ﺒﻘﻠﻡ نيران اسكندر
عندما نعطي هديةً لشخصٍ ما، يتبلور في فكره وفكر الناس من حواليه مقدار كرمنا وسخاءنا معتمدين على ثمن الهدية التي تلقّوها بغض النظر عن ما إذا كان لقيمتها تأثير على ميزانيتنا المالية أم لا، وهذه نظرية خاطئة. فمن الجائز أن نكون أغنياء فيمكننا تقديم هدية باهضة الثمن ورغم ذلك ليس لقيمتها أي تأثيرًا علينا، ومن ناحية أخرى، قد نكون فقراء ونُقدّم هدية رخيصة الثمن إلا أن ثمنها يؤثر على الطعام الموضوع على المائدة لأطفالنا؛ فمن هو أكثر كرمًا من الآخر: الذي يعطي مما يفيض عن حاجاته، أم الذي يُعطي من إحتياجاته؟ وإن ربط مُتلقّي الهدية مقدار المحبة التي يكنّها الشخص مُقدّم الهدية له بمقدار إحتياج هذا الشخص لقيمة الهدية، فأي الهديتين ستعني أكثر لمتلقّيها؟ بنفس الطريقة، نحن نقدم الهدايا إلى الله عن طريق خدمة الآخرين المحتاجين، ولكن الفرق بين الله والبشر أنه يعرف دائمًا ماذا تعني هذه الهدايا بالنسبة لنا وبالتالي مقدار سخاءنا.
يقتدر الناس في بعض البلدان على توظيف أُناس من الدول الفقيرة ليعملوا في بيوتهم كخدم وخادمات يعيشون مع الأسرة ويقومون بالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال وإعداد الطعام؛ وفي بعض الحالات، تكون الخدمة لأكثر من أسرة واحدة. غالبًا ما تحصل الخادمة مقابل عملها على أجورٍ منخفضة للغاية تسدُّ بها جوع أسرتها التي تركتها في بلادها؛ عاملةً بكل جد دون حسد لما يملكه صاحب العمل. الآن، إن أردنا رؤية شخصًا سخيًا، فسنحتاج إلى تخيّل إحدى تلك الخادمات وهي أرملة تدعوَ الأسر التي تعمل لديها للغذاء، وتُعدّ لهم طعامٌ كلفته مرتبها الشهري، وتسمح لهم تناول الطعام أولاً دون السماح لأطفالها لمس الطعام. ويمكننا رؤية هذا السخاء في الكتاب المُقدّس في المرأة الأرملة التي ألقت بفلسين، كل ما ملكت لمعيشتها، في الخزانة (لوقا 21: 1-4)، أو المرأة الخاطئة التي غسلت أرجل الرب يسوع بدموعها وطيّبتها بعطور غالية (لوقا 7: 44-47)؛ وقد فعلتا ذلك لأن كلتاهما أحبتا الله كثيرًا. ونستطيع أن نرى هذا السخاء في حب الله في قلب الأم التي تُكرِّس وليدها الأول إلى الله قبل إن تعرف إن كانت ستلد طفلاً آخر أم لا، وتملء قلبه من الطفولة بحب الله ليصبح كاهنًا، فهي لا تريد أن تراه عريسًا لتحمل أحفادها [وهو حلم كل أم]، بل أنها تبتهج لرؤيته عريسًا في حفل زفافه للرب يسوع، في "يوم سيامته"، ليصبح أبًا لعددٍ غير محدود من الأطفال من خلال الشعب الذي يخدمه، ويكون راعيًا لهم للقيام بمشيئة المسيح، أي بتعريفهم بالله وشفاء أرواحهم من أجل تسبيح الله وتقديم الشكر له وتعظيم أسمه القدوس. إن شفاء المرضى هو بالتأكيد مشيئة يسوع المسيح لكي يُعيد للإنسان المريض مكانته بين إخوته الأصحاء، فهو من شفى المرضى من الجذام وهو مرض جلدي مُعدي مما يؤدي إلى عزل المرضى [المذنبون] عن بقية الناس الأصحاء [مملكة الله] (لوقا 5: 12-14). مشيئة يسوع المسيح هو أن يدعو الخاطيء للندامة والتوبة وطاعة الله محبةً به ولم شمل جميع الناس للعيش معًا في وئام ومحبة وتواضع، وهذه هي مشيئة أبيه السماوي.
