت

 

 

حاوره إميل أمين

القاهرة، الجمعة 7 يناير 2011 (Zenit.org).

لا يعد الدكتور علي الدين هلال فقط رجل سياسة أو علامة حزبية في مصر فقط، رغم انه يشغل أمين الإعلام بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر وقد شغل من قبل منصب وزير الشباب والرياضة،وعضو هيئة مكتب أمانة الحزب، ذلك انه مفكر عميق رصين له حضور فكري وإيديولوجي معروف عبر عقود أربعة خلت في مصر، وقد جاءت الأحداث الأليمة الاخيرة في كنيسة الإسكندرية كمنطلق للتشرف بلقائه والوقوف معه على ناصية ما هو ابعد من مجرد عملية التفجير أو التحقيقات الجنائية فمصر اليوم في حاجة الى إزالة الدموع من عينيها والغبار من على وجهها الذي حاولت العلمية الإرهابية الاخيرة تشويهه، وفي هذا السياق تبقى الحاجة الى عقول الكبار لتنبيه الناس ورفع الالتباس والى نص الحوار.

* * *

** ما هي مشاعرك إزاء ما جرى في تفجير في كنسية القديسين بالإسكندرية ؟.

هي مشاعر يختلط فيها الغضب والألم والحزن والرغبة في الكشف عن الجناة بأسرع ما يمكن وإحضارهم أمام العدالة وأخذهم الجزاء الرادع لكل من تسول له نفسه القيام بعمل مشابه.

الغضب يمتلكني بعنف من بشاعة ما حدث، وهو شيء غير متوقع وغير مسبوق في تاريخ مصر، أما الحزن والألم فعلى الأرواح الطاهرة البريئة التي راحت ضحية الحادث الأليم، وأظن انه ما من شيء يمكن ان يسكن الألم إلا ضبط الجناة ومن يقف وراءهم ومعرفة دوافعهم، هذا هو الشعور العاجل الذي ينتابني الآن كما ينتاب كل المصريين.

** لماذا اعتبرت ما جرى جريمة على المستوى الديني والقانوني والأخلاقي،لا مجرد حادثة إرهابية فقط ؟

 
إن الكنيسة هى مكان عبادة وهى بيت من بيوت الله لمعتنقي المسيحية، ومن ثم فإن مكانة الكنيسة لدى المسلمين هى نفس مكانة المسجد، والاعتداء على كنسية يماثل الاعتداء على مسجد".
كما أن الطريقة التي ارتكبت بها الجريمة هى طريقة لم تحدث إلا مرة واحدة منذ حوالي 17 سنة عام 1993،

** ما الذي جرى لمصر في العقود القليلة الماضية حتى بات المشهد على ما هو عليه الآن وخاصة لرفض المسيحيين ونموذج الإسكندرية ماثل أمام العيون؟

واقع الأمر ان المجتمعات لا تتغير بين يوم وليلة إنما تمر بمراحل مختلفة وما نراه الآن هو حصيلة مجموعة من التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية على مدى أربعين سنة وقد أخذت أشكالا مختلفة منها على سبيل المثال مغازلة الحكومة في عهد الرئيس السادات لهذه التيارات الإسلامية انطلاقا من فكرة إحداث موازنات مع القوى اليسارية والناصرية والشيوعية الموجودة في مصر ولعل من سخرية التاريخ ان ينقلب السحر على الساحر ويلقى الرئيس السادات مصرعه على أيدي تلك الجماعات.

** لكن ماذا عن التحول في منظومة الأفكار القيمية والأخلاقية المصرية…هل اهتزت هذه بدورها ؟

 يمكن ان يكون ذلك كذلك بالفعل إذ تكاثرت على مصر قيم وأفكار المجتمعات العربية والخليجية على نحو خاص، فقد هاجر في العقود الخمسة الاخيرة الى هناك الالاف بل الملايين من المصريين وهولا ذهبوا مصريين أسوياء عاديين فعاشوا في مجتمعات لها طابع خاص تقوم على الفصل بين لرجال والنساء وترتدي أزياء بعينها ولها نسق تفكير ديني متشدد غالبا، فوقر في ضمائرهم نسقا مغايرا أكثر تشددا في الجوانب الدينية والروحية انعكس سلبا على العلاقة بين نسيج المصريين الواحد.

** البعض يرى ان جزء من الاحتقان الطائفي في مصر مرده الى التطورات الاقتصادية المتلاحقة في المنطقة.. هل ذلك كذلك ؟

 التغير الاقتصادي السريع له جوانب ايجابية،وله أيضا جوانب سلبيه، فقد حدث اهتزاز للاستقرار الاجتماعي في مصر، عندما لا يجد أب ثمن الدواء لابنه أو مصاريف المدرسة لابنته فالطبيعي انه تزداد حالة عدم الاستقرار النفسي وللتعويض يلجا المرء الى الدين كمنفذ ومهرب ويزداد اللجوء الى فكرة المنقذ والمخلص.

