الروح يحول التاريخ إلى حاضر

                                                                       عيد العنصرة

بقلم / الاب بولس جرس- راعى كاتدرائية سيدة السلام للكاثوليك – بشرم الشيخ

كان الانفصال بين الله والإنسان الذي وقع بسبب ما ارتكبه آدم و الهوة الرهيبة السحيقة الذي خلفتها الخطيئة بين الله والإنسان أبعد الاثر في كل ما مرت به البشرية من احداث مأسوية عبر التاريخ ، إستدعت ان يتدخل الله بذاته فى ملء الزمان ليتمم الخلاص، فصار تجسد وحياة وموت وقيامة الرب يسوع محور الاحداث ، محور الزمان ومحور التاريخ . فهل هو مجرد تاريخ؟

لقد اعاد الرب يسوع بموته وقيامته الامور إلى نصابها ،فعاد من الممكن للانسان ان يرى الله " آرنا الآب وحسب" بعد ان كان "أن كل من يرى الله يموت" في العهد القديم، فحيث ان الله نور و الخطئية ظلام ،وحيث أن إلانسان يولد ويعيش فى الخطيئة فكان من الطبيعى ان يختفى الظلام ويتبدد بمجرد ظهور النور … ولهذا كان اللقاء بالله قبل المسيح مستحيلا ، وبالمسيح صار ممكنا ومفتوحا لكل من يؤمن باسمه فهو" الطريق والحق والحياة" ، لا يمكن الوصول إلى الآب إلا به.

وحيث قد استدعت إعادة بناء العلاقة واللقاء بين الله والبشر ، هذا الثمن الغالى النفيس " هكذا احب الله العالم حتى انه بذل ابنه الوحيد كى لا يهلك كل من آمن به " فلم يعد ممكنا التفريط من جديد فى هذه الموهبة الفريدة فى العلاقة مع الله التي اختص بها الانسان وحده ، لذا تحتم الامر ألا يُترك هذا الكنز العظيم عرضة ليد ابليس أو لتقلبات الانسان وشهوات قلبه .

فاذا كان الله قد ارسل ابنه مخلصا وفاديا ودفع دمه الثمين ليخلص بنيه فلم يعد لائقا ان يترك الإنسان من جديد لعبة في يد إبليس، لهذا قال الرب يسوع" لا اترككم بعد يتامى " فاليتم يولد الحزن والضعف واليأس ويترك للشيطان فرصة السيطرة والغلبة، هذا ما شعر به تلميذي عماوس اللذين ملأت الكآبة قلبهما فطالباه "امكث معنا يا رب " مما يعنى إدراكهم لضعفهم وشتاتهم بمفردهم بعيدا عن فاديهم ومخلصهم…وكانت استجابة الرب لطلب هذه القلوب المضطربة " لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع… لا أترككم يتامى بعد… سأرسل لكم المعزي… لذا فمتى جاء المعزى روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق " ودور هذا المعزى هو الذي يجعل "حضور الرب حيا وليس تاريخا " في الزمان وفي وسط البشر. هكذا بعد إن ظل عصرالآب منذ الخلق إلى التجسد ودام عصر الابن من التجسد الى الصعود إلى السماء ، تستهل الكنيسة حياتها منبثقة من الروح القدس الذى قبلته يوم العنصرة . تعالوا نصغى إلى ما يقوله الروح القدس للكنيسة ، تعالوا نتأمل ما يقوله لنا الروح في قراءآت اليوم.

· + البولس من كورنثوس 12 /1- الخ

يركز القديس بولس فى رسالته لأهل كورنثوس على الحاضر منطلقا من التاريخ " كنتم مستعبدين للاصنام " والآن " حرركم المسيح " فصرتم ابناء بالروح الذى يعمل فى كل انسان مسيحى ويجعله يعترف بربوبية المسيح على حياته وعلى العالم ، فلا يستطيع أحد أن يقول أن المسيح رب، دون أن يعطيه الروح القدس هذه النعمة . ونتعرف على عمل الروح في الكنيسة :

– تتنوع مواهب الروح لكن الروح واحد.

