ندوة في المركز الكاثوليكي للإعلام في لبنان
روما، الأربعاء 02 فبراير 2011 (Zenit.org)
عقدت ظهر امس الثلاثاء 1 شباط 2011، الساعة الثانية عشرة ظهراً ، ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام بعنوان : الحرية الدينية وعلاقتها بالعلمانية والعلمنة: العلاقة والواقع"، من الرسالة البابوية ليوم السلام العالمي 2011، وتوصيات سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، برئاسة رئيس اللجنة، المطران بشارة الراعي، شارك فيها : البروفسور حسان رفعت، الدكتور توفيق الهندي، والدكتورة بسكار لحود، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام، الخوري عبده أبو كسم، وحضرها: أمين سرّ اللجنة، الأب يوسف مونس، المسؤول عن الفرع السمعي البصري في اللجنة، الاب سامي بو شلهوب، والأرشمندريت انطوان نصر، وأمين عام الكتاب المقدس، الأستاذ مايك بسوس، وعدد كبير من المهتمين والإعلاميين، قدّم لها المحامي وليد غياض.
كلمة وليد غياض جاء فيها:
من قداسة الله تستمد حقوق الانسان طابعها المقدس، تلك الحقوق التي تندرج في صلبها الحرية الدينية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحرية الضمير والمعتقد وبكرامة الشخص البشري.
بدون شك، تقوم بين الحرية الدينية والعلمانية والعلمنة علاقة وتأثير متبادل، بحيث انه، اذا ما انحرفت الواحدة عن مسارها الصحيح، شكّلت خطراً على الاخرى. وفي هذا السياق، اشارت اعمال السينودس الخاص من اجل الشرق الاوسط الى اهمية الاستمرار في التربية على الحرية وعلى احترام حرية الآخر وعلى تخطّي المصالح الطائفية في سبيل "علمانية ايجابية"…
بداية رحب المطران بشارة الراعي بالدكاترة المنتدين المعروفين في لبنان وبالحضور باسم اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام والمركز الكاثوليكي للإعلام .
أضاف: "كان لي الشرف أن اكون من تلاميذ الدكتور حسان رفعت في مدرسة الجمهور، والأهم هو معلم بمُثله وأخلافيته ومعرفته الواسعة وتحمله مسؤوليات كبيرة على مستوى الدولة اللبنانية" .
ونستمر في نداوتنا عن "الحرية الدينية" الموضوع الذي اختاره قداسة البابا بنديكتس السادس عشر لرسالة يوم الإعلام العالمي "الحرية الدينية، طريق نحو السلام" وهي اساسي في حياة البشر، ربما هو غريب بالنسبة للأشخاص الذين أكلتهم العلمانويّة، فالحرية الدينية حق لكل كائن بشري، حقه في البحث عن الحقيقة والحقيقة المطلقة هي الله.
ثم كانت مداخلة الدكتور توفيق هندي عن "لبنان، الأديان والحرية" فأوضح بأن لبنان مميّز في محيطه الشرق الأوسطي وقال:
لبنان يتميّز بأنه في منطقة سمتها الغالبة اللون الواحد، سكانها إما عرب مسلمون، وهم الغالبية الساحقة، وإما صهاينة يهود، وهم الأقلية.
وما هو مشترك بين هذه الغالبية وتلك الأقلية، أن كلتيهما موزعة على دول ذات أنظمة دينية أو أقله غير علمانية. فاسرائيل دولة دينية يهودية، مواطنية العرب فيها من الدرجة الثانية. أما في الدول العربية، فإما أن يكون دين الدولة أو رئيسها الإسلام وإما أن تكون الشريعة الإسلامية مصدر التشريع الوحيد أو الرئيسي، وإما أن تكون للملك أو الأمير سلطة دينية إلى جانب سلطته الزمنية. وفي مطلق الأحوال، وعلى رغم حسن نيّة غالبية الحكام والمسؤولين العرب في تعاطيهم ورعاياهم المسيحيين، لا يتمتّع هؤلاء بحريتهم وحقوقهم كاملة ويشعرون تالياً بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. فغالباً ما لا يسمح لهم بالمشاركة في السلطة السياسية مراعاة لشعور غالبية شعبية إسلامية تضغط على الحكام وهي ترفض لغير المسلم حق تولّي أي مسؤولية في السلطة، او تماشيًا مع تعاليم الشريعة الإسلامية كما يفهمها البعض. لذا، فان المسيحيين العرب غير اللبنانيين يركّزون نشاطهم في حقول الاقتصاد والثقافة والمهن الحرّة… تعويضاً طبيعياً لإقصائهم عن المشاركة الفعلية في السلطة. وهم يتعرضون اليوم بوتيرة متصاعدة إلى العنف القاتل على يد الجماعات الإسلامية المتطرفة في ظل أنظمة غير راغبة أو غير قادرة على توفير حماية حقيقية لهم.
