خدمة الرسالة في وثائق سينودس أساقفة الشرق الأوسط

مقدمة:

أتقدم بوافر الشكر لغبطة أبينا البطريرك والكردينال الأنبا أنطونيوس نجيب، الذي أتاح لي هذه الفرصة لكي أتكلم معكم عن موضوع: "خدمة الرسالة في وثائق سينودس أساقفة الشرق الأوسط".

كما أشكر سيادة الأب الفاضل أنطونيوس فايز، مدير المكتب الوطني للرسالات البابوية بمصر، على اهتمامه وتنظيمه لهذه المؤتمر الإرسالي الأول، وننتظر منه المزيد من هذه المؤتمرات التكوينية.

مع هذا المؤتمر الإرسالي، تحقق كنيستنا المصرية أعمال وتوصيات سينودس أساقفة الشرق الأوسط، التي تطالب بضرورة التكوين الإرسالي للأكليروس والعلمانيين، وخاصة لفئة الشباب.

سينودس الشرق الأوسط في أرقام:

بدعوة كريمة من قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، انعقد في حاضرة الفاتيكان، للمرة الأولي، سينودس أساقفة الشرق الأوسط، في الفترة من 10 إلى 24 أكتوبر2010، حضره جميع البطاركة والأساقفة الشرقيين الكاثوليك، وشارك فيه ممثلين للكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين، وكرادلة الكوريا الرومانية، والجمعيات الأسقفية الكاثوليكية في العالم، ومندوبي الكنائس المسيحية الشقيقة من الشرق والغرب.

اشترك في هذا السينودس 173 أبًا سينودسيًّا، وتم  عقد 14 جمعيّة عامّة، 6 اجتماعات لحلقات العمل المصغرة، وتقديم 10 بين تأملات وعظات روحية، 125 مداخلة، بالإضافة إلى 5 سلمت مكتوبة، 111 مداخلة حرة في حضور قداسة البابا، وتم تقديم 12 تقريرا مكتوبا، كما كانت هناك 12 مداخلة من ممثلي الكنائس المسيحية والديانتين اليهودية والإسلامية.

هدف السينودس:

كان هدف هذا السينوس يدور حول موضوعين:

1- تثبيت وتقوية المؤمنين في هويتهم المسيحية بواسطة كلمة الله والأسرار.

2- إحياء الشركة الكنسية بين الكنائس الكاثوليكية ذات الحكم الذاتي، حتى تستطيع أن تقدّم شهادة حياة مسيحية حقيقية، فرِحة وجذّابة (ورقة العمل، رقم 3).

خدمة الرسالة والسينودس:

لم تكن خدمة الرسالة هدفا أساسيا  في أعمال السينودس، لكن نلاحظ أن في المواضيع، التي درست ونوقشت خلال جلسات السينودس، نجد أبعادا إرسالية هامة. ففي موضوع خدمة تثبيت وتقوية إيمان المؤمنين، نرى بعدا إرساليا يرتبط بإعادة الكرازة بين المؤمنين، وفي موضوع تحقيق الشركة الكنسية بين كنائس الشرق، وتشجيعها لتقديم شهادة حياة مسيحية حقيقية، نرى بعدا إرساليا يرتبط بالدعوة لحياة الشركة الكنسية بين الكنائس، وبخدمة الرسالة التي تطالب بتقديم الشهادة المسيحية في المجتمعات المحيطة.

خدمة الرسالة، بالرغم من كونها لم تكن موضوعا مباشرا للسينودس، لكنها كانت حاضرة بين سطور وصفحات معظم الوثائق التحضيرية للسينوس: وثيقتي الخطوط العريضة وورقة العمل. كما تحدث عنها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في خطاباته وتأملاته وعظاته الروحية، التي قدمها أثناء جلسات السينودس. وأيضا، ذكرت، مرات عديدة، في الآراء والمداخلات والمناقشات التي تداولها الآباء الأساقفة بالسينودس .

نري، أيضا، أبعادا كثيرة عن خدمة الرسالة في أعمال السينودس:

تقرير أمين عام السينوس،

التقريرين قبل وبعد المناقشة، اللذين قدمهما المقرر العام للسينودس، غبطة البطريرك والكردينال الأنبا أنطونيوس نجيب، بطريرك الكرسي السكندري للأقباط الكاثوليك ،

الرسالة التي وجهها أباء السينودس إلى شعب الله،

 التوصيات الختامية.

نظرا للكم الكثير من الوثائق والمداخلات لأعمال السينودس، ففي هذه الدراسة سوف أكتفي ببحث خدمة الرسالة في الوثائق التالية:

الخطوط العريضة،

ورقة العمل،

التقرير بعد المناقشة، الذي جمع ولخص كل مداخلات الآباء الأساقفة،

الرسالة إلى شعب الله،

التوصيات الختامية.

سوف أتكلم معكم في النقاط التالية:

1- التعريف بخدمة الرسالة.

2-  الأصل اللاهوتي لخدمة الرسالة وضرورتها.

3-  مراحل خدمة الرسالة.

4-  المشاركة في خدمة الرسالة.

5-  أهمية التكوين لخدمة الرسالة.

6-  التجديد الروحي  للقائمين بخدمة الرسالة.

7-  الوسائل المساعدة لخدمة الرسالة.

8-  خدمة الرسالة والكنائس الشرقية.

1 – التعريف بخدمة الرسالة:

تتميز اللغة العربية بوجود مرادفات كثيرة لكلمة الرسالة، مثل: الكرازة، الكريجما ( كلمة يونانية تعني: الإعلان الأول للأيمان المسيحي)، التبشير والبشارة، الدعوة، الاهتداء والهداية، التنوير، التجديد، النشاط الإرسالي، نشر الإيمان، إعلان كلمة الله، المناداة بالإنجيل، الخبر السار، تقديم كلمة الحياة، قبول الخلاص، التعليم المسيحي، الوعظ، والإرشاد.. الخ .

ترتكز خدمة الرسالة على الكرازة بإنجيل السيد المسيح، ونشر نعمة الإيمان بين غير المؤمنين، لأن كافة البشر مدعوون لنوال وقبول الخلاص، الذي حققه الرب يسوع بموته وقيامته.

الكنيسة بصفتها حاملة لنعم وهبات الخلاص المجانية، المعطاة من الله للعالم بواسطة الابن الكلمة، يجب عليها أن تقدم لكل البشر هذه النعم والهبات، ومن هنا يتضح لنا، بأن النشاط الإرسالي ليس نشاطا هامشيا، أو خدمة زائدة، ولكن هو من صميم جوهر وعمل رسالة الكنيسة. 

واجب الرسالة هو واجب حتمي وملزم للكنيسة، ولا تستطيع الكنيسة أن تتنصل منه، أو تجد له بديلا، لأنها بطبيعة تأسيسها هي إرسالية، وبدون النشاط ألإرسالي لا توجد الكنيسة، فالكنيسة ليست جماعة متجمدة،  منطوية ومنغلقة على ذاتها، بل هي شعب الله الجديد، ورسالتها ومسئوليتها هي أن تبشر الأخريين بمحبة الله، وتضم إليها خلال مسيرتها الأرضية بني البشر أجمعين.

لا تهدف خدمة الرسالة إلى زيادة عدد المسيحيين، أو اتساع مساحة الكنسية في العالم، كما لا تبغي الكنيسة من وراء هذا العمل منفعة خاصة، أو اكتساب فئة الفقراء، أو استثمار بلاد العالم الثالث، أو استغلال الناس، بل ترجو خلاصهم وخدمتهم، لأن رسالتها روحية تهدف إلى سعادة وسلام وفداء كل إنسان في شخص السيد المسيح.

تهدف خدمة الرسالة إلى توحيد مختلف الأمم وأجناس البشر لينصهروا ويصيروا شعبا واحدا مقدسا لله، وأعضاءا في جسد المسيح الواحد، أي الكنيسة، ويسلكوا بروح المحبة والسلام والأخوة، فيتحقق تدبير محبة الله لخلاص الجنس البشري، ويتمجد اسمه المبارك. لهذا يدعوا النشاط الإرسالي غير المؤمنين إلى معرفة المسيح والإيمان به،  وقبول سر العماد والانضمام للكنيسة، كما يدعوا المؤمنين إلى تثبيت وتجديد إيمانهم.

الكنيسة هي مرسلة من السيد المسيح إلى جميع الأمم، لذلك فهي في رسالة مستمرة، وخدمتها الإرسالية لا تعرف التباطيء ولا التوقف، لكنها تتجدد دائما. وعلى مر الزمان، وفي كل مكان، تواصل مسيرتها، وتداوم العمل والسعي في نشر كلمة الله بين جميع الناس.

في عالم اليوم، لا تزال الحاجة ماسة وملحة لخدمة الرسالة، فمازال أمام النشاط الإرسالي حقولا ممتدة، ومجتمعات عديدة وأماكن لا حصر لها، ينبغي على الكنيسة أن تنقل لها كلمة الخلاص، فعدد من لا يعرفون الرب يسوع  ويجهلون بشارة الإنجيل يزداد يوما بعد يوم.

في عام 1965، سنة ختام أعمال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، كان عدد من لم تصلهم بشارة الإنجيل ملياران من البشر. واليوم، في عام 2011، حسب الإحصائيات الحديثة تضاعف هذا العدد ليصل إلى خمس مليارات من البشر. (عدد سكان العالم حاليا: 6,900,000,000 تقريبا، وعدد المسيحيين: 2,100,000,000 تقريبا, وعدد غير المسيحيين  4,900,000,000 تقريبا).

أمام هذا العدد الكبير من أخوتنا البشر، الذين لم يشرق عليهم نور محبة الرب يسوع، ولم يعرفوا بشارة الإنجيل، والمحرومين من نوال نعمة الخلاص الأبدي، علينا أن نتساءل: تري أين دورنا؟  وما هي مشاركتنا في خدمة الرسالة؟ 

2-   الأصل اللاهوتي لخدمة الرسالة وضرورتها: 

تستمد خدمة الرسالة أصلها وضرورتها من إرادة الله: "الذي يريد أن يخلص جميع الناس، ويبلغوا إلى معرفة الحق، لأن الله واحد، والوسيط بين الناس واحد هو المسيح يسوع الإنسان، الذي ضحى بنفسه فدى لجميع الناس"(1تيموثاوس 2: 4-5).

يعلمنا المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962-1965)، في "مرسوم في نشاط الكنيسة الإرسالي"، رقم 2، بأن الكنيسة في مسيرتها وخدمتها الأرضية، هي بطبيعتها إرسالية، وتستمد أصل إرساليتها من رسالة الابن ورسالة الروح القدس، حسب تدبير الله الأب لخلاص البشر.

هذا التدبير الإلهي هو الأصل الأساسي لخدمة الرسالة ، وينبع من محبة الله الأب، الذي خلقنا ودعانا لكي نكون أبنائه وشعبه، ونشترك في حياته ومجده، حتى يكون "الله كل شيء في كل شيء الكل في الكل"(1كورنثوس 15: 28). هكذا، في ضوء تدبير الثالوث المقدس لخلاص البشرية، يتضح لنا بأن الكنيسة نابعة ومرسلة من الابن الكلمة، لتحمل وتنقل بشارة هذا الخلاص لكل الخليقة في كل أنحاء العالم.