– تتنوع الخدمات فى الكنيسة لكن كلها لخدمة رب واحد.

– تتنوع الاعمال فى الكنيسة لكن العمل هو عمل الله.

الله بثالوثه المقدس الاب والابن والروح القدس يعملون فى الكنيسة التى يقول عنها بولس " انتم جسد المسيح واعضاؤه وافراده ، تنافسوا فى المواهب "

مواهب الروح غير محدودة وكل موهبة هة عطية هامة ومؤثرة فى بناء الكنيسة مهما كانت . وعطاياه هى : كلام الحكمة ، كلام العلم ، الايمان، مواهب الشفاء ، عمل المعجزات ، النبوة ، تمييز الارواح ، التكلم بالالسنة و ترجمة الالسنة . وهذه العطايا تتنوع بحسب تنوع الخدمات : 1- رسل ، 2- انبياء ، 3- معلمين، 4- صانعوا معجزات ، 5- صانعوا مواهب الشفاء، 6- المسئولون عن المعونات ، 7- المسئولون عن التدبير ،8- الناطون بالالسنة ،9- المترجمون .

يتحد الجميع بالروح كما تتحد الاعضاء الكثيرة فى الجسد الواحد عن طريق الروح القدس . ما أعظم عمل الروح القدس في الكنيسة …إنه الوحيد القادر أن يحقق هذا اللقاء المستحيل، لقاء الخليقة بخالقها دون خوف من التلاشي والعدم.

· + الكاثوليكون : 1 يوحنا 2/ 2-25

يتحدث القديس يوحنا عن نفس الموضوع " ايها المسيحيون جميعا انتم لكم مسحة الروح القدس التى تجعلكم تعرفون كل شئ وتعرفون الحق " . من ينكر أن يسوع ابن الله ، ينكر الحق ، ينكر الروح ويصير مع الضد، مع الشيطان .وعليه فكل من ينكر الابن ينكر الآب ، أما من يعترف بالابن فله الآب والروح القدس ، والروح يثبته في الآب والابن، فيدخل بدوره الى شركة الثالوث . آليس هذا هو اجمل تحقيق لحلم البشرية بالعودة الى احضان خالقها.

· + الابركسيس من سفر اعمال الرسل 2/1-23

يقدم لنا القديس لوقا فى هذا الفصل الرواية الآساسية و التفصيلية لعملية حلول الروح القدس وتدخله المنتظر والمفاجئ .

* حدث بغته : برغم توصية يسوع بالبقاء والسهر والانتظار إلا ان عمل الله يتم بغته هناك عنصر المفاجأة وواجب الاستعداد

* روح تعصف بشدة: ريح او روح ولهما نفس المعنى بالعبرية .

* إمتلآ البيت : قوة ذلك الروح تملآ الكيان الانسانى والكون كله ، انه روح الله .

* ظهرت لهم ألسنة منقسمة من نار : تجسد الروح فى صورة حمامة واليوم فى صورة نار تلهب وتطهر.

* استقرت على كل واحد منهم : اول علامات الروح "الكلمة " بكل الالسنة اى القدرة على التفاهم و التواصل مع الآخرين لابلاغهم برسالة الخلاص.

· + المزمور 46 :

صعد الله بهتاف : الله اليوم ينزل ويحل ضيفا ابديأ بصوت ريح .

بصوت البوق : صوت البوق والهتاف والريح هم رموز لحضور الله فى العهد القديم.

ملك الرب على جميع الامم: اليوم نزل الله الروح القدس ليحل فى باطن كل انسان يؤمن ويعترف بيسوع المسيح ربا وإلاها من جميع الامم والاجناس والشعوب ،يكفى ان نؤمن لنصير هيكلا له.

