رسالة البابا لليوم الإرسالي العالمي 2011

"كما ارسلني الآب، أنا أيضاً أرسلكم"

 الفاتيكان،  الأربعاء 26 يناير 2011 (Zenit.org).

تتشر في ما يلي رسالة البابا بندكتس السادس عشر لليوم الإرسالي العالمي، بعنوان "كما ارسلني الآب، أنا أيضاً أرسلكم" (يو 20:21).

بمناسبة يوبيل عام 2000، أكد البابا الموقر يوحنا بولس الثاني، وفي بداية الفية جديدة من المسيحية، على ضرورة تجديد الالتزام لنقل إعلان الإنجيل للجميع "بفرح وحماس المسيحيين الأولين" (رسالة رسولية الألفية الجديدة، 58). إنها أثمن خدمة تقدمها الكنيسة للبشرية ولكل شخص يبحث عن الدوافع العميقة لعيش خبرته بالملء. تلك الدعوة بالذات يتردد صداها كل عام بمناسبة الاحتفال باليوم الإرسالي العالمي. في الواقع إن التبشير غير المنقطع بالإنجيل ينعش الكنيسة ويحيي حماسها وروحها الرسولي؛ يجدد طرقها الرعوية لتتأقلم أكثر فأكثر مع الظروف الجديدة – حتى تلك التي تتطلب تبشيراً جديداً: "النشاطات الإرسالية تجدد الكنيسة وتنعش الإيمان والهوية المسيحية، وتعطي حماساً ودفعاً جديدين. الإيمان يتقوى عندما يُنقل للآخرين! إن التبشر الجديد للمسيحيين يجدد الوحي والدعم في الالتزام برسالة الكنيسة الجامعة" (يوحنا بولس الثاني، رسالة الفادي 2)

 

اذهبوا واعلنوا البشارة

إن الهدف يتجدد باستمرار خلال الاحتفال بالليتورجيا، وبخاصة خلال الاحتفال بالافخارستيا التي تنتهي دائماً بوصية المسيح القائم لرسله: " إذهبوا…" (متى 28:19). الليتورجيا هي دائماً نداء "من العالم" وإرسال " الى العالم" للشهادة لما يختبره الشخص: قوة كلمة الله الخلاصية، وقوة  سر المسيح الفصحي. جميع اولئك الذين التقوا بالرب القائم أحسوا بالحاجة بإعلانه للآخرين، كما فعل تلميذا عماوس. بعد أن عرفا الرب في كسر الخبز، انطلقا للحال "وعادا الى أورشليم فوجدا الأحد عشر مجتمعين وأخبرا بما حدث معهما في الطريق" (لو 24: 33-34). البابا يوحنا بولس الثاني حثنا لنكون "مستعدين لنتعرف الى وجهه ولننطلق الى إخوتنا وأخواتنا بالبشرى السارة: "لقد رأينا الرب!" (رسالة رسولية الألفية الجديدة 59).

للجميع

إعلان الانجيل هو للجميع. الكنيسة " مرسلة بطبيعتها، لأنها تجد جذورها في رسالة الابن وفي رسالة الروح القدس بحسب مخطط الله الآب" (المجمع الفاتيكاني الثاني  Ad Gentes, 2). هذه هي "النعمة والدعوة الخاصة بالكنيسة، بهويتها الأكثر عمقاً. لقد وُجدت لتبشر" (بولس السادس Ap. Ex. Evangelii Nuntiandi, 14). وبالتالي فلا يمكنها أبداً ان تتراجع وتنغلق على ذاتها. إنها متجذرة في أماكن معينة لتستطيع أن تذهب أبعد من هذه الأماكن. وبالتالي فإن عملها – في الطاعة لوصية المسيح وفي ظل نعمته ومحبته – يصبح حاضراً بكل معنه الكلمة لجميع الرجال والنساء ولجميع الشعوب لترشدهم في الإيمان بالمسيح (Ad Gentes, 5).

هذه المهمة لم تفقد أبداً من إلحاحيتها. والواقع أن "رسالة المسيح المخلص، الذي عهد بها إلى الكنيسة، لا تزال بعيدة المنال…. إن نظرة شاملة للجنس البشري تدل على أن هذه المهمة لا تزال في بدايتها وأنه يجب علينا أن نلتزم بكل إخلاص لخدمتها "(يوحنا بولس الثاني، رسالة الفادي، 1). لا يمكننا أن نفرح عندما نرى انه، بعد الفي سنة، لا تزال هناك شعوب لا تعرف المسيح وحتى الآن لم تسمع رسالته الخلاصية. وعلاوة على ذلك، هناك عدد أكبر من الأشخاص الذين، على الرغم من أنهم نالوا البشرى، نسوها او تخلوا عنها ولا يشاركون بعد في حياة الكنيسة. وكثير من القطاعات، حتى في المجتمعات المسيحية تقليدياً هي اليوم مترددة في الانفتاح على كلمة الإيمان. الثقافات تتغير، وهي تتغذى بفعل العولمة والحركات الفكرية، وبفعل النسبية السائدة، وهذا تغيير يؤدي الى عقلية ونمط حياة يتجاهل رسالة الانجيل، وكأن الله غير موجود، وهذا يغذي البحث عن الرفاهية والمال السهل، والنجاح في الوظيفة كهدف الحياة، حتى على حساب القيم الأخلاقية.