** هل يعني هذا ان الدين في مصر أضحى مؤول تلك التيارات المتشددة ؟

 نحن لا نعترض على الدين في جوهره، مصر بلد معروف بآلهته منذ الفراعنة ومعروف بتدينه الشديد على الصعيد المسيحي والإسلامي، مصر متدينة بكل أطيافها وأطرافها، نحن نعترض على التيارات المنغلقة المتعصبة، نعترض على التفسيرات التي تضع حواجز بين المسلم وأبناء الوطن الواحد من غير هذا الدين هذا هو الاعتراض.

 وباختصار القول ما يحدث في مصر الآن هو نتاج مجموعة من التطورات أضف إليها ان هناك صحوة دينية في العالم كله وليس في مصر تحديدا، ولا ننسى ان هناك قضايا سياسية بعينها أثرت ظاهرة التعصب في الشرق الأوسط وفي مقدمتها إحساس شعوب تلك المنطقة بالظلم مما جرى ويجري في فلسطين من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إضافة الى ازدواجية المعايير التي باتت سائدة في النظر لدول العالم العربي حال مقارنتها بدول أخرى بعينها.

** تكررت الأحداث الطائفية في مصر وفي كل مرة نسمع مناداة بضرورة تغيير الخطاب الديني ولم يتغير شيء.. ما السبب في تقديرك ؟

 يتحتم علينا ان نتساءل بداية خطاب التجديد الديني متى ينجح وفي أي ظروف ؟

ربما ينجح التجديد الديني حال ارتباطه بقيادة كاريزمية تاريخية أو بظهور رجل مصلح ديني مثل الإمام محمد عبده أو جمال الدين الأفغاني، وهذه القيادة تجمع الناس من حولها ومن حول أي قضية دينية كانت أو سياسية.

 أضف الى فكرة القائد الكاريزمي ان التجديد الديني لا يحدث في فراغ، فهو عملية تحميها وتدعمها سلطة الدولة، وسلطة القانون، نعم لن تحل محلها، لكنها توجد المناخ المواتي لها، وتجعلها أكثر ظهورا في أدوات الإعلام، وتدعم القائلين بها، وتصدر من القوانين ما يحميها وهذا لم يحدث.

 

** لماذا في تقديرك فشلت الأنظمة العربية الحاكمة في اجتياز بوابة التجديد الديني المطلوب ؟

النخب العربية والحكام تحت إلحاح المسائل الاقتصادية وغلبة المطالب الحياتية من بناء مدارس وإنشاء مستشفيات وإقامة مشروعات الصرف الصحي وغير ذلك ذهبوا في طريقها والاهتمام بها على حساب أي شيء أخر، وقد كان هذا قصور نظر اعتبارا منهم ان حل المشاكل الاقتصادية كفيل بتغيير العقول، لكن العكس كان هو الصحيح فأنت يمكنك ان تغير الحياة المادية في حين تظل العقول مغلقة والنفوس مظلمة.

ولهذا احرص دائما على حتمية وجود سياسة ثقافية للدولة أو رسالة رمزية للدولة، الدولة ليست نظام حكم فقط، الدولة رمز وحلم يسعى الناس لتنفيذه سويا وأهداف يلتف الناس من حولها، ولا يقتصر الأمر على السعي نحو البرامج والخطط المرتبطة بالبنى التحتية، وهي قصة الصراع بين البطون والعقول على مدى التاريخ.

** أعربت في أكثر من مقام عن عدم رضاك عن تمثيل الأقباط في الحياة السياسية لمصرية..كيف يمكن معالجة تلك الإشكالية ؟

كان رأي ومازال ان تمثيل الأقباط في الحزب الوطني والحياة السياسية عموما لا يتوازى مع وجودهم وإسهامهم في المجتمع، ويمكننا ان نعزي الأمر لأسباب كثيرة هنا أو هناك إنما العنصر الحاسم في رأي هو انه ينبغي على الأقباط زيادة مشاركتهم في الحياة السياسية المصرية، على المثقفين الأقباط المسيسين ان ينضموا للأحزاب وان ينشطوا في النقابات، مطلوب مزيد من الوجود السياسي للمصريين المسيحيين في الحياة العامة المصرية.

** كيف يمكن لهذا الحديث ان يترجم على ارض الواقع سيما بعد ان باتت الكنيسة هي الملاذ الأول والأخير لهم عوضا عن الدولة ؟

 أنا لست سعيدا عندما تحدث مشكلة فيذهب الأقباط للكنيسة، هم مثلهم مثل المسلمين يفترض انه عند حدوث مشكلة ما ان يتظاهروا في ميدان التحرير بوسط القاهرة لا داخل الكنائس.

 على الأقباط في تقديري ان يتصرفوا كمصريين لا كطائفيين والطريق السلمي يمر عبر بوابتين :

المزيد من الانخراط في الحياة السياسية في كل الأحزاب..

مزيد من طرح القضايا المتعلقة بالوطن، اقتصادية أو سياسية أو ثقافية وفي كل مناحي الحياة بعيدا عن الطائفية.