المسيحيون في لبنان لا يتماثلون مع المسيحيين العرب الآخرين، ولا مسلمو لبنان هم نسخة طبق الأصل عن مسلمي الدول العربية الأخرى. فالمسيحيون في لبنان، على عكس المسيحيين في باقي البلدان العربية، ذاقوا طعم الحرية وسمحت لهم ظروفهم الخاصة بالمشاركة الفعلية في السلطة السياسية. والمسلمون في لبنان، على عكس المسلمين في باقي البلدان العربية، تقبلوا فكرة الشراكة السياسية مع المسيحيين، فانعكس هذا الواقع على ذهنية المسيحيين والمسلمين في لبنان، وأضحى التأثير متبادلاً بين الجماعتين بدل أن يكون في اتجاه واحد، أي من المسلمين على المسيحيين، كما هو حاصل في باقي البلدان العربية والإسلامية. وهكذا سمحت ظروف لبنان الخاصة بتفاعل حر متوازن بين المسيحيين والمسلمين. كما أن هذا العيش المشترك المتوازن يفترض به أن لا يلغي بل أن يؤكد إنتماء لبنان إلى العالم العربي حضاريا" وسياسيا" ويعطيه طابعًا خاصًا بحيث يكون للبنان دورًا رياديا" في العالم العربي ينطلق من مد العرب بروح الانفتاح والتسامح وبنفس الحرية ومثال الديموقراطية وأحترام حقوق الإنسان والجماعات، وتقبّل التنوّع في مقابل واقع الانكماش والانغلاق ووحدانية القرار وتعسفه وتفشّي روح الهيمنة والسيطرة والقمع والتعصّب، تلك السمات التي، ويا للأسف، تطبع معظم عالمنا العربي وتميّز عدد كبير من الأنظمة العربية بعلائقها مع شعوبها وعلائقها المتبادلة
ولا شك في أن للبنان دورًا أساسياً في مساعدة عالمه العربي للخروج من واقع حاله وصولاً إلى حلّ معضلته الأساسية المتمثّلة بفشله في سلوك طريق الحداثة دون التخلي عن شخصيته الحضارية.
واعتبر ان اعتماد الديموقراطية التوافقية هو النتيجة الطبيعية للإقرار بالطبيعة المتنوعة، أو المتعددة لا فرق، للمجتمع اللبناني والتوافق على ضرورة العيش المشترك المتوازن. فالديموقراطية التوافقية تؤكّد على ضرورة الشراكة السياسية للجماعات الطوائفية والمذهبية وتفترض تحقيقها في إطار الدولة اللبنانية على قاعدة التساوي بين المسلمين والمسيحيين والتوازن بين الجماعات المذهبية ضمن كل طائفة.
فالدولة اللبنانية القائمة على الديموقراطية التوافقية، هي الإطار المؤسساتي الذي يحتضن تعدد الاجتماع اللبناني وينظمه. ولا تناقض بين فكرة دولة المؤسسات والقانون والطبيعة الطائفية للنظام السياسي اللبناني. فعورات الدولة الحالية ليست ناتجة عن هذا التناقض المفترض، إنما عن حال وجود سلطة خارج الدولة تخضع الدولة مرغمة" لسلطتها.
وختم هندي بالقول: إن الحرية تشكّل حجر الزاوية للكيان اللبناني وتتمحور حولها سلامة الارض وسيادة القرار الوطني واستقلال الدولة، وتشاد عليها الحياة السياسية الحرة الكريمة على قاعدة النظام الديموقراطي التوافقي. فان الإرتجاج في حال السيادة والاستقلال يؤدي إلى إرتجاج في التوازن في العيش المشترك، وتاليا" يكون مسؤولا" عن تهديم الكيان اللبناني. والحقيقة أن إلغاء الكيان اللبناني يشرع الباب أمام إلغاء الدولة اللبنانية ذاتها، اذ ينتفي مبرر وجودها، فيصبح لبنان عرضة للتقسيم او التقاسم أو الضم جزئيا" او كليا".
