تأمل في الوداعة

 

الوداعة هى ثمرة الروح القدس وعطية من الله.. الوديع هو منَ يؤمن إيملناً راسخاً بحب الله.. بحب الله للإنسان أعز مخلوقاته.. لذلك يؤمن ويثق في الإنسان أخيه ويحبه.. لأنه يرى فيه صورة الله المحب.. ضياء الله ومجده.. فقد كُتب : " مجد الله في الإنسان الحى ! " فالوديع الذي امتلأ قلبه بمحبة الله، تفيض روحه بالرقة والعذوبة.. بالهدوء والسلام الداخلي.. يشع وجهه نوراً سموياً .. لا تفارق شفتاه البسمة والكلمة الحلوة.. بعيداً عن كل خبث وخداع ونفاق.. عن كل عنف وقسوة.

يُصغى إلي الإنسان كما يُصغى إلى الله.. يصفح ويسامح بلا حدود، كما يسامحه الله ويرحم الجميع. وكل هذا ثمرة نعمة الله وقدرته فيه.. وأيضاً ثمرة تدريبه المتواصل فى مدرسة معلمه الإلهي الذي قال : " تعلموا مني، فإني وديع ومتواضع القلب ".

لذلك تجد الإنسان الوديع، رغم رقته ولطفه فى الإصغاء والمعاملة مع الآخر، تراه دائماً صبوراً، طويل الأناه، راسخاً، صامداً، قوياً في محبته لله والإنسان.. تراه دائماً هادئاً، وديعاً ومتواضعاً، واثقاً في قدرة الله فيه.. خاضعاً أهواءه وأفكاره وعقله لإرادة الله ومبادئه السماوية. تراه أيضاً، عند الضرورة قوياً وشجاعاً فى الدفاع عن الحق ورافضاً حازماً للشر والضلال. فقد قال عن يسوع أشعيا النبي :" إنه لايخاصم ولايصيح ولا يُسمع له صوتٌُ في الشوارع.. القصبة المرضوضه لا تكسر، والفتيلة المدخنة لا يُطفىء، إلي أن يبلغ بالحق إلي الغلبة." إذاً ليست الوداعة ضعفاً، بل هى قوة عميقة بها نستطيع أن نسيطر على روح العدوان والعنف والتسلط على الآخر التي تسبب الكراهية والأنقسام والشر بأنواعه.. للأن العفيف لا يتقبل الآخر، بل يستخدمه لكى يُظهر للآخر إنه اقوى منه.. وفي الواقع إن القوة التى يحرص على التظاهر بها ليست إلا دليل ضعف وجبن.. ونتيجته الفشل والدمار.. لأن الحب وحده هو الذي يصل إلي أعظم الإنتصارات ! والإنسان الوديع هو الشاهد احب الله ورحمته.. شاهد لقدرة حب الله التي " لا تسقط ابداً ".

عزيزي. يقول السيد المسيح :" طوبى للودعاء، فإنهم يرثون الأرض" (مت 5: 4). والأرض التي يرثها الودعاء هى هذه الأرض التي أنتَ وأنا فيها والتي أصبحت بالحب والسلام.. بالوداعة والتواضع..  موطناً لملكوت الله.. َسكناً في قلب الله.. فى حبه.. وضيائه ومجده ! هى أيضاً قلوب الناس وودهم وصداقتهم وحبهم لك. ولا شك أن الوديع الذي تحررَ من عبودية الأرض وشر العالم، يجذب إليه كل شىء وكل خليقة.. في رقة وحنان.. مثل فرنسيس الأسيزي الذي جذب إليه "الذئب المفترس" بعد إطعامه ونصحه وصار وديعاً.. لا يفترس أحداً ! فطوبى لك إن أدركت ضرورة الوداعة، المقرونة بالشجاعة والمصارحة , بالحكمة والفطنة، في عالمنا المعاصر والمضطرب. فقد قال المسيح :" ها إني مُرسلكم مثل نعاج بين الذئاب ".

الأب يوسف المصري