تأملات في أسرار النور

 

بقلم نيران إسكندر

إن أردنا أن نتأمل بالمضمون العام لأسرار النور فنجد أنها تدعونا للدعاء لنا، نحن الخطأة، إلى الله بواسطة أمه البتول لـ"يخلق فينا قلبًا نقيًا، ويجدّد فينا روحًا ثابتة"  (مزمور 51: 12) فيُعطينا قلب إبنه الوحيد وروحه القدّوس. وإن أردنا أن نسأل أنفسنا: "كيف ذلك؟"،  نحتاج أن نتأمل بالقراءات من الإنجيل التي تُصاحب كلّ سر.

تبدأ هذه الأسرار بـ"سر المعمودية" وفيها نتأمل بما حدث ولماذا كانت معمودية يسوع المسيح (متى 3: 13-17)، فنجد أن الرد جاء على لسان الرب يسوع حين قال ليوحنا المعمدان: "فهكذا يحسُنُ بنا أن نُتِمَّ كلّ بِرٍّ". وإتمام البر يأتي حين يولد الإنسان من الماء والروح فيعمل الأعمال التي تعكس وجود وصورة الله للآخرين؛ ولقد أرانا/علّمنا الرب يسوع كيف يكون ذلك من كلّ النواحي:

·        مغفرة الخطايا: من خلال المعمودية بالماء والروح القدس لمغفرة الخطيئة الأصلية، ثم من خلال معمودية الدم والروح (إي عملية الصلب لذبح الحمل التي أدت إلى وجود القلب الإلهي في القربان المقدّس) لمغفرة الخطايا.

·        محبتنا لله الآب: من خلال الإستسلام لمشيئة الآب السماوي وطاعة كلمته حتى الموت والتي من ضمنها إعلان ملكوت الله والبشارة بالخلاص.

·        محبة ورحمة الله للبشر: من خلال القيام بأعمالٍ للآخرين مما لا يستطيعون القيام بها لأنفسهم؛ ونرى ذلك بما فعله على الصليب فداءًا للبشرية أجمع، وبما قام به من أعمال لشفاء النفس والجسد.

·        العطش والجوع للماء الحي ولخبز الحياة (البر): من خلال الإستماع لكلمة الله وحفرها في القلب للعمل بها (يوحنا 7: 37-38)، ومن خلال تناول جسد ودم الرب يسوع الكائن بالقربان المُقدّس للثبات به (يوحنا 6: 47-58).

·        وداعة وتواضع: من خلال العمل على إرضاء الله قبل كل شيء إذ أن رغبة القلب هي الحصول على الثروات السماوية، وبالتالي قبول الأمور التي يوفّرها الله وعمل مشيئته بكل تواضع وفرح.

ولكي نتوصل إلى "كيف يمكننا نحن البشر أن نصل إلى تمام البر كما فعل الرب يسوع"، نجد أن الرد يأتي بالتأمل بالسر الثاني "عرس قانا الجليل" (يوحنا 2: 1-11) وفيه نسمع أمنا العذراء مريم تقول للخدم: "مهما قال لكم فإفعلوه"، فنراهم يمتثلون لما طُلب منهم فـ‘ملأوا الإجران إلى أعلاها بالماء‘. وهنا يطلب الرب يسوع أن نملأ قلوبنا بأكملها بمحبة الله ولا ندع فيها أي مكان لمحبة أي شيءٍ آخر كمحبة المادة أو أشخاص آخرين وتفضيل الإنصياع إلى سعادة الآخرين وإن كان على حساب كلمة الله، وحينها فقط تحدث المعجزة فيتحول كلّ ما فينا من أعمال وأقوال إلى أفعال وأقوال تُسر الله (صاحب المتكأ) ومن يٌقابلنا في حياتنا (المدعوون للعرس).

وهذا يوصلنا إلى السر الثالث "نشر ملكوت الله" (مرقس 1: 15، مرقس 16: 15-18) حيث نسمع الرب يسوع يقول لمن حوله: "إقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالبشارة" و "إذهبوا في العالم كلّه، وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين"، إذ بالإيمان بالبُشرى السارة [كفّارة المسيح] والتوبة وإمتلاء القلب بمحبة الله وروحه القدوس (متى 6: 33)، روح الرب يسوع المسيح: روح الحكمة وروح الفهم والمعرفة، وروح المشورة الصالحة، وروح التقوى ومخافة الله وروح الجلد نستطيع أن نكون عاملين بملكوت الله الذي هو ملكوت خدمة للمحتاج من الناحية الجسدية ومن الناحية الروحية [كما أعلن الرب يسوع المسيح حين قال: "روحُ الربِّ عليَّ لأنه مسحني لأُبشِّر الفقراء، وأرسلني لأُعلن للمأسورين تخلية سبيلهم، وللعميان عودة البصر إليهم، وأُفرِّجَ عن المظلومين، وأُعلن سنة رضا عند الرب(لوقا 4: 18-19)].

وحينها نصل إلى السر الرابع "تجلّي الرب" (مرقس 9: 1-8) إذ أصبح نورًا يشع لمن حوله، وهذا ما يُريده الله منّا نحن أتباع الرب يسوع أن نكون نورًا للآخرين حاملين في قلوبنا وصايا الله عاملين بها ومعلِّمين إياها كالنبي موسى، وداعين إلى التوبة وإزالة الكراهية والحقد والقساوة من القلب مُهيّئين لإستقبال الرب يسوع في القلوب، كالنبي إيليا والقديس يوحنا المعمدان، قبل مجيئه الأخير.

فيأتي الرب يسوع في السر الخامس "الإفخارستيا: المن المُحْيِ" (مرقس 14: 22-26) إذ نسمعه يقول عن الخبز والخمر المُحوّل بقوة الروح القدس: "خذوا، هذا هو جسدي … هذا هو دمي، دم العهد يُراق من أجل جماعة الناس" ليُثبّتنا بمحبته وليسكن في القلوب إلى أبد الدهر، غذاءً روحيًا (يوحنا 6: 47-58) يعمل فينا ويُقوّينا لنصبح جسدًا واحدًا بقلبٍ واحدٍ وفكرٍ واحد: بقلبه وفِكره القدّوس، شاكرين الله على الدوام. آمين.