خاص بالموقع –
في أيامنا هذه نعيش في جو متوتر، وسياسات مضطربة، وتثير في أذهاننا تساؤلات حول الاستشهاد في يومنا هذا، هل ينضمون لصفوف الشهداء؟ وما رأي الوحي الإلهي والكنيسة في شأن ذلك؟
«وَسَمِعْتُ صَوْتاً فِي وَسَطِ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ قَائِلاً: ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ، وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ. وَأَمَّا الزَّيْتُ وَالْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا.وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الرَّابِعَ، سَمِعْتُ صَوْتَ الْحَيَوَانِ الرَّابِعِ قَائِلاً: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!» فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ، وَأُعْطِيَا سُلْطَاناً عَلَى رُبْعِ الأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ الأَرْضِ. وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ»(رؤ6: 9-11).
أولا: ما معني شهيد:
الشهيد هو الأمين في شهادته، وجميعها: الشهداء، والشاهد هو من يخبر بما شهده. وتشتق المفردات من الفعل: «شَهِد» أي«شهادة» أي مكان شهادة (يعني معترف أي بالكلام: شهد فلان على كذا، أي أخبر به خبرًا قاطعًا). وشاهد (أو شهيد). وقد تطورت كل هذه التعابير فتغيّر معناها الأولى من شهد، شهادة، شاهد إلى استشهد، استشهاد، شهيد.
ومن هنا يبرز السؤال حول علاقة الشهادة بالاستشهاد، وما يبرّر التقارب بين الموضوعين. تُظهِر سفر الرؤيا هذا السؤال بشكل كبير، لأن الشهود هم أنفسهم الشهداء الذين قدموا حياتهم لأجل إيمانهم وشهادتهم. ولكن ابتداء من القرن الثاني، أخذت التعابير المشتقة من شهد تأخذ من معنى الشهادة بالأعمال وخاصة بالآلام والموت. فمن يُعلن إيمانه دون أن يختم شهادته بالموت يُدعى معترفًا وليس شهيدًا. وشهد كشاهد أمام القضاء قد تطوّر ليدلّ على من شهد لإيمانه في المحاكم واستق على ذلك الموت. ثمّ تطوّر المعنى بعد ذلك ليصبح الموت جزءً من الشهادة، إلى أن أصبح شهد يعني الشهيد فقط فغابت الشهادة بالكلام وتغلّبت عليها فكرة الاستشهاد.
1- «وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ سَكْرَى مِنْ دَمِ الْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّباً عَظِيماً!»(رؤ17: 6).
2- «وَسَمِعْتُ مَلاَكَ الْمِيَاهِ يَقُولُ: عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هَكَذَا. لأَنَّهُمْ سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَاءَ، فَأَعْطَيْتَهُمْ دَماً لِيَشْرَبُوا. لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ!»(رؤ16: 5و6).
3- «لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضاً مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. كُنْ أَمِيناً إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَلاَ يُؤْذِيهِ الْمَوْتُ الثَّانِي» (رؤ2: 10و11).
4- «وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ اللاوُدِكِيِّينَ: هَذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ»(رؤ3: 14)يسوع المسيح يكلم كنيسته بصفته شاهدًا، يعرف كل ما يختص بكنيسته. فيسوع إذا، مثل الله، يعرف كل شيء، وسيتشهد لمن يثبت. فلا يستطيع أن يشهد إلا من يعرف. فيسوع إذا شاهد لأنه عليم بكل شيء؛ وليس المسيحيون شهودًا إلا بمقدار ما تكون عندهم شهادة يسوع وبمقدار ما يحافظون عليها حتى ولو أوصلهم ذلك للموت.
والشهداء هم الغالبون: «وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ»(رؤ12: 11).
ثانيًا: تصنيف الشهداء:
1- شهداء من أجل اسم يسوع المسيح.
2- شهداء من أجل الحق.
3- شهداء من أجل عقيدة ما.
4- شهداء من أجل وطن ما.
5- شهداء من أجل واجب.
6- شهداء من أجل ضحية فكر ما.
7- شهداء من أجل أعمال إرهابية.
ثالثًا: الاستشهاد في فكر آباء الكنيسة:
1- القديس إكليمنس السكندري:
«الاستشهاد ليس مجرد سفك دم، ولا هو مجرد اعتراف شفهي بالسيد المسيح، لكنه ممارسة كمال الحبّ».