مسؤولية الجميع المشتركة

الرسالة الجامعة تتطلب مشاركة الجميع، كل شيء، ودائما. الانجيل ليس ملكاً حصرياً للذين حصلوا عليه، وإنما هو هبة لتكون مشتركة، بشرى سارة لا بد من نقلها الى الآخرين.  وهذا الالتزام- الهبة، ليس فقط للبعض بل لجميع المعمدين، الذين هم "في النسل المختار… أمة مقدسة، شعب الله (1 بط 2:9)، ليعلنوا عن أعماله الرائعة . جميع النشاطات مرتبطة بذلك. لا يمكن لاهتمام وتعاون الكنيسة في النشاط التبشيري في العالم أن يكونا مقصورين على أوقات معينة أو مناسبات، ولا يمكن اعتبارهما بعضاً من أنشطة رعوية كثيرة: فالبعد التبشيري الكنسي أساسي؛ وبالتالي لا بد دائماً من أخذه في الاعتبار.  إنه لمن المهم أن يشارك كل من المعمدين الأفراد والجماعات الكنسية ليس بشكل متقطع وإنما بطريقة مستمرة، كأسلوب حياة مسيحية.  إن يوم الرسالة ليس يوماُ معزولاً خلال العام، وإنما مناسبة ثمينة للتوقف والتفكير في ما إذا، وكيف، يمكننا الجواب على الدعوة التبشيرية:  جواب أساسي لحياة الكنيسة.

تبشير شام

 

التنشير عملية معقدة وتشمل عناصر مختلفة.  ومن بين هذه، يحظى التضامن باهتمام خاص. هذا هو أيضاً أحد أهداف اليوم الإرسالي العالمي، الذي ومن خلال الجمعيات الإرسالية الحبرية، يدعو الى المساعدة في القيام بنشاطات تبشيرية في أراضي الإرساليات. وينطوي على دعم المؤسسات اللازمة لتوطيد وتعزيز الكنيسة من خلال معلمي الدين، الاكليريكيات، والكهنة؛ وأيضاً من خلال إسهام الأشخاص في تحسين الظروف المعيشية للسكان في الدول حيث الفقر وسوء التغذية، وفي المقام الأول سوء تغذية الأطفال، والأمراض، والافتقار إلى خدمات الرعاية الصحية والتعليم، هي الأكثر خطورة. هذه أيضاً هي جزء من رسالة الكنيسة. بإعلانها للإنجيل تأخذ الكنيسة الحياة البشرية إلى العمق بكل معنى الكلمة. ومن غير المقبول، قال خادم الله بولس السادس، أن تهمَل مواضيع  التعزيز البشري والعدالة والتحرر من كل شكل من أشكال القهر- ضمن احترام استقلالية المجال السياسي- من غير المقبول أن تهمَل هذه كلها في عملية التبشير. إن تجاهل المشاكل الزمنية للبشرية يعني "أن ننسى الدرس الذي نتعلمه من الإنجيل بشأن محبة القريب المتألم والمحتاج" (Ap. Exhortation Evangelii Nuntiandi, 31.34) ، وهذا من شأنه أن يتناقض مع سلوك يسوع، الذي "جال كل المدن والقرى، يعلم في مجامعهم ويعلن بشرى الملكوت، ويشفي كل مرض وكل علة" (متى 9: 35). لذلك و من خلال المشاركة المسؤولة في رسالة الكنيسة، يضحي المسيحي باني الشراكة والسلام والتضامن الذين وهبنا إياهم المسيح، ويشارك في إتمام مخطط الله الخلاصي للبشرية جمعاء. التحديات الناتجة تدعو المسيحيين الى السير مع الآخرين، والرسالة هي جزء اساسي من هذه المسيرة مع الجميع.. فيها، وإن كان في أوانٍ من خزف، نحمل دعوتنا المسيحية، كنز الإنجيل  الذي لا يقدر بثمن، الشهادة الحية ليسوع المائت والقائم، والذي نلتقيه ونؤمن به في الكنيسة.

فليوقظ اليوم الإرسالي العالمي في كل شخص، الفرح والرغبة في "الذهاب" للقاء البشرية، حاملين المسيح للجميع.  باسمه أمنحكم بصدق بركتي الرسولية، وخصوصاً أولئك الذين يكدحون ويعانون أشد المعاناة في سبيل الانجيل.

 

الفاتيكان، في 6 يناير 2011، عيد ظهور الرب

بندكتس السادس عشر

ترجمة وكالة زينيت العالمية