رسالة الكاردينال بياتشينزا إلى الكهنة بمناسبة الصوم الكبير لسنة 2011

"كهنة تائبون بصفاء"

روما، الأربعاء 09 مارس 2011 (Zenit.org)

"الكهنة التائبون بصفاء أمام سر القربان المقدس، والقادرون على حمل نور الحكمة الإنجيلية والكنسية في الظروف المعاصرة التي يبدو أنها تتحدى إيماننا، يصبحون في الواقع أنبياء حقيقيين قادرين بدورهم على أن يطلقوا في العالم التحدي الفعلي الأوحد: تحدي الإنجيل". هكذا يكتب الكاردينال بياتشينزا في رسالته إلى الكهنة بمناسبة الصوم الكبير.

وقد نشرت نهار أمس رسالة الكاردينال ماورو بياتشينزا، عميد مجمع الإكليروس، باللغة الفرنسية.

***

أيها الإخوة الأعزاء،

زمن النعمة الذي يعطى لنا لنعيشه معاً يدعونا إلى اهتداء جديد، تماماً كما أن هبة الكهنوت هي دوماً جديدة: فمن خلالها، يصبح الرب يسوع حاضراً في حياتنا، ومن خلال حياتنا، يصبح حاضراً في حياة كل البشر.

الاهتداء، بالنسبة إلينا نحن الكهنة، يعني أولاً إعادة تكييف حياتنا أكثر فأكثر مع التبشير؛ ينبغي علينا أن نقدمه يومياً للمؤمنين، ونصبح بالتالي "مقاطع إنجيلية حية" يستطيع الجميع أن يقرأها ويقبلها.

أما قاعدة موقف مماثل فهي من دون شك الاهتداء إلى هويتنا: يجب أن نهتدي إلى حقيقتنا! الهوية التي نلناها سرياً، والتي قبلناها في بشريتنا الجريحة، تقتضي بالتشبه المتنامي لقلبنا وروحنا ومواقفنا وكل حقيقتنا بمثال المسيح الراعي الصالح، الذي طبع فينا سرياً.

يجب أن نتعمق في الأسرار التي نحتفل بها، بخاصة في سر القربان المقدس، وأن نتكون بها؛ ففي سر الافخارستيا، يعيد الكاهن اكتشاف هويته! في الاحتفال بالأسرار الإلهية، يفهم "كيف" يكون راعياً و"ما يجب أن يفعله" ليكون كذلك في خدمة إخوته.

إن عالماً فاقداً مسيحيته يتطلب كرازة إنجيلية جديدة، لكن الكرازة الإنجيلية الجديدة تستلزم كهنة "جدد"، ليس طبعاً بمعنى الاندفاع الظاهري لكل بدعة زائلة، بل بمعنى قلب متجدد بعمق بكل ذبيحة مقدسة؛ متجدد وفقاً لمقياس محبة القلب الأقدس ليسوع، الكاهن والراعي الصالح.

من الضروري جداً تحويل الضجة إلى صمت، والانشغال بـ "العمل" إلى "البقاء" مع يسوع، بالمشاركة الدائمة في وجوده بوعي أكبر. ينبغي على كل عمل رعوي أن يشكل صدى وامتداداً لحقيقة الكاهن!

يجب أن نهتدي إلى الشركة، معيدين اكتشاف حقيقتها: الشركة مع الله ومع الكنيسة، وفيها مع الإخوة. وتتميز الشركة الكنسية بشكل أساسي بالوعي المتجدد والمختبر بعيش وإعلان العقيدة عينها، التقليد عينه، تاريخ القداسة عينه، وبالتالي الكنيسة عينها. نحن مدعوون إلى عيش الصوم بحس كنسي عميق، من خلال إعادة اكتشاف جمال التواجد وسط خروج شعب، يتضمن كل النظام الكهنوتي وجميع الناس: هم ينظرون إلى رعاتهم كنماذج مرجعية موثوقة، ويتوقعون منهم شهادة متجددة ونيرة.

يجب أن نهتدي إلى المشاركة اليومية في تضحية المسيح على الصليب. ومثلما أعلن وحقق على أكمل وجه هذه الإنابة التي جعلت خلاصنا ممكناً وفعالاً، هكذا يدعى كل كاهن، مسيح آخر، إلى أن يعيش بذاته على غرار القديسين العظماء سر هذه الإنابة، في خدمة إخوته؛ وهذا يتحقق بخاصة في الاحتفال الأمين بسر المصالحة الذي يتم البحث عنه للذات، واقتراحه بسخاء على إخوتنا، إلى جانب الإرشاد الروحي والتقدمة اليومية للحياة تكفيراً عن خطايا العالم. وفي الواقع أن الكهنة التائبين بصفاء أمام سر القربان المقدس، والقادرين على حمل نور الحكمة الإنجيلية والكنسية في الظروف المعاصرة التي يبدو أنها تتحدى إيماننا، يصبحون أنبياء حقيقيين قادرين بدورهم على أن يطلقوا في العالم التحدي الفعلي الأوحد: تحدي الإنجيل الداعي إلى الاهتداء.

أحياناً، تكون الجهود كبيرة فعلاً، ونختبر أن عددنا ضئيل بالنسبة إلى احتياجات الكنيسة. لكننا، إن لم نهتد، سيقل عددنا أكثر لأن الكاهن المتجدد والمتبدل و"الجديد" هو وحده الذي يصبح أداة يدعو الروح القدس من خلاله الكهنة الجدد.

إلى الطوباوية مريم العذراء، سلطانة الرسل، نوكل درب الصوم هذه، مبتهلين إلى الرحمة الإلهية لكي يضحي قلبنا الكهنوتي بدوره "ملجأ الخطأة"، بالاقتداء بالأم السماوية.

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2011