نظرا لأهمية موضوع الأصل اللاهوتي لخدمة الرسالة وضرورتها، فقد وردت في وثائق سينودس أساقفة الشرق الأوسط الكثير من التفسيرات والإشارات عن هذا الموضوع.  

في هذا الصدد، يوضح لنا التقرير بعد المناقشة ماهية طبيعة الكنيسة الإرسالية، وضرورة التزام كنائسنا الشرقية بالعمل الرسولي وبخدمة الكرازة المتجددة.

"الكنيسة مرسَلة في جوهرها وبحكم طبيعتها (مرسوم في نشاط الكنيسة الإرسالي، رقم 2). الكرازة بالإنجيل والمسيح لجميع الشعوب واجبٌ عظيم أوكل إلى كنائسنا وجميع الكنائس. وكنائسنا بحاجة إلى اهتداء رسوليّة لكي تحيي في نفوسنا الحماسة والانطلاقة والديناميّة الرسوليّة.

 لذلك ينبغي أن يجد العمل الرسوليّ مكانه في كنائسنا الشرقيّة. وعلينا أن نستعيد الالتزام المتجدّد للكرازة داخل بلادنا وخارجها. "الويل لي إن كنت لا أبشّر" (1 كور 9، 16). كما ينبغي أن تجد "الرسالة" و"الكرازة" مكانهما في كنائسنا وفقًا للإمكانات المتاحة في كل بلد"( الفصل الأول، أولا، رقم 2).    

اختار الرب يسوع تلاميذه ورسله ليكونوا نواة شعب الله الجديد، وبعد إن أتم سر الفداء بموته وقيامته، وقبل صعوده للسماء، مثلما أرسله الله الأب لخلاص البشر، كذلك هو يرسل تلاميذه ورسله وكنيسته إلى العالم أجمع، ويأمرهم قائلا:  "اذهبوا الآن وتلمذوا كل الأمم وعمدوهم بسم الأب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به"(متى 28: 19-20).

نظرا لأهمية أمر وتكليف السيد المسيح لتلاميذه وكنيسته بواجب إعلان بشارة الإنجيل في كل المسكونة، نري أن هذا الأمر يتردد صداه في كل الأناجيل وفي كتاب أعمال الرسل: (راجع: متى 28: 19-20، مرقس 16: 15-16، لوقا 24: 47-49، يوحنا 20: 21-23، أعمال الرسل 1: 8).

حقق الرسل والجيل الأول من المسيحيين أمر السيد المسيح، وانطلقوا من أورشليم إلى السامرة ودمشق وانطاكية وبلاد اسيا الصغرى واليونان وروما وشمال أفريقيا وبلاد ما بين النهرين وفارس والهند، لكي ينشروا ويكرزوا ببشارة الإنجيل، وفي سبيل تحقيق هذه الرسالة تحملوا الآلام والأضطهادات، وضحوا بحياتهم واستشهدوا.

تميز رجال ونساء الكنيسة في العصر الرسولي بحياة المحبة والصلاة والإيمان، والحماس والغيرة الرسولية، والاستعداد لتحمل العذاب والموت من أجل نشر الإنجيل، فكان نتيجة لذلك أنه في فترة ثلاثة قرون انتشر نور معرفة السيد المسيح، ودخل حظيرة الإيمان المسيحي أغلبية مواطني وسكان الدولة الرومانية وضواحيها، واندثرت من بلاد كثيرة  الديانات الوثنية، وسقطت عبادة الأصنام. يشهد بهذا كتاب أعمال الرسل: "وكان كلام الله ينتشر، وعدد التلاميذ يزداد في أورشليم. واستجاب للإيمان كثير من الكهنة"( أعمال الرسل 6: 7).

عن طاعة الآباء الرسل والكنيسة الناشئة لوصية السيد المسيح، التي تأمرهم بنشر نعمة الإيمان في كل أنحاء العالم، وكيف حققوا هذا الوصية بسفك دمائهم واستشهادهم ، يقول لنا التقرير بعد المناقشة ، ما يلي:

"كان الرسل والكنيسة الناشئة أوفياء لوصية المعلّم، فحملوا الإيمان بيسوع المسيح إلى أقاصي الأرض دافعين ثمن استشهادهم. فتحوّل دمهم المهرق إلى خميرةٍ لكنائس عديدة. وكانت كنائسنا في طليعة الكنائس الرسوليّة. وبحكم جذورها وتاريخها، كانت منفتحةً على المسكونيّة والشموليّة كأساسٍ لتلاقي الشرق والغرب"( الفصل الأول، أولا، رقم 2).    

يبيّن لنا القديس بولس الرسول أهمية وضرورة خدمة التبشير والكرازة، في صيحته القوية، المنطلقة من صميم إيمانه وجدانه، والتي يجب أن تكون صيحة كل مؤمن بالمسيح: "التبشير ضرورة فُرضت علىّ، والويل لي إن كنت لا أبشر"(1كورنثوس 9: 16).    

3 مراحل خدمة الرسالة:

خدمة الرسالة ليست أمرا سهلا، فهناك الكثير من العراقيل التي تعترضها، كما أنها لا تتحقق في التو واللحظة بمجرد القيام بإعلان الكرازة، لكنها تحتاج إلى أن يصاحبها الكثير من القداسة والصلاة والصوم والإماتة، وإلى المزيد من الوقت والصبر. لذلك ينبغي على المرسل أن يمتلئ بروح الرب، ويتحلى بالحكمة والوداعة والثقة في العناية الإلهية، لكي تنجح رسالته وكرازته.   

تتلخص خطوات خدمة النشاط الإرسالي في المراحل التالية:

أ- مرحلة الكرازة:

 تبدأ خدمة نشر الرسالة بإعلان بشارة الخبر السار، والدعوة للإٌيمان بالرب يسوع، بين الأفراد والجماعات الذين لا يعرفون محبة ورسالة السيد المسيح، وفي المجتمعات التي لم يصلها بعد نور كلمة الله وبشارة الإنجيل.

ب- مرحلة التعليم أو الموعوظين:

بعد نشر بشارة الخلاص، يدعو النشاط الإرسالي الأفراد والجماعات إلى التفكير الشخصي، واختيار الإيمان المسيحي بحرية كاملة، وبدون ضغوط خارجية، ثم إلى الاعتراف بهذا الإيمان صراحة وعلانية.

غير المؤمنين الذين تركوا معتقداتهم القديمة، وأمنوا برسالة السيد المسيح، يتم قبولهم في الكنيسة، ويطلق عليهم لقب الموعوظين. في هذه المرحلة، تُلقي على مسامعهم العظات المتنوعة ودروس من الكتاب المقدس والتعليم المسيحي، وتُفسر لهم أصول الإيمان والعقيدة، وتُشرح لهم فضائل السلوك والأخلاق المسيحية، وكيفية ممارسة الوصايا الإنجيلية.  يدعون إلى المشاركة مع شعب الله في الصلاة والعبادة، وفي الوقت المناسب، بعد نضوجهم في الإيمان، ينالون نعمة سر العماد المقدس.

ج- مرحلة تأسيس الكنيسة:

جماعة المؤمنين الجدد الذين نالوا سر العماد المقدس، يشكلون نواة للجماعات المسيحية الأولية، ومن بين هذه الجماعات تؤسس وتزرع الكنائس الجديدة، في المجتمعات التي لا توجد بها الكنيسة.

تواصل خدمة الرسالة نشاطها، فتهتم بتشجيع المؤمنين الجدد على الامتلاء بالروح الرسولية، والسلوك حسب التعاليم المسيحية، وممارسة أعمال المحبة وخدمات الرحمة. كما تهتم بتنظيم الكنائس الوليدة،  وتشجيع الدعوات الكهنوتية والرهبانية فيها، وذلك لإقامة اكليروس محلي لخدمة ورعاية هذه الكنائس المستجدة.

عندما تحصل الكنيسة المحلية على خدامها في درجات الأساقفة والكهنة والشمامسة، تنال النظام الإيبارشي مع الاكليروس الخاص بها، وهذا يجعلها تتأصل بجذور أقوى في الكنيسة الجامعة وفي مجتمعها الإنساني.

د-مرحلة تثبيت الإيمان: 

لا تنتهي مهمة خدمة الرسالة بتأسيس الكنيسة، ولكن تتواصل رسالتها بمتابعة هذه الكنيسة، والاهتمام بالمؤمنين الجدد وتقوية وتثبيت إيمانهم، كما تهتم بإعادة كرازة الإيمان وإعلان بشارة الإيمان خاصة بين المؤمنين الذين، لأسباب معينة، ضعف وفتر إيمانهم وقل حماسهم الرسولي.

منذ تسعينات القرن الماضي، ظهرت الدعوة الملحة، إلى ضرورة "إعادة الكرازة والتبشير"، في البلاد والأوطان، التي تم تبشيرها قديما، والتي من المفترض أن تكون مسيحية، ولكنها تتخبط بين تيارات الأحزاب السياسية والعلمانية، وتنتهج سلوكا مخالفا للمسيحية. وأيضا، الدعوة لإعادة الكرازة بين المسيحيين الفاترين، وغير الممارسين لإيمانهم، والمبتعدين عن الكنيسة، والذين فقدوا إيمانهم المسيحي ووقعوا في شباك الإلحاد والشيع والهرطقات الدينية.

اهتم قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، وشعر بفداحة هذا الأمر، فقدم العديد من  العظات والخطابات والنداءات, داعيا فيها جميع الأساقفة والرعاة والرهبان والراهبات والعلمانيين إلى ضرورة إعادة الكرازة بالإنجيل في الأوساط المسيحية الفاترة، وتجديد نشر رسالة الخبر السار بينهم بطريقة مفهومة وواضحة

في 21 سبتمبر 2010، أسس قداسة البابا بندكتوس السادس عشر هيئة جديدة على شكل مجلس بابوي، تسمى بالمجلس البابوي لتعزيز الكرازة الجديدة. يهتم هذا المجلس بتشجيع التبشير المتجدد في البلدان التي شهدت أول إعلان للإيمان، والتي تأسست فيها كنائس عريقة وقديمة، لكنها تشهد حالياً علمنة اجتماعية متزايدة، ونوعاً من الإلحاد. كما يبحث هذا المجلس عن السبل والطرق والمناهج المناسبة لإعادة تقديم بشارة الإنجيل وحقائق الإيمان المسيحي لعالم اليوم.

كان الهدف الأول لسينودس أساقفة الشرق الأوسط هو تثبيت وتقوية المؤمنين في إيمانهم المسيحي، لهذا فان أعمال ووثائق السينودس تدعوا الآباء الأساقفة ورجال الأكليروس والعلمانيين لبذل أقصى جهدهم في الاهتمام بإعادة بشارة الكرازة بين الفاترين في الإيمان، والمبتعدين عن الكنيسة، وتشجيع ورعاية أبناء الكنيسة، وتقوية وتثبيت شهادة إيمانهم في السيد المسيح.

فيما يلي نري مقتطفات من بعض الوثائق التي تتحدث عن هذا الموضوع.

تتحدث وثيقة العمل، بأن المؤمنين في كنائسنا الشرقية، الذين بسبب قلة عددهم يعانون من بعض المشاكل في مجتمعاتهم، ينتظرون من رعاتهم وأساقفتهم، بعد عودتهم من السينودس لأوطانهم، أن يقوموا بتثبيتهم في الإيمان المسيحي، وأن يعاونوهم في اكتشاف دعوتهم، وكيف يكونوا شهودا للمسيح في بلادهم.