إن الكهنة، إيمانًا منهم بشخص يسوع المسيح الملك الأبدي ومثبّتين أنظارهم وقلوبهم على ملكوت الله (لوقا 12: 31)، يسيرون بهذه الدنيا بروح القديس يوحنا المعمدان الذي قال بأن عليه أن يُصغِر من شأنه لكي يكبر شأن المسيح أمام الناس (يوحنا 3: 27-36). هم جزءًا من الكنيسة التي أسّسها يسوع المسيح على كلمته وأعماله النابعة من قلب الله؛ هذه الكنيسة التي بدأت بالعمل بالإثني عشر رسولاً ولن تتوقف حتى يُبشّر بالخلاص ويؤمن كل العالم بالمسيح مُخلّصًا. يعرف الكهنة ويؤمنون بأن الله رحيم؛ فهو يغفر الذنوب حين يلمس قلوبنا من خلال "القربانة المقدسة". القربانة المقدسة التي تمثل: (1) شكر يسوع وصلاته ومباركته لأبيه السماوي، (2) الخبز الحي الذي أنزله الله من السماء، (3) الماء الحي المتدفق من الصخر، (4) رحمة الله وغفرانه للخطايا، و(5) حياة المسيح الأبدية. يتعطر الكهنة بدم يسوع المسيح ويلبسون محبة الله ورحمته الذي هو رداء أي شخصٍ يقبل دعوة الله إلى ملكوته. يُدعى الكهنة للكهنوت لتحويل الكلمات/الأدب في الكتاب المقدس إلى "فهم" لدى المُستمع سواء كان مؤمنًا أو مُعادي للإيمان؛ وبذلك يشبه الكهنة الطبيب الذي يُساعد المرأة الحامل [أي الروح المضطربة] لتلد طفلاً جديدًا. الكهنة هم الناس الذين يريدون القيام بكل ما تمنّاه المسيح من وضع نار تحترق بمحبة الله ولا تنطفىء في قلوب الناس على الأرض (لوقا 12: 49).
في الكتاب المُقدّس: الكهنة هم الذين لُمسوا/تعافوا بقوةٍ من قِبل الله وإبتدأوا بالإشادة وتمجيد إسمه ليس فقط بالكلمات (لوقا 13: 10-13) ولكن بحياتهم. الكهنة هم الذين لُمسوا/ تعافوا بقوةٍ من قِبل الله فعادوا إليه وألقوا بنفسهم عند أقدامه وشكروه (لوقا 17: 15-16) ليس مرة واحدة بل طوال حياتهم. الكهنة هم الذين لُمسوا/ تعافوا بقوةٍ من قِبل الله وبقوا عند أقدامه لفترة من الوقت، وبعد ذلك ذهبوا ونشروا "الأخبار السارة" للغير بناءًا على طلبه (لوقا 8: 26-39). الكهنة هم الذين عرفوا من هو يسوع وتمّ فتح أعينهم وشفاءهم بدعائه لهم فتبعوه (مرقس 10: 49-52، متى 20: 29-33) إلى الأبد.
الشعور بالفرح والسعادة هو غاية البشر عامةً، وغالبًا ما يأتي هذا الفرح حين يعلم الإنسان بأن هناك شخصًا ما يُحبه ويسعى إلى إسعادَهُ ويعمل على أن يُريحه من التعب والهموم، ولذلك يتطلّع الإنسان إلى اليوم الذي يجد فيه ذلك الشخص الذي أَحبه من كل قلبه ويُحبه هو أيضًا من كل قلبه. ويمكننا القول بأن الكاهن هو ذلك الإنسان الذي وجد محبوبته بشخص الله "الرب يسوع" وإمتلأ قلبه بالشعور بالفرح والسرور، فرحًا أبديًا لا يستطيع أحد أن ينتزعه منه. الكهنة هم الذين عرفوا وأحبوا وعشقوا علامة الإيمان المسيحي: يسوع المسيح على الصليب، ممثلة بالمرحلة الثانية عشرة من مراحل درب الصليب التي أتمت الذبيحة المُقدّسة "حمل الله" الذي أُرسل للإثني عشر سبط من إسرائيل ولجميع الأمم من خلال الإثني عشر رسولاً للمسيح الفادي. الكاهن هو الشخص الذي يحمل جسد ودم، ذات ولاهوت يسوع المسيح [الذي مات على الصليب مرة واحدة ومرة واحدة فقط] كل يوم بين يديه عندما يحمل "القربانة المقدسة"؛ وينظر في الآلام التي عانى منها إبن الله من أجل خلاصنا، ويشعر بمحبة الله الأبدية تجاه أطفاله، محبةٌ بلا حدود ولا يمكن أن توصف؛ ويعلم أن الله أمينٌ لجميع الأجيال. نحن نشاهد صور للقديسين راكعين أمام يسوع المسيح على الصليب كالقديسة ريتا من كاسيا، أو حاملين الصليب في حضنهم كما القديسة تيريزا الطفل يسوع، ولكن ليس من السهل علينا أن نتصور كاهنًا يحمل المسيح المصلوب والمسيح القائم من بين الأموات بين يديه كل يوم في القدّاس الإلهي. في سفر ملاخي، سأل الله الكهنة أن يُكرّموه ويُمجّدوا إسمه القدّوس في قلوبهم، وأن يُقدّموا له الذبيحة التي تُسرّه وتكون مقبولةً لديه؛ وفي العهد الجديد أمدّ الله الكهنة بالذبيحة التي تُسرّه، وأعطاها لهم مجانًا ممزوجة بالحب والألم، وكانت ذبيحة دموية لمرة واحدة على أن تُعاد ذكرى ذات الذبيحة إنما بصورة لا دموية بيسوع المسيح الكائن بذاته ولاهوته بالقربان المُقدّس ["إصنعوا هذا لذكري" (لوقا 22: 19)].