· + الانجيل من يوحنا 15/ 26 الى 16/15

يتحدث يسوع فى ثلاث فصول كاملة في إنجيل يوحنا عن الروح القدس ودوره في حياة الكنيسة بعد صعود الرب ، وتسمى هذه الفصول :انجيل البارقليط اى الروح القدس المعزى ، وهو متى جاء :هناك وعد ينتظر الجميع تحقيقه :متى جاء المسيا يعملنا

– المعزى : ودوره ان يحل محل الابن الذى تجسد و سيصعد و يعوض بحلوله غياب الرب الجسدى ويعزى كل الذين آمنوا به وعرفوه ومن سيؤمنون به عن كلامهم .

– ارسله لنا : يسوع المساوى للآب فى الجوهر هو الذى يرسل روح الآب ليبقى فى الكنيسة فإذا كانت الحقبة الاولى من الخلق إلى التجسد حقبة عمل وفعل وحضور الآب و الحقبة الثانية من التجسد للصعود حقبة فعل وحضور الابن فالدور على الروح القدس من العنصرة إلى نهاية العالم والمجئ الثانى للرب.

– من عند ابى : كل ما للآب هو لى وانا فى الآب والآب فيا .

– روح الحق : لان كل ما فى الله حق .

– من الآب ينبثق : بالطبع الروح القدس منبثق من الآب لكن حيث الابن مساو للآب فى الجوهر فتؤمن الكنيسة الكاثوليكية بانبثاق الروح القدس من الابن ايضا حيث انه هو سيرسله.

– هو يشهد لى : دور الروح القدس هو الشهادة فى ابناء الملكوت.

– انتم تشهدون لى : بحيث يصير هؤلاء قادرين لعمل الروح القدس على تقديم شهادة حقيقية عن المخلص الذى عرفوه وكانوا معه منذ بداية رسالته الى لحظة صعوده .

– إن لم انطلق لم يأتيكم المعزى: يجب ان يتمم المسيح رسالته على الارض اولا بالخلاص العظيم وعندها يسلم عمله وكنيسته بين يدى الروح القدس .

دور الروح القدس

اولا : التعزية والتعويض عن غياب الرب جسديا.

ثانيا : منح القدرة على الشهادة .

ثالثا : – تبكيت العالم على الخطية لانها تفصلهم عن الله

– تبكيت العالم على البر لا سيما البر الذاتى و بالشريعة التى لا تخلص

– تبكيت العالم على دينونة على قتلهم للرب وإدانته باطلا و إن كان موته قد احياهم

إلا انه حطم وهدم قوة الشيطان

رابعا : يرشد إلى الحق .

خامسا : يخبر بكل اسرار الله .

سادسا : يمجد الرب يسوع لانه لا يستطيع احد بدون الروح القدس ان يقول ان يسوع رب .

الخلاصة : هكذا نتبين ان حقبة الروح القدس تتميز بالحضور الطاغى لهذا الروح الذى يجعل من الكنيسة جسد واحد هو يحركه ويغذيه وينميه ويبقيه ويحفظ له حيويته ونشاطه ويجدده ويدعمه بكل الوسائل .

* ليس حلول الروح القدس حدث تاريخى بل فعلى .

* ليست حياة المسيح رواية ثلاث سنين مجيدة كتبت .

* ليس عمل الله فى العالم تاريخ سجل في كتاب طويت صفحاته .

* بالروح القدس يظل الله حاضرا في حياة ابنائه .

* وبنفس الروح تظل حياة ابن الله وعمله ممتدين عبر التاريخ.

* وبقوة الروح القدس يتحول التاريخ المجيد الى حاضر حى سعيد وتحت قيادة هذا الروح تسير الكنيسة نحو غايتها متجاوزة كل صعاب الزمان والمكان حيث دوما تظل شابة دوما متألقة إلى الآبد. فلنرفع اليوم الصلاة بالروح وفي الروح وبقوة الروح لأجل بلدنا وشعبنا وكنيستنا