"وبالتالي فآباء السينودس مدعوون 0000لتزويد المسيحيين بأسباب وجودهم في مجتمعهم ذي الأغلبية المسلمة، سواء كان عربيا، أم تركيا، أم إيرانيا، أم عِبريا في دولة إسرائيل. وينتظر المؤمنون أن يعرفوا الأسباب الواضحة من رعاتهم ليكتشفوا رسالتهم في كل بلد، أو يعاودوا اكتشافها.

ولا يمكن أن تكون هذه الرسالة سوى أن يكونوا "شهودا حقيقيين" للمسيح القائم من بين الأموات، والحاضر في كنيسته بقوة الروح القدس، في البلاد التي وُلدوا ويعيشون فيها، والتي تتميّز ليس فقط بتطوّر اجتماعي وسياسي، وإنما للأسف أيضاً بالصراعات وعدم الاستقرار"(رقم 6).

 يطالب التقرير بعد المناقشة الكنائس بتنشئة وتكوين مجموعات متخصصة للقيام بخدمة الرسالة، ليكونوا شهودا للأيمان، ويهتموا بإعادة تبشير وافتقاد المسيحيين المبتعدين عن الكنيسة، وأيضا، يسعون للقيام بتبشير غير المسيحيين.

"ينبغي على الكنائس أن تبذل جهدًا خاصًّا في البحث عن الكوادر اللازمة وتدريبها تدريبًا مناسبًا لتكون مثالاً في الشهادة وعضدًا لإخوانهم وأخواتهم، ولا سيّما في أوقات الشدّة. ويجدر بنا تنشئة كوادر تعمل على تقديم المسيحيّة أوّلاً للمسيحيّين الذين لا يرتادون الكنائس بانتظام أو يبتعدون عنها، ومن ثم لغير المسيحيّين. وليكن التركيز على نوع الكوادر هذه أكثر منه على عددها. وإنّ التنشئة المستمرّة أمر ضروريّ. كما ينبغي الاهتمام بشكلٍ خاصّ بالشباب، قوّة الحاضر وأمل المستقبل. ولا بدّ كذلك من تشجيع المسيحيّين على الانخراط في المؤسّسات العامّة لبناء المجتمع"(الفصل الأول،  ثالثا).

تحمل التوصية رقم 37، عنوان "البشارة الجديدة"، وفيها يدعوا الإباء الأساقفة إلى تجديد تقديم البشارة لأبناء كنائسنا الشرقية، ودعوتهم لتجديد إيمانهم، وتوبتهم الصادقة وممارستهم للأسرار المقدسة، مع مراعاة مواجهة المتغيرات الثقافية والاجتماعية المعاصرة، التي تعصف بالإنسان وبمجتمعاتنا في عصرنا الحالي.

"يدعو الآباء الكنائس الموكولة إليهم إلى الدخول في آفاق البشارة الجديدة بالإنجيل آخذةً بعين الاعتبار قرائن الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ الذي يعيش ويعمل ويجاهد فيه الإنسان المعاصر. ومثل هذا الأمر يستلزم توبةً عميقة وتجدّدًا على ضوء كلمة الله، والأسرار، ولا سيّما سرَّي المصالحة الإفخاريستيّا".

4المشاركة في خدمة الرسالة

انطلاقا من تكليف السيد المسيح لتلاميذه بنشر إنجيله المقدس، يقع على عاتق جميع المؤمنين من أبناء الكنيسة مهمة نشر الإيمان وخدمة الرسالة، وذلك بموجب التفويض الذي ورثه الأساقفة والرعاة عن الرسل، وأيضا بموجب النعم الإلهية التي يفيضها المسيح في قلوب المؤمنين من خلال سر العماد وبقية الأسرار المقدسة.

واجب الرسالة، لا يقتصر على فئة المكرسين والمرسلين، ولكنه يمتد ليشمل كل المسيحيين بالكنيسة، اكليروسا وعلمانيين. ينبغي على كل مؤمن، وخاصة فئة الشباب، كلا على حسب دعوته وطاقته ومواهبه، أن يشارك في هذا النشاط، ويتحمل مسئولية الخدمة، بروح رسوليه، متقدة بالحماس والغيرة الإنجيلية.

تطلب وثائق سينودس أساقفة الشرق الأوسط، في الكثير من فقراتها، من أبناء الكنيسة أن يكتشفوا دعوتهم الإرسالية، ويشتركوا في خدمة التبشير، والمناداة باسم الرب يسوع، في مجتمعاتهم وفي جميع أنحاء العالم.

يشرح لنا التقرير بعد المناقشة، بأن مبادرة الرب يسوع وتكليفه لتلاميذه ورسله بمهمة الكرازة ونشر إنجيله في أنحاء العالم، قد امتدت لتكون مهمة كل الكنيسة، وصارت وصية يلتزم بها كل مسيحي، الذي يجب عليه أن يستكمل عمل الآباء الرسل، ويواصل خدمة ورسالة الكنيسة الأولي، ويشهد بإيمانه بفرح وقوة.

"إذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مرقس 16، 15). هذا ما قاله يسوع قبيل مغادرة تلاميذه. لقد اتخذ يسوع المبادرة ووضع ثقته بالرسل الذين لم يصدّقوا في البداية أولئك الذين شاهدوه قائمًا من الأموات: "إذهبوا! إكرزوا!" لم يأمر يسوع الرسل بالكرازة بالإنجيل وحسب، بل بالكرازة في العالم كله. هذه هي مهمّة الكنيسة.

 أن أكون مسيحيًّا يعني أن أكون مرسَلاً. ولا أكون مسيحيًّا إن لم أكن مرسَلا. إعلان البشرى واجبٌ على الكنيسة والمسيحيّ. وهذا الإعلان بهدوءٍ واحترام ليس البتة اقتناصًا للمؤمنين. … لقد طلب يسوع منّا، نحن أيضًا، أن نتابع عمل الرسل والكنيسة الأولى. وهو لا يني يرسل كنيسته ويرسلنا : "إذهبوا في العالم كله". نحن إذن مرسَلون بمهمّةٍ إلى عالم مدرستنا وبلدتنا وعملنا وبلدنا وكوكبنا برمّته. ولا يطلب يسوع منّا أن نقدّم براهين أو نكون مقنعين، بل يطلب منّا بكلّ بساطةٍ أن نشهد لإيماننا بفرحٍ وقوّة" (الفصل الأول، أولا، رقم 2).

يوجه أباء السينودس في الرسالة إلى شعب الله نداءا إلى كل أبناء الكنيسة، يدعونهم فيه لكي يتذكروا دعوتهم وشهادتهم المسيحية، ورسالتهم في نشر كلمة الله، ويطلبون منهم أن يكونوا ملحا ونورا وخميرا في مجتمعاتهم، مثلما كان أبناء الكنيسة في العصور الأولي، الذين بالرغم من  قلة عددهم، استطاعوا أن ينشروا بشارة الإنجيل في أنحاء العالم.

"يقول لنا السيد المسيح: "أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم" (متى 5: 13.14). إنَّ رسالتكم٬ أيها الأبناء الأعزّاء٬ هي أن تكونوا بالإيمان والرجاء والمحبّة في مجتمعاتكم كالملح الذي يعطي الحياة طعمها ومعناها، وكالنور الذي يضيء الظلمات بالحقّ، وكالخمير الذي يحوّل القلوب والعقول.

كان المسيحيّون الأوّلون في أورشليم عددًا ضئيلا، ومع ذلك استطاعوا أن يحملوا الإنجيل إلى أقاصي الأرض بنعمة "الربِّ الذي كان يعمل معهم ويؤيّد كلامهم بالآيات" (مرقس 16: 20)"(ثانيا، رقم 4-1).

في خاتمة  الرسالة إلى شعب الله  يواصل أباء السينودس نداءهم إلى كل أبناء الكنيسة، لكي يذكروهم بأنه قد مر ألفى سنة على تجسد ابن الله الكلمة، وتحقيق خلاص البشرية. وطوال كل هذه المدة، حافظ على هذا الإيمان، وشهدوا له بحياتهم، الآباء الرسل ومؤمني الكنيسة الأولي وجدودنا وآبائنا، واليوم يجب علينا أن نعيش ونحافظ على هذا الإيمان، ونواصل شهادتنا له في كنائسنا الشرقية.  

"هذه الحياة الإلهية التي ظهرت للرسل منذ ألفي سنة في شخص ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح، والتي عاشت منها الكنيسة وشهدت لها على مدى ألفي سنة من تاريخها، ستبقى على الدوام حياة كنائسنا في الشرق الأوسط موضوع شهادتنا. وسيبقى سندنا وعد الرب لنا: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 28: 20)"(خاتمة، رقم 12).

عن مشاركة العلمانيين في العمل الرسولي، في التوصية رقم 24، يلتزم آباء السينودس بإتاحة المجال لهم للمشاركة في المسؤوليات الكنسية، وفي خدمة الرسالة، ليكونوا رسلا وشهودا للسيد المسيح في العالم.

"يلتزم آباء السينودس في الخط عينه، لاسيّما أنّ  العلمانيّين في الشرق لعبوا دائماً دوراً في حياة الكنيسة. وهم يريدون إعطاءهم دورًا أكبر من خلال المشاركة في مسؤوليّات الكنيسة، وتشجيعهم ليكونوا رسلاً في بيئتهم الحياتيّة، وليشهدوا للمسيح في العالم حيث يعيشون".

أيضا، عن مشاركة الشباب في العمل الرسولي، تذكرنا التوصية رقم 36، بما كان يردده قداسة البابا يوحنا بولس الثاني بأن الشباب هم مستقبل الكنيسة، كما تذكرنا بتشجيع قداسة البابا بندكتوس السادس عشر للشباب لكي يكتشفوا دعوتهم  المسيحية، ويلتزموا بتعميق وتجديد إيمانهم، ويشهدوا بحياتهم وسلوكهم للسيد المسيح في مجتمعهم.

   "الشباب هم مستقبل الكنيسة"، كما كان يقول البابا يوحنا بولس الثاني. ويستمرّ صاحب القداسة البابا بندكتوس السادس عشر في تشجيعهم: "على الرغم من الصعوبات، لا تهبط عزيمتكم ولا تتخلّوا عن أحلامكم! على العكس من ذلك  إزرعوا في قلوبكم رغبات كبيرة في الأخوّة والعدالة والسلام.  إنّ المستقبل هو بين أيدي الذين يعرفون كيف يبحثون عن المعاني القويّة للحياة والرجاء، ويجدونها" (رسالة بمناسبة الأيام العالميّة الـ25 للشبيبة، 28 آذار 2010، رقم 7). ويدعوهم من جهة أخرى  إلى أن يكونوا مرسلين وشهودًا في مجتمعهم وفي بيئتهم الحياتيّة. ويحثّهم على الالتزام بتعميق إيمانهم ومعرفتهم ليسوع المسيح، مثلهم الأعلى ومثالهم، ليشاركوه في خلاص العالم".

5 اهمية التكوين لخدمة الرسالة

من أجل نجاح العمل التبشيري، ومواصلة إعلان كرازة الإنجيل في العالم، يجب الاهتمام بتكوين وتثقيف المرسلين ورجال الاكليروس والعلمانيين ومعلمي الدين المسيحي. وينبغي مساعدتهم لكي يتحلوا بالقداسة والتقوى، ويمتلئوا من الغيرة الرسولية، ويتشبعوا بروح الحماس للتطوع والانطلاق للخدمة في حقل الرب. كما يجب إعدادهم وتكوينهم روحيا وأخلاقيا وعلميا وثقافيا، حتى يكونوا على استعداد لتأدية هذه الخدمة، ويتحملوا، بكل ثبات وصبر، ما سوف يتعرضون له من شدائد ومشاكل ومضايق في مسيرة الرسالة.

