"فلنتعلمْ العيش وفقَ نمطٍ أكثرَ بساطةٍ وقناعة"
حاضرة الفاتيكان، الاثنين 28 فبراير 2011 (ZENIT.org)
ننشرُ فيما يلي كلمات قداسة البابا التي ألقاها صباح الأحد قبيل تلاوته لصلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين والحجاج الوافدين إلى ساحة القديس بطرس.
* * *
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!
في ليتورجية هذا الأحد يعودُ صدى إحدى أكثر الكلمات تكرارًا في الكتاب المقدس، والتي منحنا إياها الروحُ القدس بقلم مَن يُدعى "إشعيا الثاني"، الذي قالَ معزيًا أورشليم الواقعة تحت ثقل الشدائد: "أتنسى المرأَةُ رضيعَها فلا ترحمُ آبنَ بطنها؟ حتّى ولو نسيتِ النساءُ فأنا لا أنساكِ" (اشعيا 49، 15). هذه الدعوة إلى الثقة في حبّ الله الذي لا ينقص، تقتربُ من صفحة إنجيل متّى، الموحية هي الأخرى، والتي يحثّ فيها يسوعُ رسلَهُ على الثقة بعناية الآب السماوي الذي يقيتُ طيورَ السماء ويُلبس زنابقَ الحقل ويعرفُ جميعَ حاجاتنا (راجع متى 6، 24-34). وهكذا يقولُ المعلّم: "لا تهتمّوا فتقولوا: ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبَس؟ فهذا كلّه يسعى إِليه الوثَنيّون، وأبوكم السّماوي يعلمُ أنكم تحتاجون إِلى هذا كلّه".
أمام حالة العديد من البشر، القريبين أو البعيدين، الذين يعيشون في البؤس، يظهرُ حديثُ يسوع هذا قليلَ الواقعية أو حتّى تهربيًّا أيضًا. في الحقيقة، يريدُ الربّ بوضوح أن يعلّمنا بأنّه لا يمكنُ خدمة سيدين: الله والغنى. مَن يؤمنُ بالله، الآب المملوء من الحبّ نحو أبنائه، يضعُ في المقام الأول البحثَ عن الملكوت وعن إرادة الآب. وهذا يعاكسُ تمامًا القَدرية أو التوحيدية الساذجة. الإيمانُ بالعناية الإلهية لا يَعفي من الكفاح المُجهِد لحياةٍ كريمة، بل يُحررُ من اللهاث وراء الأشياء ومن الخوف من الغد. من البديهي أنّ تعليمَ يسوع هذا، على الرغم من بقائه صحيحًا ونافذًا للجميع، يمكنُ أن يُطبَّق بطرقٍ مختلفة وفقًا للدعوات العديدة: إذ يمكنُ لأخٍ فرنسيسكاني أن يتبعهُ بطريقةٍ أكثر جذرية، بينما يستوجبُ على ربّ العائلة وفقًا لهذا التعليم أن يتحمّل واجباته تجاه زوجته وأولاده. ولكن، وفي جميع الحالات، يتميّز المسيحي بثقته المطلقة في الآب السماوي كما كان يسوع. إنها تمامًا العلاقة مع الله الآب الذي يعطي معنى لكلّ حياة المسيح ولكلماته ولأفعاله الخلاصية حتّى لحظة آلامه وموته وقيامته. لقد أظهرَ لنا يسوع ماذا يعني العيش بأقدامٍ مزروعة في الأرض تمامًا، منتبهين لأوضاع القريب ومحتفظين في الوقت ذاته بقلبنا في السماء منغمرًا برحمة الله دومًا.
أصدقائي الأعزاء، على ضوء كلمة الله لهذا الأحد، أدعوكم للتضرّع إلى العذراء مريم بلقب أمّ العناية الإلهية. ولنوكلْ إليها حياتنا ومسيرة الكنيسة وأحداث التاريخ. ولنطلبْ بصورةٍ خاصّة شفاعتها لنتعلم جميعًا العيش وفق نمطٍ أكثر بساطة وقناعة، في حياةٍ يومية دؤوبة وفي احترام الخليقة التي أوكلها الله لحمايتنا.