** يرى كثير من الأقباط ان وجود المادة الثانية الخاصة بالشريعة الإسلامية في الدستور المصري تتناقض وفكر المواطنة في الدولة الحديثة كيف تفسر هذه الإشكالية ؟

علينا ان نتعامل مع الواقع وان نرى الى مدى نحقق أهدافنا، وهنا أؤكد انه مع وجود هذا النص فانه لم يمنع تعديل الدستور في المادتين الأولى والخامسة.

 أما المادة الأولى فتشير الى ان نظام الحكم جمهوري يقوم على المواطنة، فيما المادة الخامسة فتشدد على منع قيام الأحزاب على أساس ديني.

والقراءة المحققة والمدققة لنص هذه المادة تشير الى ان " مبادئ الشريعة الإسلامية " هي المصدر الرئيسي للتشريع ولم تقل " الشريعة الإسلامية "، وكثير من الفقهاء يرون ان مبادئ الشريعة السلامية لا تختلف عن مبادئ الشريعة المسيحية أو اليهودية لان الإله واحد وهذه المبادئ عامة مثل الحفاظ على العرض والمال والدين واستقلال البلاد.

** لماذا في تقديرك يفضل الأقباط السيد جمال مبارك كمرشح للرئاسة… هل هذا يرجع لفكر يرتبط بسياسات الرئيس مبارك تجاه مصر عامة والأقباط خاصة ؟

 من حق من يعتقد في شيء أو له تفضيل لخيار ما ان يمارسه، وأنا لا اعلق على رؤية بعض الناس، وقد يكون هناك آخرين لهم أراء مختلفة من الأقباط أو من غيرهم.

 لكن هناك حقيقة وهي انه على مدى ثلاثة عقود حمى الرئيس مبارك مصر من الانقلابات والاضطرابات والكوارث والسياسات العشوائية، ورفض إتباع سياسات الصدمات الكهربائية في التعامل، واتبع بدلا عنها التغير التدريجي والذي يحميه دائما القانون، مجمل السياسات العامة في مصر الآن في كل المجالات تحميها منظومة من القيم ومناخ عام من التوافق القيمي حولها، وبالتالي بغض النظر عن السماء الراجح ان معظم السياسات المنفذة في عهد الرئيس مبارك سوف تستمر في المرحلة اللاحقة.

** هل تعتقد ان ما يحدث للمسيحيين في مصر له علاقة بمسيحي العراق ؟

ما يجري في العراق أمر مدان في كل النواميس والشرائع، ولا دين يدفعك لكراهية الغير أو التمييز ضد الغير فما بالك بقتل الغير على الهوية، وهذا نتاج لسياسات خاطئة مورست هناك منذ فترات طويلة، وبات التعصب والتشدد والتطرف هو المشهد الرئيس الحاكم والحاسم في حياة العراقيين مسلمين وبعضهم البعض فنحن نرى تفجيرات لمساجد سسن ومساجد شيعة ولاحقا رأينا تفجير الكنائس، رغم ان العقائد الدينية تحث على عمل الخير وليس قتل أو تهجير الغير.

** تعرف بوصفك مفكر سياسي وأستاذ بارز.. كيف تقيم دور المسيحيين العرب في النهضة العربية ؟ وماذا حال تفريغ هذا الشرق من مسيحييه ؟

لقد تابعت أعمال سينودس الشرق الأوسط المنعقد مؤخرا في حاضرة الفاتيكان واستطيع القول ان الدور الذي قام به المسيحيون العرب في تأسيس فكرة العروبة وفي خلق القاعدة الثقافية لتمييز العرب عن العثمانيين هو دور مشار له بالبنان وعمل معتد به في إيقاظ الأمة العربية بعد طول تبعية للعثمانيين، وهم نسيج أصيل من المجتمعات العربية الأولى، أحفاد قبائل المناذرة والغساسنة وقد هاجروا في المنطقة العربية طولا وعرضا، ولذلك يبقى المسيحيون العرب على الدوام جزء اصيل من التاريخ العربي، وما يحدث من محاولات لإفراغ العالم العربي من مسيحييه أمر محزن لا أحب ان يحدث ولا أحب ان اسمع عنه، وهو أمر ينطوي على خسارة جسيمة لهذه المنطقة من العالم، خسارة حضارية لا تعوض.

** ختاما هل أنت راض عن واقع حال قبول الأخر في مصر اليوم ؟

 الحوار والثقافة هما شعار هذا العام للشباب؛ لتكريس قيم الحوار، والتسامح، وقبول الآخر التي هى أساس التعامل بيننا، وأشير في هذا الصدد الى انه تم تعديل كتب التاريخ التي أسقطت الفترة القبطية، واحذر الشباب من الإنسياق وراء الأقلية المتعصبة. التعصب جرثومة اجتماعية؛ فنحن شعب واحد، وتاريخ واحد. والمسيحيون مواطنون مصريون لهم ما للمسلمين على ارض مصر من حقوق وعليهم ما عليهم من واجبات.