يشمل التكوين الديني والرسولي للمرسلين، دراسة عميقة لمعرفة كلمة الله بالكتاب المقدس، وشروح لاهوتية وعقائدية لمعرفة وفهم جامعية الكنيسة وسر الخلاص، ودراسة التعاليم والأخلاق والقوانين والطقوس المسيحية، ومعرفة عامة لتنوع ثقافة الأمم والشعوب، ودراسة تراثها من أديان ومعتقدات ولغات وتاريخ  ونظم اجتماعية وآداب وعادات وتقاليد.

فيما يلي، نذكر بعض البنود التي وردت في وثائق سينودس أساقفة الشرق الأوسط، والتي تتحدث عن أهمية تكوين المرسلين للبشارة بالإنجيل، حتى  تنجح رسالتهم، وتعطي مزيدا من الثمار الروحية اليانعة.

تطالب وثيقة الخطوط العريضة، بالتعرف واكتشاف كوادر الدعوات الارسالية المتواجدة بين أبناء الكنيسة، والقيام بتكوين أصحابها روحيا وإرساليا، حتى يكونوا شهودا حقيقيين  للرب والكنيسة في مجتمعاتهم.

"في سبيل ذلك يجب القيام بمجهود خاص لاكتشاف وتكوين "الكوادر" الضرورية، من الكهنة، والرهبان، والراهبات، والعلمانيين، رجالا ونساء، حتى يكونوا شهوداً حقيقيين لله الأب، وليسوع القائم من بين الأموات، في مجتمعاتنا، وشهوداً للروح القدس الذي أرسله الرب يسوع  لكنيسته، ليشجّعوا إخوتهم وأخواتهم في هذه الأزمنة الصعبة، ويشاركوا في بنيان المجتمع"(رقم 35).

كما تحدثت وثيقة ورقة العمل، عن أهمية التكوين الديني والروحي للاكليروس والمؤمنين، ليكونوا شهودا أفضل لقيامة الرب يسوع، ومثلا صالحا يُقتدي به، ويكونوا ذات كفاءة وصلاحية لتعليم أبناء الكنيسة التعليم المسيحي الصحيح، وقادرين على مساعدتهم في التفتيش عن الله، ومحاولة رؤيته في كل شيء، وجعله حاضرا في المجتمع، وتشجيعهم في ممارسة الفضائل المسيحية.

" هذا هو المنوال، الذي ينبغي علي كل أعضاء شعب الله من رعاة ومكرسين وعلمانيين أن يسعوا إلى الحياة بموجبه… لكي يصبح أبناؤنا المؤمنون هم أيضا شهودا أفضل على الدوام لقيامة الرب، في وسط المجتمع. ولهذا الغرض، فان العديد من الإجابات عبرت عن الرغبة في أن يعمل على تكوين الاكليروس والمؤمنين، والتعليم الديني والعظات، على ضرورة أن يعطوا للمؤمن المعنى الحقيقي لإيمانه، وأن ينموا بدوره في المجتمع، الذي يقتضيه هذا الإيمان. ينبغي أن نعلمه أن يبحث عن الله وأن يراه في كل شيء وفي كل شخص، وأن يجتهد في أن يجعله حاضرا في مجتمعنا وفي عالمنا، بممارسة الفضائل الشخصية والاجتماعية: العدالة، النزاهة، والاستقامة، والترحيب، والتضامن، وانفتاح القلب، وطهارة الأخلاق، والأمانة … وغيرها "(رقم 52).

أيضا، يطالب التقرير بعد المناقشة بضرورة إعداد أبناء ورعاة الكنائس الشرقية إعدادا إرساليا، والسعي في إنشاء معهدا خاصا بالتكوين الإرسالي يخدم كنائس الشرق.

"لذلك لا غنى لنا عن إعداد مؤمنينا ولا سيّما القائمين على حياة كنيستنا إعدادا رسوليًّا. وبالأولى أن ترتبط الرسالة بصورةٍ وثيقة بدعوة الكاهن وخدمته. ومن المرجوّ إنشاء معهدٍ واحد للتأهيل الرسوليّ في منطقتنا. وينبغي بصورة خاصّة دعم الرسالات والمرسَلين بالصلاة"( الفصل الأول، أولا، رقم 2).

كما تطالب التوصية رقم 11، جزئي 2-3، بضرورة إعداد الإكليريكيين والكهنة، خاصة الذين سيخدمون في بلاد المهجر، وتنشئتهم على الروح الرسولية.

"2. تنشئة الطلاّب الإكليريكيّين على الروح الرسوليّة والانفتاح على الثقافات المتنوّعة.

3. إعداد الكهنة الذين يُرسلون للخدمة في البلدان الواقعة خارج الرقعة البطريركيّة، ومرافقتهم".

تتحدث التوصية رقم 30، عن التنشئة، وتوصي كنائس الشرق بضرورة إنشاء مراكز للتعليم المسيحي تهتم بتنشئة وتكوين البالغين على الإيمان الحي، ليكونوا شهودا للسيد المسيح، ويعيشوا الحياة الإنجيلية، ويعلنوا بشجاعة إيمانهم في مجتمعهم، ويشهدوا به أمام العالم.

"توصي كنائسنا في الشرق الأوسط، وسعيًا منها في تلبية الحاجة إلى تنشئة البالغين على الإيمان الحيّ، بإنشاء مراكز للتعليم المسيحيّ حيث يقتضي الأمر ذلك. ولا بدّ من التشديد على التنشئة المستمرة وعلى التعاون بين الكنائس المتنوّعة فيما يتعلّق بالعلمانيّين والإكليريكيّات والجامعات. كما يجب على تلك المراكز أن تُبقي أبوابها مشرّعة على جميع الكنائس. وعلى الأخص، يجب إعداد معلّمي التعليم المسيحيّ إعدادًا جيّدًا في سبيل تنشئة ملائمة تأخذ بعين الاعتبار المشكلات والتحدّيات الراهنة.

يجب على كلّ مسيحيّ أن يقدّم الحجّة عن إيمانه بيسوع المسيح وأن يحمل همّ إعلان الإنجيل من دون خجل ولا استفزاز. وتطال التنشئة الاحتفال بالأسرار والمعرفة والحياة والممارسة. ولا بدّ من إعداد العظة إعدادًا مبنيًّا على كلمة الله ومرتبطًا بالحياة. وإنّه لمن المهمّ جدًّا أن تتضمّن التنشئة التدرّب على التقنيّات الحديثة وعلم وسائل الاتصال. على العلمانيّين أن يشهدوا بحزم للمسيح في المجتمع".

6 التجديد الروحي  للقائمين بخدمة الرسالة

إذا كان المؤمن مطالبا بتجديد ذاته روحيا وإيمانيا في كل يوم، ليكون صورة حية لمحبة السيد المسيح، فكم بالحري القائمين بخدمة العمل الإرسالي. يجب على هؤلاء أن يمتلئوا بفضائل الإيمان والرجاء والمحبة، وأن تغمرهم  روح الحماس والغيرة الرسولية  في السعي لنشر كلمة الله في أنحاء العالم.         

بما أن النشاط الإرسالي هو استمرارية لعمل السيد المسيح، ومواصلة لخدمة رسالته، لذلك على التلميذ والمرسل الذي يمارس هذه الخدمة أن يتحلي بصفات معلمه، ويتزود بذات بروحه، ويتمثل بسلوكه،  ويعيش بروح الفقر والطاعة والخدمة والمحبة، ويكون دائما مستعدا للتضحية وبذل الذات حتى الموت.

عالجت وثائق سينودس أساقفة الشرق الأوسط  موضوع التجديد الروحي للقائمين بخدمة الرسالة، كما دعت كل المؤمنين لإحياء إيمانهم، ليكونوا شهودا صالحين للسيد المسيح، في مجتمعاتهم، وتكون شهادتهم ذات فعالية.     

في هذا الصدد طالبت وثيقة الخطوط  العريضة، بضرورة تجديد أبناء الكنيسة روحيا وتقديسهم، ليكونوا شهودا لقيامة السيد المسيح، وذات كفاءة لتقديم شهادة حية عن محبة الله في مجتمعهم وفي العالم.

"وهذا ما يتطلّب اهتداءً شخصيا من المسيحيين، ابتداء من الرعاة، بالعودة إلى روح الإنجيل، بحيث تصير حياتنا شهادةً لحب لله،  يتجلى في الحب الفعلي للجميع ولكل شخص. علينا  أن  نكون شهوداً للمسيح القائم من بين الأموات: "وكان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، تؤيّدها قدرة عظيمة " (أعمال 4، 33)، وذلك للخروج من أنانيتنا، وصراعاتنا، وضعفاتنا الشخصية"(رقم 32).

كما تطالب وثيقة ورقة العمل،  في رقمي 102، 111، بأن يكون المسيحي شاهدا في مجتمعه لقيم الإنجيل النبيلة، وأن يكون سالكا في حياته بموجبها.

"في هذه الظروف، تقوم مساهمة المسيحي في أن يقدّم ويعيش قِيَم الإنجيل، وأيضا في قولِ الحق في وجه الأقوياء الذين يقترفون الظلم، أو يتبعون سياسات ضد مصالح البلد، وكذلك في وجه مَن يجاوبون على الظلم بالعنف….. فمساهمتنا، تقتضي شجاعة كبيرة، لا غنى عنها"(رقم 102).

"للمسيحي إسهام نوعي ولا غِنَى عنه في المجتمع الذي يعيش فيه، ليُثريَه بقِيَم الإنجيل. فهو شاهد للمسيح وللقِيَم الجديدة التي حملها للبشرية. ولذلك، ينبغي على التعليم المسيحي أن يُكوّن، في الآن نفسه، مؤمنين ومواطنين، فعّالين في مختلف مجالات المجتمع. فالالتزام السياسي الخالي من القِيَم الإنجيلية هو شهادة مضادة، ويسبّب ضررا أكثر مما يعمل خيرا"(رقم 111).

7الوسائل المساعدة لخدمة الرسالة

في عصرنا الحديث، تتطلب خدمة الرسالة استخدام العديد من الأدوات ووسائل الإيضاح، وأجهزة الإعلام والاتصال الحديثة، لتفعيل نشر كلمة الله بصورة ملموسة، وامتداد إعلان بشارة الإنجيل على المستوى العالمي. لهذا يطالب سينودس أساقفة الشرق الأوسط، بضرورة توفير هذه الوسائل، والتدرب على كيفية استخدامها في خدمة الرسالة. 

ومن بين هذه الوسائل نذكر ما يلي:

الكتاب المقدس،

رسالة التعليم المسيحي،

وسائل الإعلام والاتصال الحديثة،

خدمة المحبة.

أ- الكتاب المقدس

يقدم لنا الكتاب المقدس كلمة الله المكتوبة، التي ترشدنا إلى معرفة محبة الله، وتضيء لنا الطريق الذي ينبغي أن نسلك فيه. كلمة الله بالكتاب المقدس هي جوهر ومركز رسالة الكنيسة، وهي قلب وأساس خدمتها الإرسالية.