الدعوة إلى الكهنوت أشبه بالدعوة التي وجهها الرب يسوع إلى أندراوس والتلميذ الآخر عندما أرادوا أن يتبعوه وسألوه أن يكون لهم مُعلِّمًا؛ وكانت نتيجة الدعوة أنهما بقيا معه حتى نهاية اليوم [أي حتى الموت؛ إلى الأبد] (يوحنا 1: 35-40). وخلال رحلتهم، ما إنفكوا من الشرب من نبع الماء الحي، وفهموا أنه هو المسيح المنتظر. تعلّموا خلالها كيف يكونون أتباع حقيقيين ليسوع المسيح ليتسنى لهم بتعريفه للآخرين عن طريق المواعظ [كما قدم أندراوس شقيقه سمعان (يوحنا 1: 41-42)، وقدّم فيلبُّس نتنائيل إلى يسوع (يوحنا 1: 43-49)] والأعمال الصالحة التي تُبين مشيئة الله لنا لجعلنا من أبنائه. إن على الآباء والأمهات أن يكونوا مثل القديس يوحنا المعمدان ويُدخلوا يسوع المسيح في حياة أبنائهم بقولهم: "أنظروا، هوذا حمل الله الذي يرفعُ خطيئة العالم" (يوحنا 1: 29)، أو مثل الرسولين أندراوس وفيلبُّس، وتشجيعهم على تقديم أنفسهم إلى الله ليُصبحوا كهنة والعيش في خدمة أبناء الله بصدق وأمانة وتقوى، والله بعد ذلك يتمم معهم مسيرة حياتهم الكهنوتية.
الإستجابة للدعوة للكهنوت، تُشبه الخطوات التي إتخذها سمعان بطرس الرسول في دعوته:
أولاً: أبلغه شقيقه أندراوس أنه شاهد المسيح وطلب منه أن يصبح من تلاميذه؛ وفي ذلك الوقت سمّى يسوع المسيح سمعان بالصخرة (يوحنا 1: 41)، ثم
ثانيًا: عندما شاهد يسوع المسيح ماشيًا على الماء، قال مع التلاميذ الآخرين أن يسوع هو إبن الله لأنه شاهد شيئًا غير عاديًا (متى 14: 33)، و
ثالثًا: بنعمة من الله، آمن في قلبه، وأعلن بفرح أن "يسوع هو المسيحُ إبن الله الحي"، وحينها قال له يسوع المسيح بأنه الصخرة التي سيبني عليها كنيسته [أي على هذا الإيمان الذي إعتبره كأساس متين كالصخر للبناء عليه] (متى 16: 16).
وبالمقارنة مع دعوة الكاهن، فالخطوة الأولى تأخذ مجراها عندما يقتاده والديه (أو الوصي عليه) إلى الكنيسة للمعمودية حيث يقوم الوكيل بالإجابة على سؤال الكاهن: "هل تؤمن بالمسيح مُخلِّصًا وتنبذ الشيطان؟" بقول "نعم، أؤمن" بدلاً عنه؛ ثم في يوم المناولة المُقدّسة الأولى يتفوّه بفمه "نعم، أؤمن" دون إدراك كامل لما يقول، ولكن في يوم سيامته وقلبه ممتلىء بالروح القدس يعترف ويقول: "نعم، أؤمن. آمين".
