الأب رفعـت بدر
عن موقع ابونا-
تفاءلنا خيرا عندما تم تعيين الدكتور أحمد الطيب ليكون إماما أكبر للأزهر الشريف، وهو الهيئة الإسلامية التعليمية والفكرية التي تستند عليها الكثير من المؤسسات الإسلامية في الوطن العربي والعالم الإسلامي. وقد صرّح الطيب بعيد تعيينه بأنه سوف يتابع الحوار مع أتباع الديانات التوحيدية، وبخاصة الديانة المسيحية. لا بل انه كان بصدد تأسيس مركز جديد للحوار بين المسلمين والمسيحيين، تطويرا للجنة الحوار مع الفاتيكان التي كانت قائمة أساسا في أثناء ولاية الشيخ الطنطاوي، رحمه الله، وكانت إلى اليوم تعقد اجتماعين كل سنة.
واليوم يقف الأزهر أمام حقبة جديدة فاجأت العالم، وهي إعلان مجمع البحوث الإسلامية فيه عن "تجميد الحوار" مع الفاتيكان، احتجاجا، كما جاء في البيان على بعض تصريحات لقداسة البابا الذي أدان العمل الإجرامي بحق المسيحيين في كنيسة بغداد وتلاها في كنيسة الإسكندرية. لقد أخطأ الأزهر الشريف ذو المكانة التاريخية والقوة المعنوية والذي نكن له كل تقدير واحترام في قراره الأخير، أولا لانه أساء فهم كلمات البابا الذي لم يشر إلى إن المسيحيين مضطهدون، بل قال انه يدعو الحكومات إلى تبني الإجراءات الكفيلة بحماية الأقليات التي تتعرض إلى تهديدات وصعوبات. وقد حمل كبار رجال الدين المسيحي النصوص الصادرة من الفاتيكان إلى الشيخ الطيّب، بحسب ورودها من الأصل، لكنّه لم يعطها اهتماما. وثانيا لأنّ الوقت الراهن في العالم أجمع لا يدعو إلى التفرقة وتجميد الحوار بل إلى تفعيله وتطويره والسير به قدما، خدمة للإنسانية جمعاء.
ماذا كنا ننتظر من البابا اثر هجومين متعاقبين على المسيحيين في كل من بغداد والإسكندرية؟ هل كان عليه ان يبعث برسالة تهنئة إلى من قاموا بمثل هذه الأعمال؟ سيما وان الأمر تكرر تلو كنيسة سيدة النجاة في بغداد، ليطال أيضا، وبهجوم شرس ولا أخلاقي، المصلين في كنيسة القديسين في الإسكندرية. لم يكن على الفاتيكان، شأنه شان كل إنسان ذي إرادة صالحة، وهو الذي يدين كل انتهاك لكرامة الإنسان، حتى للجنين وهو في بطن أمه، إلا أن يدعو كذلك إلى احترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات التي باتت تتعرّض لإراقة الدماء البريئة.
أمّا الأزهر الشريف، فكان عليه، عوضا عن الإعلان عن "تجميد الحوار"، أن يدعو، تلو عمليات القتل المروع، إلى مؤتمر عالمي، أو أقله إلى مؤتمر عربي، وحتى إلى قمّة طارئة لمنظمة الدول الإسلامية، ليكون شأن المسيحيين العرب، وشأن الانتهاكات لحقوق الناس الدينية، على رأس أجندات العمل، وليكون صوتا صارخا من المسلمين العرب في وجه الهمجية الجديدة التي باتت تواجه أخوتهم في الإنسانية وفي المواطنة وأبناء هذه المنطقة، والشركاء الحضاريين في بنائها وتطويرها: أي المسيحيين العرب.
أما أن تفهم المؤسسة الدينية في الأزهر الشريف، بأنّ ما قاله البابا يمثل تدخلا في شؤون داخلية لمصر الشقيقة، فهو كلام يفتقر إلى الصواب، ذلك ان الفاتيكان ليس دولة عادية، رغم أنه دولة عضو في الأمم المتحدة ويقيم علاقات دبلوماسية مع أكثر من 180 دولة عربية وعالمية، الا انه لا يدعو إلى تدخل سياسي، ولا حربي، ولا يدعو إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وإنما هو يدعو إلى مزيد من الانتباه لحقوق الأقليات، ومن خلالها إلى احترام واجب لكرامة الإنسان ولحياة الإنسان ولطمأنينة العائلات والأفراد. إنّ في مثل هذا القرار الصادر عن المؤسسة الفكرية التاريخية تحولا عن المشكل الأساسي، وعن جوهر القضية، فالجوهر ليس فيما يقوله البابا في الفاتيكان أو أية دولة أجنبية، وإنّما فيما يقوم به الأخوة في مصر العزيزة لحماية المصلين داخل كنائسهم.
محزن حقا ان يصدر القرار الأخير من طرف الأزهر الشريف، أياما قليلة قبيل الاحتفال، ولأول مرة، بأسبوع الوئام بين الأديان الذي أقرته الأمم المتحدة أسبوعا عالميا في الأسبوع الأول من شباط، وهو المشروع الذي تقدم به جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في أيلول الماضي، وسيكون بإذن الله أسبوعا هاشمي الصنع وأردني المنشأ وعالمي التطبيق. لكنّ الأزهر الشريف لم يتنبه إلى أهمية هذا الأسبوع الذي يحمل الختم الأردني بتوجهه إلى ضرورة العمل الجماعي وتعزيز قيم العيش المشترك والتعاون بين أتباع الديانات، بل بادر إلى الإعلان عن تجميد الحوار. وبالتالي، فان هذه "الهدية" التي قدّمها الأزهر الشريف، في أول مرة يحتفل العالم فيها بأسبوع الوئام بين الأديان، هي مع كل أسف هديّة غير مناسبة.