أبرزت أعمال سينودس الشرق الأوسط أهمية دور الكتاب المقدس في رسالة وخدمة الكنيسة، وفي حياة مؤمنيها، وقد عبر عن هذه الأهمية أباء السينودس في مداخلاتهم، كما ذكرتها وثائق السينودس، ومنها اخترنا الفقرات التالية:

يقدم لنا التقرير بعد المناقشة تأملا جميلا عن الكتاب المقدس، ويدعو الكهنة إلى إعلانه وتفسيره وفقا لكلمة الله، كما يدعو المؤمنين إلى الانتعاش به، وتطبيق تعاليمه في حياتهم اليومية.

" تأمّل في ضوء كلمة الله: قام الآباء المجمعيّون بتوضيح هذا الأمر. فمنطقتنا ما زالت أمينةً لكلمة الربّ الموحاة والتي دوّنها البشر بإلهامٍ من الروح القدس. ولقد جسّد البشر والحجر في بلادنا تاريخ محبة الله للإنسانيّة وأضحوا رسالة محبة لكلّ إنسان. كلمة الله باقيةٌ على الدوام مصدر إلهام لشركتنا ووفائنا ومحبتنّا ورسالتنا وشهادتنا.

 ينبغي علينا إذن أن نكون حقًّا أهل الكتاب، ينعشهم روح الإنجيل فيتحولون إلى أناجيل حيّة تُلقى كبذورٍ وكخميرة في بيئتنا لتنمية ثقافة الإنجيل، بدل أن يصوّر المجتمع وفق ثقافته الماديّة والأنانيّة والنسبيّة. وتبقى كلمة الله المنبع الروحيّ والكنز اللاهوتيّ لليتورجيتنا الحيّة.

ولقد تمّ التذكير بأنّ مؤمنينا متعطّشون لكلمة الله. وإذا ما افتقدوها عندنا، سيحاولون ريّ ظمئهم من معينٍ آخر. لذا نحتاج إلى العديد من الأخصائييّن في الكتاب المقدس، على الصعيد الأكاديميّ خصوصًا، ولكن أيضًا وبصورةٍ خاصّة في البعدين الراعويّ والروحيّ.

"إنّ واجب الكهنة الأوّل يقوم على إعلان كلمة الله. فهم يملكون موهبةً خاصّة لتفسير الكتاب المقدّس عندما يعمدون إلى نقله، ليس وفق آرائهم الشخصيّة، بل وفق كلمة الله، مطبّقين حقيقة الإنجيل الأزليّة في ظروف حياتهم الواقعيّة" (القرار المجمعيّ : في خدمة الكهنة وحياتهم، 4). فليساعدوا إذن المؤمنين ليروا في المسيح تحقيقًا لكلّ ما جاء في الكتاب المقدّس، ويؤطروا وقائع حياتهم في ضوء الكلمة (راجع مز 118، 105).

ينبغي لنا أن نوضح مفهوم "الوحي" الذي ينطوي على بعض الغموض نتيجة المفهوم المغاير في الإسلام. بالنسبة إلينا، الوحي هو تدخّل خلاصيّ من الربّ في التاريخ البشريّ، عبر أحداث تاريخيّة معاشة مثل أعمال المحبّة المجانيّة التي يقوم بها الله تجاه المؤمنين به. إنّه حوار بين الله والبشر في التاريخ. ويشكّل الإعلان الشفهيّ لهذه الأعمال جزءًا من هذا "الوحي" لكونه ينقل الإيمان من جيلٍ إلى جيل. والكتاب المقدّس هو خلاصة الوحي، لكنّه يبقى "حبرًا على ورق" إن لم يتلقّاه القارئ كفعل "نقل إيمان" من كنيسته ومن جماعته المسيحيّة.

ويشكّل الإعلان والاستماع والقراءة أو التأمّل بنصوص الكتاب المقدس لقاءً بشخص المسيح نفسه. كما جرى التشديد أيضًا على المكانة المميزة التي تحتلها الليتورجيا والاحتفالات بكلمة الله في جماعاتٍ صغيرة على مثال الجماعات المسيحية الأولى، من أجل فهم كلمة الله فهمًا وجوديًّا، حيث تصبح الكلمةُ، عبر الاحتفال، حيةً وفاعلة في حياة المصغين إليها، والمتأمّلين فيها، والمحتفلين بها، الذين يجدون دربهم إلى النور.

نحن بأمسّ الحاجة إلى أن تكون كلمة الله أساس التربية والتكوين في بيوتنا وكنائسنا ومدارسنا، خصوصًا في ضوء كوننا أقليّات في مجتمعات ذات أكثريّة غير مسيحيّة تهيمن فيها قيم تلك الأكثريّة، وتجتاح ثقافتها جميع مجالات الحياة العامّة، حتّى توشك أن تسود على فكرنا وتصرّفاتنا. أجل، نحن بحاجةٍ إلى كلمة الله التي بجعل حياتنا مسيحيّةٍ كي تقوم حياتنا بدورها بتغيير مجتمعنا"( المقدمة، ثانيا).

نظرا لأهمية الكتاب المقدس في حياة الكنيسة وخدمة الرسالة، فقد تم تخصيص توصيتين، رقمي 2، 3، تطالبان بالتعمق في روحانية الكتاب المقدس، واستخدامه في خدمات الكنيسة المتنوعة، وخاصة في خدمة النشاط الإرسالي، وتوفير نسخا منه مع كتب التفاسير والشروحات الكاثوليكية في بيوت المؤمنين، وتنظيم دورات وندوات خاصة بشرح كلمة الله والتأمل فيها.

"إنّ كلمة الله هي روح الخدم الراعويّة وأساسها؛ نتمنّى أن تمتلك كلّ أسرة الكتاب المقدّس.  يشجّع آباء السينودس على المثابرة اليوميّة على قراءة كلمة الله والتأمّل فيها، ولاسيّما القراءة الربّية، وعلى خلق موقع بيبليّ على الإنترنت، يضع بتصرّف المؤمنين شروحات وتفاسير كاثوليكيّة، وعلى إعداد كتيّب يقدّم للكتاب المقدّس في عهديه القديم والجديد، وعلى وضع منهجية سهلة لقراءة الكتاب المقدس. ويشجّعون أيضاً الأبرشيات والرعايا على تنظيم دورات بيبليّة لشرح كلمة الله والتأمّل فيها حتّى تتسنّى الإجابة على أسئلة المؤمنين لخلق جوّ من الألفة مع الكتاب المقدس، والتعمّق في روحانيّة الكتاب المقدّس، والالتزام في العمل الرسوليّ" ( توصية رقم 2).

"إنّ آباء السينودس يوصون بالعمل على وضع الكتاب المقدس بعهدَيه في قلب حياتنا المسيحيّة، وذلك من خلال التشجيع على إعلانه، وقراءته، والتأمّل فيه، وتفسيره بالارتكاز على المسيح، والاحتفال الليتورجي به، على مثال الجماعة المسيحيّة الأولى. نقترح أن يُصار إلى إعلان سنة بيبليّة، يعدّ لها إعدادًا وافياً، ومن ثمَّ يكرَّس أسبوع سنوي للكتاب المقدّس"(توصية رقم 3).

ب – التعليم المسيحي

يعتبر التعليم المسيحي هو أحد الطرق الأساسية للبشارة الإنجيلية، خاصة بالنسبة للصغار والشبيبة، لذلك ذخرت وثائق سينودس أساقفة الشرق الأوسط بالكثير من الفقرات التي تتحدث عن أهمية رسالة التعليم المسيحي، وكيفية استخدامه في نقل الإيمان المسيحي عير الأجيال المتعاقبة، وفي خدمة الرسالة والتبشير بالإنجيل بين غير المؤمنين.

 تشير وثيقة الخطوط العريضة إلى أن التعليم المسيحي يستخدم كوسيلة لنقل الإيمان المسيحي في المدارس والرعايا، لذلك تدعوا إلي الاهتمام بإعداد وتكوين معلمين مهرة للقيام به، كما تطالب الآباء الكهنة بالاهتمام برسالة هذا التعليم.

" تتمّ البشارة الاعتيادية بالإنجيل في العظات عند الاحتفال بالقداس الإلهي، أو بمنح الأسرار المقدسة. وكذلك في التعليم المسيحي في المدارس والرعايا، أو في "مدارس الأحد" للتلاميذ الذين يتلقون تعليمهم بالمدارس الحكومية والتي لا توجد بها دروس للتعليم المسيحي. ويجب الحرص على أن ينال معلّمو التعليم المسيحي تكوينا جيدا، وأن يكونوا مثالا حيا للشباب. فمن الملاحَظ أكثر فأكثر أن الكهنة الرعاة لا يعطون التعليم المسيحي بأنفسهم"(رقم 47).

نظرا لأهمية رسالة التعليم المسيحي، فقد خصصت ورقة العمل الأرقام من 62 إلى 69، للحديث عن أهداف وتجديد التعليم المسيحي، والطرق المتنوعة لتحقيق هذه الرسالة، والدعوة إلى إعداد الشباب جيدا للقيام بها، ومن الأرقام السابقة نقتبس النصوص التالية:

" يهدف التعليم المسيحي إلى التعريف بالإيمان وإلى الحياة بموجبه. ويجب أن يكون مُوجَّها إلى الشباب والبالغين، كأفراد وكجماعة مؤمنين. وبخصوص الشباب، يمكنهم هم أنفسهم أن يقوموا بالتعليم المسيحي للشباب، ولكنهم يحتاجون من أجل ذلك لإعداد نوعي"(رقم 62).

"أكدت إجابات عديدة أهميّة التعليم المسيحي لمعرفة ونقل الإيمان. ويهدف التعليم المسيحي للشباب إلى إثارة إحساسهم بالاحتياج إلى مرشد روحي، يُشاركهم في مبادرات للتكوين الروحي وللحياة المسيحيّة الملموسة، ويساعدهم في التغلّب على المعوقات والمخاوف"( رقم 63).

"وغَني عن الذكر أنه لا يمكن القيام بأي نشاط تعليمي، إن لم يكن هناك أشخاص مؤهَّلون لنقل الإيمان. وللقيام بهذا الواجب، عليهم أن يكتسبوا معرفة كافية باللاهوت وبالروحانية الخاصة بالكنيسة التي ينتمون إليها. ومن الضروري أن نذّكر أيضا أنه إذا اقتصر التعليم المسيحي على شرح الحقيقة، فلن يأتي بالثمار المرجوَّة، فهو يحتاج إلى تثبيته بشهادة الحياة.  إن خادم التعليم المسيحي هو أوّلاً شاهدٌ للإنجيل"   (رقم 64).

"إن التعليم المسيحي الفعّال لا يمكنه اليوم أن يقتصر على التلقين الشفهي للعقيدة أو السلوك. فالتحفيظ له دائماً دور إيجابي، وكذلك أبضا التعليم عن طريق الصور، وخاصّة في عصرنا هذا، الذي يفضّل المعلومة المرئية على غيرها من وسائل تبليغ الحقيقة. ولكنّ الوسيلة التي تعطى نصّا مكتوبا لا بديل لها. لذلك فالنصوص المكتوبة لا غِنى عنها أيضا في مدارس التعليم المسيحي والديني. وبالطبع، فإن النصوص الليتورجيّة، وكذلك لغة الأيقونات، لها أهمية كبرى في التعليم المسيحي"(رقم 65).