إذا نظرنا إلى تواضع القديس يوحنا المعمدان، حيث أنه كان يعلم أن ملاكًا من الله قال لوالده أنه الملاك [أي مُختارًا من الله] الذي سوف يمهِّد الطريق للمسيح إبن الله، ويدعو الشعب إلى التوبة، لم يكن لديه أي إعتزازٍ بنفسه، ولكن بكل تواضع أتمّ ما أراد الله منه أن يفعل؛ وهكذا أيضًا يجب أن يكون تواضع الكهنة. أن معظم الكهنة واللاهوتيون وغيرهم من الأشخاص الذين كرّسوا أنفسهم لله يُوعزون إختيارهم لهذا المسار لدعوة الله لهم لخدمته. في أي مرحلة من دعوتهم، ينبغي عليهم أن لا يشعروا بأنهم محصّنين من فعل الإثم والوقوع بالخطيئة، أو أن كلّ ما يقولونه هو صحيح لأنهم أقرب إلى الله من الآخرين. الكهنة، حافرين عهدهم مع الله في قلبهم، كأي شخص آخر، يجب أن يحترسوا من خداع الأرواح الشريرة من التكبّر والتفاخر وحب الذات، والجشع [حب المال على الله]، والوصول إلى حالة الشعور بأنهم مُصانين تمامًا بالروح القدس عن فعل إمرٍ خاطئ، وإنكار يسوع بقبول أية تغييرات على تعاليمه لإرضاء الآخرين، … إلخ. وبعبارة أخرى، ينبغي عليهم دائمًا أن يشعرون في قلوبهم بأنهم فقراء روحيًا كيما يتلقون ثروات روحية أكثر من الله.
في رسالته الثانية إلى طيموتاوس، يتكلم القديس بولس الرسول مع كل شخص رُسم كاهنًا متلقيًا هبة الله: "روح القوة والمحبة والفطنة". وهو يحثهم على مواصلة التعليم الصحيح [أي الإيمان والمحبة التي في المسيح]، والذي يخرج عن قلب نقي وضمير حي وإيمان لا رياء فيه (1 طيموتاوس 1: 5)، بحرصٍ شديدٍ عليه كما لو كان شيئًا ثمينًا ويحتاج إلى حراسة من تعاليم كاذبة بمساعدة الروح القدس الذي يعيش فيهم. على كل أسقف أن يُسلِّم هذه التعاليم إلى كهنة آخرين يقومون بتسليمها إلى أبناء الأبرشية من آباء وأمهات ليتسنى بدورهم أن ينقلونها لأطفالهم ولغيرهم. يُحافظ الكاهن الجيد على وعوده الكهنوتية التي تعهد بها [بشأن العفة والفقر] والبقاء بعيدًا عن الخطيئة والمناقشات الفلسفية الغير مجدية؛ وهو بحاجة أيضًا إلى مراقبة أعماله وتعليمه لخلاص نفسه وأنفس جميع الذين يستمعون إليه (1 تيموثاوس 4: 15-16). في مواعظه ونصائحه، يحتاج الكاهن إلى إستخدام جميع أجزاء الكتاب المقدّس التي هي مستوحاة من الله للتعليم ولدحض الخطأ وتوجيه حياة الناس للقداسة (2 تيموثاوس 3: 14-17). الكهنة بحاجة للقيام بواجباتهم بصبر وعزم على التعليم، وبغض النظر عن إبتعاد بعض الناس إلى معلِّمين آخرين يُعلِّمون حسب رضاهم. كما يجب على الكهنة أن يتحلّوا بالشجاعة في إعلان "البشرى السارة" والله سوف يُنقذهم من كل المحاولات الشريرة عليهم. الكهنة ورعاياهم هم جميعًا جسدًا واحدًا بالمسيح ويعملون معًا للحفاظ على وحدة هذا الجسد وسلامته؛ فالكنيسة جمعاء تُحب الله كمحبة الأم لرضيعها وتخاف عليه أيضًا كخوف الأم على رضيعها، هذه المحبة أرانا إياها الله بالمحبة التي أعطتها أمنا العذراء مريم [التي تمثّل الكنيسة جمعاء] لرضيعها الرب يسوع، وبروابط الحب التي وضعها الله في القلوب حين خلقنا على صورته، فالله "محبة".