ثم كانت مداخلة البروفسور حسّان رفعت بعنوان: "الحرية الدينية" جاء فيها:
الحرية الدينية كما جاءت في مقدمة الدستور، أضيفت في العام 1990 وهي تختزن مبادئ حامية للحريات الأساسية والعيش المشترك وقد دُمجت من قبل المجلس الدستوري في صلب الدستور، أي أن حقوق الفرد والجماعات تجاوزت إطار المبادئ الفلسفية الموجّهة للتشريع لتُصبح قواعد قانونية نافذة وملزمة للجميع، بما في ذلك السلطات العامة.
أضاف: "إن هذا التجدّد الدستوري جاء ليكمل ما كان الدستور قد كفله منذ أن أذيع في العام 1926 في حماية الحريات وهكذا أصبح للبنان ولمواطنيه جميعاً دون تمييز هيكل متقدّم فيه اعلى المعايير في حقوق الإنسان، على مستوى إقرار المبدأ وعلى مستوى الضمانة، نظراً لإلزام الدولة بان تكفل حماية هذه الحريات.
وحصراً للموضوع بالحرية الدينية، يتبيّن إن عبارة الحرية الدينية غير مستعملة كعبارة في الدستور، ففي أحكام مختلفة منه نجد إشارات إلى حرية المعتقد ( مثلاً في المقدمة والمادة 9 و المادة 19) وممارسة الشعائر الدينية (المادة 9 والمادة 19 في صياغتها الجديدة) وحرية التعليم الديني ( المادة 19) ونص على أن الدولة تحترم جميع الأديان ( المادة 9).
والخلاصة أن الدستور في نصوصه المكتوبة لا يذكر عبارة الحرية الدينية ولكن مجمل المواد معطوفة على بعضها البعض تؤكّد أن الحرية الدينية مكفولة، ولكن هذا الاستنتاج كان يحتاج إلى تحليل والى ضم مضمون عدة مواد إلى بعضها البعض.
وأكد: "أن لهذه الحرية، التي لها وجهان، إذ أنها في آن حق للفرد ولصالحه وواجب على الفرد.
وأضاف: عندما يقال أن ثمة واجبات على عاتق من ينعم بالحرية الدينية، لا يجوز اعتبار أن هذا الواجب هو قيد على الحرية بمعنى أن الحرية مطلقة فيأتي الواجب ليقيّدها، كما أنه لا يجوز استعمال عبارة " الحرية المسؤولة" لان الشعور بالمسؤولية هو من جوهر الحرية فلا توجد حرية مسؤولة وحرية غير مسؤولة فعندما تنتفي المسؤولية، تزول الحرية ويحل محلها الفوضى والفلتان".
أما البعد الثاني للواجب فهو أن يمارس الإنسان حريته الدينية على نحو لا يسيء إلى حقوق الآخرين، وهنا يمكن الاسترسال حول التوفيق بين حرية الممارسة الدينية ومظاهر شعائرها من جهة وبين احترام الآخر وحقوقه في الراحة مثلاً. إن هذا البعد هو في غاية الدقة لان الحرية هي في جوهرها انسجام وائتلاف harmonie وليس لها طابع عنفي agressif .
أما المفهوم الذي يجب اعتماده إذاً فهو أن يكون الإنسان الحر في معتقداته وشعائره الدينية وفياً لديانته ولنظام بلده فمحبة الإنسان لأخيه الإنسان هو واجب يفرضه الدين فيكون الإنسان مؤمناً بديانته في علاقته السامية مع الخالق، ومؤمناً بكونه إنساناً محّباً لاخيه الانسان ومواطناً محبّاً لمواطنيه في علاقته السياسية بالمعنى الدقيق(dans la cité) .
وختم: "وهكذا وعلى أساس دستوري صحيح لاسيما في ضوء مقدمة الدستور فإن الحرية الدينية تقود إلى الوحدة الوطنية والعيش المشترك لان الإنسان هو في سلام مع روحه ومع قلبه وعقله فيتكاتف مع سائر المؤمنين أياً كانت دياناتهم لتأمين رفعة الوطن ورفاهية المواطنين".