يذكر التقرير بعد المناقشة بأن خدمة التعليم المسيحي هي وسيلة جيدة، من خلالها تشهد الكنيسة وتعلن عن إيمانها، وبواسطتها تنقل هذا الإيمان للأجيال القادمة، ويطالب بأن تكون خدمة ومواضيع التعليم المسيحي مناسبة لعصرنا، ويقوم بها أشخاص ذات كفاءة عالية، ومؤهلين لهذه الرسالة.

"تشهد الكنيسة لربّها وتعلن ذلك في حياتها، وأفعالها، والتعليم المسيحيّ، وخاصة التربية على الإيمان وممارسة الأسرار. فالتنشئة الإيمانيّة الراسخ والحياة الروحيّة الناشطة هما أفضل ضمانة لتوطيد الهويّة المسيحيّة المنفتحة والمشعّة. يجب أن يوجّه التعليم المسيحي إلى جميع الأعمار، إلى الأولاد، والشبيبة والبالغين. ويحب أن يكون معلِّمو التعليم المسيحي كفوئين ومؤهّلين لهذه الرسالة، بتدريبٍ مناسب، الذي يأخذ بعين الاعتبار، المشاكل والتحدّيات الراهنة. بعد إستعدادٍ جيِّد. يمكن للشباب أن يعلّموا التّعليم المسيحيّ لغيرهم من الشباب.

وكذلك الأهل المؤهّلون يشاركون في نشاط التعليم الدينيّ في اسرتهم وفي الرعيّة. وللعائلة المسيحيّة دورٌ رئيسيّ في نقل الإيمان للأولاد. المدارس الكاثوليكية، الجمعيّات والحركات الرّسوليّة هي أماكن مثاليّة لتعليم الإيمان. لذلك يجب تدريب شعبنا على فهم العهد القديم، ضمن رؤية عمل الخلاص، وهذا سوف يساعدهم على تحاشي الوقوع في فخّ تسييسِ نصوص من الكتاب المقدّس"(الفصل الثالث، أولا).

يوصي أباء السنودس، في التوصية رقم 30، بضرورة إنشاء مراكز متخصصة لرسالة التعليم المسيحي، وعلى إعداد وتكوين معلمي التعليم المسيحي، إعدادا جيدا وملائما للظروف والتحديات المعاصرة.

"توصي كنائسنا في الشرق الأوسط، وسعيًا منها في تلبية الحاجة إلى تنشئة البالغين على الإيمان الحيّ، بإنشاء مراكز للتعليم المسيحيّ حيث يقتضي الأمر ذلك. … وعلى الأخص، يجب إعداد معلّمي التعليم المسيحيّ إعدادًا جيّدًا في سبيل تنشئة ملائمة تأخذ بعين الاعتبار المشكلات والتحدّيات الراهنة".

ج- وسائل الاعلام  والاتصال الحديثة

تطور وسائل الإعلام والاتصال الحديثة أحدث ثورة في عالم نقل المعلومات والعلاقات بين الناس. مع تقدم علم الالكترونيات وأساليب التكنولوجيا العصرية، صار العالم شبة قرية صغيرة، وصار نقل الأخبار والمعلومات يتم بسرعة خاطفة وبطريقة سهلة بين مختلف بلاد العالم، كما تطورت وسائل السفر وحركة الانتقالات. لهذا لم تغفل وثائق سينودس أساقفة الشرق الأوسط عن الإشارة إلى وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، وعن ضرورة استخدامها في خدمة رسالة نشر الإيمان والإنجيل في العالم.   

أشارت ورقة العمل، بأن الكنيسة والايبارشيات، حاليا، يستخدمون وسائل الإعلام والاتصال الحديثة في نشر وتوضيح حقائق الإيمان المسيحي، وتفنيد الادعاءات التي تعارضه، كما يستخدمونها في تعزيز العلاقات  والتواصل بين المؤمنين في مختلف بقاع العالم.

"تستخدم الكنيسة التكنولوجبا ووسائل الاتصال الحديثة (إس إم إس، والشبكة العنكبوتية، والانترنت، والتليفزيون، والراديو) في خدمة الإيبارشيات، لنشر الرسالة المسيحية، ومواجهة التحديات التي تضاد هذه الرسالة، والتواصل مع المؤمنين في بلاد الانتشار (المهجر)"(رقم 26).

كما أشارت ورقة العمل، إلى أن وسائل الإعلام والاتصال الحديثة هي وسائل مؤثرة وفعالة في نشر الإيمان وخاصة بين الشباب.

"ونضيف أن وسائل الإعلام الحديثة وسائل فعّالة للغاية للشهادة للإنجيل: مثل شبكة المعلومات الإلكترونيّة أي الأنترنت  (وبالأخص للشباب)، والراديو والتليفزيون" (رقم ، 67).

يذكر التقرير بعد المناقشة بأن استعمال وسائل الاتصال الحديثة في نشر الإيمان والتبشير بالإنجيل، نظرا لفاعليتها الشديدة وتأثيرها القوي، هو أمر مهم وضروري للكنيسة في مجال الإعلان عن إيمانها ورسالتها، ويطالب بتكوين الأشخاص المتخصصين في هذا الأمر، مع توخي الحذر من بعض الآثار السلبية لوسائل الإعلام.

"إنّ استعمال الوسائل الحديثة للاتصال أمرٌ ضروريّ من أجلِ نقل الإيمان، والتّعليم الديني، والرسالة ونشر الإنجيل، والحركة العلميّة، والتنشئة على السلام، والعمل على التطوّر الكامل لمجتمعاتنا. إنَّّ وسائل الإعلام هي مكان شهادة للمسيح وللقيم المسيحيّة. إنّها تمثِّل ثقافةً جديدة للاتصال العالميّ، حقيقيّ ونظيف، متميِّز بأساليب وطرق جديدة للتفكير. وهي كاريوباغوس جديد للعالم المعولم. وينبغي توخي الحذر والتحاشي عن التأثيرات السلبيّة لوسائل الإعلام: التلاعب بالرأي العامّ، وازدهار البدع، والعنف ونشر المواد الإباحيّة، والعلمانيّة التي تناهض الدين. وبالتالي، من الواضح أنّ استخدام وسائل الإعلام في كنائسنا، مع بعض الاستثناءات القليلة ، هي فرديّة وعلى مستوى بدائي، بسبب نقص الموارد الماليّة والمهنيّة. قد اقتُرِحَ تشكيل لجنة لتنشيط وسائل الاتصال في الشرق الأوسط وتنسيقها.

تحتاج كنائسنا إلى أشخاصٍ متخصّصين في هذه المجالات. ربما نتمكن من مساعدتهم على تدريب المزيد من الموهوبين، ومن ثم دمجِهم في هذا العمل. لكن سيكون من الضروريّ تدريب كهنة ورهبان، منذ الإكليريكيّة. وسائل الإعلام والاتصالات وسيلة قويّة لتعزيز التواصل إذ تجعل الكنائس في الشرق الأوسط والعالم أكثر إتِّحادًا من أي وقت مضى"(الفصل الثالث، أولا).

تتحدث التوصية رقم 33، عن وسائل الإعلام، ويطالب آباء السينودس بتدعيمها وتطويرها حتى تحقق أهدافها المنشودة، ونستطيع أن ننقل كلمة الله وتعاليم الكنيسة إلى شتى النفوس المتلهفة والجائعة لمعرفة الرب يسوع، وننشرها في مختلف البلاد المحرومة من سماع بشرى الخلاص، لذلك أوصى آباء السينودس بضرورة ترجمة البرامج الإذاعية والتليفزيونية إلى اللغات التركية والفارسية، ليستفيد منها الناطقين بهذه اللغات.    

"أشار الآباء إلى أهميّة وسائل الإعلام الحديثة في التنشئة المسيحيّة في الشرق الأوسط، كما في إعلان الإيمان. فهي تشكّل شبكة اتصال مميّزة لنشر تعاليم الكنيسة. ويوصون كذلك، من الناحية العمليّة، بمساعدة البني المتوفّرة في هذا المجال، مثل تيلي لوميار نورسات، وإذاعة صوت المحبّة وغيرها، ودعمها بشتّى الوسائل لتحقّق الأهداف، التي أنشئت من أجلها بروحٍ كنسيّة. وقد تمنّى بعضهم دعم إنشاء مدينة إعلاميّة لنورسات الإقليميّة والعالميّة.

كما يوصي الآباء بحرارةٍ المسؤولين عن المؤسّسات السمع بصريّة في كنائسنا:

1. أن يؤلّفوا فريقًا مختصًّا في المجال اللاهوتيّ والتقنيّ.

2. أن يعدّوا برنامج تنشئة كتابيّة بهدفٍ راعويّ 

3. أن يعتمدوا الترجمة إلى اللغتين التركيّة والفارسيّة للمسيحيّين في تركيا وإيران".

د- خدمة المحبة

"الله محبة" (1 يو 4:  8، 16)، وعلي مثاله فالكنيسة هي جماعة محبة ورحمة. تعبر الكنيسة عن محبة الله من خلال خدمات المحبة وأعمال الرحمة، ومساعدة المحتاجين والمتألمين والمتضايقين، لذلك فان رسالة الخير وأعمال الرحمة هي التعبير الصادق والتطبيق الحقيقي لمحبة الله الأزلية للبشر، وهي امتداد  لهذا الحب الإلهي العجيب. 

بواسطة خدمة المحبة، تشهد الكنيسة للمحبة الإلهية، وتعلن وتنشر إنجيل والخلاص بين الناس. ويطالبنا السيد المسيح بأن نضئ بنور أعمال الحب أمام لإخوتنا، ونؤدي كل ما هو صالح، فيمجد الناس أبونا السماوي: "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس ليشاهدوا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات"(متى 5، 16).

تحدثت وثائق سينودس أساقفة الشرق الأوسط عن خدمات المحبة والأعمال الاجتماعية التي تقوم بها الكنيسة، ومن خلالها تعلن عن إيمانها، وبواسطتها تشهد لدعوة الإنجيل، وتعمل على نشره بين جميع أبناء البشر. حيثما توجد الكنيسة في العالم، أبواب أعمالها وخدماتها الاجتماعية مفتوحة على مصراعيها لكل الناس، بدون أدنى تفرقة أو تمييز، وخاصة للمحتاجين والمتألمين منهم.        

تذكر لنا الخطوط العريضة بعض الأعمال الاجتماعية التي تقوم بها الكنيسة، وتُشيد بدور العلمانيين في هذه الأعمال، كما تدعو إلى ضرورة التنسيق بين هذه الخدمات منعا للمنافسة والتكرار.

"ومن جهة أخرى، يظهر عمل الكنيسة في العدد الكبير من الأعمال الاجتماعية: المستوصفات ، والمستشفيات، وبيوت للأيتام ، والمسنين، والمعاقين، وغيرهم. وهنا أيضا يقوم العلمانيون بدور محوري أساسي، لا ثانوي. والخطر الموجود هنا أو هناك، هو أن تتحول هذه الأعمال الاجتماعية إلى منافسة طائفية. لذلك لا بد من التنسيق بين الكنائس، لتلافي التكرار غير الضروري في بعض المجالات، وترك مجالات أخرى فارغة"(رقم 52).