يشبه الكاهن العروس يوم زفافها، الجميع ينظر إليها بعيون حادة أما لمدحها وإعجابًا بها أو لمحاولة العثور على شيء خاطئ لإنتقادها والنيل منها. فمن الأمور الصعبة على الكاهن أن يُساءل عن إيمانه ويُشكك به، وهو الذي ترك كل شيء لخدمة الله؛ علمًا بأنه قد لا يكون الإنتقاد بنية حسنة على الدوام [لصالح الكنيسة أو لإسم الله القدّوس]. ولكن حين يُنتقد كلام أو أفعال الكاهن من قِبل كهنة آخرين أو أبناء الرعية أو من الغرباء، قائلين بأن تلك الكلمات أو الأفعال هي ليست وفقًا لتعاليم يسوع، فعلى الكاهن أن يكون سبّاقًا في وضع كلمات يسوع في حيز العمل فيلتزم الهدوء ويُصغي بكل شجاعة وصدرٍ رحب للإنتقاد مُحاولاً إزالة أي سوء فهم مع الناقد مع توضيح الأمور والتوصل إلى التفاهم بين الطرفين لكي لا يصبح حجر عثرة للآخرين ويخلق حالة صراع داخل الكنيسة. وفي مثل هذه الحالات، إذا لم يُحل النزاع يتم التشاور مع كبار الكهنة والطاعة لهم مطلوب. وكما يصعب على الكاهن أن يرى أعمالاً غير مقبول بها كنسيًا تؤدّى من قبل أحد أبناء الرعية، كذلك من الصعب على أي مؤمن مشاهدة عمل غير مقبول به من قِبل الكاهن. في مفاهيم الكنيسة، لا يستطيع أحد أن يقول للآخر الذي هو في خلاف معه: "أنها مشكلته على الفهم أم لا"، بدون إعطاء أي توضيح. تمامًا كما في الأسرة، فالكاهن هو أبًا لعددٍ كبير من الأطفال ولكل منهم فهمه وفكره المتميز؛ والإنفتاح بالفكر بين الأب والطفل هو أفضل طريقة لحل أي سوء تفاهم وتطهير النوايا في القلب؛ وعلى الكاهن أن يكون نموذجًا جيدًا لرعيّته كما يكون الآباء والأمهات نموذجًا جيدًا لأطفالهم.
في هذه الأيام، هناك فئة قليلة جداً من الأهل تُشجّع أبناءها ليُصبحوا كهنة أو ليُكرِّسوا حياتهم لخدمة الله وأبنائه، وهذا يأتي من قلة الإيمان إذ ما يُقلقهم هو أن الحياة أصبحت أكثر كلفةً ويعتقدون بأن الكهنوت هو مهنة كسائر المهن الأخرى ومرتب الكاهن لا يغطي نفقات المعيشة. وغالبًا ما ترتبط هذه المهنة في مخيلتهم بإجراء مراسيم معينة كـ "الزواج"، "المعمودية والتثبيت"، "القدّاس الإلهي"، "مراسم الدفن"، ويوجد عدد قليل جدًا ممن يتذكر بأن الشيء الرئيسي بالكهنوت هو أن الكاهن يقف محل السيد يسوع المسيح كمعلم وطبيب شافي للروح بقوة وسلطان الرب يسوع نفسه [هذه السلطة تنتمي إلى الرب يسوع وحده؛ ومع ذلك، فالله يمارسها من خلال الكهنوت] أثناء الإعتراف والقدّاس الإلهي وندوات دراسة الكتاب المقدّس والممارسات الأخرى التي يقومون بها بما في ذلك الزيارات الخاصة لأبناء الرعية.