2- القديس ترتليانوس:
«دماء الشهداء بذار الكنيسة»
3- القديس أفرام السرياني:
الشهداء الحقيقيون من أجل الإيمان بالمسيح: في أزمنة الاضطهاد، عندما كان الإخوة يفرّون من ميدان العمل ولا يتجاسرون على الاعتراف بالمسيح ابن الله، وقف الشهداء برباطة جأش في الميدان متمنطقين بالإيمان الحقيقي ومعترفين بالمسيح ابن الله بجسارة عظيمة، دون خوف. لقد ثبت القديسون الشهداء في جهادهم بسرور عظيم متحملين أنواع العذاب على اختلافها من أجل اسم ابن الله الوحيد مخلّص العالم. إنهم حقاً كانوا صالحين ومغبوطين لأنهم رأوا بأمّ العين أدوات العذاب الهائلة معدّة لهم على اختلافها: كالنار الهائلة في الأتون، والدواليب المصرّة الدائرة في اللهيب، والبراثن النارية، والمناشير، والملازم، والأغلال، والقيود وغير ذلك، ليستولي الخوف عليهم ويحبس ألسنتهم عن الاعتراف بيسوع المسيح. ماذا صنع محبو الله المجاهدون الحقيقيون لدى رؤيتهم أنواع العذابات أمام عيونهم؟ إنهم تسلّحوا بالاستعداد لاحتمال كلّ العذابات، ليعترفوا بالمسيح أمام السلطات واليهود، من دون وجل وبجسارة عظيمة. فلا سعير النار، ولا غليان المراجل، ولا دوران الدواليب، ولا البراثن الحديدية، ولا أسنان المناشير، ولا ثقل القيود، ولا التهديد والوعيد وصرير الأسنان، ولا مكايد العدو أثّرت في شجاعة المجاهدين في سبيل المسيح، وتمكّنت من حملهم على إنكار ربّهم ومخلصهم، بل وطئوا بالإيمان حيل العدو كلّها، دون أن يتسرّب إليهم الخوف. أرأيت شجاعة عبيد الله المحبّين؟ أرأيت ثباتَ أرواح محبّي المسيح المجاهدين؟ أرأيت إيمان محبّي ملكوت العلي؟ أرأيت كمال إيمان هؤلاء المؤمنين المخلِصين؟ أرأيت محبتهم العظيمة التي استطاعوا بها احتقار كلّ شيء أرضيّ ليشاهدوا الله الذي أحبوه؟ أرأيت كيف أنّ الفردوس يريد أن يرى فيه المكلّلين بإكليل الظفر مسرورين بالنور؟ تعال، يا أخي الحقيقي، وتعلّمْ وانظرْ ثمرَ الاستشهاد والإيمان والأفكار التقيّة الصادقة في الجهاد الباسل الكامل! تأمّلْ كيف أنّ العذابات لم تُضعِف أفكارَ الصدّيقين ومحبّتِهم لله تعالى بل بالعكس تحمّلوا التمزيقَ بسرورٍ عظيم، وقبلوا الضرب والجلد بلذّة، شاكرين الله ومبتهجين، لأنهم استحقّوا الآلام من أجله. تقدّمْ أيها السامع وكن تلميذاً للقدّيسين المعذبين. فهم معلّمون صالحون لله، إن شئت أن تتعلّم منهم. تعلّم منهم الثباتَ في الإيمان والمحبةَ لله في الآلام العظيمة والرغبة في الحصول على الخيرات الآتية. إنهم بقوّةِ الله والإيمان الكامل، خرجوا من لهيب النار ظافرين، فتغلّب أنت على لهيب الشهوة الشريرة! إنهم بالصبر وبالاتّكال على المسيح تغلّبوا على أنواع العذاب، فتغلّبْ أنت بالعفاف وبالأفكار النقية على كلّ شهوة رديئة! إنّهم بالوداعة وكبر النفس تغلّبوا على معذّبيهم، فتغلّبْ أنت على الغضب المؤلم! إنهم صاروا شهداء فصِرْ أنت شهيداً! إنهم جاهدوا بجسارة، فجاهِدْ أنت في السرّ لتحصل على الإكليل في يوم العطاء العظيم، وتكون مساكناً لهم في الملكوت ومسروراً إلى أبد الآبدين آمين.
رابعا: الاستشهاد في نظر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
ينص التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية في البنود:
2471: أعلن المسيح أمام بيلاطس أنه جاء إلى العالم لأجل أن يشهد للحق. وليس للمسيحي« فلا تَستَحْيِ بِالشَّهادة لِرَبِّنا ولا تَستَحْيِ بي أَنا سَجينُه، بل شارِكنْي في المَشَقَّاتِ في سَبيلِ البِشارة، وأَنتَ مُتَّكِلٌ على قُدرَةِ اللهِ».
(2 تي1:8). وعلى المسيحيّ، في الظروف التي تستدعي تأكيد الإيمان، أن يُعلنه دون التباس، على مثال بولس أمام قضاته. عليه أن يحتفظ: « فأَنا أَيضاً أُجاهِدُ النَّفْسَ لِيَكونَ ضَميري لا لَومَ علَيه عِندَ اللهِ وعِندَ النَّاس» (أع24: 16).
2472: إن واجب المسيحيين في المساهمة في حياة الكنيسة يُدخلهم إلى السلوك كشهود للإنجيل وللالتزامات التي تنتج من ذلك. وهذه الشهادة هي نقل الإيمان بالأقوال الأفعال. والشهادة هي فعل عدالة يُنشيء الحقيقة أو يُعرِف بها.
«جميع المسيحيين أينما كانوا ملزمون بأن يظهروا (…) بمثل حياتهم وشهادة كلامهم، الإنسان الجديد الذي لبسوه بالمعمودية، وقوة الروح القدس الذي شدّدهم بالمسح بالميرون».
2473: الاستشهاد هو الشهادة السُّميا لحقيقة الإيمان؛ إنه يعني شهادة تصل حتى الموت. والشهيد يؤدي شهادة للمسيح الذي مات وقام، والذي هو متحد به بالمحبة. إنه يؤدي شهادة لحقيقة الإيمان والعقيدة المسيحية. وهو يحتمل الموت بفعل قوة. وهذا ما قاله القديس إغناطيوس الإنطاكي) «دعوني أصير طعامًا للوحوش. فبها سأعطى البلوغ إلى الله».
خامسًا: شروط تدوين السيرة الذاتية للقديس أو الشهيد:
1- كشاهد عيان مباشرة.
2- كمستمع لسير رواها آخرون .
3-كشخص اشترك في حياة هؤلاء الذين يروي سيرتهم.
4- كشخص له على الأقل معجزتين.
5- السلطة الكنسية هي التي تُعلن القديس أو الشهيد.
وعلى حسب قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية في القانون رقم 885: «لا يجوز إكرام خدّام الله علنًا إلا الذين ضمّتهم السلطة الكنسية إلى مصاف القديسين أو الطوباويين».
بنعمة الله
أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس
خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة- طما