تشير ورقة العمل إلى أن الأنشطة الكنسية الخيرية تشهد على أن الكنيسة تعمل لصالح وفائدة كل المجتمع الإنساني، بكل طوائفه وفئاته، وتقوم بخدمة المؤمنين وغير المؤمنين. ومن بين هذه الأنشطة يتميز نشاط الرعاية الصحية للمرضي في إبراز الدور الريادي للمسيحيين في المجتمع، وهنا لابد من الإشادة بالخدمة الخاصة والتفاني الشديد الذي يبذله الرهبان والراهبات في عملهم بالمستوصفات والمستشفيات.     

"وإنما بالأكثر يظهر عمل الكنيسة لصالح الخير العام واضحا وجليا، بفضل أنشتطها الخيرية، التي تهتمّ ليس فقط بالمسيحيين، وإنما أيضا بالمسلمين وباليهود. ويتحقّق ذلك سواء بالمساعدة السخيّة الآتية من محبّة الكنيسة في العالم كله، وسواء من المساعدة الملموسة من الكنائس المحلية. وفي هذا الإطار، فإن الخدمة الرعوية في مجال الصحة تمثل جانبا متميزا لإبراز دور المسيحيين في المجتمع. وهنا يجب أن نشيد بالعمل الرائع الذي يقوم به الرهبان، وبالأخص النساء المكرَّسات، الذين يقومون بدور رائد في أعمال المحبّة، وفى العمل الرعائى في مجال الصحّة لخدمة الجميع"(رقم 30).

تواصل ورقة العمل الحديث عن نشاط الكنيسة في حقل الخدمات الاجتماعية، وتبين لنا بأن هذا النشاط يعلن محبة الله والكنيسة لجميع البشر، وخاصة نحو أفقر الفقراء والمستبعدين منهم، ويهدف إلى خلق وتحقيق مجتمع أفضل.

   "وفي المجال الاجتماعي فإن شهادتنا الأكثر أهمية هي الحب المجاني للإنسان. وهو يتجلّى في الخدمات الاجتماعية، كالمدارس، والمستشفيات، والعيادات الصحية، والمؤسسات الأكاديمية، التي تقبل الجميع، وتعلن محبتنا للجميع، في سبيل خلق مجتمع أفضل. آما أن أنشطتنا الخيرية لصالح الأكثر فقرا والمستبعَدين، بلا تفرقة، هي أجلى صورة لانتشار الفكر المسيحي. وكثيرا ما تنفرد مؤسساتنا وحدها بتقديم هذه الخدمات"(رقم 115).

تستمر ورقة العمل في الحديث عن نشاط الكنيسة في حقل الخدمات الاجتماعية، وتوضح لنا بأن الكرازة المباشرة بالإنجيل في المجتمعات الإسلامية ليست أمرا سهلا، ولكن يمكن أن تتم هذه الكرازة من خلال شهادتنا العملية، وبذل أقصى ما في وسعنا في خدمة القريب، بكل محبة وسخاء، مع التزامنا بالحياة والسلوك وفقا لتعاليم الإيمان.  

"إن الكرازة بالإنجيل في مجتمع مسلم، يمكن إن تتمّ فقط من خلال حياة جماعاتنا، ولكنّ الأمر يتطلب أن يتمّ ضمانها أيضا بتدخّلات خارجية مناسبة. وإنما واجبنا الأكثر إلزاما يقوم فى أن نحيا الإيمان فى بلادنا. فأن نحيا الحق وأن نعلنه في المحبة وبشجاعة هو التزام حقيقي.  والشهادة الأكثر فاعلية هي أن نترك أعمالنا تتكلم أكثر من الكلام، بأن نعيش مسيحيتنا بأمانة، ومظهرين التضامن بين المؤسسات المسيحية كافة، مُقدمين هكذا شهادة قوية عما نحن عليه وعما نعيشه" (رقم 116).

في الرسالة إلى شعب الله، يوجه أباء السينودس تحية مودة وشكر لكل العاملين والعاملات في حقل الخدمات الاجتماعية، لأنهم بهذه الخدمات يعززون رباطات الأخوة والصداقة بين البشر،  ويحققون ويشهدون لتعاليم الرب يسوع، التي تدعوهم لخدمة جميع المحتاجين بدون تفرقة وتمييز.

"إننا نقدّر نشاطاتكم، أيها العاملون والعاملات في الحقل الاجتماعيّ. إنكم تؤمّنون خدمة المحبّة في منظَّماتكم. نشجّعكم وندعمكم في هذه الرسالة الاجتماعية والتنموية في ضوء تعليم الكنيسة الغني بمبادئه وتوجيهاته. إنّكم بذلك تعزّزون أواصر الأخوّة بين الناس من خلال خدمة المحتاجين والمهمّشين والمرضى واللاجئين والسجناء دونما تمييز، تدفعكم في العمل كلمة الرب يسوع: "كلُّ ما فعلتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد فعلتموه" (متّى 25، 40)"(ثانيا، رقم 4-4).

كما يوجه الآباء الأساقفة في الرسالة إلى شعب الله  نداءا إلى أبناء الكنائس والحكومات في الشرق من أجل حسن رعاية المهاجرين والوافدين والغرباء، في منطقة الشرق الأوسط، واستقبالهم بترحاب ومودة أخوية،  بدون تفرقة أو تمييز، وصون كرامتهم الإنسانية، والدفاع عن حقوقهم المشروعة.

"إنّنا نناشد كنائسنا أن تُولِيَ اهتمامًا خاصًّا للقضايا الإنسانية لهؤلاء الإخوة والأخوات، من أيِّ دين كانوا، ولا سيّما إذا تعرّضوا لاعتداءات على حقوقهم وكرامتهم. فهم يأتوننا ليس فقط طلبًا لرزقهم، بل لمنفعة بلداننا أيضًا. وإنّ كرامتهم من كرامة الله سبحانه، ولهم حقوق كلّ إنسان، ولا يجوز لأحد استضعافهم والاعتداء عليهم. ولذلك ندعو الحكومات التي تستقبلهم إلى احترام حقوقهم والدفاع عنها" (ثانيا، رقم 6).

في التوصية رقم 38، يطالب أباء السينودس بنشر وتعميم تعليم الكنيسة الاجتماعي بين أبناء الكنيسة، لتنشئتهم على حقائق المحبة الإنجيلية، التي تحثهم للمبادرة والتطوع لخدمة ورعاية فئات المجتمع الأكثر فقرا واحتياجا، وخاصة الاهتمام بإخوتنا ذوى الاحتياجات الخاصة.

"يوصي آباء السينودس بنشر تعليم الكنيسة الاجتماعيّ المغيَّب في بعض الأحيان، وذلك لأنّه جزءٌ لا يتجزّأ من التنشئة على الإيمان…….. ويوصي الآباء الكنائس الشرقيّة بالاعتناء بالمسنّين والوافدين الأجانب واللاجئين وفق احتياجاتهم الاجتماعيّة المختلفة، وإيلاء المعوَّقين اهتمامًا خاصًّا وإيجاد المؤسّسات المناسبة لأوضاعهم، وتشجيع اندماجهم في المجتمع".

8  خدمة الرسالة والكنائس الشرقية

يبين لنا التقرير بعد المناقشة بأنه من الشرق ظهر نور السيد المسيح، وأنه في يوم العنصرة، ومن مدينة أورشليم، القدس، ولدت الكنيسة، ومنها انطلقت لتبشر بإنجيل السيد المسيح في الشرق والغرب وإلي أقاصي الأرض.

"من الشرق قدم نور المسيح. والمسيح هو الشمس الحقّة التي لا تُقهر ولا تغيب. وجه المسيح ساطعٌ كالشمس (متى 17، 2) وينير تاريخ البشريّة بأسره. كانت كنيسة القدس، التي شهدت النور يوم العنصرة، منبع جميع الكنائس الخاصّة. في القدس، أي في الشرق، ولدت كنائسنا وكنائس المسيح جميعًا. جذور المسيحية من الشرق، وفيه نمت وانتشرت إلى الغرب، وإلى أقاصي الأرض. في دمشق اهتدى بولس، ومنها انطلق إلى بلاد العرب فأضحى "رسول الأمم" (الفصل الأول 1).

منذ بدء تاريخ الكنيسة، ومؤمنو الشرق يتميّزون بغيرتهم الرسولية، وحماسهم الشديد لتحقيق وصية الرب، التي تنادي بنشر بشارة الإنجيل في جميع أنحاء العالم. فمن الشرق انطلق تلاميذ ورسل الرب، ومسيحيو الجيل الأول، لنشر الإيمان المسيحي، وزرع وتأسيس الكنيسة في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية.

توضح لنا الرسالة لشعب الله  كيف بدأت الكنيسة الأولي أول خطوات حياتها، وبالرغم من كثرة المضايق والاضطهادات. وكيف حافظت هذه الكنيسة على حياة الشركة، وثبتت بدماء شهدائها أساسات بنيانها. فمن قلب الكنيسة الأولي إنطلق الرسل والمرسلون الأوائل، ليبشروا شرقا وغربا بنور إنجيل السيد المسيح. وفي وقتنا الحالي، علينا مواصلة ما فعله الآباء الرسل، وننشر بشارة الإنجيل للأجيال المقبلة.

"في الشرق بدأت المسيحية الأولى، حيث انطلق الرسل بعد العنصرة يبشِّرون العالم كلَّه. وفيه عاشت الجماعة المسيحية الأولى في الشدائد والاضطهادات، مواظبةً "على تعليم الرسل وكسر الخبز والصلوات تعيش الشركة في ما بينها، فكان الجميع قلبًا واحدًا وروحًا واحدة"(أعمال 2: 42)، ولم يكن بينهم أحد محتاجًا. وفيه رسّخ الشهداء الأوّلون بدمائهم أسس الكنيسة الناشئة. وملأ النسّاك، من بعدهم، الصحارى والبراري بقداستهم وإيمانهم. وفيه كان آباء الكنيسة الذين ما زالوا حتى اليوم يُغَذّون بكتاباتهم الكنيسة الشرقية والغربية. ومن كنائسنا انطلق المرسَلون في العصور الأولى للكنيسة وفي ما بعدها فبلغوا الشرق الأقصى والغرب، وبشّروهما بنور المسيح. نحن ورثة لكلِّ ذلك. وعلينا أن نواصل تسليم الرسالة إلى الأجيال المقبلة" ( أولا 2).

أيضا، تذكرنا وثيقة الخطوط العريضة بأن كنائسنا الشرقية هي كنائس رسولية، وفي العصور الأولي أنطلق أبنائها، تدفعهم روح الحماس والغيرة الرسولية، لينشروا بشارة الإنجيل في العالم. ولكن جدير بالملاحظة، أن هذه الوثيقة تعتب على أبناء كنائس الشرق، في وقتنا الحاضر، بتراخيهم وضعف حماسهم في الكرازة والبشارة بالإنجيل بين الأمم والشعوب، وفتور غيرتهم الرسولية في الشهادة بالإيمان المسيحي.

"ولأن كنائسنا كنائس رسولية، فإن لها رسالة خاصة لتحمل الإنجيل إلى العالم أجمع. وقد كان هذا الدافع ملهماً للعديد من كنائسنا عبر التاريخ: في بلاد النوبة، والحبشة، وفي شبه الجزيرة العربية، وبلاد فارس، والهند، وحتى الصين.

واليوم نرى أن هذا الدافع الإنجيلي قد تباطأ غالبا، وخبت شعلة الروح"(رقم 13).