ثم كانت مداخلة للدكتورة بسكال لحود بعنوان: "الحريّة الدينية: من يجرؤ على التواضع؟
فقد اعتبرت أن اعتراف الكنيسة بالحريَّة الدينيَّة كنداء أخلاقي للمسيحي يدعوه إلى شجاعة من نوع جديد، ومحاولة فهم المسؤوليات التي يلقيها على عاتقنا انتماؤنا إلى كنيسة تقول بالحرِّيَّة الدينيَّة وباحترام الأديان الأخرى "احترامًا صادقًا".
وأكدّت أن الكنيسة لم تقدِّم باعترافها بالحرِّيَّة الدينيَّة تنازلات في الحقيقة. الواقع أنَّها حرَّرت شهادتها للحق من إغراءات السلطة، وسحبت بالتالي من السلطة إمكانيَّة استعمال الحقيقة الدينيَّة كأداة، وانخرطت في الدفاع عن الحلقة الأضعف: الإنسان (كما يفيد عنوان الإعلان في الحرِّيَّة الدينية). إنَّ أبرز ما يميَّز المجمع الفاتيكاني الثاني وما بعده في هذا الموضوع، الإنتقال من المجردات الفلسفية والميتافيزقية إلى الأخلاق، والإعتراف أنَّ ما يحضُّ الكنيسة على الإعتراف بالحرية الدينية، هو: الحقيقة نفسها منظورًا إليها لا من مقتضيات السلطة بل من ثوابت الإيمان المسيحي، واعتبارات أخرى أبرزها :
1. الواجب الأخلاقي في الدفاع عن المضطهدين في حقوقهم الدينية،
2. ضرورة التشجيع على العيش المسالم في المجتمعات المتعددة دينيًا،
3. وضرورة مسكونية.
وأضافت: " بين حدَّي الحقيقة والسلطة، تصبح الحرِّيَّة الدينيَّة عند القوي شجاعة انتهاك حقائق الآخرين وحقوقهم، وعند الضعيف شجاعة أن يطالب بحرية لن يكون ليعطيها لو كان قويًّا… ما تدعونا إليه الكنيسة شجاعة من نوع آخر. شجاعة تبقى هي هي في القوة والضعف، في الأكثرية كنّا أم في الأقلِّيَّة، شجاعة تبقي المؤمن شاهدًا، لا يستطيع أن يكذب في ما عاين، لكنها شجاعة تمنع الشاهد من أن ينصب نفسه وصيًّا على الضمائر، "فاحصًا للكلى والقلوب".
وختمت بالقول: "لنتأمل موقفين : موقف ملخس، عبد رئيس الكهنة، الذي قطع بطرس أذنه بالسيف دفاعًا عن المسيح (يو 18 :10)، وموقف قائد المئة الناظر من بعيد إلى المصلوب. ولنذكر أي الموقفين قاد صاحب القوة، صاحب السيف، إلى أن يمجد الله ويعترف أن : "كان هذا الرجل بارًا" ( لو 23 : 47)".
واختتمت الندوة بكلمة الخوري عبده أبو كسم جاء فيها:
العلمنة المتجردة عن الدين هي على عكس العلمانويّة تستطيع أن تنشر القيم الإنسانية والمجتمعيّة وتعزّز كرامة الشخص البشري.
فالدين لا يناقض العلمنة ولا العلمنة تنافي الدين إنما على العكس هناك شيء من التكامل بينهما فالعلمنة تختص بالبعد الإنساني لحياة الإنسان والمجتمع، لا بل هي الضامن الوحيد في مجتمع يوجد فيه تعدّد الأديان، من هنا علينا في لبنان تعزيز العلمنة الإيجابية في المؤسسات الحكومية التي هي ملك جميع المواطنين ونترك للدين أن يلعب دوره في إرساء السلام عبر نشر القيم والمبادىء الإنسانيّة.
وختم بالقول: "ما أحوجنا اليوم في هذه الظروف إلى التفكير في تحديث مجتمعنا والابتعاد عن اللغة المذهبية والطائفية، ليبقى لبنان بلد الرسالة ونموذجاً للعيش الواحد في قلب هذا الشرق".