في هذه الأيام، هناك فئة مِن الناس مَن ينظر على ساعته أثناء القدّاس الإلهي ليعلم كم طالت عظة الكاهن أو متى سينتهي القدّاس الإلهي إذ أصابه الملل أو لديه أعمالاً أخرى يود القيام بها؛ وهذه الحركة تثبط بعض الكهنة من إعطاء عظة طويلة، وتنِم على "قلة إيمان". في أيام يسوع المسيح، مكث الناس لمدة ثلاثة أيام متواصلة مع الرب يسوع للإستماع إليه دون الشعور بالضيق؛ مكثوا معه وقلوبهم مملؤة بالحب طامحين لمعرفة المزيد من المعلومات حول الله والأمور الروحية والإنسانية لمصلحتهم العامة والخاصة. في هذه الأيام، يبذل بعض الناس قصارى جهدهم لتدمير "الكهنوت" بمهاجمة الكاهن حين يُخطىء وينسى أن الكاهن هو تمامًا كما أي إنسانٍ آخر يمكنه أن يرتكب الأخطاء ويندم على خطأه ويُعالجه. وأيضًا يُهاجم الكاهن إن كان ضعيفًا في موعظته ناسين أن لكل كاهن مقدرة معينة على إيصال التعاليم الروحية وإعطاء موعظة مقنعة ومفهومة لتعاليم الكتاب المقدس كما هو الحال في المدرسين، فلكل منهم طريقة للتدريس ومقدرة على التدريس، فنجد منهم من يستطيع أن يوصل المادة إلى عقول الطلاب بطريقة أسلس من المدرس الآخر. في هذه الأيام، بعض الناس لا يعملوا شيئًا من أجل مجد وتسبيح إسم الله، وكل ما يفعلوه هو التشكّي ويُفضلون الإستماع إلى التفاسير التي تروقهم وتبعث السرور في قلبهم لأنها لا تدينهم، على سبيل المثال تفسيرات بشأن تعليم الرب يسوع بخصوص \’الطلاق\’ أو \’الإثم بالفكر\’ أو \’الغفران\’ أو \’دخول ملكوت الله\’ أو \’الإعترافات\’. في هذه الأيام، بعض الناس يفضلون أن يُقال بأن الكتاب المقدّس قد كُتب لأشخاصٍ آخرين كانوا يعيشون في ظروف مختلفة وسنين سابقة، متناسين أن السلوك البشري [المتأثر أما بكلمة الله أو بالأرواح الشريرة] والروح لا تتغيّر، وما يتغيّر هو النسبة المئوية من \’المؤمنون\’ إلى "غير المؤمنين". هذه النسبة المئوية ستتوقف على عدد الكهنة والمُبشرين الذين يُبشرون بكلمة الله والمؤمنين الذين يفهمون دورهم في إيصال الإيمان للجيل القادم (2 طيموتاوس 1: 1-8).
يستخدم كل كاهن طريقة للتقرب من الله، فمنهم من يختار آية من الكتاب المقدّس ويُبقيها في قلبه ويعمل بها، على سبيل المثال: "أنا أيضًا أُجاهد النفس ليكون ضميري لا لوم عليه عند الله وعند الناس" (أعمال 24: 16)، أو "الذي يفقد حياته في سبيلي فإنه يجدها" (متى 16: 25)؛ ومنهم من يختار ببساطة أن يقضي أوقات فراغه بعيدًا عن الناس والصلاة في صمت كما فعل الرب يسوع بعد قضاء الوقت مع الجموع (لوقا 5: 16)؛ والبعض يفضل حياة التنسك والتقشف والإبتعاد عن العالم ليتحد مع الله بالصلاة على الدوام كالرهبان. بمجرد أن يُرسم الكاهن يُصبح ظل الكاهن الأعلى "يسوع المسيح":
ü مُبشّرًا بكلمة الله في الكنيسة دون خوف، و
ü طاردًا للشياطين [أي يُعالج الخطاة] عن طريق الأسرار المقدّسة لبناء ملكوت الله على الأرض، و
ü الصلاة للآب السماوي في صمت (مرقس 1: 21-39).
"الحصاد كثيرٌ ولكن العملة قليلون، فإسألوا ربّ الحصادِ أن يُرسل عملة إلى حصاده" هذا ما قاله الرب يسوع لتلاميذه (لوقا 10: 1-3)، فلنصلّ من أجل ذلك، ولنُصلِّ كذلك كل يوم من أجل الكهنة الذين هم أيضًا بشر عاديين وضعفاء، كما صلّت القديسة تيريزا يسوع الطفل:
"يا يسوع الكاهن الأزلي، إحفظ جميع كهنتك وإجعلهم تحت حماية قلبك الأقدس بحيث لا يتمكّن شيء من تدنيسهم. إحفظ أيديهم الممسوحة بالمسحة المقدّسة نقيّة لأنّها تلامس كلّ يوم جسدك المقدّس. إحفظ شفاههم طاهرة، لأنّها تتخضب كل يوم بدمك الثمين. إحفظ قلوبهم بعيدة عن الدنس، ومجردة من كل هوَ بشريّ، لأنك ختمتها بختم الكهنوت الأسمى. فليحوطهم حبك ويحفظهم من كل عدوى دنيوية. بارك أعمالهم الرسولية لتأتي بثمار غزيرة، وإجعل النفوس الموكولة لغيرتهم وإرشادهم أن تكون مدعاة فرحهم هنا على الأرض وتكون إكليلهم الجميل والثمين في السماء. آميـن."