ربما يكون من بين أسباب هذا التراخي، وضعف النشاط الكرازي، تدهور أوضاع الكنائس الشرقية، نتيجة لضعف وانقسام الإمبراطورية الرومانية، وحدة الصراعات القومية، وشدة المنازعات العقائدية بين المسيحيين، والانقسامات الكنسيّة، وسيطرة الحكم العربي والإسلامي على بلاد المشرق.

أمام هذا التراخي والضعف، تحذرنا وثيقة ورقة العمل من خطر تعرض كنائس الشرق للتلاشي من فوق الأراضي التي تباركت بمولد السيد المسيح، والتي هي أصل ومهد المسيحية، وذلك بسبب زيادة عدد المهاجرين المسيحيين من منطقة الشرق الأوسط، وتفشي ضعف الإيمان والفتور الروحي فيما بينهم. لهذا تدعو الوثيقة كل أبناء كنائس الشرق لكي يتحملوا مسؤولية حفظ الإيمان، ويتعاونوا معا في العمل على استمرارية بقاء بشارة الإنجيل والإيمان المسيحي في بلاد الشرق.

"ترجع كنائسنا إلى أصول رسولية، وكانت بلادنا مهدَ المسيحية. إنها أراضٍ مباركة بحضور المسيح نفسه، وبالأجيال المسيحية الأولى. ومن المؤكد أن ضُعف المسيحية حيث وُلدت، وكم بالأكثر تلاشيها، هو خسارة للكنيسة الجامعة.  إننا نحمل هنا مسؤلية كبيرة: ليس فقط أن نحافظ على الإيمان المسيحي في الأراضي المقدّسة، ولكن بالأكثر أن نحافظ على روح الإنجيل عند هذه الشعوب المسيحية، وفى علاقاتهم مع غير المسيحيين، وأن نحافظ لديهم على "ذاكرة الأصول" حيّة "(رقم 19).

حالياً، نري أن الكنيسة الشرق الأوسط،، هي أقليةً عددية، تعيش في وسط أكثريةً غير مسيحية،  وأنها تجاهد ضد خطر زوالها، وتكافح من أجل حفظ الإيمان المسيحي في قلوب أبنائها، لكن على هذه الكنيسة أن لا تخاف، ولا تخجل، ولا تتردد في طاعة وصية الرب التي تطالبها بواجب استمرار رسالتها في الكرازة بالإنجيل بين مؤمنيها وفي المجتمع المحيط بها.

من واجبات كل كنيسة، مهما كانت ظروفها أو أوضاعها، سواء كانت حديثة التأسيس أو عريقة القدم، القيام بالنشاط الإرسالي والكرازة بالإنجيل، والتغلب على الصعوبات والعراقيل التي تحول دون إتمام هذا العمل، لأن توقف الخدمة الإرسالية، معناه مخالفة وصية وتكليف المسيح لنا بضرورة الكرازة، وهذا يؤدي إلى شلل وتجمد وتوقف نشاط الكنيسة.

 لهذا تدعوا وثيقة ورقة العمل كنائسنا الشرقية، انطلاقا من تاريخها العريق، وتراثها في النشاط الإرسالي، إلى نشر نور الرجاء والحب الإلهي في وسط الشعوب المحيطة بنا، التي تشاركنا ذات الثقافة والتقاليد، والتي مازالت تبحث عن هذه النور وهذا الرجاء.

"وحيث أنها رسولية، تقع على عاتق كنائسنا رسالة خاصة، في حمل الإنجيل إلى العالم أجمع، كما كان الحال طوال التاريخ. أما اليوم … إننا، سواء على المستوى الحضاري أو الروحي، قريبون من مئات الملايين من الأشخاص، بمقتضى تاريخنا وحضارتنا. فعلينا إذا أن نشارك معهم رسالة الحب الإنجيلي التي قبلناها، وأن نقدّم لهم ومضة من الرجاء الذي فينا، والذي أفاضه الروح في قلوبنا (راجع روما 5 ، 5)"  (رقم 20).

عن مشاركة كنائسنا الشرقية في النشاط الإرسالي, يبين لنا أساقفة السينودس، في  الرسالة لشعب الله، بأن كنائسنا مازالت تقدم للعالم المرسلين والمرسلات، ويطلبون العمل على تشجيع الدعوات الكهنوتية والرهبانية، ومواصلة حمل رسالة السيد المسيح، والشهادة لإنجيل المحبة والسلام.

"ما زالت كنائسنا حتى اليوم تُنبِت القدّيسين والكهنة والمكرَّسين والمكرَّسات والعديد من المؤسَّسات التي أسهمت وتُسهِم في كلّ مجتمعاتنا وبلداننا، وبصورة فعّالة، في خدمة الإنسان فيها، حاملِ صورةِ وجهِ الله وخليفتِه في هذه الأرض. وما زالت بعض كنائسنا حتى اليوم ترسل المرسَلين والمرسَلات خارج بلداننا حاملو كلمة المسيح إلى أماكنَ شتّى. وتقتضي منا الحاجات الراعوية والرسولية والإرسالية وضع راعوية للدعوات الكهنوتية والرهبانية من أجل تعزيزها وتأمين مستقبل الكنيسة. نحن اليوم أمام منعطف تاريخي، وإن الله الذي وهبنا الإيمان المسيحي في هذا الشرق منذ ألفي سنة يدعونا إلى أن نستمر بجرأة وقوة وثبات في حمل رسالة المسيح والشهادة لإنجيله الذي هو إنجيل المحبّة والسلام"(أولا 2).

تدعوا التوصية رقم 34، الكنائس الشرقية، وريثة التراث الرسولي، والتي كانت رائدة في رسالة نشر كلمة الإنجيل في العالم، إلى تجديد حيوية الروح الإرسالية فيها، بالمواظبة على الصلاة، وتنشيط الغيرة والحماس الرسولي بين أبنائها، وتفعيل تكوينهم الإرسالي، لكي ينطلقوا حاملين بشارة الإنجيل، وينشروا رسالة الخلاص بين المؤمنين الفاترين، وبين غير المؤمنين، في مجتمعاتهم وفي كل أنحاء العالم.

"تحتاج كنائسنا الشرقيّة الكاثوليكيّة، وريثة الزخم الرسوليّ الذي حمل البشرى السّارة إلى أقاصي الأرض، إلى تجديد الروح الرسوليّة فيها، بالصلاة والتنشئة والإرسال الرّسولي، تحثّها إلى ذلك، الحاجة الرسوليّة الملحّة، نحو الذين في داخلها والذين في خارجها. هذا الزخم الرسوليّ تلهمه محبّة الفقراء".

خاتمة

من خلال هذه الدراسة، لمسنا بأن أعمال ووثائق سينودس أساقفة الشرق الأوسط قد تطرقت كثيرا لموضوع خدمة الرسالة، وعالجت هذا الموضوع بوجهات نظر وزوايا مختلفة. وبالرغم من أن موضوع النشاط الإرسالي لم يكن موضوعا أساسيا للسينودس، لكن فيما سبق رأينا العدد الكثير من البنود والفقرات التي حفلت بها وثائق السينودس، والتي تناولت هذا الموضوع بالبحث العميق والشرح المستوفي.

انطلاقاً من هذا السينودس، طالب الآباء الأساقفة كنائسهم الشرقية أن تجدد غيرتها الرسولية، ونشاطها الإرسالي، وأن تهتم بتنشيط التكوين الإرسالي لأبنائها، وتُحمسهم لكي يكتشفوا دعوتهم الإرسالية، وتُشجعهم ليُكرسوا حياتهم للعمل الإرسالي، فيشتركوا مع أبناء الكنيسة الجامعة، وخاصة كنيسة الغرب، في خدمة الكرازة بالإنجيل في كل أنحاء العالم.

أيضا، طالب الآباء الأساقفة كنائسهم الشرقية بأن تهتم بإعادة تبشير أبناءها، وتجديد إيمانهم، وأن تأخذ على عاتقها، بكل شجاعة وقوة وصمود، مهمة التبشير باسم الرب يسوع لمن يجهلونه،  وتنشر نور الإنجيل في محيطها، وفي الأماكن والبلاد التي لا يوجد بها.

جدير بالذكر، أن تجديد النشاط الإرسالي في الكنائس الشرقية، سوف يُعيد لها الحيوية والفعالية، ويُساندها لتحقيق رسالتها، ونجاح خدمتها في بلاد الشرق الأوسط.

ونختتم بالملاحظة الجميلة التي كتبها  نيافة رئيس الأساقفة نيكولا إيتيروفيتش، أمين عام سينودس الأساقفة، في مقدمة ورقة العمل، حيث قارن بين أوضاع الكنيسة، وظروف المسيحيين بالشرق الأوسط، في القرون الأولي، وأوضاعهم وظروفهم في أيامنا الحالية، ووجد بأنها لم تتغير كثيرا، بل تكاد تتشابه.

في هذه الملاحظة، يدعو نيافة رئيس الأساقفة نيكولا إيتيروفيتش، مسيحي الشرق لكي يقتدوا ويتمثلوا بأجدادهم العظام، الذين بالرغم من ضراوة الإضطهادات وقسوة الآلام التي تعرضوا لها، ففي شجاعة وإقدام واصلوا كرازتهم بكلمة الرب، ، وبذلوا حياتهم في سبيل نشر الإيمان والشهادة له. لذلك على مسيحي الشرق، في أيامنا الحديثة، أن يشهدوا، أفرادا وجماعات، من خلال حياتهم وقدوتهم الصالحة، ببشارة الإنجيل، وشخص الرب يسوع، الحي والأزلي والمخلص.    

"كان المسيحيون الأولون يعملون في ظروف معاكسة تماما. فقد وجدوا المعارضة والعداوة من سلطات شعبهم نفسه الدينية.  لكنهم كانوا يدركون أنه يجب " أن يطيعوا الله لا الناس" (أعمال 5، 29). علاوة على ذلك، كان وطنهم يرزح تحت الاحتلال، ويخضع لسلطة الإمبراطورية الرومانية القوية. وفى هذه الظروف، التي لم تكن سهلة أبدًا، أعلنوا كلمة الله كاملة، بما تتضمّنه من حب للجميع، حسب تعليم يسوع: "أحبّوا أعداءكم وصلّوا من أجل الذين يضطهدونكم "(متى 5، 44).  ولهذا السبب عينِه نال الرسل مصير المعلم، وبالاستشهاد شهدوا على أمانتهم لرب الحياة.……..

إن الوضع الراهن في الشرق الأوسط يماثل، في كثير من الأوجه، الوضع الذي عاشته الجماعة المسيحية الأولى في الأراضي المقدسة، حيث كتب رجالٌ بوحي من الله كتب العهد الجديد. فإذا قرأناها في نور الروح القدس المتوهّج، نجدها تدعو إلى الشهادة المسيحية، الشخصية والجماعية، لاسيما المؤمنين الذين يعيشون في أرض المسيح، حيث يعلنون، بالكلمة وبقدوة الحياة، منذ ألفي سنة، وفي ظروف معادية غالبا، سر يسوع الناصر " ما هو هنا ، بل قام" (مرقس 16، 6)، إنه "الحي" (رؤيا 1، 18), "الألف والياء، الأول والآخر، والبداءة والنهاية" (رؤيا 22، 13)".

"صلوا من أجل انتشار الإنجيل المقدس، يارب ارحم" (من صلوات القداس القبطي).

 

الأنبا يؤانس زكريا،

مطران ايبارشية طيبة – الأقصر للأقباط الكاثوليك.